لم يهتم أريس حقًا بما تعتقده سيلينا عنه، ولم تكن لديه أدنى رغبة في إيقافها عن التحوّل إلى شريرة في المستقبل والتسبّب في كوارث، بل على العكس... إن أصبحت شريرة، أليس ذلك يعني أنهم سيستعدون لرافائيل؟

تمتم في داخله ببرود، قبل أن تتحرك شفتاه ببطء:

"في النهاية... رافائيل موجودة في القائمة السوداء."

ومجرّد أن خطرت رافائيل في ذهنه، لمع بريق قاتل في عينيه، كأن شرارة من الظلام قد اشتعلت داخله، فيما تعالت أنفاسه قليلًا. انتشرت نية قتل كثيفة، كانت مثل دماء لزجة تلطّخ الهواء، وتصاعدت طاقة الفوضى التي تجاوبت مع غضبه، لتثير تفاعلًا خافتًا في بيضة العنقاء المستقرّة في جيبه. ارتجفت البيضة للحظة، كما لو أنها حيّة تستجيب لغليان مشاعره، لكن أريس سرعان ما أخفى تلك الهالة المظلمة وأجبر نفسه على الهدوء.

شدّ قبضته حتى أصدرت أصابعه طقطقة خفيفة، ثم همس بصوت متماسك:

"لا يجب أن أتعجل... كل شيء في وقته، وسأحصل على انتقامي."

تابع طريقه نحو قاعة الاختبار بخطوات ثابتة، غير أن وقع قدميه بدأ يخفت تدريجيًا، حتى بدا وكأنه يسير فوق الهواء بخفّة غريبة. الهواء البارد لامس بشرته، ورائحة البخور القديمة المتسرّبة من أعمدة الممر تداخلت مع الإحساس الثقيل بالترقّب. صدره كان يعلو ويهبط ببطء وهو يردّد في أعماقه:

"كما يُقال... كلما كان الانتقام باردًا، ازداد طعمه لذّة."

وعندما وصل أخيرًا إلى القاعة، وجد أن الاختبار الأول قد انتهى بالفعل. الطلاب متجمّعون في صمت متوتّر، بعضهم يتبادل النظرات بقلق، وآخرون يشدّون قبضاتهم أو يعضّون على شفاههم بانتظار النتائج. الهواء في المكان كان مشحونًا برائحة العرق والضغط النفسي، حتى خُيّل إليه أن الجدران نفسها تنتظر إعلان المصير.

لم يجعل المراقب الطلاب ينتظرون طويلًا، إذ خرج من قاعة الاختبار بعد أن أنهى هو ومساعدوه تصحيح الأوراق. بيدٍ ثابتة، قام بسرعة بتعليق لافتة تحمل أسماء الطلاب ودرجاتهم ونتائج القبول أو الرفض.

ما إن ابتعد المراقب حتى اندفع مئات الطلاب نحو اللوحة، أصوات أنفاسهم تختلط بوقع خطواتهم المرتبكة، يتدافعون بعجلة لمعرفة من تأهّل ومن لم يتأهّل.

كان أريس في مؤخرة المجموعة، ينظر بهدوء، غير أن الهواء البارد الذي كان يتسرّب من جسده جعل مجموعة قريبة منه تبتعد بغريزةٍ حذرة. لم يكن مهتمًا بالنظر إلى اللوحة، لكنه، حتى لا يبدو وحيدًا وغريبًا وسط الآخرين، قرّر أن يتقدّم ليراها.

ومع كل خطوة يخطوها، كان الجميع يفسحون المجال أمامه تلقائيًا، متأثرين بهالته الباردة والفريدة.

بسرعة وصل إلى القائمة، وعيناه تلمعان ببرود لامس قلوب من بجانبه، ثم وقع بصره على اسمه في الأعلى:

1: أريس / درجة 100 نقاط / المرتبة الأولى / تأهّل.

كان أريس قد حلّ في المركز الأول، وخلف اسمه وُجدت قائمة بأسماء آخرين، لكن أريس لم ينظر لمن بعده؛ ففي النهاية، لا أحد يهتم بالمركز الثاني فما بالك بمن هم في القاع.

استدار أريس ليرحل، لكنه لمح شخصًا يختبئ خلف عمود الممر، ذو شعر أبيض نقي... كانت سيلينا.

"يبدو أنها مهتمة حقًا بالمؤهّلين."

تذكّر أريس من حياته السابقة أن سيلينا، قبل أن تتحوّل إلى شريرة كاملة، كانت تبحث عن أشخاص أقوياء وموهوبين من أجل ضمّهم إلى فريقها.

