في الغرفة استلقى منير على السرير وأغمض عينيه واضعا رجلا فوق رجل، وجلست أمامه الفتاتان على كرسيان مصنوعان من جذوع الأشجار


بقيت ياسمين تنظر له لفترة، ثم ابتسمت وقالت "ما الأمر معك؟"


رد منير وهو مغمض العينين "ماذا تعنين؟"


قالت "أنت تتصرف بهدوء تام وكأنك واثق من أن لا أحد يستطيع أن يسبب لك مشكلة هنا"


ابتسم منير وقال "فعلا، لأن لا أحد هنا يملك المؤهلات ليكون تهديدا لي"


فجأة، دون سابق إنذار قاطعتهما سارة، سجدت أرضا وانهمرت الدموع على خديها قائلة لمنير "آسفة، آسفة جدا للمشاكل التي تعرضت لها في القرية، كل ذلك بسببي لو أني بقيت معك ما حدث كل هذا"


قبل أن يتفوه منير بأي شيء، مدت ياسمين يدها وساعدت سارة على النهوض من سجودها قائلة "لا، الأمر ليس بسببك، سواء حضرت أو لا كان أيمن سيتصرف بهذه العدوانية، هو أخوك وتعرفينه جدا، وجدك أيضا لا يحب الغرباء، ناهيك عن شخص غريب تصرف بعجرفة ولم يضع أي أحد في عينيه"


في هذا الوقت كانت تنظر لمنير نظرة عدائية


ابتسم منير وظل مغمض العينين


مسحت سارة الدموع وقالت بلا حول ولا قوة "لم يفعل منير شيئا خاطئا، كل ما فعله أنه لم يتقبل الإهانة، الخطأ كل الخطأ على أسرتي..."


قاطعها منير قائلا "أجل، أجل دعينا من هذا الموضوع التافه" نظر إلى ياسمين وقال "يا فتاة يبدو أن قبيلتك بسطت هيبتها هنا، ولا تبدين بسيطة كأفراد هذه القبيلة العاجزين"


كتمت ياسمين حنقها من كلمات منير ونعته للموضوع بأنه تافه، وقالت "نحن سادة النهر المقدس قبيلة السراب، نحن نسيطر على كل القبائل هنا، أيضا لماذا أخبر متعجرفا مثلك بهذا ! ؟، همف ! "


استدارت ياسمين غاضبة من ردة فعل منير وهدوئه العجيب


ابتسم منير "اييييه ! ما هو الوضع العام للقبائل هنا"


لم تعره ياسمين انتباها لكن أجابته سارة "في منطقة النهر المقدس 13 قبيلة، 3 منهم يعتبرون سادة، هم قبيلة الصائدون، قبيلة المرتزقة وقبيلة السراب، مؤخرا أصبحت قبيلة السراب أقوى بعد قضائها على قبيلة الجلمود، آخذة بذلك كل تقنياتها وكل كنوزها وحتى أرضها"


نهض منير من سريره متفاجئا "قبيلة الجلمود؟ ! "


احتارت الفتاتان من ردة فعله، فقالت ياسمين "هل تعرفها؟"


هدأ منير من روعه قائلا "الاسم ليس بغريب علي، كأنني سمعته من قبل"


طبعا منير لا يرد الكشف عن قصته الأساسية، فكلما كشف أكثر كلما زادت الشبهات حوله أكثر، لا يريد أن تشتبه به ياسمين على أن له علاقة بقبيلة الجلمود


أكملت سارة قولها "على العموم، قبيلة الجلمود قبيلة عريقة كان مؤسسها يعرف بالشبح الألفي، وهي تقنية ممنوعة فقدت في عصور سحيقة، لا يعرف أي أحد كيف استطاع مؤسس القبيلة ايجادها ومن ثم التدرب عليها، تقول الأسطورة أن التقنية تسمح للمتدرب بتقسيم حياته على مليون سنة بحيث كل ألف سنة يمكنه إعادة بعث نفسه، وهكذا فهي طريقة خلود نسبي لمتدربها، من آثارها الجانبية أن يتحول مستعملها إلى شبح ولا يعود له وجود فعلي مادي في الحياة، حتى لو بعث نفسه بعد ألف سنة يستطيع أن يبعث نفسه كشبح فقط، لذا لا أعرف ما هي روعة هذه التقنية وفائدته ولما هي ممنوعة في المقام الأول وكأنها قوية جدا، لكنها كل ما تفعله تحويل الشخص لشبح"


هنا نطقت ياسمين قائلة "يبدو أنك لازلت جاهلة ببعض تاريخ منطقة النهر المقدس"


"تقنية الشبح الألفي لها أسطورتان في الحقيقة، الأولى هي أنها تقنية تسمح لمستعملها بالتحول لشبح وإعادة بعث نفسه كل ألف سنة لمدة مليون عام كأقصى حد، إلا أنها تقنية منيعه ضد أي هجوم، ولا ينفع أمامها إلا الختم، فكون المرء يلغي جانبه المادي ليتحول لشبح يجعله منيعا ضد الهجمات، كما يحفز القدرة الفريدة للتقنية وهي السيطرة على الأشخاص، اي يمكنه السيطرة على الأشخاص بجسده الشبحي"


"الأسطورة الثانية هي أن الشبح الألفي عبارة عن روح قوية تنتج من التهام 1000 روح أخرى، بطريقة أو بأخرى هي تقنية ممنوعة وخطيرة جدا لا نعرف عنها إلا القليل القليل"


