الفصل 42: هل هذه هي النهاية حقا؟!

فوق تلك التلة الموحشة، حيث لم يبق أثر للحياة، جلس جيمس وحيدا على كرسي خشبي متهالك.

كان المكان غارقا في فراغ مخيف، لا يقطعه سوى صفير الرياح الباردة التي تحمل معها رائحة الدم العطنة، رائحة الموت الذي نشره في كل مكان.

كان جسده ينتفض بعنف، وصوت بكائه يمزق سكون الليل.

لم يكن بكاء محارب استراح بعد المعركة، بل كان نحيبا هستيريا لشخص انتزع قلبه من بين ضلوعه وداسوا عليه.

طوال الأسابيع الماضية، كان جيمس صامدا كالجبل، يقتل، ينتقم، ويبيد ببرود، لكنه في الحقيقة كان يغرق.

في كل ليلة، كان عقله يعيد عليه نفس الشريط المرعب.

استغاثة "يو نينغ" الأخيرة، صرخات حفيدته الصغيرة، ونظرات "ياو يانغ" المذعورة.

تلك الأصوات كانت تطارده، تنهش عقله، وتعتصر صدره كأن يدا خفية تسحق رئتيه.

كان المشهد يشق الأبدان ويدمي القلوب.

جيمس، "ملك الموت" الذي أباد الملايين بدم بارد انتقاما لزوجاته، يجلس الآن منكمشا على نفسه، يبكي بحرقة وضعف كطفل تائه فقد أمه في زحام موحش.

وجهه، الذي كان يرعب الأباطرة، بات شاحبا غارقا في طوفان من الدموع، ووجنتاه احمرتا من فرط النحيب، وعيناه تورمتا كأنهما جمرتان منطفئتان.

فجأة، تمزق الهواء بصوت حاد، وانشق الفراغ ليخرج منه لوسين، ليفان، جوان، وليون.

كانت ملابسهم جميلة كأنهم يردون الذهاب إلى حفل زفاف ما، لكنهم تجمدوا في أماكنهم، وعقدت الصدمة ألسنتهم من هول ما رأوا.

لم يصدقوا أعينهم.. هل هذا هو سيدهم؟ هل هذا هو الوحش الذي لا يقهر؟

كان جيمس غارقا في عالمه الخاص، ينتحب بصوت مكسور يخلع القلوب.

"سيدي.. ماذا هناك؟" نطق ليفان بسرعة، والذعر يملأ صوته وهو يهرع نحو جيمس.

لكن جيمس لم يلتفت.

لم يرمش حتى.

كان عقله هائما في مكان آخر، مكان بعيد ومظلم لا يمكنهم الوصول إليه.

"سيدي!"

"سيدي.. أرجوك!"

توالت نداءاتهم، لكنه لم يستجب، وكأنه تمثال من الحزن، أو كأنه يسمع أصواتا من عالم الأموات تحاول إيقاظه من كابوس لا ينتهي.

في تلك اللحظة، كان جيمس يحدث نفسه بصوت مبحوح، يقطعه الشهيق المؤلم:

"أنا السبب.. أنا السبب في كل شيء.. أرجوك يا إلهي، أعدهم إلي.. أرجوك ربي، أعدهم.. لقد أحبتني كثيرا.. كانت تحبني بصدق.."

لم يكن هناك مجيب.

لا معجزات، لا أصوات سماوية، فقط صدى بكائه الذي يرتد إليه، وصوت الرياح التي تعوي كأنها تشاركه الرثاء.

تراجع لوسين إلى الخلف بذهول، وعيناه متسعتان برعب حقيقي:

"ماذا يحدث بحق الجحيم؟ كيف لرجل مثله أن ينهار هكذا؟"

كان لوسين يعلم أن جيمس يعاني من اضطراب عقلي، وأنه يحمل جنونا داخله، لكنه أدرك الآن الحقيقة المرة: هذا الرجل أمامه لا يبكي فقط، بل إنه يحتضر من فرط الحزن.

إذا لم يستيقظ من هذه الحالة، فإن قلبه سيتوقف من الألم.

