وقف هيونغ بثبات، أنفاسه هادئة رغم التوتر الذي يملأ الجو. كان المنجل بين يديه ينبض بطاقة مريبة، هالة سوداء تتراقص حول شفرته كأنها أرواح معذبة تبحث عن الخلاص أو الانتقام. على الجانب الآخر، وقف الزعيم دون أن يظهر أي أثر للرهبة، بل على العكس، علت شفتيه ابتسامة ساخرة.

"إذن، قررت أن تستخدمه أخيرًا؟" قال الزعيم، وهو يراقب المنجل بعينين لامعتين.

لم يرد هيونغ. في لمح البصر، اندفع نحوه، وضرب بمنجله بقوة، فشقّ الفراغ بطاقة هائلة كادت تمزق الأرض من تحتهما. لكن الزعيم اختفى فجأة، كأنه لم يكن موجودًا هناك.

ظهر خلف هيونغ في لحظة، وسدد له ضربة خاطفة بيده المغلفة بطاقة داكنة، لكن هيونغ استدار بسرعة، ورفع منجله ليصد الضربة. دوّى صوت التصادم، وانطلقت شرارات قاتمة في كل اتجاه.

"سرعة جيدة." تمتم الزعيم، ثم قفز للوراء، عاقدًا ذراعيه. "لكن هذا ليس كافيًا."

رفع يده اليمنى، ومعها تجمعت ظلال كثيفة من حوله، لتتشكل إلى سلاح مرعب – سيف مغطى باللهب الأسود، يشتعل بطاقة مدمرة.

"لنجعلها معركة تليق بنا."

لم ينتظر هيونغ أكثر. ركل الأرض بقوة وانطلق بسرعة جنونية، مهاجمًا بمنجله بضربة هلالية، لكن الزعيم صدها بسيفه، وقابله بهجوم مضاد كاد يشطره نصفين. تراجع هيونغ في اللحظة الأخيرة، ليجد أن الزعيم قد اختفى مرة أخرى!

"خلفك!"

التفت هيونغ بسرعة، لكنه لم يتمكن من تفادي الركلة التي أصابته في صدره، فأرسلته مندفعًا للخلف، لتتحطم بعض الصخور تحت جسده. شعر بألم شديد، لكنه لم يسمح له بإبطائه. نهض، ومسح الدم من زاوية فمه، ثم نظر إلى الزعيم بعينين مشتعلة بالغضب.

"هذا ليس كل ما لدي..." همس بصوت خافت.

رفع منجله عاليًا، وبدأت الهالة السوداء حوله تتكثف، كأنها أصبحت مخلوقًا حيًا. شعر الزعيم بتغير الطاقة من حوله، وعرف أن شيئًا خطيرًا على وشك الحدوث.

"حان الوقت لإنهاء هذا." قال هيونغ، ثم اندفع للأمام، ومنجله يشتعل بطاقة تفوق أي شيء أطلقه من قبل.

التقى السيف والمنجل في منتصف الساحة، وانفجرت قوة هائلة في المكان، جعلت كل شيء يرتجف... لكن من سينتصر؟ تراقصت ألسنة اللهب حول الساحة القاحلة، بينما لفّ الضباب الدامي الأجواء كأنه أنفاس الموتى العالقين بين الحياة والفناء. في وسط هذا المشهد المهيب، وقف هيونغ بلا حراك، ثيابه السوداء ممزقة بفعل المعارك، لكنه لم يظهر أي علامة ضعف. على العكس، كانت هالته القاتمة تتعاظم، وكأنها تبتلع النور من حوله.

"هيونغ... لقد ظننت أنك أذكى من أن تواجهني بهذه الحالة."

كان الزعيم يقف قبالته، عيناه المتوهجتان تعكسان الثقة المطلقة، وسيفه المشتعل بالطاقة السوداء يتوهج بين يديه، وكأنه وحش متعطش للدماء.

رفع هيونغ رأسه ببطء، عينيه الحادتين تخترقان خصمه كخناجر قاتلة، ثم قال بصوت منخفض لكنه ثقيل كأنه يخرج من أعماق الجحيم:

"كثيرون ظنوا ذلك من قبلك... وجميعهم أصبحوا رمادًا."

لم ينتظر ردًّا، بل اختفى من مكانه في لمح البصر، تاركًا وراءه موجة من الظلال التي انفجرت في كل الاتجاهات. لم يستطع الزعيم رؤيته، لكنه شعر بالهواء يختلّ من حوله، فرفع سيفه بسرعة لصد الهجوم.

"كلاك!"

