الفصل 30: الفراغ الخالي من النجوم | عبد الظل
.
.
.
بداية الفصل :
.
كان ساني يتوقع أن يرى المكان الذي سيصل إليه في عالم الأحلام من الأعلى، كما حدث في بداية كابوسه الأول. في تلك اللحظة، كان الزمن يتحرك بطريقة سحرية إلى الوراء، مما منحه فرصة لرؤية لمحات عما سيواجهه.
لكن بدلاً من ذلك، وبعد سماعه التحية الغامضة للتعويذة، وجد نفسه فجأة
أعمى . ومختنقًا. لقد كان يغرق !!
حاول بشكل غريزي فتح فمه ليصرخ، لكن الماء المالح تدفق إلى داخله، مما جعله يختنق ويرتعش.
ولم يكن الأمر أنه لا يستطيع الرؤية فقط؛ بل لم يكن هناك مصدر للضوء من حوله. الظلام لم يكن غريبًا على ساني عادةً، لكنه اكتشف أن بصره لم يعد يعمل. ربما كان السبب هو مياه البحر التي كان مغمورًا فيها.
لو لم يكن لديه الإدراك المكاني الخاص الذي منحته إياه صلته بالظلال، لكان تمامًا في حالة من الضياع.
ومع ذلك، بفضل هذا الإدراك، تمكن بالكاد من تحديد الاتجاه الذي كان فيه السطح والذي كان ناحية القاع
لحسن الحظ، تضمنت دروس المعلم جوليوس تعليم السباحة.
' اللعنة !! '
وبينما كان يلعن هذا الوضع الغريب، وعد نفسه بشكر الرجل العجوز ومعلمته الأخرى، جيت، بمجرد عودته.
أجبر نفسه على التزام الهدوء وبدأ بالسباحة نحو الأعلى.
بعد ثوانٍ طويلة ومتوترة، اخترقت رأسه سطح الماء، وتمكن أخيرًا ..... من استنشاق نفس عميق ومبحوح.
" هااااه ! هااه! . ما زلت على قيد الحياة!"
بعد أن استنشق ما يكفي من الهواء ليهدئ رئتيه المحترقتين ويعيد تركيزه، دار ببطء في الماء محاولاً استكشاف محيطه
و ما رآه ... كان امتدادًا لا نهائيًا من المياه السوداء المتماوجة. وفوقها، سماء سوداء فارغة، بلا قمر أو نجوم، فقط فراغ كئيب مهيب من اللاشيء. رمش بعينيه عدة مرات، بينما كان برد قارس يتسلل إلى قلبه.
"هل هذا… بحر؟ أم محيط؟ هل أسقطت في وسط محيط؟"
لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا. لابد أن هناك يابسة قريبة!
و لكن في خضم ذعره اللحظي، فجأة اجتذبه صوت بعيد و حول انتباهه له .
التفت ساني ورأه . فقط يرى وقتها زعنفة ظهرية مثلثة تتجه نحوه ...
لحسن الحظ، كانت لا تزال على بُعد مئات الأمتار.
' انتظر… إذا كانت بعيدة جدًا… كيف أستطيع رؤيتها بوضوح هكذا؟ '
على الرغم من غمره في الماء، شعر وكأن عرقًا باردًا يتصبب من جسده. بتقديره، كانت الزعنفة وحدها بطول خمسة أمتار على الأقل، وكانت تقترب بسرعة، وتكبر حجمًا مع كل ثانية تمر.
"تبًا لكِ، أيتها التعويذة!"
وعيناه مليئتان بالرعب، دار ساني في الماء مرة أخرى،
يائسًا للعثور على شيء — أي شيء! — يمكن أن ينقذه. .. ثم وأخيرًا !
لاحظ كتلة سوداء بارزة قليلاً فوق سطح الماء على مقربة
دون أن يضيع ثانية واحدة في التفكير، بدأ يحرك ذراعيه وساقيه، يسبح باتجاه الكتلة السوداء بسرعة كبيرة.
لكن للاسف . بغض النظر عن سرعته، كان ظل المخلوق العملاق يغلق المسافة بينهما بشكل أسرع بكثير
جزء صغير من عقل ساني بقي محافظًا على هدوئه حتى في مواجهة هذا الخوف البدائي الذي لا حد له. وبدون السماح لنفسه بالانهيار تمامًا في حالة من الذعر، أمر ظله بصمت أن يلتف حول جسده. وعلى الفور عندها . تضاعفت سرعته.
و قبل ثوانٍ فقط من وصول العملاق المجهول إليه
ساني وصل الكتلة السوداء و هم بسرعة في مدّ يديه، وسحب نفسه خارج الماء. ما تسبب في تدحرجه بعيدا عن الحافة و ارتطام جسده بالصخور الخشنة التي تسببت في ملئ جسده بالخدوش
و لكنه قفز في حالة رعب عندما اهتز السطح كله تحته، كما لو أن شيئًا ضخمًا اصطدم به.
بينما كان يتراجع إلى الوراء، ظهرت فجأة امام عنيه فكوك مرعبة من الماء، مليئة بأسنان عملاقة
كل واحدة منها بطول جسده. فتح عينيه على مصراعيهما، مدركًا أن الصخرة التي صعد إليها لم تكن مرتفعة بما يكفي لإنقاذه من الوحش.
' لماذا يحاول حتى أكلي؟ أنا صغير جدًا لأكون وجبة مشبعة لشيء بهذا الحجم! '
... ولكن . فجأة و قبل أن يتمكن الوحش من انهاء هجومه .
