لما يضع أريس سبب تغير موقف امرأة عجوز عما يتذكره من حديث ريان في حياته السابقة في رأسه، حيث من المستحيل أن تكون هناك علاقة بينهما، لأنه لم يكن لديه أحد قريب لها، حتى أبيها قد مات قبل أن يتجسد في هذا العالم. ومن خلال ذكرياته، كان ينتمي لعائلة عادية لا صلة له بالنبلاء، حتى أنه بحث عن أقربائه ولم يجد أي أثر.
أما بالنسبة لفكرة أن يتذكر أحد ما حدث في حياته السابقة، فقد نفى أريس هذه الفكرة؛ حتى الملوك لا يمتلكون قوة ليوقفوا أمام بئر العوالم. رغم عدم معرفته سبب عودته بالزمن، إلا أنه ربطه بـ"بئر العوالم"، حيث هو الوحيد الذي سوف يملك قوة من أجل تغيير قانون العوالم.
تمتم أريس لنفسه بهدوء، بينما كان يمر عبر أزقة مظلمة، والهواء رطب يحمل رائحة الرطوبة والعفن، تتساقط قطرات ماء من سقوف البيوت المتهالكة على حجريه، فتخرج صوت قطرات خافتاً كهمس:
"أذكر أن رافاييل قالت إن بئر العوالم شيء غامض وقوي في نفس الوقت، حتى الملوك لا يمتلكون قدرة على إيقافه عندما يعمل."
أما سبب عودته، رغم أنه تمنى في حياته الماضية أن يعيش من أجل نفسه ويحصل على حب ورفاق جديرين بثقته، يجب أن يكون بئر العوالم قد استجاب له. لكن في الحقيقة، رغبته الحقيقية التي كانت في قلبه كانت مجرد لعبة دور كذلك.
بينما كان أريس يسير وحيدًا بين ظلال الأزقة، تتدرج الظلال معه في الظلام، وكأنها تندمج مع حركته، وصوت خطوته يختفي كما لو أنه يسير في لامكان. شعر ببرودة خفيفة تلسع يديه عند ملامسته للجدران الرطبة، وفي النهاية، كان قدره أن يعيش في الظل والظلام، لكن هذه المرة سوف يخرج من الظلام ويقف في الضوء من أجل أن تزداد ظلامه قوة. كما يقال، كلما كان الضوء أقوى، زاد الظلام قوة؛ هذا التوازن موجود منذ الأزل.
خرج أريس من الأزقة المظلمة ودخل شوارع مزدحمة، حيث كانت الشمس مائلة ولونها يميل إلى الاحمرار، والهواء يحمل رائحة الطعام والخبز الطازج من المتاجر القريبة، مع خيوط ضوء الشمس التي تلتمع على وجوه المارة وتنساب على الأسطح المعدنية للمحال.
في نفس الوقت، تغيرت تدابير القدر؛ أمام متجر كان أريس فيه، وصل ضيف مميز: شعره أشقر، عيونه زرقاء سماوية، بشرته بيضاء، ووجهه يجذب كل امرأة تمر بجانبه مثل مغناطيس، حيث كان القطب الموجب يجذب القطب السالب.
لو رأى أريس هذا الشخص، هل تعرف ماذا سيقول؟
"أهلاً بي بطل العاهرات."
هذا ريان، بطل هذا العصر، يحمل قوة ملك الضوء، ابن غير شرعي لدوق حديد الذي يحرس جنوب الإمبراطورية. وُلد ريان بموهبة في السيف وعنصر الضوء وكاريزما القائد، لطيف ويقدم المساعدة لكل من يحتاج، وشخص يمكن القول إنه شمس دافئة تُبدد الظلام. لكن لا يوجد إنسان كامل، وكل شخص له عيوب: لم يُحوّل يومه لإصلاح نفسه، نرجسي، يعتقد أن كل شيء يجب أن يُطاع ويُبجّل من الجميع، ضعيف الذكاء الاستراتيجي رغم امتلاكه كاريزما القائد، شخص ضيق الأفق، ينتقم من أي من أساء إليه حتى بطريقة غير مباشرة، ويجعل الأمور صعبة بطرق مختلفة. والأسوأ، أنه زير نساء؛ لو سأله أريس عن عدد النساء اللواتي نام معهن، سيجيب: "نسية عاد رجال". وصل به الأمر لأخذ حتى النساء المتزوجات، رغم أنه لم يستخدم القوة بل كلمهن بكلمات معسولة.
وقف ريان أمام متجر قديم.
"معلمتي، هل أنتِ متأكدة أن هذا المكان؟"
تحدث ريان لنفسه، لو رآه أحد لقال إنه مجنون. فجأة خرج صوت عذب:
"نعم، من المفترض أنه هنا، لكن هالة اختفت."
