40 - لماذا فعلت هذا؟! لماذا مزقت قلبي؟! إنه ابني!

الفصل 40: لماذا فعلت هذا؟! لماذا مزقت قلبي؟! إنه ابني!

في جزء من الثانية، انشق الهواء عن وميض أزرق ساطع.

وجه كايروس ضربة جبارة تشع بـ "النقاء الأزرق"، معترضا مسار سيف التشي الأبيض الذي كان يهوي ليحصد روح أمه أسترا.

اصطدمت القوتان ببعضهما محدثة دويا صم الآذان، واهتز الفضاء من حولهما.

وفي التوقيت ذاته، استغل قيصر انشغال جوان، وجمع طاقة مدمرة في قبضته، موجها إياها مباشرة نحو نقطة عمياء في ظهر جوان بنية القتل الفوري.

لكن الضربة لم تصل.

لم تلمس حتى ثياب جوان.

من العدم، تجسد حاجز بشري يشع بهالة خضراء زمردية.

كان شخصا يقف مطأطأ الرأس، لكن يده المرتفعة بلامبالاة أطبقت على قبضة قيصر المشحونة بالطاقة.

تكسرت عظام قيصر تحت الضغط الهائل لتلك القبضة التي بدت كملزمة من الفولاذ الأزلي، وكأن هجومه اصطدم بجبل لا يتزحزح.

على الجانب الآخر، صر كايروس على أسنانه والعررق يتصبب من جبينه.

"يا إلهي... من هذا الوحش؟"صرخ كايروس في داخله وهو يضخ كل ذرة من طاقته في سيفه.

توقف سيف جوان الأبيض للحظة، لكنه لم يتلاش ولم يتراجع.

بدلا من ذلك، بدأ يضغط لأسفل ببطء وثقل مرعب، ساحقا سيف كايروس ومقتربا ملمترا تلو الآخر من عنق أسترا.

كانت أسترا تراقب الموت الأبيض يقترب منها، وعيناها مثبتتان برعب على السيف الذي يعجز ابنها عن صده، مشلولة تماما أمام هذا الطغيان.

في تلك اللحظة الحرجة، رفع الشخص ذو الهالة الخضراء، ليون، رأسه ببطء.

التقت عيناه بعيني قيصر.

كانت نظرة واحدة خالية من المشاعر، لكنها حملت تهديدا جعل دماء قيصر تتجمد في عروقه.

لم ينتظر قيصر لثانية أخرى.

وبغريزة البقاء، سحب يده المحطمة بقوة شديدة من قبضة ليون، واختفى بسرعة خيالية تاركا صورة متبقية خلفه.

ظهر قيصر في لمح البصر بجانب كايروس أمام السيف الأبيض القاتل.

وبحركة يائسة، أطلق موجة طاقة مركزة اصطدمت بجانب نصل التشي الأبيض.

انحرف المسار!

تحت تأثير الضربة المزدوجة، مال سيف جوان الأبيض سنتيمترات قليلة، لكنها كانت كافية ليخطئ هدفة.

هوى السيف الأبيض وضرب الأرض بجانب أسترا.

بووووووووم!

لم يكن مجرد شق في الأرض. لقد كان دمارا جيولوجيا.

انشطرت الأرض إلى نصفين وكأنها قطعة قماش مزقت بعنف.

امتد الشق لآلاف الأمتار، مبتلعا التضاريس والصخور، ومخلفا وراءه هاوية سحيقة لا يرى لها قاع، تفصل بين الجيشين وتعلن عن قوة لا تنتمي لهذا العالم.

لم يمنح قيصر خصمه ترف الوقت. في جزء من الثانية، تحركت يده بسرعة البرق نحو جيبه، مخرجةً حفنة من الكرات والتعاويذ المتفجرة.

وبحركة يائسة، قذفها مباشرة نحو وجه جوان من مسافة صفرية.

بووووووووم! بووووووووم!

دوى انفجار هائل ابتلع رأس جوان في كرة من اللهب والدخان الكثيف.

وقبل أن يتلاشى صدى الانفجار، كان قيصر قد استغل تلك اللحظة العمياء.

قبضت يده على ذراع أسترا المبتورة، وسحبها معه بقوة، متراجعاً إلى الخلف بأقصى سرعة ممكنة، ولحق به كايروس الذي كان يغطي انسحابهم.

