انتشرت رائحة الدماء في الزقاق، وامتزجت مع رائحة كريهة عفنة تثير الغثيان. نظر أريس إلى جثتين بعينين باردتين تلمعان بلون بنفسجي قاتم. لم يشعر بشيء، فقد اعتاد على القتل منذ زمن بعيد في حياته السابقة، حتى تحولت يداه من كثرة الدماء إلى لون أحمر قاتم لا يزول.
تذكر أريس أول مرة قتل فيها إنسانًا في حياته السابقة، يومها ارتجف جسده وشعر باشمئزاز من نفسه، وخوف عميق من أن يتحول إلى قاتل بلا قلب. لكن مع مرور الوقت، صارت يده أكثر ثباتًا، وروحه أشد قسوة. في النهاية صار يقتل من أجل النجاة فقط؛ لو لم يقتل، لكان هو القتيل.
لم يسمح لنفسه بالانغماس طويلًا في الذكريات، فبسرعة جرّ الجثتين إلى زاوية مظلمة وأخفاهما، ثم مسح يديه الملطختين بالدماء على سترته البالية واتجه بخفة نحو الحراس الآخرين.
همس بصوت منخفض وهو يحصي بتركيز، وعيناه تمسحان المكان كذئب يتربص:
"عدد حراس الدورية عشرة… يشكلون خمس أزواج. تخلصت من اثنين، وبقي ثمانية."
كانت أماكن الدوريات مقسمة بدقة: شمال، شرق، جنوب، وغرب. كل أربعة مسؤولون عن اتجاه. وبما أن أريس في الجنوب، تحرك بخفة بين الأزقة المظلمة، قدماه بالكاد تلامسان الأرض، مثل قط ينساب وسط الظلام دون أن يُصدر صوتًا.
بسرعة لمح حارسين آخرين في زاوية الطريق. بجسده الرشيق، انبثق بينهما فجأة. أحد الحارسين لمح ظله يتشكل تحت ضوء القمر الخافت، لكن قبل أن يتمكن من الصراخ، كانت يد أريس قد تحركت بالفعل.
خنجر الليل في قبضته انقضّ كحاصد للأرواح، مزّق حلق الأول باندفاع حاد، ليندفع بعدها مباشرة نحو الثاني. حاول الأخير سحب سيفه، لكن خطًا أحمر رفيع ارتسم على رقبته قبل أن ينغلق صوته إلى الأبد.
سقطت الجثتان أرضًا بصوت مكتوم، وعيونهما المفتوحة اتسعت تحمل خوفًا ورغبة غير مكتملة في النجاة.
ألقى أريس نظرة باردة على الجثتين، ثم إلى يده التي غمرها الدم، وخنجر الليل الذي تلون بالأحمر القاني.
لم تستغرق عملية الاغتيال أكثر من عشر ثوانٍ، لكنه كان يعلم: لو كانوا في حالة يقظة حقيقية، لاضطر إلى استخدام "قلادة الظل" كي يضمن النصر.
ورغم أنهم مجرد بشر عاديين لم يُطلقوا هالاتهم بعد، إلا أن قوتهم الجسدية كانت تفوق جسده الحالي.
الرائحة النفاذة للدماء ملأت المكان، مختلطة برائحة الرطوبة والعفن في الأزقة الضيقة.
تمتم ببرود، وعيناه تلمعان كجمرتين في العتمة:
"سقط أربعة… وبقي ستة. علي أن أسرع."
بخطوات ثابتة، أخفى الجثتين ثم ذاب مجددًا في الظلام. كان أمامه عشر دقائق فقط قبل أن يعود فريق الدورية إلى المقر لتأكيد الأوضاع.
خلال خمس دقائق، تمكن من القضاء على جميع الحراس، واحدًا تلو الآخر، بفضل خبرته الطويلة في التسلل والاغتيال. المهمة بدت له سهلة كتنفس الهواء.
وقف أريس في زقاق مظلم، أنفاسه متزنة، وعيناه مثبتتان على مبنى ضخم بُني من الطوب البني الخشن، يفكر بخطة لإنهاء الأمر بسرعة.
"أعتقد أن علي أن أبدأ من الأعلى إلى الأسفل… هكذا يكون اغتيال مثالي."
