بلغ دويّ صرخات حماس الطلاب ذروته لدرجة أن الهواء من حولهم اهتز بشدة، كأن السماء نفسها تستجيب لصخبهم.

لكن في هذا المشهد الصاخب، كان هناك من اكتفى بابتسامة هادئة، ومن نظر إلى الجميع بازدراء (وهم النبلاء)، ومن حافظ على برودة أعصابه، و بعض كانت عيونه المليئة بالحب والتركيز تشعّ بهدوء غامض.

أما آريس، فكان يجلس ويداه متشابكتان، وعيناه نصف مغمضتين، يراقب الموقف بهدوء تام، وكأن رائحة بخورٍ قديم تتسلل إلى أنفه، تمنحه سكينة غريبة وسط هذا الضجيج.

رفع آلان يده في إشارة آمرة للصمت، فخيم سكون مفاجئ على المكان، واختفت كل الأصوات وكأنها لم تكن. حتى صوت الرياح بدا وكأنه توقف احترامًا له.

قال آلان بصوت واضح يحمل نبرة حازمة:

"حسنًا، أنا أُقدّر هذا الحماس، لكن يجب أن تُحوّلوه إلى طاقة للنجاح والارتقاء."

توقف للحظة، لتجول نظرة حادة في أعين الطلاب وكأنها تخترقهم، ثم أردف قائلًا:

"والآن، سوف تتوجهون إلى فصولكم من أجل معرفة قواعد الأكاديمية."

تحرك آلان بخفة واختفى من على المنصة كظلٍّ عابر، تاركًا خلفه أثرًا خافتًا من طاقةٍ شفافة تذوب في الهواء. بدأ الطلاب في التفرق والانتقال نحو فصولهم، وخطواتهم المتسارعة تملأ المكان بهمهمة خافتة تشبه حفيف الأوراق في يومٍ عاصف.

"ما هو رقم فصلكم؟" سأل آريس بهدوء وهو يسير بخطوات متزنة، وذراعه تتأرجح بخفة إلى جانبه.

"التاسع، وأنت يا زعيم؟" أجاب كاي بابتسامة حماسية، بينما بقيت كيرا صامتة، لكن ارتعاشة بسيطة في كتفها دلّت على رغبتها في التحدث، إلا أن أوامر آريس كانت واضحة: كل واحد يتحدث عن نفسه فقط.

"يبدو أننا سنكون زملاء دراسة."

تبادلت أعين كاي وكيرا نظرة قصيرة، اشتعل فيها بريق حماسي، ثم نظرا إلى آريس مباشرة. شعر آريس بوخزٍ خفيف من النظرات المركزة، كأنها تمزج بين الفضول والإعجاب.

"إذًا لنذهب بسرعة إلى الفصل." قال كاي بلهجةٍ لا تخلو من الاستعجال، وبدأ يسرع في خطواته حتى دوّى صوت كعب حذائه على الأرضية اللامعة.

في أثناء سيره بخطواتٍ ثابتة، بدأ آريس يسترجع المعلومات الحيوية حول هذه المؤسسة الضخمة، التي كانت مركز الأحداث في حياته السابقة.

تذكّر أن أكاديمية القلب كانت أشبه بقلعةٍ هائلةٍ تتنفس المجد، مقسّمة بعناية، تفصل مبانيها المترامية الأطراف بين طلابها كأنها مدن صغيرة داخل مدينة واحدة.

رائحة الحجر القديم الممتزجة بعطر الزهور القادمة من الحدائق المحيطة كانت تعبق في الجو، تضيف للمكان هيبةً تليق بأسطورة.

مراكز الفصول:

في المركز، تنتصب القاعات الكبرى وأجنحة الدروس الضخمة للفصول العادية، سقوفها العالية تزينها شعارات الأكاديمية ونقوش غامضة تلمع بخفوتٍ تحت الضوء.

