كان أريس يريد تجربة صندوق التوليف ليرى إن كان يستطيع توليف أشياء عادية من أجل الحصول على عنصر سحري، لكن هذا الأمر كان صعبًا جدًا.
تمتم وهو ينظر إلى الصندوق بعينين مثقلتين:
"يبدو أن فكرتي قابلة للتنفيذ… لكن من أجل الحصول على عنصر سحري من فئة أبيض أحتاج إلى ما لا يقل عن مئة سكين."
في هذا العالم يتم تقسيم العناصر إلى عدة فئات:
الأبيض، الأسود، البرونزي، الفضي، الذهبي، الذهبي الأسود، الألماس، وأخيرًا الأسطوري.
تُعد الأسطورية أقوى الرتب، مثل قلادة الظل وصندوق التوليف الذي يمتلكه أريس.
وبطبيعة الحال، هذا ليس الحد الأقصى، فهناك رتب أعلى… لكن أريس لم يرها من قبل.
كان الفجر قد بدأ يحلّ، والسماء تتلون ببطء بظلال رمادية وزهرية، بينما أريس ما زال جالسًا أمام صندوق التوليف. لم ينته بعد من عملية الدمج، ليس لأنه يملك عددًا هائلًا من السكاكين، بل لأنه لا يمتلك سوى أحد عشر سكينًا، إضافة إلى خنجر أسود قديم.
كان الصندوق أمامه أسود اللون، يشبه صندوقًا خشبيًا وكأنه من صنع شيطان، يميزه شكلان: أحدهما أشبه بفم يبتلع، والآخر مخرج يلفظه. بعد تفعيله، ظهرت نقوش غريبة تتوهج بخيوط ضوء زرقاء وصفراء. في كل مرة يضع سكينًا داخله من جهة الفم الذي يبتلع، يهتز الصندوق قليلًا مُصدرًا أزيزًا منخفضًا يشبه أنين الأرض نفسها. أحيانًا يتسرب من شقوقه بخار أبيض بارد له رائحة معدنية حادة، وأحيانًا شرارات صغيرة تلمع وتختفي في لحظة، قبل أن يلفظه الفم الآخر.
بدا التعب واضحًا في حركته وهو يمد يده ببطء، يضع السكاكين واحدًا تلو الآخر داخل الصندوق. كان سبب بطء العملية أن صندوق التوليف يستعمل مانا السماء والأرض في عمله، فتشعر وكأن الهواء المحيط به يثقل فجأة، والرياح الهادئة تتوقف عن الحركة لحظة مع كل ومضة ضوء تنبعث منه.
ارتجف قلبه للحظة وهو يرى الصندوق يضيء بلون أرجواني غامق، قبل أن يخفت ببطء وكأن الأمر لم يحدث. تنهد بعمق، مسح العرق عن جبينه بيده المرتجفة، وأغمض عينيه:
"أعتقد أن الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا…"
كان أريس يشعر بالنعاس، في النهاية هو إنسان عادي من لحم ودم لم يدخل مسار الاستثناء بعد.
ارتفعت الشمس بهدوء وبدأ النشاط في المدينة، مثل وحش عملاق كان في سبات وها هو الآن يستيقظ. أصوات الباعة، وقع الأقدام، ورائحة الخبز الطازج والعرق والدخان امتزجت معًا، مما جعل أريس يتحمل البقاء مستيقظًا.
في العاشرة صباحًا، كانت الشمس عالية في السماء تنشر ضوءها وحرارتها شيئًا فشيئًا. كان أريس قد انتهى من التوليف ولم يبقَ له سوى الخنجر الذي حصل عليه من الدمج. كانت شفرته حادة لدرجة أنه يمكنه تقطيع اللحم بسهولة، مثل سكين ساخن يشقّ الزبدة، وعلى الجانب الآخر خنجر أسود.
"أخيرًا أستطيع النوم بعد أن أضعهما في صندوق التوليف."
لاحظ أريس أن كلما كان العنصر الذي يقوم بتوليفه أقوى، استغرقت العملية وقتًا أطول. لذلك قرر وضع خنجرين في الصندوق وذهب للنوم. وقبل أن يغفو، تأكد من أن العمليات تسير بسلاسة، ثم أغلق نافذة الغرفة والباب بإحكام. وما إن وضع رأسه على الوسادة حتى نام مباشرة.
