بينما بقي منير ينتظر، نظر من حوله متفحصا المكان


لقد كان المكان دائريا تماما بطرقات معبدة بأحجار طينية منحوتة بشكل جميل، كما أن هناك أعمدة إنارة في كل مكان، كانت الأشجار تحيط بالمساحة الدائرية التي يتوسطها الكوخ


بين الحين والآخر يرى بعض الظلال بين الأشجار، لكن لم يعرف ما هي ولا حتى إذا كانت عدوا أو صديقا


ما أثار حيرة منير أكثر هو أنه لا يوجد حراس هنا ! هذا منزل السيدة الشابة لقبيلة السراب لكن لا يوجد حراس يحرسونها ! أيعني هذا أن هذا المكان شديد الأمان، أم يعني أن السيدة الشابة قوية ولا تحتاج لحراسة؟ !


بينما يفكر منير، شعر برياح باردة خلف ظهره


نزل قائد الحرس رفقة فتاة من السماء، كانت الفتاة سارة وليست ياسمين


عندما رأت سارة منير، ابتسمت نحوه وقالت "مرحبا بك، ما الذي أتى بك إلى هنا؟ هل حدث شيء ما؟"


ابتسم منير قائلا "لا حاجة للقلق، أريد أن أقابل ياسمين، لدي موضوع مهم أخبرها إياه"


قالت سارة "ياسمين الآن في حالة حزن واكتئاب شديدين لوفاة والدتها، لذلك لا تستطيع استقبالك، آسفة على ذلك، لكن يمكنك أن تخبرني ما تريد وسأوصله لها"


قال منير "أقدم تعازي لها، لكن الموضوع خطير جدا لا يحتاج التأجيل، برغم حزنها، يجب أن تستمع إلي إذا أرادت منع زوال قبيلتها"


تغير تعبير الجميع، حتى أن أحد الحراس تقدم نحو منير قائلا "أيها الفتى المتعجرف، من أنت حتى تهدد قبيلتنا، وأيضا تجرؤ على قول ذلك وأنت داخلها، لقد تعبت من العيش" استل سيفه واتجه نحو منير


تصرف منير بسرعة، أمسك بمعصمه وضغط عليه حتى سقط السيف، ثم رفعه من ياقة درعه الحديدي قائلا "لم أكن أريد الصدام مع قبيلة السراب، لكن أتيت لأنقذها، لذا لا تضطرني لفعل ما لا أريد" ثم رماه أرضا


الجميع دهش من سرعة منير، لم يرى أحد منهم كيف فعل ذلك


ابتسمت سارة قائلة "لا حاجة للعنف، هناك دائما طرق أخرى لحل المشاكل"


فكر منير قليلا ثم قال "إذا كان الحزن يمنع ياسمين من مقابلتي، فأريد أن أرى سيد القبيلة، يجب أن يكون مسؤولا لدرجة معينة ويقدر الفرصة التي أعرضها عليه"


الغضب اعترى ملامح الجميع، لكن لم يقل أحد شيئا


فجأة جاء صوت من العدم "أوه، أنت تتفوه بكلام كبير، هل يجب على سيد القبيلة أن ينحط لمقابلة شخص متعجرف مثلك؟"


نظر منير ناحية الصوت في السماء، عاليا، كان يقف شيخ يرتدي لباسا أسود عليه رسم نمر ناري ضخم، كانت لحيته البيضاء تصل إلى سرته


انحنى الجميع إلا منير قائلين "نرحب بزعيم قصر النار"


لم يفهم منير شيئا لكن شدد حذره، الواقف أمامه قوي جدا


قال منير "لا أعلم من أنت، لكن تبدو أعلى مرتبة من هؤلاء، يجب أن تكون قادرا على الاتصال بسيد القبيلة بسرعة"


