20 - تم الكشف عن رقعة شطرنج

كان ضوءٌ أبيض قد أعمى نظر كلا من أريس وكاي وكيرا، وما إن انقشع ذلك الضوء حتى تَكشّفت أمامهم قاعة الاختبار الثاني. كانت القاعة مهيبة بكل تفاصيلها، تستحق أن تكون ساحة تدريب مخصّصة للنخبة والنبلاء.

الهواء كان باردًا، يحمل في طياته رائحة الحديد الممزوج بالزيت، مع أثرٍ خافت من غبار الأرض وعرق المحاربين القدماء الذين تدربوا هنا. ارتجفت أنوفهم للحظة، وكأن الرائحة وحدها كفيلة بإيقاظ غرائز القتال في أعماق أجسادهم.

امتدّت ساحة التدريب الواسعة أمامهم: على جانبٍ تراصّت الأوزان المعدنية اللامعة بانتظام يكشف عن انضباطٍ عسكري، وفي الجانب الآخر صفوف طويلة من الرفوف المحمّلة بمختلف أنواع الأسلحة، من السيوف الرفيعة إلى الرماح الثقيلة، تعكس بريقًا حادًا تحت الأضواء العالية.

وفي المنتصف، وقفت دمى التدريب الصلبة كأنها جنود بلا أرواح، تنتظر من يفرغ عليها غضبه وقوته. بينما ارتفعت في قلب القاعة حلبة قتال مربّعة، مُحاطة بأرضية دائرية ملساء صُمّمت خصيصًا للركض والاختبارات البدنية، حتى بدا المكان وكأنه مسرح للبطولة لا مجرد قاعة تدريب.

كما برز شعار الأكاديمية "القلب"، على شكل قلب يتوسطه سيف، تتطاير حوله شرارات برق صغيرة متلألئة، تبعث في المكان رهبة وكأنها تنبض بالحياة.

كان تركيز كاي وكيرا منصبًّا على القاعة، وقد جذبت أنظارهم بالكامل؛ حتى أريس نفسه صُدم قليلًا وهو يرمش بعينيه من الدهشة.

تمتم بصوت خافت امتزج فيه الإعجاب مع السخرية:

"حقًا... أكاديمية القلب تعرف كيفية توفير حياة فاخرة."

لكن سرعان ما سكنت مشاعره، فهذا أمر طبيعي في النهاية؛ فهي أقوى أكاديمية. ومع ذلك، لم يستمر أريس في التحديق بالقاعة، بل ركّز بصره الحاد على الشخصيات القريبة، أولئك الذين يُفترض أنهم المرشحون لاختبار النخبة.

كان هناك أيضًا عدة شخصيات تقف في منطقة جانبية، يتضح من ملامحهم أنهم مجرد جمهور.

شعر أريس بحرارة تتصاعد في قلبه، نية قتل كادت تنفجر لولا أنه سيطر على نفسه. أمامه تمامًا وقف أكثر شخص يتوق لقتاله: ريان، الذي كان يبتسم ابتسامة لطيفة وهو يتحدث مع فتاة بجانبه.

كانت الفتاة ذات شعر أسود طويل كالحرير، عيونها سوداء براقة، بشرتها بيضاء ناعمة، طولها أقصر قليلًا من ريان، وترتدي زي أكاديمية القلب. تعرّف عليها أريس فورًا؛ إنها أنيا، ابنة محبوبة الإمبراطور، وأميرة الإمبراطورية شمس، وأخت آرثر من أب، ولكن من أم مختلفة.

لم ترث أيًّا من صفات العائلة الملكية، وهذا ما جعلها تتعرض للاحتقار. ومع ذلك، كان على أريس أن يعجب بها؛ فبينما قد يراها الجميع حمقاء ولطيفة، كان يعلم أنها طموحة وذكية وتعرف كيف تلعب أوراقها. لكنها رغم ذلك ضعيفة ورقيقة القلب، وللأسف، في صراع عرش الإمبراطورية شمس، كان خصمها آرثر... رجل بذكائه وقوته ونفوذه، وبقلب بارد يسحق حتى ولده، فما بالك بأخته.

حتى مع دعم ريان لها، كان آرثر قد وصل إلى مكانة لا يمكن زعزعتها.

وفي الجهة الأخرى، وقف آرثر نفسه، بعيونه الشبيهة بالشمس، يرقب باهتمام كل من في القاعة.

تلاقت نظراته مع أريس؛ هدوء مقابل هدوء، برودة مقابل برودة، عقول متفحصة تتلاقى للحظة ثم تتباعد.

وكأن فهمًا ضمنيًا مرّ بينهما، إيماءة صامتة لم يلتقطها أحد سواهما.

شعر آرثر بصدمة عابرة حين لمح في عيني أريس ثقة لا تتزعزع، ولا مبالاة بما حوله، بل تركيزًا حادًا على من يقف جانبًا. ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجه آرثر وهو يتمتم لنفسه:

"يبدو أنه سيكون هناك عرض ممتع..."

