في هذا الوقت كان أريس يتجه نحو مقر عصابة أخرى، تلك التي واجهت نفس الكارثة التي حلّت بعصابة حرباء. كان أريس قد بدأ في إبادة وتصفية جميع العصابات التي رآها عديمة الفائدة.
خلال ليلتين فقط، تسبب أريس في نشر الخوف كأنه شبح يتنقل في الظلام، يظهر من أي مكان بلا سابق إنذار. كان يستعمل قلادة الظل التي تُطيل مدة اندماجه مع العتمة حتى أصبح كجزء من الظلام نفسه.
لكن هذه التحركات جعلت مدينة القلب، التي كان من المفترض أن تكون ساكنة في الليل، تغلي رعبًا. ليلتان بلا نوم مرت على السكان، إذ كانت أصوات الصراخ والتوسل تمزق سكون الشوارع، ورائحة الدم النفاذة امتزجت مع رائحة الحديد حتى ملأت الهواء، لتوقظ كل من في المدينة.
وبسبب ذلك أطلق الجميع على أريس لقبًا جديدًا:
"ملك الليل."
لقب تحوّل سريعًا إلى كابوس، حتى مجرد ذكره صار محرّمًا بين الناس.
أرسل سيد المدينة جنوده من أجل القبض على أريس، لكن عندما وصلوا لم يجدوا سوى جثث مبعثرة وأشلاء متناثرة. لم يكن أمامهم سوى البدء في التنظيف، بينما الرعب يعصر ملامحهم ويثقل أنفاسهم.
في قصر سيد المدينة، جلس رجل سمين وقصير القامة، يتصبب العرق من جبينه رغم برودة كأس النبيذ بين أصابعه. كان الغضب والخوف يتناوبان في عينيه.
صرخ وهو يضرب الكأس على الطاولة حتى تناثر الشراب:
"اللعنة عليكم! ما فائدة أن أطعمكم إن لم تجدوا شخصًا واحدًا؟!"
ثم أمسك بالكأس ورماه بعنف على رأس أحد الجنود، فانفجرت قطرات الدم من جبينه، وسالت على وجهه. ومع ذلك، ظل الجندي واقفًا في مكانه كتمثال، لا يجرؤ على الحركة. فرغم أنه أقوى من سيد المدينة بمراحل، إلا أنه يعلم أن كلمة عابرة من هذا الرجل، المرسل من الإمبراطورية الشمسية، قد تعني إرسال عائلته كاملة إلى المقصلة.
كان هذا نفس ما يحدث مع آرثر، لكنه كان هادئًا على نحو غريب، يراقب بصمت عميق، وكأنه يغوص في أعماق فكرة مظلمة.
تمتم بصوت خافت، أشبه بحديث إلى نفسه:
"لماذا يقوم بإبادة بعض العصابات بالكامل، بينما يكتفي بقتل القادة والأعضاء الأساسيين فقط؟"
سؤال ثقيل لم يستطع أحد الإجابة عنه.
أما أريس، فقد دخل مقر عصابة الثعبان الأسود. لم يكن مبنى فوق الأرض، بل شبكة أنفاق وغرف سفلية تفوح منها رائحة العفن والرطوبة، تتخللها أنفاس الخوف الثقيلة. كان رجال العصابة في حالة تأهب كامل، عروقهم بارزة على أعناقهم، وأسلحتهم ترتجف بين أيديهم، وعيونهم متسعة تترقب الظلال التي قد تبتلعهم في أي لحظة.
لكن هذه المرة، لم يكن أريس يريد إبادتهم. فبعد تجواله بين سجلات العصابات واسترجاعه لذكرياته المتدفقة، اكتشف أن زعيم الثعبان الأسود هو أحد المشاركين في هجوم إرهابي على مدينة القلب. كان قد هرب بعد فشل الهجوم، وانضم إلى منظمة إرهابية، ليختفي أربع سنوات كاملة قبل أن يظهر فجأة كفارس من الدرجة الخامسة.
هذا بحد ذاته كان دليلًا على امتلاكه موهبة خاصة، خصوصًا أنه لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره خلال هذه فترة، وكما أنه مجرد إنسان عادي بلا قدرات.
أريس لم يكن ينوي قتله… بل أراد إخضاعه. لكن قبل ذلك، كان عليه أن يحطم شوكته، ويكسر غروره، ويحوّله إلى كلب مطيع لا يعرف سوى الركوع أمامه.
وقف أريس في الظلام يراقب أفراد عصابة الثعبان الأسود وهم يتجولون متوترين، عرقهم يتصبب ورائحة أجسادهم المختلطة بالخوف تملأ الممرات. كانوا يرفعون رؤوسهم بين حين وآخر بارتباك، غير مدركين أن عينيه تترصدهم من بين الظلال.
بخطوات هادئة كهمس الريح، تحرك أريس بينهم بسرعة مميتة، متجهًا نحو قائد عصابة الثعبان الأسود.
حين ظهر أريس في حالة اندماج ظل في غرفة زعيم عصابة «الثعبان الأسود»، بدا الأخير شابًا في أوج قوته: جسم طويل وعريض الكتفين، تتدلى من عنقه سلسلة ذهبية سميكة على شكل ثعبان، وعينان داكنتان تخفيان بقايا ثقة متغطرسة، لكنهما تبرزان حذرًا وخوفًا في الوقت نفسه.