توقف قيصر على بعد مسافة آمنة نسبياً، وانحنى يلهث بعنف، صدره يعلو ويهبط كمن ركض لمئات الأميال.

لقد استنزف قدراً هائلاً من طاقته لتنفيذ تلك المناورة في أجزاء من الثانية.

"يا رب... أتمنى أن يكون ذلك قد أصابه بشيء... أي شيء!"صرخ قيصر في داخله، والعرق يغطي وجهه، راجياً أن يكون هجومه المباغت قد كسر غطرسة ذلك الوحش.

بدأ الدخان ينقشع ببطء، وكشف عن الحقيقة المرة.

كانت يد جوان مرفوعة، تغطي وجهه بلامبالاة.

وعلى ظهر يده، ظهرت بضعة خطوط حمراء رفيعة... مجرد خدوش سطحية تنزف دماءً لا تكاد تُذكر.

أنزل جوان يده ببطء، ثم لوح بها في الهواء نافضاً الغبار والدماء باحتقار.

لم ينظر إلى جروحه، ولم ينظر حتى إلى قيصر الذي هاجمه.

أدار جسده ببطء، وثبت عينيه الباردتين مباشرة في عيني أسترا الجاثية خلف قيصر، متجاهلاً وجود الرجلين تماماً.

"تباً... يا لها من قوة وحشية!"همس قيصر بصوت مرتجف، وقد دب اليأس في قلبه لرؤية هجومه الكامل لم يترك سوى خدش بسيط.

وفجأة... اختل توازن العالم.

بووووووووم!

لم يتحرك كايروس بإرادته.

انطلق جسده كالقديفة المدفعية نحو جوان، خارقاً حاجز الصوت.

لم يكن هو من قفز، بل أُرسل قسراً.

خلف المكان الذي كان يقف فيه كايروس، ظهر "ليون" والهالة الخضراء تحيط به كشيطان الغابة.

كان ساقه لا تزال ممدودة بعد أن سدد ركلة غادرة وشديدة القوة لظهر كايروس، ركلة كسرت عموده الفقري وأرسلته طائراً نحو الموت.

حاول كايروس، وهو يطير في الهواء والدماء تتطاير من فمه، أن يوقف اندفاعه، أن يركز طاقته، أن يفعل أي شيء...

لكن السرعة كانت جنونية.

وعند نهاية المسار، كان الجحيم بانتظارك.

لم يتزحزح جوان من مكانه.

رفع ساقه ببساطة، وكأنه ينتظر كرة قادمة إليه، لا بشراً.

وفي اللحظة التي وصل فيها جسد كايروس الطائر أمامه...

بووووووووووووووم!

هوت ساق جوان كمطرقة ، ركلة عمودية ساحقة أصابت رأس كايروس مباشرة وهو في الهواء.

تحت وطأة قوتين متعاكسين ركلة ليون الدافعة وركلة جوان الساحقة غاص رأس كايروس في الأرض الصلبة.

انفجرت التربة والصخور من حوله، ودُفن رأسه بالكامل داخل الحفرة، بينما بقي جسده متصلباً لثانية قبل أن يرتخي تماماً.

سقط الصمت على ساحة المعركة.لم يتحرك كايروس.

ركلتان فقط... واحدة من الخلف وأخرى من الأمام، كانتا كافيتين لإسقاط "إمبراطور" وتحويله إلى جثة هامدة أمام صدمة الجميع.

"أحسنت يا جوان... ضربة فنية بامتياز."اخترق صوت "ليون" جدار الصمت والذهول.

كان يقف بجانب "قيصر" تماماً، بابتسامة ساخرة تعلو محياه، وكأنه يعلق على مباراة ودية لا على ساحة إعدام.

تجاهل قيصر وأسترا وجود العدو بجانبهما.

كانت عيونهما شاخصة نحو الجسد الملقى في الحفرة.

لم يريا "إمبراطور المياه الزرقاء" العظيم.

بل رأيا طفلهما الذي ربياه، قطعة من روحيهما، وقد سُحق كدمية خزفية رخيصة.

ارتخاء جسد كايروس بتلك الطريقة المروعة كان يعني شيئاً واحداً: انقطاع خيط الحياة.

تحركت أسترا. نهضت ببطء شديد، وكأن روحها غادرت جسدها.

