44 - الحقيقة -بداية المجلد الثاني-

الفصل 44: الحقيقة -بداية المجلد الثاني-

ما الذي فعلته حقا يا جيمس؟

بأي حق فرشت بساطك الإمبراطوري على جثث عشرةِ مليارات إنسان لم يعرفوا من أنت، ولم يسمعوا يوما بأسماء زوجاتك؟

هل تعتقد أن الدماء التي سالت في الوديان ستغسل القذارة التي في داخلك، أم أنها ستزيدها لزوجة وعفنا؟

انظر إلى هذا الرعب الذي صنعته.. عشرة مليارات قصة انتهت فجأة.

أطفال كانوا يخبئون أحلامهم تحت وسائدهم، عشاق كانوا ينتظرون الفجر ليعترفوا بحبهم، آباء قضوا أعمارهم يحرثون الأرض ليبنوا كوخا صغيرا.

بجرة قلم، وبشهوةِ حقد عمياء، مسحتهم من الوجود.

هل كان الطفل الذي يصرخ تحت أنقاض 'المياه الزرقاء' هو من اغتصب زوجتك؟

هل كانت العجوز التي احترقت في منزلها هي من تآمرت عليك؟

أنت لم تنتقم يا جيمس، أنت فقط قلدت القتلة وتفوقت عليهم ببراعة.

لقد قتلت العالم لأنك لم تملك الشجاعة لتواجه عجزك، فقررت أن تجعل العالم كله عاجزا مثلك.

بكل صراحة يا جيمس.. هل كان كل هذا من أجل الحب؟

سنتان.. هل سنتان من الاستمتاع بأجساد نسائك تساوي إبادة نسل كامل؟

لنكفّ عن الكذب. أنت لم تقتل من أجل 'أرواحهن'، بل قتلت لأن 'امتلاكك' لهن قد خدش.

غضبت لأنك لن تستطيع لمس تلك الصدور مرة أخرى، لأن تلك الفروج التي كنت تظنها ملكية خاصة قد طالتها أيد غريبة.

لقد كان انتقامك 'جسديا' بحتا، انتقام رجل فقد مصدر متعته، وليس انتقام عاشق فقد نصف روحه.

لو كنت تعرف الحب حقا، لعلمت أن الحب يبني، لكنك لا تعرف سوى الهدم.

لماذا لم تشتعل هذه النيران من أجل أختك؟

تلك الفتاة التي نبتت من نفس الرحم الذي نبت منه، التي أكلت معك كسرة الخبز الجافة لعقود.

عندما ماتت أمك، لم تحرق العالم من أجلها.. بل ذبحت نفسك وهربت!

تركتها وحيدة، بلا سند، في عالم ينهش الضعفاء.

هل فكرت فيها وأنت تضاجع زوجاتك تحت سقوف الذهب؟

هل فكرت أنها قد تكون الآن ملقاة في زقاق مظلم، تبيع شرفها لتشتري جرعة دواء، أو لعلها ماتت كمدا وهي تنادي اسم أخاها 'البطل' الذي اختار القبر بدلا من المواجهة؟

لماذا كانت 'يو نينغ' أغلى منها؟

هل لأن أختك لا تمنحك المتعة التي تمنحك إياها الزوجات؟

هل كانت شهوتك هي الميزان الذي تقيس به قيمة البشر؟

كنت تجلس هادئا، تلعب الشطرنج، وتوزع المناصب، وتنتظر من العالم أن يركع تحت قدميك لأن 'النظام' منحك القوة.

لقد حولت الحياة إلى لعبة أرقام.. 500 نقطة مقابل كرامتك، و10 مليارات جثة مقابل هدوئك النفسي.

لكنك الآن وحيد. وحيد مع الحقيقة التي تحاول الهروب منها.

أنت لست رجلا واجه القدر، أنت جبان وجد سلاحا فاستقوى به على العزل.

أنت الذي قتلت أمه مرتين؛ مرة عندما لم يدفنها، ومرة عندما أصبح المسخ الذي كانت تخشى أن يراه العالم.

أجبني يا جيمس..