لطالما سُئل في حياته السابقة: ما هو الاغتيال المثالي؟
وكان جوابه دائمًا بسيطًا:
"أن تقضي على جميع الشهود."
لم يفهم الكثيرون جوابه، فالمغتالون عادة يعتبرون الاغتيال المثالي هو قتل الهدف دون كشف الهوية. لكن بالنسبة له، لم يكن يترك أثرًا أو شاهدًا خلفه أبدًا.
هبت ريح قوية، وارتجفت بعض الستائر البالية في النوافذ، بينما اختفى أريس من مكانه، ليظهر في لحظة فوق سطح منزل مجاور لمقر عصابة "الدب البني"، المبنى المكون من أربعة طوابق.
تمتم ببرود، وصوته يختلط مع صفير الرياح:
"سيكون صعود هذا المبنى مزعجًا."
اقترب من الجدار، مرّر أصابعه الخشنة على الطوب حتى وجد طوبة غير مستوية تصلح للتسلق. ابتسم ساخرًا وهو يتمتم:
"من الجيد أنني كنت أستمع لضجيج تلك الثرثارة."
بين أعمدة "الاثني عشر" كانت هناك مغتالة مشهورة بمهارتها، لكنها كثيرة الكلام مقارنة بالبقية. كانت قريبة منه جدًا، حتى أنه اعتبرها كظله. ريان أراد ضمّها إلى فريقه، لكنها كادت أن تقطع قضيبه .
كان أريس دائمًا يستفيد من ثرثرة الآخرين، يستغل تباهيهم ليغذي معرفته ويطور قدراته.
ثبت قدميه جيدًا، والتصق بالجدار البارد وبدأ بالصعود، عضلاته تتوتر مع كل حركة، وأنفاسه تتناغم مع خطواته. عدّ الثواني بدقة، حتى وصل بعد ثلاث دقائق إلى شرفة الطابق الرابع.
من خلال الباب الزجاجي، لمح غرفة زعيم العصابة. كانت مضاءة بمصباح زيتي يبعث وهجًا أصفر باهتًا على الجدران المطلية بلون ذهبي شاحب، وعُلقت عليها لوحات فخمة. رفوف كتب متراصة لكنها للزينة فقط. في وسط الغرفة، سجادة كبيرة من جلد دب بني.
لكن أكثر ما جذب نظره كان السرير الكبير. فوقه رجل ضخم الجثة، بطنه المنتفخ يمكن أن يجلس أريس فوقه متربعًا. وبجواره ثلاث نساء عاريات لا يغطيهن سوى لحاف رقيق.
ابتسم أريس بازدراء وهو يهمس:
"يبدو أنه يعرف كيف يستمتع."
زعيم عصابة "الدب البني" أهدر ثروة العصابة على النساء والملذات، بدلًا من تدريب وريث أو تعزيز قوته، بينما عصابة "الثعبان الأسود" تتربص به.
تمتم ساخرًا وهو يحدق فيه:
"في حياتي السابقة… تم القضاء على هذا الخنزير سريعًا، وابتلعت عصابة الثعبان الأسود منطقته بالكامل."
لم يطل النظر، بل فعّل "قلادة الظل"، وبدأ جسده يذوب تدريجيًا داخل العتمة.
كان يملك ثلاث دقائق فقط قبل أن تُنهك طاقته الجسدية، فغياب الهالة أجبر القلادة على تستنزاف طاقة تحمل جسده مباشرة.
فتح الباب بخفة، تقدم نحو السرير، وبحركة واحدة شقّ حلق الزعيم، ثم فعل الشيء نفسه مع النساء الثلاث. لم يهتم ببراءتهن من عدمها، فمجرد بقائهن إلى جواره كان كافيًا ليصدر حكمه.
تحولت الوسائد البيضاء إلى بقع حمراء، وانتشرت رائحة الدماء الثقيلة في الغرفة المغلقة.
تابع طريقه للطابق الثالث حيث يقيم نائبا الزعيم. وجدهما مع نساء أيضًا. لم يتردد، وقطع أعناقهم جميعًا بلا رحمة.