أما فصول النخبة فكانت تقع في منطقةٍ منعزلة وأكثر فخامة، بعيدة عن ضجيج العامة، محاطةٍ بجدرانٍ من البلور السحري الذي يعكس السماء بألوانٍ متغيرة.

التخصص والمهنة:

الأكاديمية لم تقتصر على الدروس النظرية، بل كانت مقسّمة بصرامة بين التخصصات المهنية: فرسان المستقبل يتدرّبون في ثكناتٍ ضخمة وميادين تدريبٍ قاسية، تفوح منها رائحة الحديد والعرق.

بينما السحرة يقضون أوقاتهم في برج السحر الشاهق، الذي يرتفع طبقةً فوق طبقةٍ نحو السماء، والهواء حوله مشبعٌ بطاقةٍ روحية خفيفة تلسع الجلد برقة.

مرافق الإثراء:

إلى جانب ذلك، توجد مختبرات الكيمياء المليئة بروائح الأعشاب والغازات الغريبة، وقاعات التدريب المتخصصة التي تنبعث منها أحيانًا أصوات انفجارات مكتومة.

أما من يبحث عن المعرفة، فسيجد ضالته في مكتبة الأكاديمية الكبرى، التي تُعد واحدة من أكبر ثلاث مكتبات في العالم، حيث تمتد رفوفها كأنها بلا نهاية، والهدوء فيها يشبه هيبة المعابد.

كما أن أكاديمية القلب تستعمل عملة خاصة بدل الذهب في معاملاتها الداخلية، تُعرف باسم نقاط الجدارة، تُستخدم في كل شيء: من استئجار قاعة تدريب الجاذبية إلى شراء المواد السحرية.

يمكن الحصول على هذه النقاط بعدة طرق:

1. للنبـلاء: الطريقة الأسهل — تحويل الذهب إلى نقاط، رغم أن التعامل بالذهب داخل الأكاديمية ممنوع رسميًا.

2. المهام: قبول المهمات من قاعة المهام، والحصول على الأجر مقابل إنجازها.

3. الطريقة التي يفضلها آريس: خوض الزنزانات الاصطناعية، حيث توجد وحوش وممرات إلى عوالم فرعية صغيرة، وكل انتصار هناك يجلب مكافآت من النقاط.

وباعتبارها مجتمعًا قائمًا بذاته، تحتوي الأكاديمية أيضًا على مطعم فاخر يخدم النبلاء بالدرجة الأولى، ومع ذلك فإن عامة الطلاب يحصلون على طعامٍ لا يقل جودةً عنهم.

وتضم مساحاتٍ شاسعة من الحدائق المزهرة، تفوح منها روائح النعناع واللافندر، وسوقًا يُفتح مرة واحدة شهريًا لتجارة المواد السحرية النادرة.

كما تضم مباني سكنية ضخمة تفصل بين الذكور والإناث، إلى جانب سلسلة قصورٍ مخصصة لأول عشرة طلاب في الترتيب.

تمتم آريس بصوتٍ منخفض، وابتسامة باهتة ارتسمت على شفتيه:

"ألَا يعني هذا أنني أملك قصرًا أعيش فيه باعتباري الأول في الأكاديمية...؟"

كان ذلك الشعور جديدًا عليه — فهو لم يعش في قصرٍ من قبل، ورائحة الفخامة وحدها كانت غريبة عليه. لكنه يعلم أن كل شيء هنا مؤقت، فخسارة الرتبة تعني خسارة كل شيء، فالقصر يُمنح للفائز فقط.

وهذا هو جوهر أكاديمية القلب...

مكانٌ تُقام فيه المنافسة على أشدها، حيث يمكن للطلاب أن يتحولوا إلى وحوشٍ حقيقية من أجل الصعود،

عالمٌ لا يرحم،

فإما أن تصهره الأكاديمية في لهب المجد،

أو تُدمّره في رماد الفشل.