ثم حرّك رأسه ببطء، ملاحظًا ريان ونظرته الشهوانية لجسد أخته وعدة فتيات جميلات، رغم محاولته إخفاءها. ابتسم آرثر بازدراء، وزفر من أنفه ببرود، قبل أن يشيح بنظره عنه.

أما أريس، فبينما كان يرقب بتركيز، لمح وجهًا مألوفًا... سيلينا. كانت تحدق فيه ببرود قاتل، عيناها تلمعان بنية خفية. رمش أريس بهدوء، ثم حوّل بصره بعيدًا وكأنه لم يلحظها، ما جعل سيلينا تكشر عن أسنانها غاضبة، أصابعها تنقبض بقوة حتى بياض مفاصلها.

رأى أريس العديد من الشخصيات التي ستصبح مهمة في المستقبل، لكنه حوّل تركيزه الحقيقي إلى مكتب ضخم خلف القاعة، يعلوه أربعة كراسٍ جلس عليها أربعة أشخاص.

لكن ما جذب انتباهه حقًا كان شخصين اثنين.

الأول: رجل عجوز يجلس مسندًا ظهره على الكرسي، أصلع الرأس، ذو لحية بيضاء كثيفة، عيناه بنيتان عميقتان تعكسان الحكمة والتجارب، ووجهه مليء بالتجاعيد. كان هذا واحدًا من أعمدة الـ12 في هذا الجيل، رجل بلغ رتبة تسع نجوم في المبارزة. تعرّف عليه أريس بسرعة... إنه ألان فورستر، مدير الأكاديمية.

أما الثاني، فكان يقف على قمة عالم السيف، ممن يجبر حتى الإمبراطور على الحديث معه باحترام. كانت هي قديسة السيف: أيلا سيلفر، امرأة عُرفت بسرعة سيفها الفتاكة التي منحتها لقب "شفرة الهلال".

كان شعرها أسود كالليل، عيناها خضراوان تتلألآن ببريق كالنجوم، وبشرتها بيضاء نقية كالقمر، جسدها رشيق متناسق يعكس جمالًا مثاليًا.

إن كانت سيلينا ذات جمال بارد لا يُمس، فإن أيلا ذات جمال نقي وناعم.

لاحظ كلٌّ من ألان وأيلا نظرة أريس التي لم تحمل خوفًا أو رهبة أو شهوة، بل رغبة صافية في القتال. ارتسمت ابتسامة لطيفة على شفتي أيلا، بينما تلألأت عيناها باهتمام، أما ألان فظل تعبيره ثابتًا بلا تغيير.

تمتم ألان في نفسه وهو يراقب أريس بتركيز شديد:

"في النهاية، لم آتِ إلى هنا إلا لأرى نسل الوحش... هل هو حقًا وحش؟"

ثم ضاقت عيناه قليلًا، قبل أن يهمس مجددًا:

"ويبدو أنني لم أخطئ... الوحوش لا تُنجب سوى وحوش."

كان أريس قد كبَتَ هالته إلى درجة الصفر تقريبًا، حتى بدا وكأنه غير موجود أصلًا. وهذا ما جعل اهتمام ألان وأيلا به يزداد أكثر فأكثر، كأن الغموض الذي يحيط به يبتلع الأنفاس.

على ساحة التدريب ظهر مراقب ضخم الجثة، تكاد عضلات صدره تنفجر من حجمه ضخم ، وشعره الأحمر الطويل الشائك يتماوج مع نسمات الريح، بينما عيونه الحادة تلمع كالشرر.

صرخ بصوتٍ هادر يشبه زئير الوحوش:

"الآن سوف يبدأ الاختبار النهائي، والذي سيشرف عليه حضرة مدير الأكاديمية بنفسه، ومعه حامية الجنس البشري، السيدة أيلا سيلفر، قديسة السيف!"

ارتجّت الساحة مع صرخته، وكأن الهواء نفسه اهتزّ من شدّة صوته، وانفجر الحماس في قلوب الطلاب الذين سوف يخضعون للاختبار، خاصةً أنه سيكون تحت إشراف اثنين من أعظم شخصيات الجنس البشري.

أكمل المراقب بصوتٍ صارم:

"الآن سوف أنادي الأسماء جميعها بطريقة تصاعدية… من أقل نتيجة إلى الأعلى."

كان هذا الاختبار يهدف إلى قياس إمكانيات الطلاب في استعمال الأسلحة.

بدأ المراقب ينادي الأسماء واحدًا تلو الآخر، وكل طالب يتقدّم بخطواتٍ ثقيلة من شدّة التوتر، ثم يختار السلاح الذي يتقنه. أصوات ارتطام الحديد بالحديد ترددت في الساحة حين واجه الطلاب دمى التدريب الحديدية المصقولة، والمغطاة بتعويذات حماية متلألئة بخطوطٍ زرقاء خافتة.

