55 - جشع يبتلع العوالم.... العودة إلى الأرض

الفصل 55: جشع يبتلع العوالم.... العودة إلى الأرض

"تبا.. يبدو أننا نجونا بأعجوبة.. ولكن ماذا سنفعل الآن؟"

تحدث "بيوند" بصوت يتقطع من شدة اللهاث، وهو يلتفت برعب نحو الأفق خلفه، حيث كانت هالة الموت لا تزال تخيم على مدينة تشين البعيدة.

"ماذا سنفعل؟" رد "فايز" بنبرة هستيرية، وهو يسرع من طيرانه:

"ذلك الشخص قتل السيد لوريال في دقائق معدودة! ولم يستطع أحد منا قراءة مستواه الحقيقي حتى. هل تريدنا أن نعود لننتحر هناك؟ لقد انتهت القمة الرابعة عمليا."

صمت فايز للحظة، ثم نظر أمامه بعزم اليائسين:

"سنوصل كل ما حدث إلى القيادة العليا.. إلى الأرض المقدسة سيوما. هذا الأمر أكبر منا، أكبر من القمة الرابعة، وربما أكبر من الأرض المقدسة كورفين نفسها. الاتحاد القاري يجب أن يتحرك بكل ثقله."

انطلق الاثنان كشهابين يخترقان السماء، تاركين خلفهم كارثة، ومتجهين نحو مركز العالم، نحو "سيوما"، حيث تصنع القرارات التي تبيد القارات.

بعد خمسة أيام - غرفة جيمس

كان السكون يلف الغرفة الفاخرة والمظلمة. استلقى جيمس على سريره، وعيناه السوداوان مثبتتان على السقف، لا ترمشان، كأنهما ثقبان في نسيج الواقع.

"كايزر.. يو نينغ.. ياو يانغ.. يان الصغيرة.. الآنسة يونشي.. جيلان.. نينغ إير."

تمتم جيمس بالأسماء ببرود جليدي، وبدأت وجوههم تطفو في ذاكرته كأشباح تعاتبه بصمت.

"كلهم أموات.. والسبب.."

توقف عن الكلام، ولف جسده ببطء إلى الجهة الأخرى، وكأن حركة جسده ستطرد الأشباح.

"لكي تكون شخصا لا يمس.. يجب أن تكون بلا رحمة."

همس لنفسه، وكأنه يلقن روحه دستورا جديدا:

"اقتل قبل أن تقتل.. انحر قبل أن تنحر. افقد الرحمة قبل أن يرحمك أحد. من استقوى عاش، ومن رحم مات. احكم العالم بقبضة من حديد قبل أن يحكم عليك العالم بالفناء."

تذكر اللحظة الأولى التي استيقظ فيها النظام.

"أليس النظام عندما نطق لأول مرة، قال: (نظام صعود العائلة)؟.. ولكن انظر إلي الآن، ماذا فعلت؟ قتلت العائلة بيدي.. هاههاها.. تبا لسخريتك يا قدر."

نهض من سريره، ومشى بخطوات ثقيلة نحو الشرفة، وابتسامة مريرة تعلو وجهه:

"منذ جئت إلى هذا العالم، وأنا أملك كل شيء.. النظام، القوة، المعرفة. ولكن ماذا فعلت؟ لم أفعل، لأنني.. لأنني كنت ضعيفا عاطفيا، وأفتقر إلى الطموح، إلى الدافع ولكن الأن...."

وقف عند الحافة، ونظر إلى مدينته، ثم رفع رأسه نحو السماء، وتغيرت ملامحه من الحزن إلى جنون العظمة المطلق:

"إذن.. سأطور هذه العائلة بطريقتي. سأجعلها تحكم هذا العالم، ثم تزحف لتحكم العوالم الأخرى. لن يكون هناك مكان للاختباء."

"أيها النظام.. كم نقطة لدي؟" سأل جيمس ببرود.

[210 مليون نقطة]

جاء صوت النظام الآلي والمحايد في رأسه.

"جميل.. هل ممكن أن تقرضني بعض النقاط؟ وسأعيدها لك مستقبلا أضعافا مضاعفة." قال جيمس وهو يرفع يده أمام عينيه، يتأمل خطوط القدر في كفه.

[ليس هناك مشكل.. كم تريد سأقرضك، فأنت المضيف الوحيد.]