بعد أن صبغت الأنهار بالأحمر، وبعد أن أسكت نبض القارة.. هل تشعر بالراحة؟

هل عادت 'يان الصغيرة' للحياة؟

هل ابتسمت 'ياو يانغ' في قبرها؟

أم أنك فقط تجلس فوق جبل من الجماجم، تدرك في قرارة نفسك أنك قتلت كل هؤلاء الأبرياء، لتعاقب 'نفسك' على جبنك القديم؟

لقد أهلكت أمما لكي لا تقول لمرآتك: 'أنا الجبان الذي ترك أخته وانتحر'.

انظر إلى الدماء على يديك.. إنها لا تجف، ولن تجف أبدا، لأنها دماء أشخاص لم يظلموك، بل ظلمهم جنونك.

هل تسمع هذا الطنين يا جيمس؟

إنه ليس صمت القبر، إنه صوت عشرةِ مليارات حنجرة تحاول الصراخ بداخل رأسك في وقت واحد، لكنها بلا ألسنة.. لأنك قطعتها جميعا.

أنت لست مريضا بالحزن، أنت مريض بـ 'الأنا'.

أتعرف ما هو شعور الإله؟ أنت جربته.. أليس كذلك؟

أن تشير بإصبعك فتختفي مدينة، أن ترمش فيسقط ملوك.

لكنك كنت إلها مزيفا، إلها يحتاج إلى 'نقاط' ليشتري كرامته.

اشتريت القلاع، واشتريت الشيوخ، واشتريت حتى الولاء.. فهل تشتري الآن نسيانا؟

لا توجد في متجر 'النظام' سلعة تمحو وجه أمك وهي تنظر إليك من خلف زجاج المشرحة الذي هربت منه.

لنضحك قليلا يا جيمس.. ضحكة تليق بمجنونٍ مثلك.

هل تتخيل لو أن 'يو نينغ' رأت ما فعلت؟

لو أنها استيقظت الآن من قبرها وشاهدت جبال الجثث التي نصبتها كتمثال لحبك.. هل كانت ستقبلك؟

أم أنها كانت ستبصق في وجهك وتقول: 'أي وحش ضاجعته في ليالي؟'.

لقد قتلت من أجلها أناسا كانوا يملكون طهر السحاب، بينما أنت تنضح بسواد القطران.

أنت لم تكن تحمي 'ذكراهن'، أنت كنت تغسل 'عارك' بدم الآخرين.

كنت تقول لنفسك مع كل رأس تقطعه: 'أنا لست الجبان الذي انتحر.. أنا القوي الذي يقتل'.

لكنك في كل مرة كنت تزداد جبنا، لأن القوي يواجه ذنبه، أما الجبان فيبيد الشهود.

هل تذكر أختك؟ ذلك الظل الذي محوته من ذاكرتك لكي لا يفسد عليك متعة 'الحريم'؟

تخيلها الآن.. في هذه اللحظة..

ربما هي تقف أمام مرآة محطمة، في عالم بارد، تضع مساحيقا رخيصة لتخفي آثار الضربِ عن وجهها، وتخرج لتبحث عن رجل ي....

هاهاهاها أكمل...

ربما هي تبحث الان عن رجل يفرغ شهوته فيها لتعود بكسرة خبز لبيت فارغ من الام والاخ.

هل تشعر بالقرف؟

لماذا؟

اليس هذا ما كنت تفعله مع زوجاتك؟

كنت تفرغ شهوتك وتسمي ذلك حبا.

الفرق الوحيد ان اختك تفعل ذلك لتعيش، وانت فعلته لانك تريد "نقاطا" وقوة لم تتعب فيها.

انت مجرد حشرة وجدت تاجا في القمامة فظنت نفسها ملكا.

انظر الى سيفك.. اين هو؟

انظر الى هالتك.. اين اختفت؟

انت الان مجرد "جيمس" القديم.

الشاب الهزيل الذي يرتجف خوفا من صوت رنين الهاتف.

الشاب الذي شم رائحة الموت في ممرات المستشفى فقرر ان يقتل نفسه بدلا من ان يلمس جثة امه الباردة ليمنحها وداعا اخيرا.

انت لم تقتل عشرة مليارات لانك قوي، بل لانك كنت ترتعد من فكرة ان يكتشف احد حقيقتك.

كنت تقتل الشهود يا جيمس. كل شخص في امبراطورية المياه الزرقاء كان يذكرك بضعفك، بفقرك، بجبنك القديم..