تغيرت عيون ريان قليلًا وتحولت إلى القسوة:
"اللعنة، من أخذ عنصري، عندما أجده..."
قطعه صوت مرة أخرى:
"ريان، لا تدع لذلك، ربما هذا العنصر ليس مقدرًا لك."
حول ريان جدله:
"لكن..."
تحول الصوت من عذب إلى صارم لا يقبل جدل:
"ريان، كما أخبرتك، اترك هذه العادة السيئة. تذكر أنك وريث فن سيف الفجر، ومقدر لك القمة، يجب أن تتحكم في أفعالك."
عندما سمع ريان نبرة الصوت، استسلم وفهم أن معلمته على حق.
كان ريان يرتدي خاتمًا أسود لم يكن مظهره مميزًا، لكن هذا الخاتم أكبر سر لديه، حيث دخله كانت توجد امرأة شابة جميلة ذات شعر أصفر وعيون خضراء، وجسدها نار يُسحر قلوب جميع الرجال، لكن كان جسدها شفافًا حيث كانت في هيئة وهمية. كانت تهز رأسها بخيبة أمل طفيفة من سلوك تلميذها.
تنهدت: "لو لم يغير عادته هذه، سوف ينتهي أمره ميتًا، ربما كان عليّ مراقبته قبل خروجه وعقد الصفقة."
قبل سنتين، وجدت ريان الخاتم الذي تم سجنه فيه، ولأنه شعر بقربه من عنصر الضوء وشخصيته لطيفة وضعيفة، قررت أنه تلميذ مناسب، فاتفقت معه على صفقة: تعليمه كل شيء، وفي المقابل مساعدته في بناء جسد جديد ومساعدته على الانتقام.
هكذا بزغ ريان كعبقري، لكن بدأت شخصيته الحقيقية تظهر، ومع مرور الوقت شعرت كل مرة برؤية أفعاله بالندم، لكنها لم تستطع فعل شيء. في النهاية، أين ستجد وريث فن سيف الفجر وتساعده؟
---
على جانب آخر، في الأكاديمية، في مكتب مدير الأكاديمية، كان رجل عجوز يجلس خلف مكتب يتأمل تقريرًا. كان أصلع الرأس، لحية بيضاء كثيفة، عيون بنية عميقة تعكس الحكمة والتجربة، ووجهه مليء بالتجاعيد. كان هذا واحدًا من أعمدة الـ12 في هذا الجيل، رجل وصل رتبة 9 نجوم في المبارزة.
كان هذا ألان فورستر، مدير الأكاديمية، ينتمي إلى عائلة فورستر الملكية، لكن لا تعتقد أنه وصل إلى منصبه بسبب عائلته، بل بقوته. هذا رجل عجوز قصير تسبب في قتال آلاف من الأورك، وقتال العديد من قادتهم، كما قتال ضد مصاصي دماء وذوي الدم النقي. وصل إلى ما عليه بالدم والحديد.
خرج صوت هادئ يحمل ثقل:
"إذن وصل، ربما ذلك العجوز سيكون سعيدًا بسماع هذا الأمر."
قبل دقائق، أخبرته سكرتيرته أن هناك طالبًا تقدم لتسجيل الدخول، وفي ذلك الوقت قدم وثيقة قبول تحمل ختمه الشخصي.
تذكر مباشرة أنه لم يستخدم ختمه الشخصي إلا ثلاث مرات في حياته، و تم استعمل وثائق الأوليان، فبقية وثيقة تحمل ختم واحد فقط.
بينما كان ألان فورستر يفكر، مر ضوء عبر عينيه:
"يبدو أن هذا العام سوف يأتي بعديد من العباقرة، لكن يبدو أن بينهم سيكون وحش."
ظهرت مباشرة ذكريات تعود لعقود عندما بدأ رحلته، مشاهد لرجل طويل القامة كيف أباد آلاف من الوحوش بتلويحة من سيفه، بقي في ذهنه حتى بعد كل هذا الزمن.
"في نهاية الوحش يجب أن يكون نسله وحوش."
كان يريد حقًا رؤية الشاب الذي منح حقًا استخدام ورقة القبول الخاصة.
---
في منزل مكون من طابقين، كان أريس يجلس في غرفة فارغة، مرتديًا قميصًا أبيض قصير الأكمام وسروالًا قصيرًا، فقد كان فصل الصيف. كان ينظر إلى ضوء القمر المتسلل من النافذة.
تمتم أريس بهدوء:
"أعتقد أنني يجب أن أنظم أفكاري وأخطط."