رفع جيمس رأسه المثقل نحو السماء، وفي لحظة يأس أخيرة، صرخ في أعماق عقله مخاطبا الكيان الوحيد الذي يرافقه دائما:

"أيها النظام.. أرجوك.. أنت قادر على كل شيء.. أريد أن أحيي زوجتي.. أرجوك ساعدني.. خذ قوتي، خذ كل شيء، وأعدها لي!"

ساد صمت ثقيل داخل عقله لثوان مرت كالدهر، قبل أن يأتيه رد النظام، ولأول مرة، كان صوت النظام الآلي يحمل نبرة حزن وانكسار بشري:

[ليس هناك شيء كهذا يا جيمس.. أنا آسف.. حتى أنا لا أملك سلطة على الموت الأبدي.]

سقطت الكلمات على قلب جيمس كالمطرقة.

انقطع أمله الأخير.

"ليس هناك أمل.."

همس جيمس بصوت مخنوق، وشعر بأن الهواء ينسحب من الكون حوله.

وضع يده على رقبته يكاد يختنق، وازداد بكاؤه حدة ومرارة، صوت رجل أدرك أنه يمتلك العالم بأسره، لكنه عاجز عن استعادة الشيء الوحيد الذي يعطي لحياته معنى.

مع تلاشي صوت النظام، وتلاشي آخر خيط للأمل، حدث شيء مرعب داخل صدر جيمس.

لم يكن ألما جسديا عاديا، بل كان وكأن جبال الأرض كلها أطبقت على قفصه الصدري دفعة واحدة.

تراكم الحزن، وتكدس القهر، وتجمع اليأس في نقطة واحدة داخل قلبه.

تحول نحيبه العالي فجأة إلى صمت مطبق ومخيف.

جحظت عيناه، وتوقف عن التنفس تماما.

رفع يده المرتجفة ببطء قابضاً على موضع قلبه، وأظافره تنغرس في لحمه عبر ملابسه وكأنه يحاول انتزاع ذلك العضو الذي يسبب له كل هذا العذاب.

"أغغغ..."

خرج صوت حشرجة مخنوقة من حلقه، وكأن روحه تحاول الهروب من جسد لم يعد يتسع لهذا الكم الهائل من الألم.

انقلبت عيناه إلى الخلف حتى لم يظهر منهما سوى البياض، وشحب وجهه ليصبح بلون الرماد في ثانية واحدة.

وفجأة، هوى الجسد العظيم.

سقط جيمس عن كرسيه كأنه تمثال تحطم أساسه، وارتطم بالأرض بضجة مكتومة وثقيلة، وتمدد بلا حراك، وعيناه مفتوحتان نحو السماء بلا حياة.

"سيدي!!!!"

انطلقت صرخة جماعية مذعورة من ليفان ولوسين وجوان وليون.

هرعوا إليه كالمجانين، وسقط ليفان على ركبتيه بجانب جسد سيده الممدد، ويداه ترتجفان وهو يمزق ملابس جيمس عن صدره ليضع أذنه وكفه فوق قلبه مباشرة.

ساد صمت مرعب لثوان بدت كالدهر، كان الجميع ينتظرون حكما، ينتظرون حركة، نفسا، أي شيء.

رفع ليفان رأسه ببطء نحو الآخرين، ووجهه أصفر كالموتى، وعيناه مليئتان بالرعب والدموع:

"توقف..."

همس ليفان بصوت متحشرج غير مصدق، ثم صرخ بهستيريا:

"قلبه توقف!! لا يوجد نبض! سحقا، لا يوجد نبض!"

تراجع لوسين خطوة للوراء، واضعا يديه على رأسه بذهول:

"لقد... لقد مات؟ هل قتله الحزن؟ كيف يموت حاكم مثله هكذا؟!"

تسمر الجميع في أماكنهم ينظرون إلى الجثة الهامدة أمامهم.

لم يقتله سيف، ولم تقتله تعويذة، ولم يسقط في معركة..

بل انفجر قلبه من فرط القهر.

لقد مات الملك العظيم

كمدا، تاركا أتباعه في صدمة شلت عقولهم، يراقبون جسدا بلا روح، وقلبا توقف عن الخفقان لأنه لم يعد يحتمل نبضة واحدة أخرى من الألم.

2025/12/14 · 92 مشاهدة · 843 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025