فجأة، بدأ نقش الدم المرسوم على الأرض يتحرك ويلتوي مثل كائن حي، حيث أخذ يتجمع ويمحو كل آثاره متجهاً نحو أريس، الذي كان يحمل بيضة العنقاء في يده.
رآه أريس، لكنه لم يشعر بشيء، فقد كانت هذه الخطوة النهائية لإتمام العقد.
بدأت الدماء تزحف على جسد أريس مثل ثعابين حمراء لامعة، تزحف ببطء وتترك وراءها إحساسًا بارداً لزجاً على بشرته. أغمض أريس عينيه بهدوء، متحسساً مسار الدماء وهي تتجه نحو قلبه وبيضة العنقاء بين يديه.
لم يتحرك أريس، بل بقي ثابتاً مثل تمثالٍ من حجر. عمّ الصمت الغرفة، ولم يُسمع سوى صوته أنفاسه الهادئة. تسلّل ضوء القمر من النافذة، منعكساً على جسده العاري والدماء التي غطته، فبدا المشهد غامضاً كطقسٍ مقدس.
ببطء، بدأت حول قلبه تتشكل سلاسل دموية تتشابك كأنها أقفال أبدية، وفي الوقت نفسه ظهرت خطوط حمراء متوهجة على قشرة بيضة العنقاء.
فتح أريس عينيه فجأة، فتألق فيهما بريق بنفسجي غامق يلمع تحت ضوء القمر. شعر برابطة وثيقة تنبض بينه وبين بيضة العنقاء، رابطة حيّة دافئة. كان الإحساس لطيفاً ومنعشاً، أشبه بالجلوس أمام نار مخيم في ليلة باردة، ومعه شعر أن طاقة الفوضى في جسده أصبحت أكثف. أدرك أنه مع بعض التدريب سيتمكن من إنشاء عالم جديد، و ارتقاء في مستوي.
ابتسم بخفة وقال بصوت منخفض:
"هذا إحساس ممتع..."
مدّ إصبعه متحسساً سطح البيضة، فانبثق منها دفء حنون جعل قشعريرة خفيفة تسري في جسده. ثم تمتم بهدوء:
"حسناً... أعتقد أنني سأمارس تقنية تأمل الخلق."
جلس قرفصاء وضام يديه حول بيضة العنقاء، يهدف إلى إرسال طاقة الفوضى إليها بينما يتأمل. كان يريد أن يدرّب جسده على تكثيف الطاقة في أسرع وقت، وفي الوقت ذاته يغذّي البيضة.
أغلق عينيه، واندمج مع العالم، حتى اختفى حضوره كلياً، فلم يعد له ظل ولا حتى صوت تنفس. في تلك اللحظة، بدأت المانا من محيطه تنسحب نحوه كأنها تُجذب إلى ثقب أسود. لكن الغريب أنها لم تُبدِ مقاومة، بل اندفعت نحوه بحماس غامر، كأنها تتوق إليه.
لو فتح أريس عينيه لرأى غرفته مزينة بألوان لامعة مختلفة، تتراقص حوله كألسنة لهب صغيرة تحتفي به. مع كل نفس يأخذه، تتحول المانا إلى طاقة فوضى نقية، تسير في جسده عبر دمه وأوعيته. شعر بحرارة تجري في عروقه، حيث تغذت خلاياه، وتقوّت عضلاته، وصلبت عظامه، وازداد جلده صلابة ولمعاناً. حتى عقله بدا وكأنه يصفو ويصبح أكثر حدة، ورؤيته الداخلية تتوسع، وقلبه ينبض بقوة جديدة، بينما انفتحت مسارات طاقة جديدة في جسده.
كل عضو في جسده كان يتغذى ويتطور.
في بحره الروحي، وجد أريس نفسه يطفو بجسد شفاف، يراقب طاقة الفوضى وهي تجري داخله وتغذّيه مثل نهرٍ أبدي.
تمتم بدهشة:
"طاقة الفوضى حقاً مذهلة... إنها تغيّر وتطور بنيتي الجسدية في كل مرة أتأمل أو أمتصها. لكن... أعتقد أنني ما زلت لم أكتشف سوى قطرة من بحر قوتها."
وبينما كان غارقاً في أفكاره، باحثاً عن طريقة لفهم هذه الطاقة أكثر، فجأة شعر بوجودٍ آخر يتجلى في بحره الروحي. أصيب بالصدمة حين رأى بيضة العنقاء قد ظهرت في منتصف بحره، متألقة كنجمة صغيرة، تمتص طاقة الفوضى بنهم.
تسارع نبضه، وارتجف صوته قليل :
"ماذا يحدث؟! لماذا البيضة هنا... في بحري الروحي؟"
حيث شعر أريس بدهشة عميقة، إذ إن هذا المكان يُعد أعمق أعماق روحه و هو اساس الحياة كل فارس أو ساحر . وفجأة خطرت له فكرة:
"هل لأنها كائن روحي؟ وبسبب العقد المتكافئ، تمكنت من الدخول بسهولة إلى بحري الروحي؟"
كان هذا الاحتمال منطقياً بعض الشيء، لكنه شعر أن هناك شيئاً ناقصاً في فهمه.
