اقترب أريس من المرأة العجوز وثنى ركبته ليصبح نظره مساويًا لنظرها. لم يتظاهر بأنه ينظر إلى البضاعة، بل وضع يده على قناع الشيطان مباشرة، بينما عيناه ما زالتا تحدقان في عيني المرأة العجوز، التي كانت بدورها تراقبه بعينيها السوداوين الغائرتين، والتجاعيد تملأ وجهها كخريطة لزمنٍ بعيد.
بدا الأمر وكأنها ترى أبعد مما يراه أي أحد. ابتسمت العجوز، وازدادت تجاعيد وجهها من فرط القِدم والخشونة، بينما انبعثت من أنفاسها رائحة أعشاب قديمة محترقة.
"أرى أنك ما زلت تمتلك عيونًا تُقَيِّم الذهب من القمامة،" جاء صوتها هادئًا، متثاقلًا، كأنه يتجاوز الزمان.
"نعم، وهذا وحده يجعلني أُقَيِّم الجميع في صنفين. وأنتِ ما زلتِ تمتلكين الذهب والقمامة." أجاب أريس بصوت ثابت لا يتأثر بشيء في العالم، كأنه قطعة من الصخر.
ازدادت ابتسامة المرأة العجوز اتساعًا، وعيناها ضاقتا بدهاء. "حقًا أيها الشاب، إذًا أين تضعني في عينك؟"
"آسف، لا أحد يمكنه أن يكون في عيني بلا قيمة." ابتسم أريس ابتسامة باردة في وجه المرأة العجوز. للحظة، بدا العالم حولهما كأنه قد اختفى؛ لم يتبقَّ سوى شخصين: من رأى الكثير وعرف الزمان جيدًا، ومن رأى الكثير ولا يهتم.
"شاب جيد، يبدو أنك اخترت طريقك الخاص."
"أجل، لكننا لسنا أصدقاء للحديث عن طريقي. الآن، بكم هذا القناع؟" كانت الشمس خلفه، حيث ألقت بظلال طويلة على وجهه، لكن عينيه كانتا تتلألآن ببريق بنفسجي حاد يقطع العتمة.
عندما رأت العجوز ذلك، تراكب خلف أريس خيال شخص لم يظهر منه سوى عينين تتوهجان بنفسجية بجانبه، كأنهما وميض من عالم آخر.
"ثلاث عملات فضية."
أخرج أريس العملات الفضية من جيبه، فسمع رنينها المعدني البارد في كفه، ثم تناول بيده قناع الشيطان. استدار بعدها وانطلق بخطوات هادئة، لكن ثقيلة كأنها تترك أثرًا على الأرض.
كانت العجوز تراقب ظهره النحيل، وابتسامتها لم تختفِ حتى اختفى أريس في زقاق مظلم تفوح منه رائحة الرطوبة والعفن، حيث جمعت أغراضها بخفة واختفت مثل شبح.
"ههه هههه! لقد كبر سيدنا الشاب، وقريبًا سيعود إلى عرينه." ضحكت بقوة وهي تتلاشى كدخان يتبدد في الهواء. لم يلحظ أحد من المارة اختفاء المرأة العجوز.
في الزقاق المظلم، كان أريس يسير بهدوء، والقناع بين يديه. رفعه ببطء حتى غطى وجهه. كان أكبر قليلًا من ملامحه، لكن عندما وجَّه نحوه طاقة الفوضى، بدأ القناع يلين ويتحوّر حتى أخذ شكل وجهه، والتصق به بسلاسة باردة كالمعدن الرطب. راحت منحنيات قناع الشيطان، التي تشبه جذوع شجرة قديمة متحجرة، تتلألأ بضوء رمادي محمر خافت يشبه الرماد المتوهج.
ـــ
في أكاديمية القلب، كان يتم إجراء نقاش حول توزيع الطلاب على الفصول. بعد انتهاء الاجتماع، بقي شخصان فقط في مكتب مدير الأكاديمية: ألان وآيلا. كانت أجواء الغرفة هادئة إلا من رائحة الورق القديم والحبر الممزوجة بخشب الأثاث العتيق.
"إذًا، ما رأيك؟" كان ألان أول من كسر الصمت الثقيل بصوت جاف.
"في ماذا؟" سألت آيلا بابتسامة غامضة وهي تعقد ذراعيها.
"لا تتظاهري بالجهل، أعرف أنك تعلمين."
"ههه، ما زلتَ كما أنت يا حضرة المدير." ضحكت آيلا قليلًا، وكانت ضحكتها خفيفة كنسمة لكنها حملت شيئًا من السخرية. "حسنًا، إنه مميز ويبدو أنه يمتلك موهبة كبيرة."