رفع أريس شفته قليلًا بابتسامة باردة، ثم انطلق نحو موقع الاختبار الثاني. وبينما يسير، أفسح الطلاب له المجال مرّة أخرى، لكن رؤوسهم هذه المرّة انخفضت إلى الأسفل، فقد تعرّفوا عليه جميعًا: هو أول شخص خرج، وحلّ في المركز الأول.

"هذا عبقري، ويجب أن يُحترم أينما كان."

استمر الطلاب في اتّباعه بعيونهم حتى اختفى في الممر، قبل أن ينفجروا في أحاديث متسارعة:

"لقد حلّ أولًا في هذه الدفعة!"

"نعم، وقد خرج أولًا... كنت أظنّه متفاخرًا."

"همف، كنت أستطيع فعل ما هو أفضل منه."

"يا رجل، توقّف عن التفاخر! ألست أنت من كاد يبلّل سرواله من نظرته فقط؟"

تعالت ضحكات الطلاب وحديثهم حتى أصبح ضجيجًا يملأ المكان.

سيلينا، التي كانت تترقّب من خلف العمود، سمعت كلمات الطلاب. كان وجهها لا يبدو جيدًا بسبب رؤيتها لأريس مرّة أخرى.

"ذلك الوقح... هو الأول على هذه الدفعة؟"

عندما تذكّرت حديثها مع أريس وطريقة تعامله معها، شعرت بالغضب، لكن في أعماق قلبها بدأت بذرة اهتمام تُزرع ببطء.

على جانب آخر، كان أريس قد وصل إلى قاعة الاختبار الثاني، واختار مقعدًا لينتظر بقية الطلاب من أجل الدخول.

لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا؛ فبعد نصف ساعة اجتمع العديد من الشباب والشابات خارج قاعة الاختبار. شعر أريس بعيون كثيرة تحدّق به، لكنه لم يهتم حقًا.

في نهاية كان بالنسبة لهم، كان أريس نجمًا لا يمكن مسّه أو الاقتراب منه.

كان عدد الطلاب الذين تأهلوا من دفعة أريس خمسين شخصًا، شكّل كل فردين أو ثلاثة مجموعة يتحدثون فيما بينهم، ويشركون بعضهم في مخاوفهم وأحلامهم.

لكن، شاءوا أم أبوا، كانت أنظارهم تقع على أريس الذي بقي وحيدًا.

أغمض أريس جفونه قليلًا، يتأمل في خططه بعد دخول الأكاديمية، كيف سيقسم وقته بين التدريب والدراسة والبحث.

لكن فجأة، أحس بوجود شخصين أمامه، فرفع جفونه ببطء، ليظهر بريق بنفسجي لامع في عينيه.

كان يقف أمامه شخصان يملكان نفس الشعر الأحمر الناري، وملامحهما متشابهة إلى حد يجعل وجه أحدهما أنثويًا أكثر.

تعرف أريس عليهما فورًا… التوأم. نظر إليهما بعيون هادئة باردة.

استمر الثلاثة في النظر إلى بعضهم بصمت، حتى تحولت الأجواء إلى ما يشبه مباراة تحديق صامتة بينهم.

لحظ الطلاب الآخرون ذلك، وبدأت الهمسات تتناثر بينهم كدبيب النمل:

"انظروا ماذا يفعلان..."

"هل هما أحمقان ليتحديا صاحب المركز الأول؟"

استمرت الهمسات الخافتة تدور بين الطلاب، بينما ظل التوأم يحدقان في عيني أريس التي بدت لهما أشبه بهاوية لا قاع لها.

وفجأة، رمش التوأم في الوقت نفسه، ثم نظرا لبعضهما البعض بارتباك.

"اللعنة... لقد خسرت."

"أنا أيضًا."

قالاها معًا، وبدا صوتهما متناغمًا لدرجة أنه لولا اختلاف نبرة الشاب عن الفتاة لظن السامع أنه صوت شخص واحد فقط.

تنفس أريس ببرود وقال بهدوء، وصوته كخيط جليد يخترق الهواء:

"هل انتهيتم من التحديق؟ إذن ابتعدوا."

نظر إلى هذين "الأحمقين"، كما وصفهما في داخله.

فهو يعرف أنهما يملكان قدرة غريبة على رؤية "إسقاطات الروح"، ومع ذلك يمتلكان موهبة مميزة في استعمال السيف وسمَة عنصر النار، مما جعلهم يُعرفون بلقب "توأم اللهب".

حتى أن آرثر في زمنه الماضي قام بضمّهما ليصبحا فارسين إلى جانبه.

تمتم أريس في داخله وهو يراقبهما:

"كان لدي الكثير من الحوارات المزعجة معهما في حياتي السابقة..."

تذكر أول لقاء رسمي معهم في ساحة حرب عندما كان قد أصبح فارس ستة نجوم؛ يومها كاد أن يضرب رأسه بصخرة من شدة ثرثرتهما المستمرة.

