كانت الأجواء في تلك الليلة أكثر برودة من المعتاد. الرياح التي كانت تهب من بعيد كانت تحمل معها وعدًا بالغموض. إليزا كانت تجلس بجانب النافذة، عيناها مشدوهتين إلى الأفق البعيد، حيث كانت تلمح ضوءًا باهتًا بعيدًا عن المدينة. في تلك اللحظة، شعرت بشيء ما يلتصق بروحها. شعور بالحاجة إلى معرفة الحقيقة، مهما كانت العواقب.

ليون كان يراقبها من مكانه في الزاوية، يراقب كل حركة منها، عينيه مشدودتين إليها. كان يعرف أن هذه اللحظة هي بداية شيء عميق، شيء لا يمكن التراجع عنه. كان يعلم أن إليزا لا تحتاج فقط إلى الدعم، بل إلى الحقيقة.

– إليزا، ماذا تفكرين؟ – سأل ليون بصوت هادئ، لكن هناك قلق خفيف يلوح في صوته.

إليزا التفتت إليه، لكن عينيها لم تكن تركزان في مكان واحد. كانت أفكارها تسبح في بحر من التساؤلات التي لم تجد لها أجوبة. كانت تشعر أن كل خطوة تقطعها تقربها أكثر من المجهول.

– أفكر في إيزي، في تلك الصورة، في كل شيء. لماذا كانت حياتها مختلفة عن حياتي؟ ولماذا لم يكن لدينا أي تواصل؟ – قالت إليزا بصوت منخفض، وحزن عميق يعكسه صوتها.

ليون اقترب منها ببطء، وكأن الهواء نفسه أصبح ثقيلًا بينهما. وضع يده برفق على كتفها، وشعر بالقلق يتسلل إلى نفسه.

– أنا هنا من أجلك، إليزا. وأعدك أنني لن أتركك حتى نكتشف كل شيء. ولكن تذكري أن هذه الرحلة قد لا تكون سهلة. هناك أشياء كثيرة مخفية، والأشخاص الذين يملكون الإجابات ربما لن يكونوا مستعدين للكشف عنها.

إليزا التفتت إليه، وحين نظر إليها، رأت عينيه تحملان وعودًا عميقة، لا تتعلق فقط بالكشف عن الحقيقة، بل بحمايتها، بحمايته لها.

– لكن لماذا أنا؟ لماذا أنا من يجب أن أواجه هذا كله؟ – قالت إليزا، وعينها تلمع بحيرة حقيقية.

ليون ابتسم ابتسامة صغيرة، محاولًا تهدئتها، لكنه كان يعلم أن تلك الأسئلة كانت ستظل تتردد في ذهنها.

– لأنك قوية، إليزا. وأنتِ الأكثر قدرة على مواجهة هذا. لا أحد يعلم لماذا اختار القدر أن يجعلك جزءًا من هذه القصة، لكنني أؤمن أنكِ ستكونين قادرة على كشف كل شيء.

سكتت إليزا لوهلة، ثم قالت بصوت يشوبه التردد:

– لكنني أخاف، ليون. أخاف من أن أكتشف أن كل ما ظننت أنه حقيقي ليس سوى كذبة. أخاف من أن أكتشف أن عائلتي ليست كما أعتقد.

ليون اقترب أكثر، وجلس بجانبها على الأريكة. كان يريد أن يطمئنها، لكن في الوقت نفسه، كان يعلم أن هذه الرحلة ستكون صعبة عليهما معًا.

– أنا أفهم خوفك، إليزا. لكنني سأكون معك دائمًا. مهما كانت الحقيقة، سنواجهها سويًا. وسنعرف كل شيء.

لحظات من الصمت مرّت بينهما، وكان الهواء مليئًا بالتوتر. إليزا شعرت بشيء غريب في قلبها، شيء كان يتزايد مع كل لحظة. كان هناك شيء غير مريح في السؤال الذي كان يحوم في ذهنها: “ماذا لو كان ليون أكثر من مجرد صديق؟”

بينما كانت أفكارها تتسارع، لمحت من بعيد شيئًا غريبًا. كانت أصوات خفيفة، همسات قادمة من النافذة. همسات غير واضحة، كأن هناك من يتحدث في الظلال، لكن الصوت كان بعيدًا جدًا عن أن يمكنها تحديد مصدره.

– هل سمعتِ ذلك؟ – سأل ليون، وقد لاحظ التوتر الذي بدأ يظهر على وجه إليزا.

إليزا فركت يديها بحذر. كانت الأصوات تتكرر، وكأن هناك شخصًا آخر في المكان. بدأت عيناها تجوبان المكان، تبحث عن مصدر الصوت. لكنها لم تجد شيئًا.

– لا، لا شيء. ربما كانت الرياح فقط، أو ربما… – قالت إليزا، محاولة إخفاء خوفها وراء كلماتها.

لكن ليون لم يقتنع. شعر بشيء غير طبيعي، شيء كان يطغى على الجو، شيء يخصهم بشكل خاص.

– إليزا، لا تتهربي من ما يحدث هنا. هناك شيء غريب في هذا المكان، شيء يتعدى مجرد الخوف. نحن قريبون من الحقيقة، وأنا مستعد للمخاطرة بكل شيء لأجل أن نكتشف ما هو مخفي وراء كل هذه الألغاز.

إليزا تنفست بعمق، ثم نظرت إلى ليون، كان هناك شيء عميق في عينيه جعلها تشعر بشيء لا تستطيع تسميته. كان ذلك الشيء أكثر من مجرد شعور بالأمان، كان شيئًا يخصها، يخصهما معًا.

– ماذا إذا كان الصوت ليس فقط تحذيرًا لنا؟ – قالت إليزا بصوت منخفض، كأنها تتحدث إلى نفسها. – ماذا إذا كان الصوت يريد منا أن نكتشف الخفايا؟

ليون نظر إليها بتركيز. لم يكن فقط يحاول أن يفهم خوفها، بل كان يحاول أن يفهم ما يعنيه كل شيء بالنسبة لها.

– سنكتشف ذلك معًا. لا تخافي، إليزا، لن تواجهي هذا وحدك.

وبينما كانت إليزا تشعر بأن الحقيقة أصبحت أقرب من أي وقت مضى، كانت هناك أسئلة جديدة تظهر أمامها. أسئلة تتعلق بما كان يخفيه الماضي، وما كانت إجاباته ستحمله في المستقبل. وفي كل خطوة كانت تخطوها، كانت تشعر بشيء يربطها بليون أكثر، شيء يتجاوز الكلمات ويصل إلى القلب مباشرة

2025/05/05 · 5 مشاهدة · 724 كلمة
A-88
نادي الروايات - 2025