التقى السيف بالمنجل، ودوّى صوت الاصطدام في الأرجاء. كانت قوة الضربة هائلة لدرجة أن الأرض تحتهم انشقت، وانطلقت شظايا الصخور في كل الاتجاهات. كان الزعيم واثقًا من أنه سيصد الضربة بالكامل، لكن فجأة، شعر بقشعريرة باردة تزحف في عموده الفقري.

نظر إلى جانبه، وإذا بشيء لا يُصدَّق قد حدث.

كان هيونغ لا يزال أمامه، يصطدم سلاحهما ببعض، لكن جسدًا آخر له، مكوّنًا من الظلال الخالصة، ظهر خلفه، ووجه له ضربة قاتلة مباشرة نحو قلبه.

اتسعت عينا الزعيم بدهشة، لكنه تمكن في اللحظة الأخيرة من المراوغة، فتراجع بسرعة، لكن طرف المنجل قد مزّق جزءًا من درعه وسالت قطرة دم من كتفه.

نظر إلى جرحه، ثم إلى هيونغ، قبل أن يبتسم ابتسامة متوترة لأول مرة.

"هذا... مثير للإعجاب."

لكن هيونغ لم يمنحه وقتًا لالتقاط أنفاسه. لوّح بيده، فاندفعت عشرات الكيانات المظلمة من ظلاله، كأنها أرواح غاضبة خرجت من أعماق الجحيم. ركضت نحو الزعيم بسرعة جنونية، بعضها زحف كالثعابين، وبعضها طار في الهواء، كلها تحمل وجوهًا مشوهة تصرخ وكأنها تلعن وجوده.

لوّح الزعيم بسيفه، فمزّق بعضها، لكن البقية تمكنت من الالتفاف حوله، ممسكةً به للحظات قصيرة لكنها كافية.

في تلك اللحظة، قفز هيونغ عاليًا، دار في الهواء بسرعة مذهلة، ثم هبط بمنجله بكل قوته مباشرة نحو صدر خصمه.

"انتهى أمرك."

دوّى صوت الانفجار عندما اصطدم المنجل بسيف الزعيم مباشرة، لكن هذه المرة، القوة كانت أقوى مما يُحتمل. الأرض تحطمت تمامًا، والدخان تصاعد ليخفي كلاهما عن الأنظار.

حل الصمت...

لكن بعد لحظات، وسط الغبار المتناثر، خرج هيونغ أولًا، واقفًا بثبات، وهالته القاتلة لا تزال مشتعلة.

أما الزعيم... فقد كان راكعًا على ركبة واحدة، وسيفه الذي كان يفتخر به قد انشطر إلى نصفين. الدم يسيل من فمه، وعيناه تحملان نظرة لم يرها أحد من قبل... نظرة رجل أدرك أنه يواجه خصمًا يتجاوز مستوى البشر.

ابتسم هيونغ ببرود، ثم قال بصوت كالجليد:

"الآن... هل ما زلت تعتقد أنني أواجهك بحالة ضعيفة؟" دوّى صوت ارتطام المنجل بالسيف، وكان الصوت أشبه بزئير وحش جائع. انتشرت الصدمات في المكان، وحُفرت أخاديد في الأرض تحت أقدام الزعيم. كان يضغط بأسنانه، يعلم أنه إذا تراخى للحظة، ستُقطع رأسه دون رحمة.

لكن... لم يكن لديه وقت لالتقاط أنفاسه.

ظهر هيونغ خلفه في لحظة خاطفة، وكأن جسده اخترق الفضاء نفسه. لم يكن هناك حركة، لا صوت، فقط إحساس بالخطر القاتل.

"مستواك أقل مما توقعت."

كانت تلك الكلمات هي التحذير الوحيد الذي حصل عليه الزعيم قبل أن يشعر بألم حاد في جانبه. نظرت عيناه نحو الأسفل، فرأى الدم يتدفق من جرح عميق لم يستطع حتى إدراك متى تلقّاه.

"ما... هذا؟"

تراجع الزعيم، لكنه أدرك أن جسده أصبح أثقل، كما لو أن قوة غير مرئية بدأت تجرّه إلى الأعماق. نظر إلى هيونغ، ليجد أن منجله يقطر بسائل أسود، وشيئًا ما كان يتحرك بداخله، كأنه عين خبيثة تراقب فريستها.

"المنجل لا يقطع الجسد فقط، بل يسرق شيئًا أكثر أهمية."

تقدم هيونغ ببطء، كل خطوة منه كانت تحمل هيمنة جعلت الهواء نفسه ينسحب من حوله. الظلام الذي كان يحيط به بدا وكأنه يزحف نحو الزعيم، كأنه يريد ابتلاعه بالكامل.

"إنه يقطع الروح."