ما سمعه منير من الفتاتان أصابه بالصدمة


قال منير "إذا كان مؤسس قبيلة الجلمود قويا جدا، كيف انحدرت القبيلة إلى درجة أنه تم القضاء عليها؟ ! "


أجابت ياسمين "بالفعل كانت القبيلة في أعتى درجات قوتها، لكن مؤسسها اختفى من عشرات الآلاف من السنين ولم يظهر مجددا، واختفى معه ارثه ولم يترك لهم أي تقنية قوية مفيدة، وبهذا انحدرت إلى درجة الفناء"


وهم كذلك إذ تم طرق الباب بقوة عدة طرقات


فتحت ياسمين الباب


استقبلها شاب يرتدي الأزرق ويحمل قوسا على ظهره، انحنى لها وقال "سيدتي الشابة، والدتك تطلبك، يبدو أن المرض قد عاد لها مرة أخرى"


تغير تعبير ياسمين وقالت "مستحيل !!! " واختفت بسرعة نحو مكان مجهول


استأذنت سارة من منير وخرجت من الغرفة وأغلقت وراءها الباب ذهبت رفقة الشاب إلى نفس المكان الذي توجهت له ياسمين


تربع منير على السرير وغرق في التفكير


هل يعقل أن قبيلة الجلمود في عالمه مرتبطة بقبيلة الجلمود هنا؟ وما سر مؤسسها الغامض وتلك التقنية الممنوعة؟


جلس منير القرفصاء، استخرج من حيزه الفراغي قنينة تحوي على رماد


إنها تلك القنينة التي تحوي رماد العنقاء الملتهبة التي قتلها أربوليس أثناء معركتهم مع حارس سحر الموت


سابقا أخبرته ملكة الدماء عن فوائد رماد العنقاء الملتهبة، ومن فوائدها تحفيز سحر النار، الذي حصلت عليه سحر الدماء في برج القمر الأحمر عند حلها للغز


أخرج منير لفيفة سحر النار أيضا، تأمل اللفيفة والقنينة، ثم تنهد وأعاد تخزينهما


من الخطر التدرب على سحر النار في هذا الوقت وخاصة أنه يتقن سحر الماء لدرجة معينة، فالتضاد الذي سيحصل داخل جسمه، يحوي ألما فضيعا، يمكن لمنير تحمله لكن سيصبح في حالة ضعيفة، وهو ما لا يرجوه الآن وهو محاط بالغرباء


فجأة تذكر منير شيئا


كشف بسرعة عن درع الجن الأزرق وسيف الجن


سابقا في معركة ملكة الدماء مع ملكة الحياة، تصرف الدرع والسيف بتلقائية دون قصد من منير، فقتل كل الجن الذين أعادت ملكة الحياة إحياؤهم، ثم سحب طاقة حياتهم وصولا للدرع


عندما نظر منير للدرع، وجد أن نقوشا سوداء بدأت تظهر من على جانبي كتفي الدرع، وكأن تلك النقوش تتحرك ذهابا وإيابا على طول الكتفين، بينما مقبض السيف بدأ يميل للاحمرار


كأن طاقة الحياة التي امتصها، بدت وكأنها منحت الحياة للدرع


أعاد منير ارتداء ملابسه وغطى درع الجن الأزرق وأرجع السيف لحيزه الفراغي


أخرج منير دموع وجوهر وقلب السحاب الذين حصل عليهم جراء مغامرة السحابة العجيبة التي امتصتها البيضتان اللذان عند منير


كان منير يمسك القلب باستخدام سحر الماء، فبعد كل شيء حرارة القلب عالية لا يمكن لمسها باليدين فقط، في حين أنه بقي ينظر في ذلك الكائن الذكي الذي يتميز بهروبه السريع وهو قلب السحاب، ثم نظر لكرستالة جوهر السحاب اللامعة وكذا لدموع السحاب العديدة


لقد علمته ملكة الدماء كيفية التدرب بهم، وهو السر الذي سيضمن خطته داخل مملكة الرمال ومملكة الوحوش لاحقا


لم يتجرأ منير على إخراج لفيفة سحر الموت، لأنه ليس من السهل التدرب عليه دون إشراف مدرب ذو خبرة وكفاءة كافيين


أي خطأ صغير قد يعني موت المتدرب على سحر الموت


طبعا حصل منير على بعض الكنوز والأدوات وغيرها من رحلته إلى عالم الأموات، ولكنها ليست جديرة بالذكر، يكن أن يستعملها لزيادة ثروته، أو في بعض المواقف الخاصة


نظم منير أفكاره وتنفسه، وبدأ يتدرب


حول جسده إلى البنية البيضاء فاشتدت عضلاته، ثم ركز على يديه وأراد تحويلهما لسائل، لكن لم ينجح، وتم طرده للخلف وهو يلهث من محاولة واحدة


أراد منير دمج البنيتين البيضاء والزرقاء، والتحكم أفضل في بنيته، لكن كونه في المستوى الانفجاري صعب عليه وخصوصا أن جسده اكتسب ميزة الانفجار


بقي منير يحاول لمدة طويلة، عله ينجح في تنفيذ الدمج بين البنيتين، لكن دون جدوى


بينما كان يتدرب ليلا، سمع صوتا غريبا في الخارج


لم يعره انتباها في البداية، لكن الصوت أصبح أكثر وضوحا، وكأن ثعبانا يزحف ويصدر فحيحا


نهض منير من على سريره، وتقدم نحو الباب


فتحه ببطء ليسترق النظر


وذهل مما رأى...

2018/05/02 · 931 مشاهدة · 1197 كلمة
3asheq
نادي الروايات - 2024