كان أريس يسير وهو يتذكّر معلوماتٍ حول أكاديمية القلب، ورغم أنه سيلتحق بصفوف النخبة التي يدرس فيها النبلاء، إلا أنه لم يشعر بشيءٍ يُذكر.

في النهاية، هم لا شيء في عينيه... حتى الخنازير تملك قيمة أفضل منهم.

لكن هذا الفصل سيكون مختلفًا، خاصةً مع وجود تحالفٍ بين البشر، والإلف، والأقزام، وأنصاف البشر، وحتى التنانين.

عندما فكّر في كل هذا، ارتفعت شفتا أريس قليلًا وتمتم في داخله، بصوتٍ لا يسمعه أحد:

"سوف تكون لعبة ممتعة."

كانت لديه فكرة مجنونة، فكرةٌ كفيلة بأن تجعل أكاديمية القلب تهتزّ من الصدمة... لا، بل العالم بأسره سيصعق مما سيفعله بهذا الفصل.

خلفه بخطوة، كان كاي وكيرا يسيران بنظراتٍ يملؤها مزيجٌ من الرهبة والحماس، رغم أنهما لم يعرفا بعد ما يدور في ذهنه. لكن بفضل قدرتهما على رؤية إسقاط أريس، كان واضحًا أنه يُخطط لشيءٍ يفوق الخيال.

تبادل التوأمان النظرات، وفي عيونهما لمحة من التفاهم والجنون؛ كانا كشرارتين من نارٍ مجنونة لا تعرف السكون، تتّقد رغبةً في الحرق والفوضى. وباتباعهما لأريس، كانا ينفّذان وصيّة والدهما، إضافةً إلى أن أريس بدا أكثر جنونًا منهما معًا.

بدأ التوأم بإظهار طبيعتهما الحقيقية، تلك التي تبحث دومًا عن الإثارة. لاحظ أريس حركتهما الجريئة، لكنه لم يُبدِ اهتمامًا، فهو يعرف جيدًا طباعهما، ولذلك قرر ضمهما إليه حتى قبل حصوله على ميزته الجديدة في النظام، لما يجمع بينهما من جنونٍ وولاء.

بسرعة، وصل الثلاثة إلى مباني فصول النخبة. كان هناك عددٌ من الطلاب يدخلون، لكن العدد لم يتجاوز المئة تقريبًا.

في فصول النخبة، يكون عدد الطلاب محدودًا، حيث يتم توزيعهم مع طلابٍ من أعراقٍ مختلفة لتشكيل عشرة فصول، كل فصلٍ يضمّ على الأقل خمسة عشر طالبًا.

انبهر كاي وكيرا بالجدران المحيطة بالمكان، المصنوعة من بلّورٍ سحريٍّ صافٍ يعكس السماء بألوانٍ متبدّلة تشبه رقصة الضوء. كانت الألوان تتلألأ بين الأزرق والذهبي، مانحةً المكان هالةً ساحرةً وعبيرًا خفيفًا من الزهور السحرية العائمة في الهواء.

لكن ما يميز هذه الجدران حقًا هو أنها قادرة على تحمّل هجوم ساحرٍ من الحلقة السابعة دون أن تتصدّع.

تابعوا السير حتى وقفوا أمام بابٍ ضخمٍ كُتب عليه الرقم 9 بحروفٍ فضيةٍ متوهجة.

دفع أريس الباب بهدوء، فانفتح مُصدِرًا صوتًا خافتًا يشبه تنهيدةً قديمةً من الخشب السحري.

وفور دخوله، التفتت إليه أعينٌ عديدة، بعضها يحمل الازدراء، وبعضها لا يخفي نية القتل أو ضغط السلالة، محاولةً اختبار قوته أو إذلاله.

جال أريس بنظره عبر القاعة، فشاهد ثلاثة عشر طالبًا يجلسون في مقاعدهم.

كانت سيلينا هناك — بشعرها الأبيض وعينيها الزرقاوين الجليديتين — باردة الملامح، لا تختلف عن النسخة التي يعرفها من حياته السابقة.