فمسحتهم من الوجود لتبني لنفسك وهما من القوة. لكنك نسيت ان تقتل "الخوف" داخل صدرك.

اتعرف ما هو الجحيم الحقيقي؟ ليس كل هذا.

الجحيم هو ان تعيش للابد مع النسخة التي تكرهها من نفسك.

ان تشم رائحة المستشفى في كل شهيق، وتسمع صوت بكاء اختك وهي تناديك "يا جبان" في كل زفير.

سوف تظل هنا. في هذه الحلقة المفرغة. تلمس اجساد زوجاتك فتتحول الى تراب بين يدك، وفي كل مرة تحاول تقبيلهن، تجد فمك مليئا بالرمل والقاذورات.

هل هذه هي الجنة التي صنعتها بالدماء؟ انظر اليهن جيدا.. عيونهن ليست مليئة بالحب، بل مليئة بالديدان التي اكلت جثة امك التي تركتها خلفك دون كفن.

كنت تظن انك بطل، اليس كذلك؟ تظن ان قتل الملايين سيجعل منك رجلا.

لكن الرجل هو من يحمل المسؤولية، لا من يحرق العالم ليهرب منها.

انت قتلت اطفالا كان يمكن ان يكونوا اخوة لاختك التي ضاعت بسببك.

قتلت نساء كن يشبهن امك في صبرها. فعلت كل هذا فقط لكي لا تشعر بالصغر، لكي لا تتذكر انك ذلك الشاب الذي لم يجرؤ على لمس يد امه وهي ميتة.

كلما اغمضت عينك، سترى وجه اختك وهي تكبر في الشوارع، تتعلم القسوة، تتعلم كيف تكره اسمك.

ربما هي الان تبصق على قبر فارغ تظن انك فيه، بينما انت هنا، تتقلب في وهم القوة والسيطرة.

هل تستحق تلك المتعة العابرة كل هذا الخراب؟

هل كان ملمس جلودهن اغلى من شرف عائلتك التي دمرتها بيدك مرتين؟

مرة بالهرب، ومرة بالدم.

انت لا تستحق حتى الشفقة. انت مريض يجد لذته في الالم، وعندما لم تجد من يعذبك، قررت تعذيب قارة كاملة لتقنع نفسك انك ضحية.

سوف تظل هنا، في هذا السواد، تسمع صراخ العشرة مليارات كأنه موسيقى جنائزية لا تتوقف ابدا.

سوف تشاهد زوجاتك يتحللن امامك ملايين المرات، وفي كل مرة ستموت انت من الداخل، لكنك لن تنتهي، لان الموت رحمة، وانت لا تعرف الرحمة.

انت الان ملك على مملكة من الجثث، فاجلس على عرشك المصنوع من عظام الاطفال الذين ذبحتهم، واستمتع بصمتك القاتل.

لماذا لا تصرخ؟ لماذا لا تستدعي ليفان او لوسين؟ اه، نسيت.. هم ليسوا هنا.

هنا لا يوجد سوى انت، وخطاياك، ووجه اختك الذي يطاردك كشبح لا يرحم.

هل ما زلت تريد ان تكون امبراطورا؟ ام انك تمنيت لو بقيت ذلك الشاب الضعيف الذي يملك اما واخت وضميرا حيا؟

لقد بعت روحك مقابل لحظات من الهيبة الزائفة، والآن الروح تطالب بالثمن..

والثمن هو ان تعيش جحيمك لسنوات، لعقود، لقرون، حتى تنسى اسمك ولا يتبقى منك سوى صدى صرخة طفل قتلته في مدينة لم تكن تعرف حتى مكانها على الخريطة.

نم يا جيمس.. نم في مستنقع دمائك، واحلم بتلك الصدور التي لن تلمسها ثانية، وبالفروج التي احرقت العالم من اجلها، فهي الان ليست سوى وقود للنار التي تأكلك من الداخل.

انت لم تنتقم لاحد.

. انت فقط قتلت البقية الباقية من انسانيتك.

....

عدنا، كان بدي انشر بصراحة يوم الأحد ولكن قلت ليش لا ما انشر اليوم في منتصف الليل.

2025/12/19 · 82 مشاهدة · 1334 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025