"طاقة الفوضى... ربما هي السبب... لكن كيف؟"
لم يفهم أريس الجواب، لكنها شعر بالسعادة غمرت صدرة من البيضة من وجوده هنا . وبما أنها لم تشكل أي خطر، بل على العكس بدت تتغذى جيداً، لم يشأ أن يغوص أكثر في الأمر.
_____
في ذلك الصباح ارتفعت الشمس لتعلن بداية يوم جديد، وكانت مدينة القلب تضجّ بالحياة مثل محركٍ يعمل بأقصى طاقته، في يومٍ يعد الأهم في حياة الكثيرين، حيث سيدخل أطفالهم إلى أفضل أكاديمية.
تعالت أصوات الباعة وهم ينادون على بضائعهم بصوتٍ أعلى من المعتاد، فيما انتشرت في الهواء رائحة الخبز الطازج الممزوجة بدفء الأفران، وتداخلت مع أصوات خطوات المارة وطرق المطارق على الحديد في ورش الحدادة التي ملأت شوارع المدينة. حتى الأزقة المظلمة، التي نادرًا ما يصلها الضوء، غمرتها اليوم أنفاس الحياة مع تدفق العائلات التي أرسلت أبناءها الممتحَنين في الأكاديمية.
كان أريس يسير بخطوات هادئة نحو الأكاديمية، عيناه تراقبان الطريق المزدحم بالشبان والشابات الذين شاركوا في الاختبار، وقد ارتسم التوتر والخوف بوضوح على وجوههم من احتمال الفشل.
لم يطل الأمر حتى وصل إلى بوابة الأكاديمية، حيث عُلقت لافتة خشبية كبيرة تتدلّى منها ورقة طويلة تضم أسماء الناجحين وفصولهم. وقف أريس لحظة ينظر يمينًا ويسارًا بحثًا عن كاي وكيرا، لكن دون جدوى.
تمتم بصوتٍ منخفض وهو يزفر بخفة:
"يبدو أنهم ليسوا هنا..."
مدّ يده قليلًا ليتهيأ لرؤية القائمة ومعرفة فصله، لكن فجأة لمح شخصًا يقترب منه. ما إن ركّز النظر حتى تعرّف عليه: كان "باين" الذي قابله يوم تسجيل الدخول إلى الأكاديمية.
اقترب باين بخطواتٍ واثقة، وعلى وجهه ابتسامة عريضة تلمع تحت ضوء الصباح. مدّ يده لمصافحة أريس وقال بصوتٍ مفعم بالحيوية:
"ههه! لم أتوقع أن ذلك الشاب المتوتر قبل أسبوع هو نفسه من حلّ أولًا على الأكاديمية!"
أمسك أريس يده بهدوء وضغطها بخفة، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يرد بخفّة:
"ههه... مجرد حظ."
ضحك باين وهز رأسه:
"كما توقعت، أنت حقًا متواضع، على عكس بعض الأشخاص..."
لكن نبرة صوته في آخر الجملة حملت شيئًا من الكراهية والغضب المختفي خلف ابتسامته.
رفع أريس حاجبه قليلًا وسأله بنبرة فضولية:
"إذن، ما سبب زيارتك الكبيرة هنا؟"
ابتسم باين بخفة وأخرج رسالة صغيرة من جيبه وهو يقول:
"من أجل أن أعطيك هذه الرسالة حول فصلك، ولأرشدك أيضًا إلى مكان تبديل ملابس الأكاديمية."
تناول أريس الرسالة بيده، وأومأ برأسه شاكرًا، ثم فتحها ليرى الكلمات مكتوبة بخطٍ رسمي:
[إلى السيد أريس، أهلًا بك في أكاديمية القلب. نرجو أن تتألق أكثر. رقم فصلك هو 9.]
بعد ذلك طوى الرسالة بعناية، وألقى نظرة أخيرة على الورقة المعلّقة، قبل أن يتبع باين متجهًا نحو مكان استلام ملابس الأكاديمية.
...
بسرعة، ارتدى ملابس الأكاديمية.
كانت ملابس الاكاديمية تتشكل من سترة طويلة تصل إلى منتصف الفخذ، مصنوعة من قماش صوفي ناعم، يبعث رائحة خفيفة من النظافة والنعومة، بلون أساسي أنيق، تتلألأ خيوط التطريز الذهبي على الأكمام والحواف تحت أشعة الشمس وكأنها شرارات صغيرة. أصابعه مرّت على الأزرار المعدنية اللامعة، المنقوشة بشعار الأكاديمية على شكل قلب تخترقه صاعقة صغيرة، فصدر عنها صوت طفيف عند تثبيتها.
سرواله الضيق، بلون داكن، بدا عملياً ومشدوداً على ساقيه، مناسباً للحركة والتدريب، بينما ثبّت الحزام الجلدي الأنيق حول خصره، والمشبك المعدني يتألق بنفس الشعار. أما الحذاء الجلدي الطويل، الذي يصل إلى الركبة، فقد صُقِل بعناية حتى بدا انعكاس الضوء عليه كمرآة صغيرة، ومع كل خطوة أصدر صريراً خافتاً يتناغم مع حدة مظهره.
وعلى كتفه الأيمن، انسدلت عباءة حمراء ثقيلة قليلاً، مرسوم عليها الرقم (1) بخيوط بارزة حيث تم كتبت خيوط ذهبية.