في فجوةٍ بين الأبعاد كان كل شيء مظلماً؛ لا وجود لضوء ولا حتى لذرة منه.

هناك، وسط العدم، وُجدت طاولة مستديرة تعلوها بلورة تشعّ بهالة غامضة، تعرض بوضوح قتال أريس و انتاريس منذ بدايته.

كان هذا اجتماع الملوك أو بالأصح إسقاطاتهم. أجسادهم لم تكن سوى ضباب كثيف، كأن قوة عليا تحجب حقيقتهم عن أي عالم.

هؤلاء الملوك كانوا كائنات جبارة، لا يمكن لأي مخلوق أن يصل إليهم: ملكة التنانين، ملك الوحوش، ملك السيف، ملكة الإلف، ملك الأقزام، ملكة السحر، ملك الضوء.

حين شاهدوا كيف تم تقطيع انتاريس، ورأوا الخاتم الذي سيبقى مختوماً حتى يتحرر بعد عشرة آلاف عام على الأقل، شعروا جميعاً بارتياح عظيم.

رغم أن ملامحهم مخفية، إلا أن هالاتهم المتحمسة سببت اهتزازاً في الفجوة بين العوالم.

ارتفع صوت ملك الوحوش خشناً، وحشياً، كأنه زئير يهز الفضاء:

"أخيراً... انتهى أمر انتاريس."

تلاه صوت عذب يحمل لمسة طبيعة ودفء، كان صوت ملكة الإلف:

"نعم يا رجل، أعتقد أننا نستطيع أن نرتاح لفترة طويلة."

قهقه ملك الأقزام، وصوته كطرق الحديد على الصخر:

"هاهاها! ذلك الأحمق... غروره هو ما أسقطه. لو قَبِل بالبقاء معنا لما انتهى به الأمر هكذا. هذه نتيجة اختياره."

انطلق صوت ملكة السحر، رقيقاً ساحراً يأسر القلوب بسهولة:

"صحيح... لقد جنى على نفسه."

أما ملك السيف فالتزم صمتاً حاداً كسيف مسلول، وكذلك ملكة التنانين وملك الضوء.

كانت أنظارهم جميعاً مثبتة على البلورة، حيث ظهر أريس ساقطاً على الأرض، جسده جاثٍ وملطخ بالدماء، فيما يقترب منه رافاييل.

وحين سمعوا الحوار بينهما، تغيّرت نظرات الملوك جميعاً، انعكس الاستفهام والشك في ملامحهم الضبابية.

ارتفع صوت ملك السيف حاداً، كأنه يمزق كل شيء:

"ملك الضوء... ما معنى هذا؟"

صوت ملكة التنانين دوّى كالرعد:

"نعم، نريد أن نسمع إجابتك!"

لكن ملك الضوء ظل صامتاً، يراقب ما يحدث بهدوء، عيناه تتوهجان من خلال الضباب.

أما بقية الملوك فالتزموا الصمت، مدركين الفارق في المستوى بين ملوكهم: ملك الضوء، ملك السيف، وملكة التنانين، إضافةً إلى من كان في السابق أقواهم جميعاً... ملك الدمار انتاريس.

تكلم ملك الضوء أخيراً، صوته هادئ بارد لا يعبأ بالضغط:

"ماذا تقصدون بالإجابة؟"

ضربت ملكة التنانين الطاولة بقوة، فاهتزت الفجوة من أثرها:

"لا تتذاكى... أنت تفهم جيداً ما نقصد!"

ابتسم ملك الضوء ببرود:

"أوه... تقصدون لماذا أمرتُ رافاييل بالتخلّص من ذلك البشري؟"

كان صوت ملك السيف ثقيلاً صارماً:

"نعم، ونريد إجابة مُرضية."

تنهد ملك الضوء بخفة:

"أليس الأمر واضحاً؟ لكي يستمر الجميع في الإيمان بنا."

ضحك ملك الأقزام ساخراً:

"هاهاها! ملك الضوء، لا تدّعِ البراءة. حتى الأحمق يعرف أنك تهتم بأمرٍ ما."

رفع ملك الضوء نظره عن البلورة للحظة، ثم أعادها:

"الأمر من أجل مصلحة الجميع. أم تفضلون أن يستعمل هذا البشري بئر العوالم ويولد ملك جديد؟"

ساد الصمت بين الملوك للحظة وهم يتأملون كلماته.

قالت ملكة السحر بصوت منخفض، وهي تميل برأسها وكأنها تفكر:

"لكنه مجرد مستعمل سيف... لا يحمل بذرة قانون حتى."

تبعها صوت ملك الوحوش الوحشي:

"صحيح، لا أمل له في الصعود إلى مرتبة الملوك حتى لو استعمل بئر العوالم."