"أريد مليار نقطة."

ابتسم جيمس ابتسامة واسعة ومرعبة، وهو يخطط لشيء يتجاوز حدود الجنون.

ساد صمت ثقيل ومفاجئ. تموج الهواء بجانبه، وتجسد النظام بهيئته الطاقية، ونظر إلى جيمس بذهول:

"همم.. مليار نقطة؟ يعني سيصبح رصيدك مليارا ومائتين وعشرة ملايين؟.. في ماذا تفكر يا جيمس؟"

التفت جيمس إليه، وعيناه تلمعان ببريق الجشع والسلطة:

"أفكر في شيء جيد جدا.. شيء سيجعلني سعيدا. في السابق، كنت أعتقد أنني أحتاج القوة لحماية عائلتي. ولكن من الآن فصاعدا، سأقلب المعادلة. سأجعل العالم هو الذي يحتاج إلى القوة ليحمي نفسه مني."

ضحك جيمس بهستيريا، ولوى جسده للأمام كأنه يركع تحت ثقل طموحه:

"سأجعل الجميع تحت قدمي.. أنا وحدي! هاهاهاها! سأخضع العوالم، النجوم، الوحوش، الشياطين. كل شيء سيكون تحت إمرتي. سأبني إمبراطورية عائلية خالدة لا تموت. سأبني عائلة تجعل العالم لا يفكر في إبادتها، بل سيفكر ليل نهار كيف ينجو من غضبها.. وبعدها..."

اقترب جيمس من النظام، وهمس في أذنه الطاقية بكلمات قليلة.

"...."

تجمد النظام في مكانه. اتسعت عيناه الذهبيه برعب لا مثيل له. نظر إلى جيمس المبتسم بوحشية، وكأنه ينظر إلى كيان غريب عنه. لم يتوقع النظام، وهو الكيان العتيق، أن يسمع شيئا بهذه الخطورة والوحشية من مضيف بشري.

تجاهل جيمس صدمة النظام، وعاد لبروده المعتاد، ووضع يديه خلف ظهره:

"أيها النظام.. ماذا حدث في مسألة أختي؟"

استفاق النظام من صدمته بصعوبة، وأجاب بصوت لا يزال يحمل أثر الاضطراب:

"بشأنها... لا أستطيع نقلها إلى هنا مباشرة."

التفت جيمس إليه بحدة، ونظر إليه نظرة ثاقبة وخطيرة.

تدارك النظام الموقف بسرعة وابتسم:

"ولكن.. هناك حل آخر، وجيد جدا."

"وما هو هذا الحل الجيد؟"

"سأنقلك أنت إلى عالمك القديم."

تقدم النظام وتكلم بجدية تامة:

"لديك خمسة أيام.. خمسة أيام فقط. إذا زدت دقيقة واحدة عليها، فاعلم أنك لن ترجع إلى هنا مرة أخرى، وستعلق هناك للأبد أو تتلاشى في الفراغ."

عقد جيمس حاجبيه بحيرة:

"حسنا.. وكيف سأنقلها معي عند العودة؟"

بدأت لفافة قديمة، تشع بضوء أزرق غامض، تطفو في الهواء وتستقر أمام جيمس.

"ضع هذه اللفافة على رأسها، واحضنها إلى صدرك بقوة، وإياك ثم إياك أن تفلتها أثناء الانتقال مهما حدث."

أخذ جيمس اللفافة بيده، وتفحصها، ثم نظر إلى جسده الضخم وملامحه التي تغيرت كليا.

شعره الملون، طوله الفارع، وعيناه السوداوان المرعبتان.

"حسنا.. ولكنني لا أستطيع الذهاب هكذا. هل لديك شيء أغير به شكل جسدي لأبدو بشريا عاديا هناك؟"

مد النظام يده الطاقية وسلم جيمس قناعا رقيقا للغاية، يكاد يكون شفافا كغشاء الماء.

ما إن وضعه جيمس على وجهه حتى شعر ببرودة تسري في مسامه، وبدأ القناع يذوب ويتغلغل داخل جلده، مغيرا ملامحه الحادة والمرعبة، ليعيده ظاهريا إلى هيئة "جيمس"، الشاب البشري الذي كان عليه قبل سنوات.

"أنت جاهز؟" سأل النظام بصوت يتردد صداه في الغرفة.