انكسر سطح الماء فجأة، وارتفع مجس هائل كبرج أسود غريب في الهواء. وقبل أن يطول الأمر، هبط المجس، ملتفًا حول صاحب الفك العملاق وساحبه إلى أسفل الماء مرة أخرى.
فقد ساني الشعور بساقيه وسقط على الأرض، فمه مفتوح. مرتعشا في كامل جسده
وبعد ثوانٍ قليلة . البحر الاسود الذي كان هائجا قبل وهلة . عاد الى سكونه كما لو أن شيئًا لم يحدث.
استمرت الأمواج غير المبالية في التحرك بصمت تحت السماء الخالية من الضوء.
"إذن… لم يكن يحاول أكلي "
أدرك ساني، متجمداً في مكانه
"كان يحاول الهروب."
بعد بضع دقائق، أصبح ساني متأكدًا من أن شيئًا لن يلتهمه، على الأقل ليس في الحال.
و مع هذا اليقين، استعاد عقله بعضًا من هدوئه اخيرا وبدأ في استكشاف محيطه قليلاً.
اتضح أن الكتلة السوداء التي صعد إليها كانت عبارة عن منصة حجرية واحدة يبلغ قطرها حوالي اثني عشر مترًا. سطحها كان مسطحًا في الغالب، ومغطى بأخاديد، وجافًا إلى حد ما. بسبب الحواف المنتظمة لشكلها، بدت أشبه بشيء صنعه البشر أكثر من تكوين طبيعي. ولكن مجددًا، في عالم الأحلام، كان من الصعب التأكد مما إذا كان "من صنع الإنسان" قد صُنع بالفعل من قبل البشر، ام العكس
'… الأفضل عدم التفكير في ذلك.'
المنصة لم تكن متصلة بأي شيء، بل كانت موجودة كجزيرة صغيرة في بحر الظلام. لم يكن هناك أي شيء آخر فوق الماء و هذا بقدر ما استطاع ساني أن يرى. وبعد اكتشافه لهذا الأمر، أدرك شيئًا آخر. لقد كان مبتلاً، يشعر بالبرد، وعاريًا تمامًا.
"همم.؟ "
و كدفاع عن نفسه فإن مسألة الملابس كانت آخر شيء يمكن التفكير فيه عندما يحاول الشخص إنقاذ نفسه من وحوش ابسيال القابعة في الأعماق. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن هناك أحد هنا ليشهد على شحوب بشرته أو أجزاء جسده الخاصة. ومع ذلك، بعيدا عن هذا ما كان مهما هو ان الجو كان باردًا نوعًا ما.
قام ساني باستدعاء عباءة الدمية وشاهد الأقمشة الرمادية الداكنة وهي تغطي جسده. بل إنها جاءت مع زوج من الأحذية الجلدية الناعمة ذات النعال العالية.
مرتديًا القماش الرمادي والجلد غير اللامع، شعر فجأة بالأمان أكثر. ناهيك عن الدفء.
بعد ذلك، جلس ساني في منتصف المنصة، بعيدًا قدر الإمكان عن الماء، وحاول تذكر الخصائص الفريدة لكل منطقة مستكشفة في عالم الأحلام التي يمكنه التفكير بها. و للأسف... لم تتطابق أي من هذه المناطق مع هذا الفراغ المظلم الخالي من النجوم الذي سقط فيه
"بالطبع لا"
فكر بشيء من الامتعاض.
"حتى لو أن بعض البشر التعساء جاؤوا إلى هنا يومًا، أشك أنهم تمكنوا من العودة إلى العالم الحقيقي أحياء."
ليس مع وجود تلك الأشياء التي تختبئ تحت الماء.
وبما أنه لم يصل بعد إلى مرحلة اليأس التي تدفعه لمغادرة المنصة ومحاولة السباحة بحثًا عن أرض، قرر ساني أن ينتظر ويرى. ربما يتغير شيء ما مع مرور الوقت.
بتنهيدة خفيفة
نظر كعادته إلى ظله. ولكن بسبب الظلام الكلي الذي يحيط به، لم يكن بإمكانه رؤيته بوضوح. فقط بالكاد شعر بوجوده.
"يجب أن يكون هذا المكان جنة بالنسبة لك، أليس كذلك؟ كل هذه الكآبة ولا نجم واحد في السماء!"
الظل، بالطبع، لم يرد.
"على أي حال... عمل جيد في وقت سابق."
مع إيماءة، استلقى ساني، مستخدمًا يديه كوسادة. و دون أن يفكر كثيرًا، حدق في السماء السوداء وانتظر بهدوء
كان صوت الأمواج المتماوجة، في الواقع، مريحًا إلى حد ما. و بعد فترة، أغلق عينيه واستمع.
اندمجت الدقائق معًا، متحولة إلى ساعات. و ناسي الذي كان يستمع فقط لكل ماحلوه فجأة ... التقط تغيرًا طفيفًا في صوت البحر.
بدا وكأن شيئًا ما يتحرك تحت السطح فتح عينيه ولاحظ أن زاوية واحدة من السماء بدأت تتحول إلى اللون الرمادي ببطء. وسرعان ما ظهر شبح شمس باهتة يرتفع فوق الأفق.
لقد أتى يوم جديد إلى الفراغ الخالي من النجوم. ومعه، فجأة، ارتفعت أمواج البحر المظلم
.
.
.