ثم نزل للطابق الثاني، حيث كان قادة الفرق الخمسة يمرحون مع نساء أخريات. اختلفت طرق قتلهم بين شقّ الحلق، طعنة في القلب، أو خنجر اخترق منتصف الجبهة.
في الطابق الأول، حيث الحانة التي تقدم الشراب والطعام الرخيص للأعضاء الأقل رتبة، كان خمسون رجلًا متناثرين نيامًا على الطاولات والأرض.
همس ببرود وصوته جليدي:
"بقيت دقيقة ونصف… يجب أن أنهي حياة الجميع في هذا الوقت."
تحرك مثل آلة حصاد، خطواته ثابتة وضرباته دقيقة. رائحة الدماء اختلطت بعرق الأجساد النتنة، والكحول الرخيص، ورطوبة الجدران. في اللحظة التي فتح بعضهم أعينهم نصف فتحة، كانت أرواحهم قد فارقت أجسادهم.
الأرض غُمرت بالدماء، والجماجم الممزقة تناثرت، وكأن المكان تحوّل إلى جحيم حي.
في النهاية، بدا أريس أشورا، حاكم حرب هو من صنع هذه مجزرة.
همس ببرود قاتل، وعيناه لا تحملان أي شفقة:
"بقي حارسان عند الباب… أنتهي منهما وأرحل."
في الخارج، كان الحارسان يقفان يتثاءبان بعيون نصف مغلقة.
قال الأول بتذمر، وهو يفرك عينيه:
"يا رجل، أشعر بالنعاس… ألم تنتهِ الدورية بعد؟"
رد الثاني بفتور وهو يمدد ذراعيه:
"اصمت، لم يبقَ سوى بضع ثوانٍ."
ضحك الأول بخبث وهو يلعق شفتيه:
"جيد… أريد أن أذهب لبيت دعارة لأرتاح."
رد الآخر متأففًا:
"ههه، حتى أنا أريد ذلك… يكفي أن الزعيم وأخوته ونائبه والقادة يستمتعون وحدهم بالنساء."
بينما كانا يتحدثان، تشكل ظل كثيف خلفهما تدريجيًا. من بين العتمة ظهر أريس، ويداه تقطران دمًا ساخنًا.
بسرعة خاطفة، غرس خنجره في ظهر الأول، مصيبًا قلبه مباشرة.
صرخ الرجل بألم:
"آاااااه!"
قبل أن يُكمل، سحب أريس خنجره ورماه مباشرة نحو عين الآخر، فغاص فيه حتى الدماغ، ليسلبه حياته على الفور. اتسعت عينا الرجل الأخير بخوف هائل قبل أن ينطفئا.
كانت رائحة الدماء الثقيلة تغمر المكان بأكمله، ومع نسيم الليل، بدأت تنتشر في المنطقة كلها، معلنة عن مجزرة صامتة.
خفض أريس القناع عن وجهه، لتظهر بشرته الشاحبة قليلًا بسبب استهلاك قوة تحمّله.
تمتم وهو يزفر:
"أخيرًا… انتهى الأمر. علي أن أجمع الغنيمة وأرحل."
رغم التعب، إلا أن سرعة أريس في جمع الغنائم لم تقل، بل ربما كانت أسرع من وتيرة اغتيالاته. لم يترك شيئًا؛ بدأ من الطعام والماء والكحول بمختلف أنواعه التي تطلبت رحلة طويلة لنقلها إلى منزله، ثم الأسلحة التي جمعها بعناية، والكتب والفوانيس الزيتية. أما أهم الغنائم فكانت الأموال: 500 قطعة ذهبية، 1000 قطعة فضية، مجوهرات، خواتم، وقلادة ذهبية.
استغرق الأمر نصف ساعة من الليل حتى انتهى من جمع كل شيء ثمين من مباني عصابة "الدب البني". كما حصل على مجموعة خرائط لأنفاق تحت الأرض، ورسائل، ودفاتر حسابات كان يخطط لدراستها ببطء لاحقًا لعل يجد فيها ما يفيده.
وقبل رحيله، رسم بعناية علامات "X" بدماء على الجدران، وعلّق جثة زعيم عصابة "الدب البني" من الشرفة بحبل مشدود بقوة، ليكون عبرة ورمزًا للمجزرة التي حدثت.