عند تلك الكلمات، انكمشت عينا الزعيم، وأدرك أن الأمر قد انتهى. لم تكن هذه معركة يمكنه الفوز بها. لم يكن أمامه سوى خيار واحد...

الهروب.

لكن قبل أن يتمكن من اتخاذ أي خطوة، كان هناك وميض أسود آخر... ثم حل الصمت.

وقف هيونغ في مكانه، لم يتحرك، ولم يكن بحاجة لذلك. كان الزعيم لا يزال واقفًا أمامه، لكنه لم يعد يتحرك. ظلت عيناه مفتوحتين على اتساعهما، تعبير من الرعب الخالص مرسوم على وجهه. ثم، بدون صوت...

انهار جسده إلى الرماد.

نظر هيونغ إلى المنجل في يده، حيث كان الوميض الأسود يزداد بريقًا للحظات قبل أن يعود إلى خفوته المعتاد.

"معركة مخيبة للآمال."

أدار ظهره دون اكتراث، تاركًا خلفه رمادًا يتلاشى في الرياح الباردة. لم يكن هناك شيء يستحق البقاء من أجله. كان هناك خصوم آخرون... وكان عليه أن يبحث عن واحد يستحق أن يرفع منجله في وجهه حقًا. ساد الصمت في الساحة المدمرة، ولم يبقَ سوى الرياح تحمل رماد الزعيم الذي كان يعتقد نفسه لا يُهزم. وقف هيونغ، يحدق في منجله الذي ما زال ينبض بالطاقة المظلمة، والهمسات القادمة منه تتصاعد كأن الأرواح المحبوسة فيه تستيقظ من سباتها الأبدي.

لكن شيئًا ما لم يكن على ما يرام.

رفع هيونغ بصره عندما شعر بضغط هائل يغمر المكان، وكأن قوة جديدة دخلت إلى الساحة. لم يكن بحاجة إلى الالتفات حتى يعرف من يقف هناك.

"لقد تخطّيت الحدود، هيونغ."

كان الصوت هادئًا، لكنه محمّل بثقل لا يمكن تجاهله. التفت ببطء ليرى رجلاً يقف فوق أحد الأنقاض، عيناه تتوهجان بلون فضي بارد، وجسده مغطى برداء داكن يتماوج كأنه جزء من الليل نفسه. كان يحمل سيفًا طويلًا، بسيطًا في مظهره، لكنه يشع بطاقة غامضة تكفي لجعل الهواء نفسه يرتجف حوله.

"شينغ-جين..."

نزل الرجل بخفة عن الركام، خطواته بالكاد تصدر صوتًا، لكن هالته وحدها كانت كافية لجعل الظلال نفسها تتراجع. لم يكن مجرد مقاتل، بل كان شيئًا آخر… شخصًا يوازن بين النور والظلام، وربما الوحيد الذي يمكنه الوقوف في وجه هيونغ الآن.

"لقد حذرتك سابقًا،" قال شينغ-جين، ناظرًا إلى منجل الأرواح في يد هيونغ. "كل مرة تستخدمه، تأخذ أكثر مما ينبغي. كم بقي منك، هيونغ؟ كم من روحك ما زالت لك؟"

لم يجب هيونغ. فقط قبض على مقبض منجله بقوة. لم يكن بحاجة إلى تبرير أفعاله.

"إذا كنت هنا لتلقي المواعظ، يمكنك الرحيل."

أطلق شينغ-جين زفرة قصيرة، كأنه توقع هذا الرد، ثم رفع سيفه. "لست هنا للكلام."

لم يكن هناك تحذير.

في لحظة، تحرك كلاهما.

"كــــــــــــلانغ!"

تصادم السيف والمنجل، وانفجرت موجة صادمة مزقت الأرض تحت أقدامهما، تاركة أخاديد عميقة في الأنقاض. تحرك شينغ-جين بسرعة مذهلة، سيفه يلمع مع كل ضربة، يهاجم من زوايا مستحيلة، لكن هيونغ لم يكن أقل منه مهارة.

بكل خطوة، كانت الظلال تتحرك مع هيونغ، كأنها جزء منه، تلتف حول سيف شينغ-جين محاولة عرقلة حركته، لكن كل مرة كان الأخير يقطعها بضربة خاطفة، كما لو كان يعرف كل خدعة سيستخدمها هيونغ قبل أن يفعلها.

"لقد أصبحت بطيئًا."

همس شينغ-جين وهو يتفادى ضربة مميتة، ليندفع بعدها بسرعة لا تُرى بالعين المجردة، سيفه يمر بجانب رقبة هيونغ بفارق ضئيل، ليترك خدشًا أحمر رفيعًا. لم يكن جرحًا قاتلًا، بل كان تحذيرًا.