لكن ملك الضوء ردّ بنبرة باردة:

"ربما... لكن هل أنتم متأكدون أنه سيتبع قانون السيف فقط؟ ماذا لو اختار قانون الظلام؟"

انفجر ملك السيف ضاحكاً، صوته كسخرية تجرح الآذان:

"هاهاها! إذاً هذا هو سببك؟ أنت خائف من مجرد احتمال ضعيف، أقل من 0.1% أن يفهم قانون الظلام؟"

تأمل ملك الضوء البلورة بتركيز، ثم قال ببطء:

"هل نسيتم تلك النبوءة؟ عندما يحل الظلام، سيزحف سيد الظلام، وجيوشه ستغرق العوالم في الموت والفوضى."

زمجرت ملكة التنانين بغضب، صدى صوتها كالبرق:

"أتصدق بتلك النبوءة؟! خصوصاً أنها خرجت من فم انتاريس نفسه؟"

وبينما يتجادلون، اهتز بئر العوالم فجأة، وأطلق ضوءاً ذهبياً عظيماً اخترق السماء تسبب في ارتجاف عوالم ، اندفع من الفجوة متجهاً نحو الأرض، حيث فجّر أريس نفسه.

صُدم الملوك جميعاً.

"ماذا؟!"

"ما الذي يجري؟!"

انتشر الضوء الذهبي عبر العوالم كلها، وغمرها كطوفان من النور.

عندها، بدأت تروس الزمان تتحرك، لكن ليس نحو الأمام... بل نحو الخلف!

في لحظة خاطفة، اخترق الضوء روح أريس وسحبها، ثم اختفت من أمام أعين الجميع.

سادت رهبة ثقيلة بين الملوك.

فـ بئر العوالم، شيء الغامض... لا أحد يعرف كيف وُجد. هل كان طبيعياً؟ أم من صنع يدٍ مجهولة؟ لكن ما عُرف عنه أنه يجمع طاقات العوالم ، لا احد يعرف كيف يمكن استغلال قوته الي أنه يمتلك نمط واضح و هو يقدم مكافاة لي اي شخص انجاز شيء لا احد يستطيع فعله ، و هو يملك قدرة غريبة لا تُقاوم.

وأخطر تلك القدرات: العودة بالزمان.

لا أحد في الوجود استثناء أمامه... لا الملوك، ولا حتى الهاوية نفسها ، بدأ زمان يعود الي وراء و جميع احدث و ذكريات بدات تختفي ، كان عوالم يتم اعادة كتابته من جديد .

_______

كانت السماء زرقاء صافية، والغيوم البيضاء تسبح ببطء مثل أسماك في بحرٍ واسع، بينما الشمس الذهبية معلّقة في الأعالي كجوهرة تزيّن السماء وتُنير درب الجميع.

ارتفعت أصوات الباعة وهم يصرخون على بضاعتهم، واختلطت بخطوات المارّة في الشوارع المزدحمة، حيث كان الهواء مشبعًا بروائح التوابل والخبز الطازج.

كانت المدينة صاخبة، تتحرك مثل محرك ضخم يعمل بقوة هائلة؛ هنا يُسمع رنين الذهب في أيدي التجار، وهناك يتردّد صوت طرق الحديد في ورشات الحدادة، يتخلله وقع خطوات الجنود أثناء دورياتهم. بين الجموع يمكنك رؤية مغامرين يحملون أسلحتهم ودروعهم، يجرّون خلفهم فرائسهم الملطّخة بالدماء.

في أفق المدينة ارتفع مبنى ضخم، ومن بعيدٍ كان يُسمع صدى أصوات التدريب. أمام بوابته العملاقة، اصطفّت صفوف من الشباب القادمين والذاهبين، بينما توقفت بين الحين والآخر عربة فاخرة يترجّل منها نبلاء بملابس أنيقة.

كان الجميع يتجهون نحو أعظم مكان: الأكاديمية – القلب، المكان الذي يتخرّج منه أقوى الفرسان والسحرة والكيميائيين والمروضين. الأكاديمية التي يفخر بها الجنس البشري حتى سُمّيت بالقلب، لأنها تضخ دماءً جديدة في جسد القارة البشرية.

لكن هذه السنة كانت مختلفة قليلًا؛ فقد ازدحمت البوابة بوجوه جديدة من مختلف الأجناس: الأقزام، الإلف، الأشباه البشريين، وحتى بعض التنانين.

فمنذ فترة أُعلن عن تحالفٍ بين البشر وبقية الأعراق لمواجهة خطر الأورك ومصاصي الدماء والمستذئبين. ولتعزيز هذا التحالف تقرر أن ينضم جيل جديد من الشبان – بعمر الخامسة عشرة – من مختلف الأعراق إلى الأكاديمية، ليشكّلوا معًا عمود الانسجام المركزي بين الشعوب.