"أرى ذلك، لكن هذا التميُّز قد لا يكون جيدًا للمحيطين به، خاصة وأنه يوجد اثنان من العناصر النادرة." كانت نبرة ألان ثقيلة ومليئة بالقلق، بينما عيناه تلمعان بصرامة.
"نعم، الضوء والظلام. عنصران لم يظهرا منذ مائة سنة على الأقل، ويظهران الآن في طالبين في نفس العمر."
"إذًا ماذا قررتِ؟ هل ستأخذين ريان تلميذًا لديكِ؟"
"لا." أجابت آيلا دون أن تفكر كثيرًا، بصوت قاطع.
"لماذا؟"
"هاه، يتظاهر بالنقاء لكنه مزور، ويبدو أن تركيزه ليس على السيف."
"حسنًا، أعتقد ذلك. أما أنا، فقد كبرت في العمر وأحتاج إلى وريث يحمل الراية من بعدي."
"هل تفكر في أخذ أريس تلميذًا لك؟"
"لا أعرف، ربما نعم أو لا."
ابتسم كلاهما لبعضهما في نهاية الحديث، كأنهما يخبئان أكثر مما يقولان.
ـــ
وصل أريس إلى منزله بسرعة. ما إن دخل حتى نزع القناع عن وجهه ببطء، وألقى به على الطاولة الخشبية حيث ارتطم بسطحها وأصدر صوتًا مكتومًا. ثم أخرج من جيبه بيضة عنقاء بحجم قبضة يده، كانت دافئة بعض الشيء وتنبعث منها رائحة غريبة تشبه الرماد الممزوج بالندى. وضعها بحذر على وسادة فوق الطاولة، وجلس على كرسيه متأملًا في واجهة النظام التي ظهرت أمامه.
كان التحديث بسيطًا، حيث أضيفت قدرة على رؤية قيمة الولاء والكراهية.
رغم أنها وظيفة تبدو صغيرة، إلا أنها تلعب دورًا كبيرًا في إدارة فريق دون التعرض لخيانة.
كما أُضيف متجرٌ حيث يمكن استبدال العناصر بالنقاط:
[المتجر: مغلق (يمكن فتحه عبر 100 نقطة)]
[عدد النقاط: 0]
"إذن ما الفائدة إن كان مغلقًا بعد كل هذه الفترة من انتظاري انتهاء التحديث؟" تمتم أريس بانزعاج، ملامحه مشدودة.
شعر أن النظام ما زال غير موثوق به، تمامًا كما حدث عندما لم يخبره بجميع وظائفه.
"إذن… كيف أحصل على النقاط؟"
بعد قليل من البحث في المعلومات التي قدمها النظام، وجد أن النقاط يمكن الحصول عليها عبر قتل أي كائن حي.
وضع أريس يده على ذقنه وفكر قليلًا، عينيه تضيقان وكأنهما تلتهمان الفكرة.
"هذا منطقي وسهل الفهم… اقتل، تُكافأ بنقاط."
كان هذا تحديثًا بسيطًا، مباشرًا وسهل الفهم.
بعد أن استوعب وظيفة النظام الجديدة، قرر أن يستحم أولًا، ثم يوقّع عقد دم مع بيضة العنقاء.
وقف أريس، وبدأ يسير بخطوات هادئة نحو الحمام، دخل وأغلق الباب خلفه. كان البخار يملأ المكان برائحة الماء الدافئ الممتزجة برائحة الحجر الرطب. خلع ثيابه قطعةً تلو الأخرى، حتى ظهرت عضلاته المشدودة تحت الضوء الخافت الذي يتسرّب من فتحة صغيرة في السقف.
فتح صنبور الماء، فانهمرت خيوط الماء الساخنة أولًا على جسده، لتجعله يتنفس بعمق ويشعر باسترخاء لذيذ قبل أن يترك الماء ينهمر بلا توقف. قطرات الماء انزلقت على شعره الرمادي، لتتساقط على كتفيه ثم تنحدر على صدره كخيوط زجاجية متلألئة.
مد يده ومسح وجهه ببطء، شعر بالانتعاش وكأن ثِقلاً ثقيلاً قد انزاح عنه مع كل قطرة تتساقط على الأرضية الحجرية، محدثة صدى خافتًا. كان الحمام صامتًا إلا من صوت الماء المتساقط، لكن داخله كانت هناك عاصفة أفكار لا تهدأ.
أنهى استحمامه بسرعة، مسح جسده جيدًا، ثم لف منشفة حول خصره وخرج. ارتدى ملابس بسيطة من قماش خفيف، واتجه نحو بيضة العنقاء، أخذها بين يديه بحذر وصعد إلى الطابق الثاني حيث دخل غرفة فارغة.
كان عقد الدم كما هو واضح يحتاج إلى دماء، لكن ليست مجرد قطرة تسقط على البيضة، بل يتطلب استعمال الدم لرسم نقش سحري من أجل إتمام العقد.