ارتجف جسده قليلًا من برودة الليل، شعر بالهواء البارد يلامس يديه، ورائحة الخشب القديم تختلط برائحة الغبار، بينما ظل الضوء الفضي للقمر ينساب على وجهه، يلقي ظلالًا خفيفة على ملامحه، وكأن الظلام والضوء يتصارعان داخل غرفته الصغيرة.
"أولاً، لدي أسبوع قبل دخول الأكاديمية من أجل خضوعي للاختبارات، وهذا سهل، لكن المشكلة هي إيقاظ هالة… رغم أنني أعرف العديد من التقنيات، إلا أن جسدي هو المشكلة حيث لم يخضع لتدريب."
أغلق أريس عينيه وبدأ يفكر في حل بين ذكرياته. لم يستغرق الأمر طويلًا، وظهرت عدة حلول، لكن كانت كلها إما تحتاج إلى موارد غالية وثمينة، أو تسبب آثارًا جانبية.
فجأة فتح أريس عينيه، وبدأت تلمعان ببريق:
"نعم، يمكنني استخدام تلك الطريقة، والموارد متوفرة في كل مكان، لكن المشكلة أنني لا أملك الكثير من المال."
كان بين معلوماته طريقة لتعزيز جسده في فترة قصيرة، وهي أسهل لكنها تحتاج إلى أموال.
فكر في بيع المنزل، حيث سيجني الكثير من الأموال، خاصة أنه في المدينة القلب رغم أنه ليس قريب من مركز الي أنه يمتلك موقعا استراتيجيًا ، المدينة التي تعتبر حصنًا لجنس البشري، وأي شخص سيشتريه. لكنه رفض هذه الفكرة، لأنه كان لديه خطط لاستغلال قطعة الأرض هذه، ففي حياته السابقة باع منزله بعد ان دخل الأكاديمية في القلب، ولم يكن سوف يعود له بعد التخرج. كان ذلك جعله يخسر موقعًا استراتيجيًا يمكن استغلاله.
في هذه الحياة قرر عدم بيعه، من أجل بناء خطة تجعله يجني أموالًا طائلة في المستقبل، وبناء شبه استخبارات.
بينما كان يفكر في كيفية كسب المال، سمع صوت قتال في الخارج. جذب صوته انتباهه بسرعة، واقترب من جانب النافذة حيث أخفى نفسه، ونظر إلى قتال يدور في الشارع.
كان أطرف القتال بين عصابتين: عصابة الدب البني وعصابة الثعبان الأسود.
كان الوشم على أجسادهم أكبر دليل على هويتهم. فجأة، جاءت ذكريات عندما تجسد لأول مرة، وحدث قتال بينهم لأول مرة، ورأى الدماء، فتذكر اختباؤه في زاوية مثل فأر صغير.
أم بالنسبة ، أين جنود الدوريات؟ حسنًا، هناك قاعدة غير معلنة: لا تتدخل في قتال العصابات وإلا ستموت، وعلى العصابات عدم القتال في النهار أثناء نشاط الناس.
ظهر بريق في عيني أريس.
"كانت احتاج إلى المال… وهو جاء."
كانت خطة أريس سهلة: القضاء على العصابتين وجمع أموالهما.
أما سبب ثقته، فهو قلادة الظل حول رقبته، التي تسمح له بالاندماج مع الظلال بعد تفعيل و طريقة سهلة قطرة دماء و تصبح قلادة الظل ملكه و لا يمكن أستعملها من قبل طرف اخر . هذا سيسهل عليه التخلص من العصابتين عن طريق الاغتيال والسرقة.
"بهذه الطريقة يمكنني التخلص من العصابتين… لا، لماذا أكتفي بواحدتين؟ سأخلص من جميع العصابات."
ظهر بريق قاسي في عينيه، وتذكر معاناته مع العصابات، التي سببت فوضى عند هجوم إرهابي على مدينة القلب.
لكن قبل ذلك، عليه الاستعداد قبل الانطلاق.
"أعتقد أنني يجب أن أجرب صندوق التوليف."
لم يستمر أريس في المراقبة، بل توجه نحو الطابق الأول وأخرج كل السكاكين في المنزل، وجمع كل الشفرات التي تركها له والده.
من بينها كان هناك خنجر ذو مظهر مميز، أسود اللون، بمقبض ملفوف بشرائط جلد حيوان، لكن ما يميزه هو جمجمة خفاش في نهاية مقبض . لكن للأسف، كان مجرد خنجر عادي.
هكذا بدأ أريس توليف كل السكاكين والشفرات، من أجل الحصول على خنجر ودمجه مع الخنجر الأسود.
____
اتمنى ان يعجبكم فصل و فضل و ليس أمر اترك تعليق من أجل دعم و رايك