"أجل." أجاب جيمس بصوت هادئ، وعيناه اللتان عادتا للون العسلي ظاهريا تنظران للأمام بثبات.

طق.. طق..

دوى صوت غريب، يشبه صوت عقارب ساعة كونية قديمة تعلن نهاية الزمن.

وفي لحظة واحدة، لم يظلم العالم، بل تفتت.

جدران الغرفة، السرير، السماء من النافذة، وحتى جسد النظام، تحولت جميعها إلى شظايا ضوئية وانمحت من الوجود.

شعر جيمس بقوة سحب هائلة، أقوى من جاذبية الثقوب السوداء، تنتزع روحه وجسده من مكانهما وتقذفهما في المجهول.

لم يكن يمشي، بل كان يسبح.. لا، كان ينطلق بسرعة تفوق سرعة الضوء بمليارات المرات عبر نفق لولبي لا نهائي.

كان الفراغ من حوله لوحة فنية حية ومجنونة. لم يكن سوادا كحليا كما اعتقد، بل كان انفجارا للألوان التي تعجز العين البشرية عن استيعابها.

سدم كونية عملاقة تطفو كغيوم من الحرير المشع، تتلألأ بألوان الفيروزي الكهربائي، والبنفسجي الملكي العميق، والوردي النيون الصارخ.

كانت الألوان تتداخل وتتمازج كأنها زيوت ملونة سكب عليها الماء، تخلق تموجات ساحرة تسحب البصر وتخطف الأنفاس.

جسد جيمس كان يلف ويدور حول نفسه بسرعة جنونية كالمغزل، وكأنه كوكب صغير فقد مداره.

كان يشعر بضغط هائل، وكأن طبقات الكون تطبق على صدره، بينما الرياح النجمية تضرب وجهه وتصفر في أذنيه.

"وووووششششش... ززززززز..."

لم يكن الفضاء صامتا. كان يضج بسيمفونية مرعبة ومهيبة.

صوت احتكاك الأبعاد ببعضها البعض كان يصدر صريرا معدنيا عاليا، ممزوجا بهدير عميق ومنخفض يشبه صوت تنفس وحش عملاق ينام في قاع الكون.

كان يسمع نبض النجوم وهي تولد، وصراخ الكواكب وهي تموت وتنفجر.

بينما هو ينطلق بتلك السرعة الخيالية، مرت بجانبه كواكب بحجم المجرات.

رأى كوكبا مصنوعا بالكامل من الكريستال السائل يلمع بضوء ذهبي أعمى بصره للحظة، ورأى كوكبا آخر أحمر قانيا تحيط به حلقات من النار السوداء تدور حوله بسرعة مرعبة.

رأى نجوما زرقاء عملاقة تنبض بالحياة، ومذنبات تجر خلفها ذيولا من الغبار الفضي اللامع الذي يمتد لسنوات ضوئية.

كانت الخطوط الزمنية تظهر أمامه كخيوط رفيعة من الضوء الأبيض، تتشابك وتنفصل.

كان يرى ومضات من حضارات تنشأ وتفنى في جزء من الثانية.

رغم الدوار الشديد، ورغم أن جسده كان يلتف لدرجة أنه لم يعد يعرف أين الأعلى وأين الأسفل، إلا أن جيمس فتح عينيه على آخرهما، مذهولا من عظمة المشهد.

كان يشعر بأنه ذرة غبار تافهة تسبح في محيط من العظمة والجبروت.

فجأة، تغيرت الألوان من حوله.

بدأ اللون الأزرق والبنفسجي يطغى على المشهد، وبدأت السرعة تزيد حتى تحولت النجوم والكواكب إلى مجرد خطوط ضوئية طويلة ومستقيمة، وكأنه دخل في نفق السرعة القصوى.

زادت حدة الصوت في أذنيه، تحول الهدير إلى صفير حاد جدا كاد يفجر طبلة أذنه.

وأمام عينيه، في نهاية النفق الضوئي الملون، ظهرت نقطة صغيرة..

نقطة زرقاء باهتة وجميلة، تكبر بسرعة مخيفة وتقترب منه لتبتلعه.

إنه عالمه.

الأرض.

****

وتبا لأي شخص يقرأ بدون ترك تعليق.

2025/12/23 · 38 مشاهدة · 1261 كلمة
Moncef_
نادي الروايات - 2025