وضع أريس البيضة في منتصف الغرفة، ثم أخرج خنجرًا حادًّا من مستودع النظام. صرير المعدن ارتجف في المكان وهو يقطع إصبعه، فتدفقت قطرة دم ساخنة لها رائحة معدنية قوية. بدأ أريس في رسم النقش على الأرض بحركات دقيقة، وكل خط يترك أثرًا أحمر قاتمًا كأنه يخط بفرشاة من الدم.
أولًا، رسم دائرة كاملة تحيط بالبيضة، ثم بدأ في تشكيل أشكال غريبة تشبه المجسّات. كان النقش غير معروف في هذا العالم، أو بالأصح في هذه الفترة، لأن تاريخه يعود إلى عشرة آلاف سنة.
"في ذلك الوقت… اكتشفته صدفة في أطلال قديمة، عندما كنت في عزلة تدريب." تمتم أريس، وعيناه تلمعان ببريق ذكرى بعيدة.
كانت تلك الأطلال شاهدة على تقدّم تلك الحقبة، خاصة في فنون ترويض الوحوش. هناك نوعان من العقود: عقد سيد وخادم، وعقد متكافئ.
"لو كان وحشًا عاديًا أو روحًا بسيطة، لاخترت عقد سيد وخادم… لكن هذه البيضة مختلفة."
السبب وراء اختياره لعقد متكافئ هو أنه عندما كان في طريقه إلى المنزل، استعمل عين الملك على البيضة، فظهرت له المعلومات:
[الاسم: بيضة عنقاء]
[السلالة: درجة أسطورية]
[اللقب: لا يوجد]
[الوصف: هذه البيضة لن تُظهر قوتها الحقيقية إلا بعد الفقس]
[النصيحة: قم بتغذيتها بطاقتك الخاصة وسوف تتفاجأ]
ابتسم أريس بخفة وهو يقرأ.
"قد يرى البعض أنها مجرد بيضة مميزة، لكن من يفهم معنى الدرجة الأسطورية… سيعلم قيمتها الحقيقية."
عقد متكافئ كان يحمل خصائص فريدة: مشاركة القوة، نمو مزدوج – أي أن نمو قوة أريس يرفع قوة العنقاء والعكس صحيح – بالإضافة إلى تواصل روحي سهل، وتزامن في القتال. كل شيء فيه إيجابي ما عدا عيب واحد: أن الكائن يمكن أن يعصي أوامر المتعاقد إن أراد.
كانت أرض الغرفة قد تحولت كلها إلى خطوط حمراء متشابكة من الدماء، تفوح منها رائحة معدنية قوية مع عبق غامض من الطاقة السحرية.
"الآن… الخطوة الأخيرة."
اقترب أريس من بيضة العنقاء، وأسقط عليها قطرة من دمه. ثم وضع يده عليها، موجّهًا طاقته نحو النقش السحري.
"هيا أيها الصغير… استجب لي، من أجل نشر أجنحتك في السماء العالية."
كما لو أنه استجاب لنداء أريس، بدأت طاقة سحرية قوية تتسرب من داخل البيضة، متوهجة بدفء حارق. امتزجت مع طاقة أريس، وتدفقت عبر النقش الدموي، الذي توهج بضوء أحمر متألق.
شعر أريس بنداء غامض ينبعث من البيضة، صوت ضعيف لكنه عذب، كهمس طفل لم يولد بعد:
"أريد…"
"أريد…"
"الخروج…"
ابتسم أريس بهدوء، وعيناه نصف مغمضتين وكأنهما تهدهدان النداء:
"لا تقلق… سوف تخرج. لكن عليك أن تنمو أولًا."
فجأة خمدت البيضة بعد كلماته، وتوقفت محاولات التحطيم، وكأنها استجابت لصوت أريس. بقي ضوء خافت يلمع في خطوط النقش، ورائحة الدم الممزوجة بالطاقة السحرية تملأ الغرفة.
__________
سلام عليكم وعلى أشرف الخلق حبيبنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
"أنا مسلم مؤمن، وهذه القصة هي عمل خيالي بحت يندرج تحت نوع الفانتازيا الأسطورية. لا يقصد بأي من الألقاب أو القوى الممنوحة للشخصيات التشكيك في أي عقيدة أو إيمان، بل هي مجرد أدوات أدبية لخدمة حبكة القصة."
"الشخصيات والأحداث والقوانين الكونية (الملوك، الخلود، القدر ) محصورة تمامًا في العالم الخيالي الذي بنيته، ولا تمثل بأي شكل من الأشكال معتقداتي أو رؤيتي للواقع."
"الحكم على العمل من الناحية الشرعية يعود فقط للعلماء وأهل الاختصاص، ولكني أؤكد أن نيتي كانت أدبية وترفيهية بحتة."
و شكرا لي جميع