عندما فتح ليون الباب، كان ما وراءه محاطًا بالظلال. المكان بدا كأنه مغلق منذ سنوات، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه. كانت هناك رائحة عفن في الهواء، ولكن ما لفت انتباه إليزا هو الهمسات التي تسربت من داخل الغرفة المظلمة، وكأن المكان كان ينبض بحياة أخرى.
تقدم ليون خطوة إلى الأمام، ثم نظر إلى إليزا، التي كانت تقف مترددة عند عتبته، عيونها مليئة بالقلق.
– إليزا، لا تظني أني لا أفهم خوفك. لكننا لا نستطيع التراجع الآن، – قال ليون بصوت هادئ، لكنه كان يحمل شيئًا من الحزم.
إليزا ابتلعت ريقها بصعوبة. كانت تشعر بالخوف يتسرب إلى قلبها، لكنها أيضًا شعرت بشيء آخر، شعورٌ بالفضول، تلك الرغبة الغامضة في اكتشاف ما كان يختبئ في هذا المكان المظلم.
– لا أستطيع أن أشرح ما أشعر به، ليون. كأن هذا المكان جزء مني، جزء من شيء مخفي في داخلي. – قالت إليزا، وعينيها تبحثان في الظلام الذي أمامها.
نظرت إليزا إلى داخل الغرفة، وفي الزوايا التي كانت تظللها الظلمات، لم تكن ترى شيئًا سوى الغبار القديم والتفاصيل التي كانت اختفت مع مرور الزمن.
ولكن فجأة، لاحت في الأفق ذكرى، كانت صورة مشوهة في ذهن إليزا، صورة لأشخاص يتحدثون بهمس، لا تستطيع فهم الكلمات، ولكنها شعرت بشيء غريب. شعرت أن هذا المكان كان يحمل سرًا يخصها.
تقدمت إليزا بخطوات ثابتة رغم قلبها الذي كان ينبض بسرعة. ليون كان بجانبها، يراقب كل حركة تقوم بها، عينيه لا تخلوان من قلقٍ شديد، لكنه حاول أن يُبقي نفسه هادئًا لأجلها.
دخلت إليزا إلى الغرفة، وفي داخلها، كان الضوء الخافت يكشف شيئًا لم تكن تتوقعه. هناك على الحائط، كانت هناك صورة قديمة جدًا. صورتها هي وإيزي، كانت تلك صورة بالأسود والأبيض، وكانتا تبدوان في عمر صغير للغاية.
– إيزي…؟ – همست إليزا بصوت مرتجف.
ليون أقترب منها، وعيناه تغلفها نظرة حادة. كان يراقب الصورة عن كثب. ثم قال بصوت خافت:
– هل هذا… هل هي أختك؟
إليزا شعرت وكأن العالم قد توقف للحظة. كانت الصورة أمامها وكأنها تروي قصة قديمة، قصة ترفض أن تُذكر، لكن الجميع يعرفها.
– لا أصدق… – قالت إليزا بصوت غير ثابت، بينما كانت عيناها تحدقان في الصورة. – كيف… كيف يمكن أن يكون هذا حقيقيًا؟!
ليون وضع يده على كتفها، محاولة منه لتهدئتها.
– إليزا، يجب أن تكوني قوية. كل شيء سيكون على ما يرام، سنكتشف الحقيقة معًا.
بينما كانت إليزا تفكر في ما رأته، شعرت بشيء آخر في قلبها. كانت مشاعرها تجاه ليون تتسارع، لكنها لم تكن تستطيع أن تُعبر عن تلك المشاعر. كان هناك شيء غريب في هذا المكان، شيء يجعلها تقترب منه أكثر، وكأنها بدأت تدرك أن الإجابة عن كل الأسئلة التي كانت تخشاها هي نفسها الإجابة التي ستحرر قلبها.
– ليون، لماذا… لماذا لم يخبروني عن إيزي؟ لماذا لم أكن أعرف أنها أختي؟ – قالت إليزا بصوت مرتجف، والحزن يتسلل إلى كلماتها.
ليون كان يقف خلفها، عينيه على الصورة، وكان يجيبها بحذر:
– ربما كان هناك سبب لذلك، إليزا. لا أعتقد أن والدك كان ينوي إخفاء الحقيقة عنك، ولكن ربما كانت هذه الطريقة الوحيدة لحمايتك.
إليزا شعرت بتلك الحيرة تتسلل إلى قلبها. كان هناك سرٌ عميق وراء هذا، وسرٌ قد يكون مرتبطًا بحياة عائلتها بشكل أكبر مما كانت تتخيل.
– لكن لمَ كل هذا الصمت؟ لماذا لم أتعلم حقيقة من تكون إيزي؟ ولماذا يبدو أنني لم أكن جزءًا من حياتهم حقًا؟ – قالت إليزا، وقد بدأت الدموع تتجمع في عينيها.
ليون وضع يده على ذراعها، محاولة منه أن يخفف عنها.
– ربما كانت الحقيقة مؤلمة، إليزا. لكنني أعدك أننا سنكتشف كل شيء معًا. حتى لو كان ذلك يعني السفر عبر البلاد للبحث عن الإجابات. أنا هنا من أجلك، ولن تواجهي هذا وحدك أبدًا.
إليزا نظرت إلى ليون، وفي تلك اللحظة شعرت بشيء غريب، شيء يتجاوز الكلمات. كانت عيناها مليئتين بالأسئلة والمشاعر المكبوتة، ولكن في داخلهما كانت الإجابة التي كانت تحتاج إليها.
– نعم، ليون، لن أواجه هذا وحدي. سأكتشف الحقيقة، وسأبحث عن إجابات، لكنني سأحتاجك دائمًا إلى جانبي.
بينما كانت تغادر الغرفة، كان قلبها يشعر بثقل غير مرئي. كانت الحقيقة تقترب منها بسرعة، وكأن شيئًا ما كان ينكشف، ومعه كانت مشاعرها تتشابك مع مشاعر ليون، لكنها كانت تخشى أن يتكشف كل شيء دفعة واحدة.
لكن في تلك اللحظة، كانت تعلم شيئًا واحدًا فقط: مع كل خطوة تخطوها في هذا البحث، سيكون ليون إلى جانبها، وسيتحدان معًا في مواجهة الأسرار التي يخبئها هذا العالم المظلم