نظر زعيم قصر النار لمنير للحظة ثم انفجر ضاحكا "ههههههه، يبدو أنك أحمق فعلا، لم يجرؤ أحد منذ مئات السنين أن يوجه إلي أمرا ما عدا الزعيم، لكن الآن طفل لم يدخل المستويات الروحية حتى، يوجه أمرا لي، يبدو أنني سأضطر لتعليمك درسا قاسيا"


بحركة من يده تجسد نمر ناري ضخم، ثم اتجه مباشرة نحو منير


بقي منير هادئا بينما ذلك النمر يقترب منه، بمجرد ما كاد أن يلفح جسده، اختفى ذلك النمر


لم يعلم أحد ماذا حدث، حتى أن مقلهم كادت تخرج من محاجرها، حتى زعيم قصر النار لم يكن استثناء إلا أنه كان أكثر هدوء "سحر الظلام؟ أيها الفتى أتستخدم سحر الظلام؟"


طبعا لقد امتص منير الطاقة الضوئية الناجمة عن سحر النار الذي استخدمه زعيم قصر النار، لذلك اختفى الهجوم الناري ممتصا من طرف سحر الظلام


ابتسم زعيم قصر النار بخبث وقال "ما هي علاقتك بقبيلة الجلمود؟ هل يعقل أنك فرد منها، فبعد كل شيء لا يوجد أحد في غابة الضباب يعرف سحر الظلام غيرهم"


تفاجأ منير، لماذا سحر الظلام محصور فقط على قبيلة الجلمود؟ ألم يكونوا متخصصين في سحر التحول؟


استل كل الحرس سيوفهم، وشددوا حذرهم، ضنا منهم أنهم ادخلوا ثعبانا لمسكنهم


حتى أن سارة ومضت من عينيها نظرة شك، لأن منير كان فضوليا جدا عن قبيلة الجلمود فيما سبق


أدرك منير أنه أدخل نفسه في دوامة مشاكل باستخدامه سحر الظلام، وكل هذا كان لأنه يجهل كثيرا من المعلومات، فكما يقال العلم نور والجهل ظلام، ذلك الجهل بتلك المعلومة جعله في خطر


قام زعيم قصر النار، بتكوين قوس وسهم باستخدام سحر النار، ثم أطلق وابلا من الأسهم غير المنتهية، بينما في نفس الوقت، كان كل سهم ينفجر لعدة أسهم بعشوائية، حتى لا يمكن تمييز مسار معين للأسهم وبالتالي صدها أو تفاديها


كما اقتربت منه الأسهم، فعل موجة من سحر الظلام، لكن تلك الموجة أبادت جزء فقط، لم تتمكن من احتواء كل الأسهم النارية، اندفعت بعض الأسهم نحو منير، الذي أسرع واندمج مع أقرب ظل ثم انتقل مرارا بين الظلال، حتى دخل الغابة


لقد تفادى الهجوم بأعجوبة حقا


أوقف زعيم قصر النار هجومه، وقال "سأختم هذا المكان لا يمكن لأحد أن يدخله، سأدخل الغابة وأتابع ذلك الجاسوس لأقتله، أنتم ارحلوا الآن وأعلموا زعيم القبيلة بأن هناك جاسوسا من قبيلة الجلمود ألاحقه في الآن في غابة الوحوش الثانية"


بعدها تحول لوميض ناري واتجه نحو الغابة


في نفس الوقت، أرجع الحرس سيوفهم وقال أحدهم "لم أعلم إطلاقا أن ذلك الشخص فرد من قبيلة الجلمود، سنعاقب عن هذا أشد العقاب إن لم يكن زعيم قصر النار هنا، هو حقا أنقذنا"


قال آخر "فعلا، ذلك الوفد تلاعب بنا، وقد تلاعب حتى بالسيدة الشابة فقط ليدخل القبيلة، لو قابلته مجددا سأقتله"


ابتسمت سارة قائلة "فلترسموا صورة له، ووزعوها على أفراد القبيلة، وأطلقوا أمرا بالقتل، مع حصار مداخل ومخارج غابة الوحوش الثانية، فحتى لو نجى بمعجزة ما من مخاطر غابة الوحوش وملاحقة زعيم قصر النار، فسنتمكن من قتله بمجرد خروجه، فمن المستحيل عليه أن يخرج سالما بعد دخوله إلى الغابة، أيضا اجعلوا جائزة مهمة جدا لمن يأتي برأسه"