كما رأى شابًا وشابةً بقرونٍ صغيرةٍ وبقعٍ من الحراشف على عنقيهما؛ كان واضحًا أنهما أنصاف تنين.

وفي الجهة المقابلة، جلس شابٌ وسيمٌ بأذنين مدبّبتين، من الإلف، إلى جانبه شابةٌ من جنسه بملامح أنيقة تشعّ بهدوءٍ فخم.

وبالقرب من مقدمة القاعة، جلس قزمٌ ذو لحيةٍ كثيفةٍ وخوذةٍ معدنيةٍ تُخفي نصف وجهه، وعضلاته تكاد تُمزّق ثيابه.

وفي آخر الصف، لمح أريس ثلاثة توائم بشعرٍ بنفسجيٍّ داكنٍ وابتساماتٍ باردةٍ يعرفها جيدًا — لقد قاتلهم مراتٍ عديدة قبل أن يقتلهم في حياته السابقة، وكانوا من أتباع سيلينا ضمن منظمة الشرور التسعة.

في الزاوية، كان هناك شابٌ بشعرٍ أسود يرتدي نظارات، تحيط بعينيه هالةٌ مظلمة توحي بنقص النوم وكثرة التفكير.

وبجانب النافذة، جلست فتاةٌ جميلة ذات شعرٍ أزرق سماويٍّ وعيونٍ سوداء عميقة تخفي أكثر مما تُظهر، ورائحة عطرها تشبه المطر فوق الحجر البارد.

أما الشاب العضلي ذو الشعر الذهبي والأذنين المغطّتين بالفراء الذهبيّ والذيل الطويل، فكان سكار — أمير الإمبراطورية نصف البشرية.

وبالقرب منه، فتاةٌ بشعرٍ أبيض ينتهي بلونٍ برتقاليٍّ وأذنين مكسوّتين بالفراء نفسه، يتدلّى خلفها ذيلان كثيفان يتأرجحان بخفةٍ مع كل حركة — من نسل الثعلب ذي الذيول التسعة.

ابتسم أريس، ولمعت عيناه ببريقٍ بنفسجيٍّ غامق قبل أن ينبعث منه ضغطٌ خانق جعل الهواء يثقل على صدور الجميع، حتى بدت رؤيتهم مشوّشة وكأن العالم تحوّل إلى بياضٍ مطبق.

خلفه، وقف كاي وكيرا بعيونٍ متألقةٍ بالحماس، خاصةً عندما تحرك إسقاط أشورا خلف أريس واقترب برأسه من الطلاب، ناشرًا هالةً شيطانيةً مخيفة جعلت الأرض نفسها تئنّ تحتهم.

حاول الجميع الوقوف في وجه ضغطه، لكن بلا فائدة، فقد بدا كأن الجدران نفسها تخشى الانهيار.

تمتم أريس في نفسه، بصوتٍ لا يُسمع، والابتسامة لا تزال تلوح على شفتيه:

"هذا ليس الفصل رقم 9... بل سيكون في المستقبل فصل الكارثة على هذا العالم."

هكذا، اجتمع في مكانٍ واحد عددٌ من الشخصيات التي ستهزّ العوالم يومًا ما.

زعيمة مستقبلية لمنظمة الشرور التسعة، وثلاثة من أعضائها، وإمبراطور نصف البشر القادم، والتوأم اللهب.

هؤلاء الذين كانت أسماؤهم في حياة أريس السابقة تُذكَر فيسود الصمت... وتبدأ الرعشة.

______

> من أجل مشاركة آرائك حول الرواية، وتقديم اقتراحاتك، أو حتى مناقشة النظريات وطرح الأسئلة، يمكنك الانضمام إلى خادم الديسكورد — الرابط متوفر في خانة الدعم.

2025/10/05 · 70 مشاهدة · 1488 كلمة
sir
نادي الروايات - 2025