استفاقت إليزا في صباح اليوم التالي، بينما الضوء يتسلّل من خلف الستائر الثقيلة كأنّه يهمس للحياة أن تبدأ ببطء. شعرت بتحسّن طفيف، لكن داخلها كان أبعد ما يكون عن الراحة.

دخلت ممرضة بهدوء وقدّمت لها كأس ماء، ثم قالت:

“الأميرة إيزي طلبت أن تراكِ حين تسمحين.”

لم تستطع إليزا أن ترد على الفور. اسم إيزي وحده بثّ في صدرها قلقًا خفيًا، لا تملك له سببًا واضحًا.

لكنها وافقت أخيرًا، بهزّة خفيفة من رأسها.

دخلت إيزي بعد دقائق، مبتسمة كالعادة، بثوب أنيق ولغة جسد متقنة. جلست إلى جانبها، وأمسكت يدها برقة مصطنعة.

قالت:

“كم أنا سعيدة أنك بخير، لقد أخفتِنا جميعًا…”

أجابت إليزا بنبرة خافتة:

“شكرًا لاهتمامك… لم أكن أتوقع كل هذا.”

ابتسمت إيزي، لكن ابتسامتها لم تصل إلى عينيها، ثم قالت:

“لقد ألغيت الحفلة من أجلك، لا أحد كان مهمًّا إن لم تكوني بخير.”

كان في كلامها شيء يشبه الحقيقة… لكنه بدا وكأنه تذكير خفي: “لقد

فعلتُ

الكثير

لأجلك،

فكوني

ممتنّة

.

وقبل أن تغادر، مالت نحوها وهمست:

“ليون بقي هنا لسبب… ربما عليكِ أن تعرفي ذلك.”

ثم ابتعدت، وبقيت تلك الكلمات عالقة في ذهن إليزا… لا تعرف ما إن كانت تحذيرًا، أم تهديدًا مموّهًا.

حين خلت الغرفة، دخل ليون بهدوء، يجرّ كرسياً قرب سريرها، وهو يراقب ملامحها المتعبة.

قال بنبرة دافئة:

“أخبروني أنك استيقظت… كيف حالك اليوم؟”

أجابت بابتسامة صغيرة:

“أفضل… لكنني ما زلت أفكر بكل شيء… الصوت… إيزي… حتى أنت.”

تفاجأ قليلًا:

“أنا؟”

قالت:

“أشعر أنك لا تقول كل ما في قلبك… وكأنك تُخفي شيئًا.”

لم يُجب مباشرة. نظر إلى يديه لثوانٍ، ثم قال:

“أنا فقط لا أريدك أن تخافي أكثر. أردت أن أكون الشخص الذي يمنحك طمأنينة… لا أسئلة إضافية.”

همست:

“لكن الأسئلة تلاحقني، ليون… وأشعر أن إيزي ليست كما تبدو.”

رفع نظره نحوها فجأة، كأنه كان ينتظر منها هذا الاعتراف.

قال:

“أنتِ لستِ مخطئة… إيزي معتادة على إظهار ما لا تُضمر. وتحب أن تمسك بالخيوط… حتى لو احترق الطرف الآخر.”

ترددت إليزا، ثم سألت:

“هل أنا إحدى خيوطها؟”

نظر إليها طويلاً. ثم قال بهدوء حازم:

“ليس بعد… ولن أسمح بذلك.”

شعرت بخيط خفي من الدفء في صدرها، رغم الحيرة، رغم الخوف.

قالت وهي تُشيح بوجهها عنه:

“هذا الصوت… ما زال يعود. لكن اليوم… لم يصرخ. كان يهمس فقط.”

اقترب منها قليلاً، وقال:

“ماذا قال؟”

ردت:

“قال إنني اقتربت أكثر من اللازم.”

فكر ليون للحظة، ثم همس:

“ربما نحن جميعًا نقترب… وهذا ما يخيفه.”

في المساء، عادت إيزي تزورها، هذه المرة دون موعد. دخلت وهي تحمل علبة شوكولا فاخرة، وابتسامة عريضة.

قالت:

“أحضرت لك شيئًا حلوًا… فكرت أنه قد يرفع معنوياتك.”

أخذتها إليزا بامتنان خافت، ثم لاحظت أن إيزي تراقبها بعيون ضيقة، كأنها تزن كل ردّة فعل.

قالت إيزي فجأة:

“ليون… يبدو مهتمًا بكِ كثيرًا.”

سكتت إليزا، لم تُجب.

أكملت إيزي بنبرة خفيفة فيها شيء من المزاح… وشيء من الغيرة:

“غريب، أليس كذلك؟ هو لا يهتم عادةً بالفتيات اللواتي يصرخن من أصوات في رؤوسهن.”

ضحكت خفيفة، ثم نهضت.

وقبل أن تغادر، التفتت ونظرت إلى إليزا نظرة أطول من المعتاد، ثم قالت بابتسامة لا حياة فيها:

“احرصي فقط… ألا تقتربي من أماكن لا تخصك.”

وأغلقت الباب خلفها.

لم تمر سوى لحظات قليلة، حتى فُتح الباب مجددًا ببطء. ظهر ليون، وكانت ملامحه مختلفة… هادئة، لكن فيها شيء مكبوت.

قال وهو يدخل:

“سمعت حديثها.”

رفعت إليزا نظرها نحوه بقلق، ولم تقل شيئًا.

اقترب وجلس عند طرف سريرها، ثم أضاف بصوت خافت:

“لا تهتمي لما تقوله إيزي… فهي تعرف كيف تلف الكلمات بشريط جميل، لكن ما بداخلها… شيء آخر.”

قالت إليزا بنبرة مترددة:

“كانت تبدو طيبة… في البداية.”

ابتسم ليون ابتسامة صغيرة، فيها مرارة لم تعتدها منه، وقال:

“هذا ما تجيده تمامًا.”

سكتا للحظة، كان الصمت بينهما مشبعًا بالكثير من الكلام الذي لم يُقال.

ثم همس، ناظرًا إلى عينيها:

“إليزا… لا تدعيها تُشعركِ أنكِ دخيلة. أنتِ مختلفة… بطريقة جميلة.”

شعرت إليزا أن قلبها تسارعت ضرباته، لكنها أخفتها بابتسامة خفيفة، وقالت:

“أحيانًا… أشعر أنني لا أنتمي إلى هذا المكان.”

ردّ عليها فورًا، دون تردد:

“بل تنتمين. ربما أكثر من الجميع.”

ثم وقف ببطء، وكأنه لو بقي أكثر، سيقول ما لا يجب قوله.

وقبل أن يخرج، نظر إليها وقال بنبرة عميقة:

“إذا قالت لكِ إيزي إنكِ تجاوزتِ حدودك… فأنا أقول: لا تتوقفي. هناك أشياء تستحق أن نكسر من أجلها الجدران.”

وأغلق الباب خلفه بهدوء، تاركًا خلفه قلبًا صغيرًا، بدأ للتو يشعر بشيء لا اسم له… سوى أنه ليس عاديًا .

2025/05/05 · 9 مشاهدة · 691 كلمة
A-88
نادي الروايات - 2025