أومأ الجميع باتفاق وافترقوا


لو كان منير هنا للعن نفسه، هل حقا كانت هذه سارة التي ابتسمت بلطف وبدت جميلة وضعيفة تحب نصرة الضعفاء حتى لو ماتت، ما الذي دهاها الآن؟


ابتسمت سارة طوال طريق العودة وصولا لياسمين، التي كانت نائمة من شدة الإرهاق حزنا


تلاعبت بشعرها قليلا ثم قالت "ارتاحي الآن، فالقادم سيجعل حزنك أكبر، وفي ذلك الوقت ... هيهيهيهيهيهي"


لقد تم نشر صورة منير في كل أرجاء قبيلة السراب بلمح البصر، وأصدروا أمرا بالقتل بمجرد رؤيته، حتى أن بعض القصور الأخرى قد شاركت في عملية حصار غابة الوحوش الثانية


لقد كانت أغلب القوى الشابة مستنفرة وتخلت عن أماكنها لحصار الغابة بثبات


حتى أن بعض زعماء القصور دخلوا الغابة مطاردين إياه طمعا في الجائزة المسيلة للعاب


عندما رأت سارة هذا ابتسمت، فالخطة تسير جيدا


أخرجت رسالة ملفوفة صغيرة، وأرسلتها مع نسر بني صغير الذي حلق فورا نحو اتجاه ما


في الغابة، استمر منير يركض باستخدام بنيته البيضاء لمدة طويلة، غير خلالها الاتجاهات مرات عديدة، حتى أنه استخدم روث بعض الوحوش مغطيا نفسه به حتى يتجنب الصراعات قدر الإمكان ويركز على الهرب


لاحقته أحيانا بعض الوحوش الأقوى، لكن سرعة منير كانت عالية وتغيير المستمر


للاتجاهات جعله يتملص منها بعد جهد كبير


وجد منير جرفا هائلا يقسم الغابة لنصفين، وهو عميق جدا، كما أنه يحوي كهوفا لا حصر لها


مع أن منير شعر بهالة الموت قادمة من الجرف، وشعر بهالات مرعبة عديدة، لكن بدون أدنى تردد قفز منير داخل الجرف واختار أحد الكهوف ودخل إليها


هدأ نفسه، وجلس ليشفي جروحه، جراء الهجمات المفاجئة لبعض الوحوش الوحشية


لحسن الحظ لم يقابل منير وحوشا روحية ولا أشباح، وإلا كان ليستهلك جهدا أكبر باستخدام سحر الضوء للتخلص من الأشباح، أما الوحوش الروحية فلم يقابلهم أبدا لذلك ما زال يجهل تماما عنهم


مع أنه يدرك أن هناك مشكلة كبيرة بجهله حول الوحوش الروحية، لكن لا يملك بديلا عن مواجهتها، فلو لم يهرب إلى غابة الوحوش، لقتل على يد زعيم قصر النار


لم يتخيل أبدا أن الأمور ستؤول إلى هذا، يبدو وكأن أحدهم سبقه في الخطط، حتى أنه خطط لمنير لحظة قدومه


يبدو أن العقل المدبر وراء زوال قبيلة السراب، عبقري حقيقي، لأنه أدرج منير في خططه رغم كونه مجرد عامل خارجي


ضرب منير الأرض "اللعنة" أدرك أن كل الأمر من البداية للنهاية كان مجرد خطة، وهو أدخل نفسه في تلك الخطة ببلاهة ووقع في الفخ، لكن المشكلة، من هو العقل المدبر؟ وكيف من الممكن أن يتوقع حركات منير بسهولة؟

2018/07/05 · 902 مشاهدة · 1278 كلمة
3asheq
نادي الروايات - 2024