لكن في تلك اللحظة، حدث شيء غريب في الغرفة المجاورة حيث يوجد صندوق التوليف. انبعث منه ضوء أسود وانتشر دخان مظلم غطّى الغرفة بأكملها، حتى صارت تغرق في ظلام خانق. الغريب أن هذا الدخان المظلم أو الضوء الأسود لم يخرج من الغرفة، بل كان محصورًا بجدرانها.
فجأة، انبثق ضوء أسود كثيف من الصندوق، وبصق خنجرًا أسود لم يتغير شكله كثيرًا، مقبضه ما زال ملفوفًا بشرائط جلد حيوان، لكن ما يميزه هو جمجمة خفاش صغيرة في نهايته. ازداد لونه سوادًا، وأصبح يشع بهالة خفيفة لكنها خطيرة، حتى أن الهواء حوله صار ثقيلًا ورائحته كأنها رماد محترق.
بدأ الدخان المظلم يتراجع بهدوء إلى داخل الصندوق، وكذلك الضوء الأسود، حتى لم يبقَ في الغرفة سوى ذلك الخنجر الذي يشع بهالة خافتة ولكن مخيفة.
ارتفعت الشمس والوقت يتبعه، حتى أصبحت الساعة الخامسة مساءً. استيقظ أريس من نومه، شعر أن التعب قد رحل وحلّ محله جوع شديد.
توجه مباشرة إلى المطبخ، أخرج قطعة خبز أسمر وقطعة لحم مجفف، وتناولها بسرعة.
"بصراحة لم أستطع أن أعتاد على طعم الخبز الأسمر واللحم المجفف…"
رغم أن أريس لا يحب تناولهما، إلا أنه لا يملك ما هو أفضل. وما إن أكل حتى شعر بجوعه يختفي.
"يجب أن تكون عملية التوليف قد انتهت."
صعد أريس إلى الطابق الثاني، وصوت خطواته كان وحيدًا يتردد في المنزل الخالي. وعندما دخل الغرفة، شعر بخطر غامض.
بسرعة أخذ وضعية دفاع، عيناه تمسحان المكان بحذر. لم يكن هناك شيء… سوى خنجر أسود موضوع على الطاولة، يتسلط عليه شعاع شمس من شق نافذة.
"هل هذا الخنجر مصدر الخطر؟"
لم يفهم أريس سبب شعوره ذاك، ففي النهاية هذا مجرد خنجر عادي… أليس كذلك؟
أمسك أريس بالخنجر ونظر إلى نصله الأسود.
"غريب… أشعر أنه أصبح أكثر سوادًا مما كان عليه."
مباشرة فعّل أريس "عين الملك":
[الاسم: خنجر الليل
الفئة: أبيض
الصفة الخاصة: نمو
الوظيفة: خنجر حاد يمكنه تمزيق اللحم بسهولة كما يمكنه تمزيق الأرواح والتسبب في تدميرها تمامًا ومنع دخولها دورة التناسخ.
الوصف: خنجر الليل من عصر ####، صُنع على يد ####، وتم استعماله في تطهير الأرواح وإرسالها إلى العالم السفلي. لكنه تضرر بشدة مما تسبب في فقدان قوته، لكن لسبب مجهول بدأت قوته تعود من جديد.]
تسارعت أنفاس أريس وهو يقرأ المعلومات التي عرضتها "عين الملك"، واتسعت عيناه بذهول.
"هذا… هذا حقًا غير متوقع! لم أتصور أن هذا الخنجر يمتلك قدرة أو ماضيًا بهذه القوة!"
شعر أريس بسعادة وحماسة، إذ يجب أن تعلم أن هذا الخنجر يمتلك قدرة "النمو"، ما يعني أنه قد يصل إلى الفئة الأسطورية أو حتى يتجاوزها. مجرد التفكير في ذلك جعله يتنفس بثِقَل، وقلبه يخفق بسرعة.
"هذا الخنجر سيكون أداة مثالية للاغتيال والقتال…"
يجب أن تعلم أن في هذا العالم توجد الكثير من الأشياء الغريبة المتعلقة بالأرواح، مثل "كارثة الموت"، و"بطاقات الروح"، وتجسد الأرواح من جديد بفنون غامضة، وحتى استدعاء أرواح الموتى من أجل الحصول على معلومات.