كان يتساءل في البداية لماذا جندهما آرثر، لكن حين أدرك قدرتهما الغريبة على رؤية جوهر الكائنات، فهم السبب.

فقد كانت تلك القدرة سلاحًا ذا حدين، قادرة على كشف المواهب الخفية كما تكشف الجروح الدفينة.

حين سمع التوأم كلمات أريس، جلسا بسرعة بجانبه، على يمينه ويساره، في المقاعد الفارغة التي تجنّب الجميع الجلوس فيها خوفًا منه.

رمقهما أريس بنظرة جانبية صامتة، ثم عاد إلى تفكيره، قبل أن يقطعه صوت التوأم مجددًا.

"مرحبًا أيها الأول الجاد، أنا كاي."

"وأنا كيرا، ما اسمك أيها الجاد؟"

ترددت أصواتهما المزعجة في أذنيه من جديد. أخذ أريس نفسًا عميقًا، وحين نظر إليهما تذكّر رغبته في تشكيل مجموعة خاصة به.

وهل هناك أفضل من توأم يمتلكان ولاءً طبيعيًا و الموهبة اذن لماذا اتركهم لي غير؟

صحيح أن عين الملك تمنحه القدرة على رؤية المعلومات، لكن لا بأس بإضافة أوراق رابحة أخرى.

ابتسم داخليًا وقرر ببساطة: سرقتهما من آرثر ستكون خطوة مثيرة للاهتمام.

"أنا أريس. لست أولًا ولا جادًا. هل هذا واضح؟"

"نعم، سيد جاد." ×2

ارتفع حاجبا أريس قليلًا وهو يفكر بسخرية:

"ربما من الأفضل أن لا أضمّهما أصلًا... دوائر دماغهما تعمل بالعكس عن الجميع."

"سيـ..."

قبل أن ينطقا، قطع حديثهما بنظرة واحدة فقط.

عيناه القاتلتان أوضحتا جليًا أن من يتلفظ بكلمة "سيد جاد" ثانية ستكون نهايته وشيكة.

ابتلع التوأم كلماتهما، لكن المفاجأة لم تنتهِ.

فقد تحرك "إسقاط اشورا " خاص بي أريس، الذي لم يتحرك أبدًا، منذ ان حديثهم و إزعاج الذي يقومون به لكن هذه مرة نظره إليهما مباشرة بعد ان نظر اريس .

اتسعت أعينهما بصدمة عارمة، فهذه أول مرة في حياتهما يريان شخصًا يتحكم بإسقاطه.

فحتى أقوى الكائنات في هذا العالم لا تستطيع ذلك، لأنه في النهاية مجرد جانب داخلي خفي.

تذكّرا حينها كلمات والدهما قبل وفاته:

"كاي، كيرا... قدرتكما مميزة، تكشف جوهر الكائنات. لكن إن جاء يوم ورأيتم شخصًا قادرًا على التحكم في جوهره بنفسه، فاتبعوه... لأنه سيكون مصدر بداية عصر جديد. وربما برفقته ستنهض عائلتنا من جديد."

تنفس كاي ببطء، وصوته هذه المرة خالٍ من المزاح:

"إذن... سيد أريس، ما رأيك أن تكون أولنا؟"

وأكملت كيرا بابتسامة واثقة:

"نعم، سيد أريس، أخبرني برأيك. فأنا في النهاية في المركز الثاني."

حدق أريس فيهما، ثم أجاب ببرود ممزوج بفضول:

"أولًا، اسمي أريس فقط. وثانيًا... شعور المركز الأول لا أعرفه تمامًا. لكن أخبراني، ما هو شعورك أنت في المركز الثاني؟"

أجابت كيرا بصرامة، عيناها تتلألآن بعناد:

"شعور أن تكون في المركز الثاني سيء... خاصة حين يكون المركز الأول أمامك مباشرة."

ضحك أريس بخفة وسخرية:

"إذن جوابي عن شعور المركز الأول... أنه ممتع. ممتع أن أرى الجميع من الأعلى. ألا تظنان ذلك؟"

قالت كيرا بسرعة:

"نعم، صحيح. أنظر إلى أخي من الأعلى وهذا يعني أنني أفضل منه."

ابتسم كاي ببرود وهو يردّ:

"توقفي... أنتِ في المركز الثاني، لا الأول. وأنا في المركز الثالث اعلي من بدرجة واحدة فقط "

سرعان ما تحولت المحادثة إلى شجار طفولي بينهما.

أما أريس، فنظر إليهما بابتسامة صغيرة نادرة، وشعر بتسلية خفية وهو يراقب "توأم اللهب" يتقاتلان بشغف وكأنهما يستمتعان بكل لحظة.

2025/09/23 · 70 مشاهدة · 1441 كلمة
sir
نادي الروايات - 2025