بعد أن شعر إيلاريون وكأنه يحتضر، شعر وكأنه يذوب وينهار.

ابتعد عنه الصوت المزعج، وفتح عينيه، وبدأ يشعر بجسده الحقيقي.

كان الإحساس غريبًا؛ فمثل هذه المواقف لا تحدث كل يوم.

تنهد إيلاريون وقال:

"الآن يمكنني أن أرتاح جيدًا... من الغريب أن تشعر في لحظة بأن كل عضلات جسدك منهكة، وعندما تستيقظ تجدها مسترخية."

ورغم علمه بأنه كان في وهم، لم يقاوم الرغبة في اختبار خفته.

رفع رأسه من الفراش ووجد سيفيه بجانبه.

فتح عينيه جيدًا وانصدم قليلاً؛ لم يكن في القاعة التي دخل منها للاختبار، بل في غرفته الخاصة.

بدأ يتجول في الغرفة ليستشعر الحركة، ثم خرج إلى الممر، حافي القدمين، دون أن يهتم. بل على العكس، أراد أن يشعر بحرية المشي كما ينبغي.

وعندما قرر النزول، عاد ليرتدي حذاءه، ثم توجّه نحو الردهة الخاصة بالأكاديمية.

هناك، لمح ملامح مألوفة تجلس على الكراسي بجانب الردهة.

كانا ستون وثايد يتناقشان، وسلاح ستون على الطاولة المجاورة.

قال ثايد بصوت ضعيف قليلًا:

"وأنت، كيف مُتّ؟"

ابتسم ستون بنبرة ساخرة وكأنها مزحة غريبة:

"حسنًا... تحطّم جسدي وتكسّر بالكامل."

ثم نظر إلى ثايد وسأله:

"وماذا عنك؟"

أجاب ثايد:

"هممم... أعتقد أنني احترقت."

اقترب منهم إيلاريون وقال:

"حسنًا، لماذا تتفاخرون بطريقة موتكم؟ هل من المفترض أن تكون قصة تروَونها لأبنائكم؟"

ابتسم ثايد وقال:

"ربما... لم نواجه شيئًا عاديًا. نحن من القلائل الذين اجتازوا ما لم يواجهه أقراننا.

عموماً، من النادر أن تجد شابًا غير نبيل يدخل الأكاديمية. أغلب غير النبلاء يتأخرون في الانضمام، إما لأنهم أبناء تجار أو لأنهم يطمحون للاستفادة من موارد الأكاديمية للترقي.

وأنت، لم تذكر اسم عائلتك، فقط اسم والدك، وهذا ما يفعله العامة."

طقطق ثايد أصابعه وقال بابتسامة:

"هل خمنت الأمر بشكل صحيح؟"

بقي إيلاريون صامتًا، ثم رد ببرود:

"لا، ليس صحيحًا... كانت لي ظروفي الخاصة."

وبسرعة غيّر الموضوع وقال:

"هل ترغبون بشيء نأكله؟"

وافق الجميع بشدة؛ خلال الاختبار، شعروا بالجوع والشبع، لكن ذلك الشعور تبخّر بمجرد استيقاظهم.

ابتسم ثايد وقال:

"أعرف مطعمًا قريبًا من الأكاديمية، فاخر، وسمعته طيبة... وأسعاره خيالية."

لم يعلّق أحد؛ الجوع كان قد شغل تفكيرهم بالكامل.

تنهد ستون وقال:

"شعرت أنني نسيت شيئًا... سلاحي! تركته على الطاولة. سأعود لأخذه."

رد عليه ثايد:

"لا، خذه وضعه في غرفتك الخاصة، ثم تعال."

نظر إيلاريون إلى ثايد وقال:

"ألا يمكننا أخذ شيء خفيف حتى يعود ستون؟"

رد ثايد مبتسمًا:

"لا تفقد صبرك... على حسابي."

في لحظة، أصبح وجه إيلاريون هادئًا بشكل غريب.

ضحك ثايد وقال:

"فقط لأنني قلت إنه على حسابي؟!"

ابتسم إيلاريون:

"صدقني، بعد ما مررت به، سأعتزّ بكل عملة أحصل عليها."

فكر ثايد معه نفسه:

"لا بد أنه عاش طفوله صعبه جدًا."

ظهر ستون من بعيد، وصافحه كلاهما بابتسامة صادقة.

شعروا، ولو للحظة، بأنهم أصدقاء حقيقيون.

بدأوا السير ببطء، حتى ظهرت ملامح المطعم الفاخر الذي تحدث عنه ثايد.