وطرق التخلص من الأرواح قليلة، وغالبًا ما تكون في أيدي المعابد فقط. لكن أريس يملك الآن أداة قادرة على تدمير الأرواح بالكامل، ما يعني حماية نفسه وإخفاء وجوده لتجنب المتاعب.
"أعتقد أن عليّ القيام بجولة قبل تنفيذ خطتي."
قرر أريس الخروج والتجول لجمع المعلومات حول منطقتي العصابتين: "الدب البني" و"الثعبان الأسود"، وعدد أفرادهم.
ورغم أنه يمتلك ذكريات حول مواقعهم، إلا أنه يحتاج لمعرفة أوسع، خصوصًا أن مكانهم تم كشفه فقط عند حدوث الهجوم الإرهابي على مدينة القلب، والذي سيقع بعد سنتين…
لم ينتظر أريس طويلًا، بل غيّر ملابسه مباشرة. ارتدى قميصًا أسود بأكمام طويلة ورقبة عالية، وسروالًا أسود ضيّقًا، وحذاءً جلديًا لامعًا يلمع بخفة مع بقايا ضوء الغروب. ثم ارتدى رداءً أسود طويلًا، غطّى به رأسه، ولفّ وشاحًا أسود حول نصف وجهه حتى لم يعد يظهر منه سوى عينين باردتين تلمعان في الظلام.
كانت الشمس تميل إلى الغروب، وبدأ نشاط المدينة يخفت تدريجيًا. بعض الباعة كانوا يجمعون بضائعهم على عجل، وآخرون يغلقون متاجرهم الثقيلة بأصوات الحديد وهي تُسحب. السكان يعودون إلى منازلهم مع أصوات خطواتهم المتسارعة، وورشات الحدادة تغلق أبوابها بعد أن ملأ الدخان والشرر الهواء برائحة الحديد المحترق. في المقابل، كان المرتزقة يتجهون إلى الحانات، وضجيج ضحكاتهم يتلاشى شيئًا فشيئًا مع اتساع الظلال في الشوارع.
وسط هذه الطرقات، كان أريس يتحرك بمحاذاة الجدران التي تلطّخت بأشعة الغروب الأخيرة. خطواته لم تصدر أي صوت، كأن جسده لم يلمس الأرض، وكأنه ظلّ اندمج مع ظلال المباني المتداعية. لم يلحظ أحد وجوده وهو يتسلّل، وبخفة غير اتجاهه فجأة ودخل إلى أزقة ضيقة غارقة في الظلام.
كان هدف أريس عصابة "الدب البني"، لأنها الأقرب والأقل عددًا. ومع مرور الوقت، اختفت الشمس تمامًا، وتمدّد الظلام حتى غطّى القمر الغيوم السوداء الثقيلة. الهواء كان رطبًا يبعث برودة في العظام، تفوح فيه رائحة العفن والرطوبة من جدران الأزقة القديمة.
كان أريس يقف فوق سطح أحد المنازل، مختبئًا في ظلام المدخنة، حيث يختلط دخان الفحم مع رائحة الرماد البارد. نظره ثابت نحو منزل ضخم مكوّن من أربعة طوابق، تضيئه مشاعل متفرقة على المداخل. العديد من الحراس ينتشرون حوله، بعضهم متمركز على نقاط المراقبة بوجوه متجهمة، وآخرون يتجولون في دوريات منتظمة، وصدأ أسلحتهم يعكس وهج النار الخافتة.
ابتسم أريس ابتسامة باهتة خلف الوشاح وهمس لنفسه:
"يبدو أنه لن يكون هناك قتال الليلة بينهما... لنبدأ."
في لحظة، انزلق أريس بخفة من السطح، كأنه قط يهبط بلا صوت. اقترب من حارسين يقفان متجاورين للمراقبة. فجأة، ظهر خلف أحدهما، ومد يده كالشبح، قبض على رأسه بقوة، وأدارها بسرعة خاطفة حتى سُمع صوت طقطقة العظام وهي تتحطم، فارتخت جثته على الفور. قبل أن يلتفت الحارس الآخر أو يصرخ، كان خنجر الليل قد لمع في يد أريس، وبحركة سريعة مزّق حلقه، فتدفقت الدماء الساخنة على صدره، واختلطت رائحتها المعدنية الحادة مع هواء الليل البارد.