مع كل ضربة سيف أو طعنة رمح، كانت الشرارات تتطاير من سطح الدمى الصلب، بينما تردد صدى الصدمات في أرجاء المكان. الأقواس أطلقت سهامها لترتد وتتناثر شظايا الضوء حين تصطدم بدرع الحماية، والخناجر تركت خدوشًا سطحية فقط قبل أن تمحى فورًا بفعل التعويذة.

الهواء امتلأ برائحة الحديد الساخن والعرق المتصبب من جباه الطلاب، وأنفاسهم الثقيلة امتزجت بأصوات الصراخ والانفجارات الصغيرة الناتجة عن التصادم.

ثلاثون طالبًا وقفوا واحدًا خلف الآخر، وكل منهم يحاول أن يُظهر مهارته أمام عيون الحاضرين.

الوقت مرّ ببطء، حتى جاء أخيرًا دور أريس.

"الآن، الشخص الأخير... أريس، تقدّم!"

نادى المراقب أريس بصوت عميق يقصف الصمت في القاعة.

وقف الحشد متوتراً، وجوههم متشنجة بعد فشلهم المتكرر في تدمير دمية التدريب. كيف استطاع أحدهم ذلك؟ إنها دمية حديدية، مشدودة بتعويذة حماية، مستحيل قطعها... حتى فارس من رتبة نجمة واحدة لن يستطيع اختراقها. كانت رائحة الحديد الممزوجة بالزيت والعرق تخترق المكان، والهواء مشحون بالتوتر، وكأن كل نَفَس يزفره الطلاب يحمل وزن اللحظة.

نظر الجميع إلى أريس، خطواته تتردد في القاعة كدقات قلب مكتومة، كان الأخير في المجموعة... ومع ذلك، هذا يعني أنه الأول.

نظر آرثر بتمعّن إلى أريس، كما فعلت سيلينا، والكثيرون تابعوا بنظراتهم، أما ريان وأنيا فظلا في حالة عشق صامت، ريان لم يضع أحداً في عينيه.

تقدّم أريس نحو رف الأسلحة، التقط سيفاً بقبضة ثابتة، شعر بالبرودة المعدنية تتسلل عبر أصابعه. سار بخطوات واثقة نحو الدمية، صدره يرتفع وينخفض بإيقاع ثابت، وعضلاته مشدودة استعداداً للانفجار.

"حسناً، أريس، كل ما عليك فعله هو تنفيذ ضربة واحدة."

تكلّم المراقب، صوته حاد لكنه يبدو متبلّداً من الملل، كما لو أن الزمن نفسه ثقيل عليه.

أومأ أريس برأسه، ونظر نحو الدمية بعينين هادئة وتمتم لنفسه:

"هذه فرصة لا تتكرر... طالما حصلت على مكانة عالية في الأكاديمية، سأحصل على موارد أكثر."

رفع أريس السيف عمودياً فوق رأسه، أغلق عينيه وأخذ نفساً عميقاً، صدره يتسع ويضيق ببطء، كل خلية في جسده تشعر بالحركة، بالترقّب، بالقوة المحتدمة داخله.

بدأت هالة أريس تتوهج، تحيط به كلهيب متحرك، تتجه نحو السيف الذي أصبح مغلّفاً بالظلام، وكأن الظلام نفسه استجاب له.

فتح أريس عينيه اللتين تلمعان بنفسجي متوهّج، وحرّك السيف بقوة هائلة، اهتز الهواء حوله، اهتزّت الأرض تحت خطوته، وفي عيون مَن يرى، كانت خيوط المانا في أرجاء القاعة تترقّص أمامه، مشهد جميل ومرعب. ظهرت عُقدة من خيوط المانا في منتصف الدائرة السحرية على الدمية، التي بدأت تهتز تحت الضغط.

تجمَّد الهواء حوله، وارتفعت برودة غريبة تخترق أجساد الحضور، بينما اختلطت رائحة الحديد والهالة المظلمة بالهواء، شعور ثقيل يثقل الصدور.

قطع.

صوت الحديد الممزَّق ملأ القاعة بصدى رهيب، الدمية انقسمت إلى نصفين في ضربة واحدة... شيء عجز عنه الجميع من قبل. حيث إنه قطع الدائرة السحرية.

ارتطم الحديد بالأرض، اهتز الغبار في الهواء، والقاعة صامتة بالكامل، كل العيون تتسع من الدهشة، كل الحواس مشدودة، كأن الزمن توقّف للحظة، متفاجئاً بقوة أريس، وهو واقف بثبات، هادئ لكنه قاتل، منتصر بلا منازع.

2025/09/28 · 69 مشاهدة · 1425 كلمة
sir
نادي الروايات - 2025