91 - ألفا، بيتا، غاما

بينما كان منير يساعد المصابين هنا وهناك، إذ لمح شيئا ليس بغريب عنه


لقد كان الجناحان الذهبيان


لمحهما يحلقان فوق القرية بطريقة دائرية


فعل منير سحر الضوء واتجه نحوهما، لكن الجناحان هربا بدورهما


طاردهما منير طويلا حتى دخلا في فج بين جبلين واختفيا


توقف منير وتفحص المكان الغريب الذي هو فيه الآن


لقد كانا الجبلان مليئان بالتصدعات، وبينهما شرخ يكفي لمرور شخص واحد على جنب، وكانا سوداوان يتخللهما بعض البني والرمادي، وكلهما يتكونان من حجارة مختلفة الأحجام


كانا الجبلان بقرب منطقة النهر المقدس، لذا يعدان آمنان نسبيا من جنيات الأحلام


لمس منير حجارة الجبلان بيديه فشعر بطاقة تسري في الحجارة، وكأن تلك الطاقة مسجونة هنا، كان هذا عجيبا


رغم تعجب منير من المكان، إلا أنه قرر أخذ المخاطرة، ودخل الشرخ بين الجبلين


لقد كان الشرخ حادا، ويحوي بعض الحجارة المدببة التي تركت جروحا مختلفة على جسد منير سرعان ما شفيت بحكم بنيته الخالدة


لكن الأغرب من هذا، أن مع كل جرح يشعر منير بثقل رهيب في جسده


بينما هو يمشي بمحاذاة الجدار، إذ ضغطت رجله اليمنى خطأ على صخرة بارزة، فانفتح أمامه سرداب سري


أصبح أمام منير خياران، إما أن يكمل طريقة على امتداد الشرخ، أو يغامر بالدخول إلى السرداب


امتعض منير داخليا، فلو أنه ما زال بإمكانه استخدام سحر الماء، لصنع نسختين وأرسلهما عوض عنه، لكن للأسف ختم الشيخ الشبحي سحر الماء، وترك له سحر الضوء


قرر منير أن يكمل ولا يدخل وأن يستغني عن السرداب مؤقتا حتى يعود إليه إذا حالفه الحظ


أراد بشدة معرفة نهاية هذه الطريق الضيقة


مشى بحذر وبخطوات ثابتة حتى تراءى له نورا


وعندما اقتحم نهاية الممر الضيق، وجد نفسه في غابة يقسمها نهر إلى نصفين، وكوخ منصوب على الناحية الأخرى من النهر


كان النهر امتدادا للنهر المقدس، فيبدو أن هذا المكان السري آمن هو الآخر من جنيات الأحلام


ما أثار حيرة منير، أنه يوجد كوخ قد بني هناك، هل هذا يعني أن أحدهم يعيش هنا؟


فجأة عندما خطى خطوته الأولى داخل النهر حتى يعبره، كون أنه لا يوجد جسر للعبور، شعر أنه ثقيل جدا، يكاد لا يستطيع الحراك، فخرج مسرعا من الماء


بقي منير يتبع طول النهر عله يجد طريقا يخوله المرور للضفة الأخرى


وبينما هو كذلك إذ لمح ظلا بين الأشجار


شدد منير حذره، وأكمل طريقه متجاهلا ذلك الظل


لم يمض وقت طويل على مشيه، إذ شعر بأن ذلك الظل أصبح ظلالا


سرعان ما فعل منير بنيته البيضاء تحسبا لأي طاريء


من دون سابق إنذار شعر منير بحقل جاذبية شديد يضغط عليه، مانعا إياه من التحرك


تجمد منير في مكانه دون أن يتمكن من أن يخطو خطوة واحدة


من بين تلك الأشجار ظهرت ظلال كثيرة أمامه، بدأت تتكشف رويدا رويدا


لقد كانت هيئة أقصر من منير، تصل إلى حدود بطنه، لكن لم يكن بشريا ولا وحشا ولا جنية ولا جنا ولا شيطانا ولا أي عرق ممن يعرفهم منير


لقد كانوا أشبه برجال آليين صغيرين، كان لونهم أخضرا باهتا ويحملون قرنين على رؤوسهم القرن الأيمن أحمر والأيسر أزرق، ويحملون ذات القرنين ولكن بشكل أصغر على أيد يهم، لهم رجلان مسطحان، كما أن في وجههم نقطتان سوداوان تمثلان أعينهم


تقدم أحد تلك الآلات قائلا بصوت أشبه بالآلة "نحن الآليون ألفا حراس هذا المكان، أنا الآلي ألفا 001، ماذا تفعل أيها الغريب هنا؟"


احتار منير قائلا في نفسه "الآليون ألفا؟ من هؤلاء؟ ولماذا هم هنا؟"


بينما هو غارق في تفكيره شعر بأن الضغط قد خف، والجاذبية التي كانت تجذبه أرضا قد ألغيت، لكن الآليون قاموا بإحاطته


شعر منير أن هناك مجالا يسجنه سببه أولئك الآليون


تمالك منير نفسه وهدأ من روعه وأجاب قائلا "لقد جئت صدفة لهذا المكان"


نظر الآلي نحو ببلاهة ثم قال "صدفة؟ من المستحيل أن تدخل إلى هنا صدفة؟"