كتب اسم مطعم بلون الذهبي

{ مطعم النجوم}

كان المطعم يطل بواجهة حجرية ناعمة ونوافذ زجاجية واسعة بإطارات ذهبية لامعة.

تعلو المدخل لافتة أنيقة تحمل شعار الأسد الإمبراطوري.

ويحيط بالباب الخشبي المصقول زوج من النباتات المرتبة بعناية، يمنح المكان هيبة ورفاهية دون مبالغة.

---

عندما وقفوا على عتبة الباب، ابتسم ثايد وفتحه.

اندفعت الرائحة الشهية لتغزو أنوفهم، وكان المكان نظيفًا وأنيقًا بشكل مدهش.

أصوات المحادثات والضحك كانت خافتة ودافئة.

استقبلهم النادل بابتسامة لطيفة، وقال باحترام:

"ما هي طلباتكم؟"

شعر إيلاريون بالدهشة من أسلوبه، فهو يختلف تمامًا عما اعتاد عليه في الحانات الصاخبة.

ابتسم ثايد وقال:

"اجعل الطعام على ذوقك."

رد النادل بابتسامة:

"سأجلب لكم أشهر أطباقنا. شكرًا لتشريفكم لمطعمنا الراقي."

ثم غادر لإبلاغ الطهاة.

ذهب ثايد للحمام، وجلس ستون وقال وهو يتذمر:

"حتى الكراسي هنا فاخرة ومريحة بشكل غريب... كم تتوقع سيكون السعر؟ رأس مال؟"

رد إيلاريون بوجه عابس:

"ربما... كثير."

سأله ستون:

"هل سندفع؟"

ابتسم إيلاريون وقال:

"لا، ثايد سيدفع كل شيء."

ابتسم الاثنان بسعادة، فلا أجمل من تناول طعام فاخر دون دفع شيء.

وبينما ينتظرون، كان من الواضح أن إيلاريون وستون يعرفان أن الطعام يمكن أن يكون بسيطًا ورخيصًا، لكن المظهر الخارجي والملبس... لا مفر من الالتزام بها في هذا المجتمع.

عاد ثايد، وجلس على الطاولة الحمراء.

بعد لحظات، أتى النادل يحمل صحنًا ذهبيًا كبيرًا.

تصورات إيلاريون وستون كانت مختلفة تمامًا؛

استنكر ستون داخليًا وقال:

"مسرفون حمقى."

وعلى الرغم من أن إيلاريون لم يعرف ما يدور في ذهنه، إلا أنهما بالصدفة كانا يتشاركان نفس الفكرة.

أما ثايد، فكان يبتسم ببرود. لم يكن أحد يعرف ما يدور في رأس هذا الفتى الغامض.

وُضع صحن الحساء الأحمر أمامهم، يحتوي على كمية سخية من الدجاج وخضروات غريبة لم يعرفها إيلاريون.

تبع ذلك طبق من المعكرونة مزينة بفاكهة حمراء نادرة، تتخللها قطع لحم فاخرة.

وكان على الصحن نقش بارز لشعار الأسد الإمبراطوري.

امتلأت الطاولة بالطعام، وبدأ إيلاريون وستون في التهام المأكولات، معجبين بالمذاق.

كانت بعض الأطباق مُتبّلة بشكل مثالي، وخاصة المعكرونة التي كانت تذوب في الفم.

وبعد أن شبعوا، ذهبوا لغسل أيديهم.

سأل ثايد بابتسامة:

"كم السعر؟"

أجابه النادل:

"ست عملات فضية."

في لحظة واحدة، انفجر إيلاريون وستون بالضحك:

"هذه سرقة واضحة!"

لم ينكرا أن الطعم كان رائعًا، لكن ست عملات فضية؟ مبالغة.

أما ثايد، فقال بهدوء:

"فقط؟ حسنًا، هذه لك أيضًا."

وأعطاه عملة سابعة كبقشيش.

رد النادل باحترام:

"إذا كنت تراه مناسبًا، سيدي."

ابتسم ثايد، وكان واضحًا أنه كان ينتظر هذه اللحظة ليتفاخر بثروته.

في طريق العودة، كان التعب قد نال منهم، فلم يتبادلوا الكثير من الكلمات.

عندما وصلوا إلى مبنى الطلبة، أخبرهم الحارس أن غرفهم في الطابق الثاني.

صعدوا بصمت، ودخلوا غرفة بسيطة فيها سريران بطابقين.

صعد ثايد للأعلى، ونام إيلاريون في الأسفل، بينما اختار ستون السرير الآخر.

وسرعان ما غطّوا جميعًا في نوم عميق.

2025/04/16 · 7 مشاهدة · 864 كلمة
Alifox.
نادي الروايات - 2025