لم تكن تمشي كامرأة محاربة، بل كأم مفجوعة تسير نحو كابوسها.

اقتربت نحو الحفرة بخطوات ثقيلة، فمد ليون يده بوقاحة ليمسك كتفها، قائلاً بنبرة مستفزة:

"انتظــ..."

لم يكد يكمل جملته.

انفجرت من جسد أسترا موجة طاقة خالصة، ليست تقنية قتالية، بل تجسيداً لغضب الأمومة المذبوح.

قُذف ليون بعيداً كأنه ورقة شجر في مهب إعصار، وتدحرج عدة أمتار قبل أن يوقف نفسه.

نظر ليون إليها بصدمة حقيقية.

لم تؤذه الضربة جسدياً بشكل كبير، لكن القوة الكامنة وراء تلك الدفعة العشوائية كانت شيئاً لم يتوقعه من امرأة مهزومة ومبتورة الذراع.

لم تلتفت أسترا إليه. أكملت طريقها وكأن شيئاً لم يحدث.

وصلت إلى حافة الحفرة، وبيدها الوحيدة المتبقية، سحبت جسد كايروس المهشم ووضعته برفق على الأرض المستوية.

تعالت شهقات الجنود من حولهم.

بدأ البكاء والنحيب ينتشر كالنار في الهشيم بين صفوف جيش الإمبراطورية وهم يرون حاكمهم جثة هامدة، وأمهم الروحية تحاول يائسة تلمس الحياة فيه.

بيد مرتجفة ملطخة بالدماء، وضعت أسترا أذنها على صدر كايروس، وتلمست عنقه، تبحث عن نبضة واحدة، عن أمل واهٍ...

ساد صمت مطبق، وكأن العالم ينتظر الحكم.

بووووووووووووووم!

اهتزت الأرض تحت ركبتي أسترا.

فُتحت عيناها على آخرهما، وتجمد الدم في عروقها.

الصوت لم يأتِ من بعيد، بل من تحت أنفها مباشرة.

الرأس الذي كانت تتفحصه... اختفى.

حلت محله قدم جوان الثقيلة، وتحتها تحولت جمجمة كايروس إلى عجينة حمراء لا ملامح لها.

بوووم!

رفع جوان قدمه وهوى بها مرة أخرى على ما تبقى من الرأس.

بوووم!

ثم مرة ثالثة، ببرود، بإيقاع منتظم، وكأنه يسحق حشرة ضارة

. تطايرت الأشلاء وتناثرت الدماء الدافئة على وجه أسترا المتجمد.

"لا... لا! أرجوك لا!"

اخترقت صرخة أسترا عنان السماء.

لم تكن صرخة ألم، بل عويل روح تتمزق.

حاولت بيدها الوحيدة أن توقف قدم جوان، أن تحمي بقايا رأس ابنها، بدأت تجمع قطع اللحم والعظم بيديها وهي تنتحب بهستيريا.

"لماذا فعلت هذا؟! لماذا مزقت قلبي؟! إنه ابني!"

صرخت وهي تنظر إلى كومة اللحم التي كانت قبل ثوانٍ وجه ابنها الجميل.

رفعت رأسها نحو جوان، والدموع تختلط بدماء كايروس على وجهها.

كان جوان ينظر إليها من علياء، وفي عينيه نظرة استمتاع مريضة.

لم يكن يقتل فحسب، بل كان يتغذى على يأسها وانكسارها.

صفييييير.

أطلق جوان صفيراً حاداً ومفاجئاً، قاطعاً به مناجاة الأم المفجوعة.

انقض الغريفين الأبيض العملاق من السماء، وهبط بجوار سيده مطيعاً، زافراً الهواء الساخن.

دون أن ينظر إليها، وبحركة خاطفة، رفع جوان ساقه وسدد ركلة وحشية لجسد أسترا المنهك.

بوووم!

طارت أسترا في الهواء كالكرة، لتسقط بعنف بين ذراعي قيصر الذي تلقفها بقلب محترق.

دفعت أسترا جسد قيصر للوراء من شدة الارتطام،

بينما ظل جوان واقفاً بجانب وحشه، يمسح دماء كايروس عن حذائه بعشب الأرض، غير عابئ بانهيار عالم عائلة كاملة أمامه.

2025/12/14 · 85 مشاهدة · 1277 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025