فرقع أريس أصابعه بهدوء، فانطلق صوت طقطقة في الهواء. فجأة اختفت الأصوات في منتصف اللحظة؛ غرق المكان في صمت خانق، كأن الجدران ابتلعت الأصوات كلها. عندما سمع زعيم عصابة «الثعبان الأسود» صوت الطقطقة رفع رمحه واتخذ وضعية دفاع، لكنه لم يرَ شيئًا في الغرفة، ولم يخفف حذره. مرَّ وقتٌ قليل فلم يعد يسمع سوى نبضات قلبه المتسارعة وأنفاسه المقطوعة، كأن الهواء أثقل من قبل. كانت هذه تعويذة الصمت من الدرجة صفر التي تعلمها أريس من كتاب سحر خاص بزعيم عصابة «حرباء»، فاقتطعت كل صلة بين الغرفة والعالم الخارجي.
فجأة، وقبل أن يلتقط القائد أنفاسه، انبثقت من الظلال المحيطة خيوط رفيعة ولامعة، كأنها مصنوعة من سحر بارد وحاد. التفّت حول ذراعيه وقدميه وعنقه في لحظة، حتى أحس بحرارتها وهي تشق جلده، وتثبت جسده كفأر محاصر في فخ. ارتعشت عضلاته تحت قيودها، وأحس أن كل حركة تزيدها إحكامًا، بينما تفوح في الهواء رائحة معدنٍ خفيفٍ وعرقٍ محترق.
أزال أريس ظلَّه عنه واقترب بخطوات بطيئة، وعيناه تلمعان ببريق بنفسجي في العتمة. "يبدو أنّك تتوقع وصولي، خاصة مع هذا العدد بالخارج." تكلم أريس وهو يشير إلى الخلف حيث يوجد باب الغرفة. تحرّك زعيم عصابة «الثعبان الأسود» وصاح لكن لم يخرج منه صوت، وخيوط السحر زادت إحكامها مما زاد الألم في جسده. "حسنًا، ماذا تود؟ هل تحب أن أخاطبك بثعبان أم بروبن؟" قال أريس بصوتٍ متهكمٍ بارد. لم يأتِ سوى صمتٍ مريب وخوفٍ متجمد في عيون روبن.
ابتسم أريس ومدّ يده، فأخرج قرَّورة زجاجية صغيرة كان قد حضّرها مسبقًا، وقطرات داكنة اللون تلمع داخلها. رفع الكأس إلى شفتي القائد المرتعشتين وأجبره على البلع. سرت نكهة مرّة لاذعة على لسانه، فأحسّ بحرقةٍ تسري في معدته، بينما نظرة أريس الباردة اخترقت روحه كإبرٍ صغيرة.
قال أريس بصوت منخفض، بارد كالموت: "لا تقلق… هذا لن يقتلك الآن. لكن بعد ثلاثة أشهر بالضبط، سيتحوّل جسدك إلى قبرك، وسأكون أنا من يملك مفتاح نجاتك. من الآن فصاعدًا، حياتك ملكي."
مع كل كلمة، شعر روبن كأن الهواء من حوله يثقل، والغدر يتغلغل إلى عظامه، والخوف ينخر صدره كما لو كانت يدٍ باردة تضغط على رئتيه.
"لذلك بعد ثلاثة أشهر ستنفذ ما طالبتك به خلال هذه الفترة للحصول على طريقٍ للخلاص. أيضًا يمكنك البحث عن طريق بنفسك، لكن أنصحك—أثناء بحثك—أن تنفذ مهمتي، لأن نتيجة الفشل لن تعجبك."
المهمة التي أمره أريس بأدائها كانت جمع عشرة آلاف عملة ذهبية. قد تبدو بسيطة، لكن مبلغًا بهذه الضخامة يملكه النبلاء والأغنياء، وليس مجرد صعلوك صغير. كما أنّ هذا سَيَضْطِرّه لأن يسيطر على عصابات في «مدينة قلب» لجمع الأموال بسرعة، ويدخله سوقًا سوداء خطرة.
بعد هذه المهمة الصعبة سيكافئه أريس. هذه خطة أريس في تدريب الكلب: اجعله ينفذ أمرك ثم كفئه، وإن أخطأ ضربه. ببساطة، السم سيكون هو الطوق الذي يقيده حتى يصبح مطيعًا. في نهاية الأمر، لن يكون هنا طوال الوقت من أجل مرقبة و سيطرة؛ فهو سيذهب غدًا إلى الأكاديمية القلب ويستطيع الخروج مرة كل ثلاثة أشهر.
لهذا السبب صَنَع أريس هذا السم بعناية؛ لأن اليوم الذي شربه فيه لن تظهر أعراضه فورًا، لكن بعد ثلاثة أشهر ستظهر أعراض مُعيّنة، وبعد ثلاثة أيام من ظهورها سيكون الموت نهايته.
____
هنا ينتهي ارك الاول الذي كان مجرد تمهيد و شرح.
ارك الثاني في الأكاديمية القلب
اتمنى ان ارك الاول اعجبكم .