كانت إليزا تمشي بحذر على الرصيف المظلم، عيناها تتنقلان بين الظلال المتناثرة حولها في الزمان والمكان الذي كان غريبًا بالنسبة لها. كلما اقتربت من القصر، زاد شعورها بالخوف والقلق، ذلك الصوت الذي كان يتردد في ذهنها، يزداد وضوحًا كلما اقتربت أكثر. كان الصوت وكأنما يتسرب إلى عقلها ويهمس في أذنيها:
“ابتعدي، لا تكملي. هناك شيء خاطئ هنا.”
كانت تحاول إقناع نفسها أن هذا الصوت ليس إلا خيالًا، أو ربما مجرد توهم، لكنها لم تكن قادرة على التخلص من الشعور الذي يلاحقها، وكأن هناك شيئًا مظلمًا خلف هذه الجدران.
وعندما وصلت إلى الباب الكبير، ترددت قليلاً، قبل أن تدفعه برفق وتدخل. كان الجو داخل القصر غريبًا أيضًا. كان كله صمتًا، فقط ضوء خافت يتسلل من النوافذ، يشكل ظلالاً مرعبة على الجدران. كانت خطواتها تتردد على الأرضية الرخامية، وفي كل زاوية كانت عينها تبحث عن شيء غير مرئي، شيء كان يراودها منذ أن تلقت الدعوة.
في تلك اللحظة، عندما كانت تحاول أن تتجنب التفكير في الصوت الغريب الذي يلاحقها، توقفت عند أحد الأبواب المغلقة في الجناح الجانبي. كان الباب مغلقًا بشكل محكم، وكان هناك شيء غريب في الطريقة التي كان مغلقًا بها. شعرت بشيء غريب يدفعها نحو هذا الباب، وكأن هناك سرًا مخفيًا خلفه.
بينما هي تقف هناك، تفاجأت بشخص يقف خلفها، وهي لم تشعر به يقترب. كان ليون.
– إليزا، هل كل شيء على ما يرام؟ – قال ليون بصوت منخفض وهو يقترب منها.
إليزا التي كانت متوترة، ابتسمت له محاولة إخفاء ارتباكها.
– نعم، لا شيء. فقط أبحث عن مكان لراحة، لقد شعرت بشيء غريب.
ليون نظر إليها بتمعن، عينيه تغلفها نظرة من الحذر والقلق. ولكن قبل أن يتحدث، سمعت إليزا الصوت من جديد، أقوى هذه المرة، وكأن الأبواب نفسها كانت تهتز من وراءه.
– إليزا، هل سمعتي ذلك؟ – همست ليون وهو يحاول فهم الموقف.
– نعم، أسمعه أيضًا. – أجابت إليزا بصوت مختنق. – إنه نفس الصوت، لكن هذه المرة أشعر أنه… أقوى.
بينما كانا يقفان هناك، تحرك الباب المغلق فجأة، وكأنما شيئًا قويًا كان يحاول دفعه من الداخل. إليزا شعرت بقلبها ينبض بسرعة، وتراجعت خطوة إلى الوراء.
– علينا أن نبتعد عن هنا، – قال ليون بصوت قاطع، وكان يبدو جادًا للغاية. – هذا ليس مكانًا مناسبًا لكِ.
لكن إليزا كانت لا تزال متسمرة في مكانها، عينيها تراقبان الباب المغلق بشدة، وكأنها كانت تنتظر شيئًا لا تعرفه بعد. كان قلبها ينبض بسرعة أكبر الآن، لكن شعورًا غريبًا كان يملأها، شعورًا بالضرورة للمضي قدمًا في هذا الطريق المظلم.
– لا أستطيع أن أبتعد الآن، ليون. لا أستطيع.
حين قالها، شعرت بنبرة جديدة في صوتها، نبرة تصرُّ على فهم شيء ما، شيء كان خفيًا في هذا القصر.
في تلك اللحظة، شعر ليون بشيء غريب أيضًا. كانت عينيه تلتقي بعينيها، وكأن هناك رابطًا بينهما يتشكل في تلك اللحظة. كأنما أصبح هو الآخر مشدودًا لتلك اللغز المظلم الذي يحيط بهما.
– إليزا، إذا كنتِ مصرّة، سأكون معكِ. لا تظني أنكِ وحدكِ في هذا. – قال ليون، وعيناه تتلألأهما بعزم واضح، لكن كان هناك شيء في عينيه، شيء خفي، كان يظهر… كانت الأعين تحمل شيئًا لم يتحدثا عنه بعد.
ومع كل خطوة تقترب منها، كانت إليزا تشعر وكأنها تكتشف شيئًا جديدًا في نفسها، شيئًا جديدًا عن ليون، شيئًا كان مفقودًا لفترة طويلة.
تقدم ليون نحو الباب المغلق، وتوقف عنده بينما كانت إليزا خلفه. في تلك اللحظة، شعر بأن اللحظة التي كانوا فيها ستحدد مصيرهما.
– لن أترككِ وحدكِ هنا، إليزا، مهما حدث.
كلماته كانت بسيطة، لكنها حاكت شيئًا أكبر في قلبها. هناك شيء كان يتكون بينهما، شيء لم يستطع أي منهما التعبير عنه بعد.
أخذ ليون نفسًا عميقًا، وفتح الباب بهدوء. وما وراءه كان مختلفًا عن أي شيء توقعته إليزا