رفع ذلك الآلي يده، وتوهج القرنان عليها


شعر منير بضغط لا يصدق متوجها نحوه


سرعان ما فعل منير سحر الضوء، واضعا حاجزا ضوئيا بينه وبين الضغط الموجه له


للمفاجأة أن الضغط قد تم تشتيته بسحر الضوء


ابتسم منير قائلا "كما توقت، أنتم تستخدمون القوة المغناطيسية لصنع مجالات الضغط عبر التحكم في التجاذب والتنافر"


يبدو أن تلك القرون ما هي إلا قطبي مغناطيس، وبما أن الضوء يمكنه أن يتفعل مع المغناطيس ويخلق دورانا في محاور الاستقطاب، فيمكن القول أن الضوء يتناسب مع القوة المغناطيسية تحت شروط معينة


وبما أن سحر منير هو الضوء يمكنه بسهولة كسر المجال المغناطيسي إذا أراد ذلك، لكن يتوقف ذلك على مدى استشعاره بقوة ذلك المجال


أكمل منير قائلا "بما أنكم تستخدمون القوة المغناطيسية، فأنا بالتأكيد في جبل المغناطيس"


ذلك الآلي رفع يداه الاثنان بسرعة، وفعل كل الآليون نفس الفعل، مكونين مجالا مغناطيسيا ضخما، سقط على منير بشدة، حتى كاد أن يمزق كل خلية داخل جسده


صر منير على أسنانه وأطلق ومضات ضوئية، لمست تلك الومضات مجموعة من الآلات، فقامت بزيادة الحمل الكهربائي داخلهم، ما أدى إلى انفجارهم تماما


شعر منير أنه اكتشف شيئا في محاولته اليائسة هذه، يبدو أن سحر الضوء يتميز بخاصية كهربائية، أو أن المجال المغناطيس زاد من شحنات الضوء مولدا تيارا كهربائيا


أسرع منير وركز أكثر مرسلا مطرا من الومضات الضوئية، التي دمرت كل الآليين ألفا


جلس منير أرضا وهو يلهث من شدة الإرهاق، فالمجال المغناطيسي هاجم الجزيئات داخل جسده


ما أجهده، واستلزم عليه الراحة قليلا


ابتسم منير وهو يلهث تعبا


يبدو أن الشيخ الشبحي لما اختار له سحر الضوء، لم يكن عبثا، وكأن الشيخ الشبحي يعلم جيدا بنوعية الأعداء الذين سيقابلهم


وهذه فرصة نادرة لمنير، حتى يطور سحره أكثر


لم يكن يعرف مطلقا ولا يتوقع أبدا أنه من الممكن أن يستطيع توليد الكهرباء من سحر الضوء


إذا كانت هذه ميزة سحر الضوء، فهل يا ترى هناك ميزة لسحر الماء، أو سحر الموت؟ وما هي تلك الميزة يا ترى؟


في السابق لم يسمع بأن المستويات الخفية لها ميزات، لكنه حصل على ميزة الانفجار بمساعدة ملكة الدماء داخل النفق الزمكاني


والآن حصل على ميزة سحر الضوء الكهرباء مرغما بإتباعه للشيخ الشبحي


بعدما ارتاح منير وسط كومة الخردة المحطمة هذه، تمالكه شعور غريب


شعر وكأن تحكمه بسحر الضوء قد اتسع أكثر، وكأن سحر الضوء بدوره له استخدامات لا نهائية كسحر الماء


فجأة، فكر منير في نفسه "إذا كنت في جبل المغناطيس حقا، ألا يعني هذا أني بقرب المنجم الذي كان أفراد قبيلة الجلمود مهتمين به؟"


فعل منير بنيته البيضاء مرة أخرى وأسرع أكثر في تمشيط المكان


بعد مدة، وجد المنجم


لكن المنجم كان يحرسه آليون آخرون


كان لونهم أكثر اخضرارا من الآليون ألفا، كما أنهم أضخم من منير، كانت جبهتهم عبارة عن مغناطيس ذو قطبين أزرق وأحمر، ويحملون سيفا مقبضه مغناطيس أزرق وأحمر، كما أن على أكتافهم مغانط زرق وحمر، وكان رأسهم أسود وعينيهم تشعان بلون أبيض، كما أن بعضهم كان يحمل دروعا صغيرة حمراء


بالتأكيد كانوا أقوى من الآليون بيتا


لم يتسرع منير، بقي يراقبهم لفترة


من داخل المنجم خرج آلي آخر أكثر قصرا من الآلي ألفا


كان كله أحمر، ويرتدي على عنقه مغناطيسا، كما أنه يمتلك جناحان حمراوان، وله رقبة حديدية صغيرة، ورأسه محمر، إلا شريط أسود يحوي عيناه البيضاوان، ويداه أيضا حديديتان


تكلم ذلك الآلي موجها كلامه للحراس "الفوج التاسع من الآليين بيتا، ارتاحوا الآن وأرسلوا الفوج العاشر للحراسة بدلا منكم"


أجاب الآلي بيتا العملاق "حسنا سيدي غاما، سنفعل ما تأمرنا"


الحيرة ملأت قلب منير "آليون: ألفا، بيتا، غاما، بالضبط ما الذي يحدث هنا؟ ! "

2018/05/09 · 921 مشاهدة · 1131 كلمة
3asheq
نادي الروايات - 2024