وسط هذا الزحام، كان يسير شاب ذو شعر رمادي، وجهه وسيم وعيناه البنفسجيتان تعكسان بريقًا هادئًا، وعلى طرف فمه ندبة عمودية صغيرة تكاد تُخفيها ملامحه الباردة. ارتدى ملابس بسيطة من قطنٍ نظيف بلونٍ أسود، رغم بساطتها بدت مرتبة.

كان يمشي وحيدًا بخطوات ثابتة، عيناه متقدتان بصفاءٍ غريب لا يحمل ذرة توتر.

تمتم بهدوء، وصوت أنفاسه يكاد يختلط بضجيج المدينة:

"هاه… من كان يعتقد أنني سأعود بالزمن إلى اليوم الذي تجسّدت فيه في هذا العالم؟"

هذا هو أريس، الذي أعاده بئر العوالم إلى اللحظة التي وُلد فيها من جديد.

تذكّر بوضوح كيف استيقظ البارحة بعد أن ظنّ أن رحلته انتهت. لكنه استيقظ مجددًا في بيئة مألوفة لم يستطع نسيانها: تلك الغرفة الضيقة التي فتح فيها عينيه يوم تجسيده الأول.

في حياته السابقة لم يكن سوى إنسان عادي من القرن الحادي والعشرين، يعمل بسلام في شركة خاصة حتى مات من شدّة الإرهاق بسبب عملٍ إضافي أُجبر عليه من قِبل مديره القاسي.

وعندما فتح عينيه في هذا العالم، واستقبل سيل الذكريات، اكتشف أنه عالمٌ خارق. وبصفته متابعًا للأنمي والروايات، اعتقد أنه سيكون البطل المختار، محظوظًا بالقدَر والغش، يغزو العالم ويكسب الجمال.

لكن الواقع كان صادمًا. وُلد كإنسان عادي بين عامة الناس، بلا موارد، بلا سند. التحق بالأكاديمية – القلب – لكنه كان في القسم العادي، لا في النخبة. شعر بالإحباط، لكن بفضل عقليته المجرّبة كمَن بلغ أشدّه، بدأ بالتدرّب بجدية.

عاش منعزلًا، غريب الأطوار، عرضةً للتنمّر من أحد النبلاء الشريرين. حينها ظن أن الوقت قد حان ليبدأ قصته كبطل… لكن بدلاً من ذلك تلقّى الضرب والإهانة، لولا تدخل أول شخص اعتبره صديقًا.

منذ ذلك الحين، بدأ يتبع خطى ذلك الصديق، خطوة بخطوة، حتى تخرّجوا معًا. انضم إلى الجيش لدعمه، وارتقى بالقتال والتجارب، حتى صار في النهاية أحد الأعمدة الاثني عشر الذين ترتجف القارة أمامهم.

لكن مع مرور الزمن، رأى الوجه القبيح للعالم: فساد النبلاء، ظلم الحكام، خيانة الأصدقاء. حتى صديقه الذي ساندَه خانه مع حبيبته. وفي النهاية، حتى رفيق دربه الآخر طعنه في ظهره. في النهاية، كلهم خذلوه… حتى رافاييل.

مرت الذكريات أمام عينيه كالعاصفة.

ضغط بقبضته وتنهّد بعمق:

"هذه المرة… ستكون اللعبة حسب قواعدي."

بفضل ذكرياته القديمة، سيستطيع تجاوز حياته السابقة وبلوغ مستوى أعلى، خصوصًا بعدما اكتسب أخيرًا نظامًا.

"حالة."

ظهر أمامه شاشة شفافة:

[الاسم: أريس

الألقاب: لا شيء

المهنة: لم يتم فتحها

الصفة: ظلام

الموهبة: تقرّب سيف وسحر SS+ (موهبة تجعلك بارعًا للغاية في السيف والسحر معًا)

المهارات:

عين الملك – (تسمح لك بكشف جميع معلومات و جوهر الكائنات الحية والعناصر)]

ابتسم بخفة، وارتجف جفناه للحظة من الانفعال:

"بصراحة… ما زلت مصدومًا من أنني أملك موهبة في السحر. في حياتي السابقة كنت اعرف اني موهوبًا في السيف فقط. أما عين الملك هذه… فهي مهارة لا تُقدّر بثمن."

رفع رأسه ببطء نحو صورة الأكاديمية وبوابتها الضخمة، بينما ازدحمت أنفه بروائح الغبار والعرق والجلود اللامعة للفرسان.

"حسنًا… لنبدأ بدخول الأكاديمية ووضع خطة مناسبة. لكن أولًا… عليّ الحصول على ذلك العنصر."

وبخطوات هادئة، تقدّم أريس نحو مكان تسجيل الدخول، وأخرج شعار القبول من جيبه، والضوء ينعكس على عينيه البنفسجيتين.

______

من أجل دعم اترك تعليق

2025/09/06 · 115 مشاهدة · 1426 كلمة
sir
نادي الروايات - 2025