تراجع هيونغ خطوة، ثم رفع يده ببطء، ليمسح قطرات الدم التي سالت على عنقه.

"أنت تقترب أكثر من أن تصبح واحدًا منهم."

وقف شينغ-جين، لم يتحرك، لكنه أبقى سيفه مرفوعًا. "أشعر بها، هيونغ. الظلال ليست مجرد أداة، إنها تستهلكك. كل مرة تستعملها، تقترب أكثر من فقدان نفسك."

أخفض هيونغ نظره قليلًا، ثم نظر إلى منجله. للحظة، كاد يسمع صوتًا خافتًا، صوتًا لم يكن يخصه.

لكن عندما رفع بصره مجددًا، لم يكن هناك أي تردد في عينيه.

"إذا كنت تعتقد أنك تستطيع إيقافي، فجرب."

لم يكن شينغ-جين بحاجة لدعوة أخرى.

اندفع كلاهما مرة أخرى، ولم يعد هناك مجال للكلمات.

وكانت المعركة الحقيقية قد بدأت. ارتجفت السماء، وكأنها تتهيأ لمشاهدة معركة لم يشهد لها العالم مثيلًا. كانت الرياح تهدر بين الأنقاض المحترقة، تحمل معها صرخات من سقطوا في هذا النزاع الدامي. في قلب الدمار، وقف هيونغ، عاقدًا ذراعيه بينما كان ظله يتمدد بطريقة غير طبيعية، كأنه مخلوق مستقل يُراقب العالم من خلف الحجاب الأسود.

على الجانب الآخر، كان شينغ جين، سيد العرش الدموي، يقف كجبل شامخ، جسده العملاق يُشع بطاقة قاتمة، وعيناه المتوهجتان باللون القرمزي تحملان جنون الملوك الذين سادوا بحد السيف والنار. كانت كل خطوة منه تترك حفرة في الأرض، وكل نفس يتنفسه كان كأنه زئير وحش جائع.

رفع شينغ جين سيفه العملاق، الذي كان عرضه كعرض باب ضخم، وانفجرت منه شرارات دموية تلطّخت بها الأرض، وكأن السيف يتغذى على دماء خصومه.

"أيها الشبح القذر… أنت لا تستحق حتى الموت بسيفي."

ابتسم هيونغ ابتسامة باردة، ورفع يده ببطء، ليظهر منجل الأرواح السوداء في قبضته، وكأن الظلام ذاته قرر أن يتخذ شكلًا ملموسًا. كان المنجل طويلًا بشكل غير طبيعي، شفرة سوداء متوهجة بنقوش ملتوية تنبض كأنها أوردة تسري فيها لعنة قديمة. كانت كل حركة للمنجل تترك تموجات في الفضاء، وكأن الواقع نفسه ينحني له.

"سيفك ممتلئ بدماء الضعفاء…" قال هيونغ بصوت هادئ، لكنه كان كفيصل قدر، "أما منجلي… فلا يترك خلفه حتى رمادًا."

لم يحتمل شينغ جين هذه الإهانة. زمجر بصوت أرعد الساحة بأكملها، واندفع نحو هيونغ بسرعة لا تتناسب مع حجمه العملاق. كان الهجوم أشبه بشهاب ناري هابط، سيفه ينزل كأنه نصل مقدّس يريد شق العالم إلى نصفين.

"مت أيها الحثالة!!!"

لكن...

قبل أن يصل السيف إلى هدفه، تحرك هيونغ.

لم يكن تحركه مجرد تفادي، بل كان اختفاءً تامًا. في لحظة، كان أمام شينغ جين، وفي اللحظة التالية، كان خلفه، مخلّفًا وراءه سحابة من الظلال السوداء.

"مستواك أقل مما توقعت."

تجمّد شينغ جين.

نظَرَ إلى صدره، ليجد شقًّا عميقًا يمتد من كتفه حتى خاصرته، والدم يتدفق منه بغزارة كأنه نهر. لم يستوعب كيف أصيب، ولم يشعر حتى بالألم… لكن جسده بدأ يفقد قوته.

"هذا… مستحيل…"

لكن المعركة لم تنتهِ بعد.

زمجر شينغ جين، وأطلق طاقة دموية حوله، مدمّرًا كل شيء في نطاق عشرات الأمتار. الصخور تحطّمت، والمباني المنهارة سُحقت بالكامل.

"لن أُهزم… لن أُهزم من مجرد ظل!"

وبلحظة، بدأ جسده يتضخم أكثر، عضلاته تنتفخ، وجسده ينفجر بطاقة شيطانية. أصبح طوله الآن بطول نصف ناطحة سحاب، وازدادت قوته إلى مستوى لا يمكن تصوره.

"هذه هي قوتي الحقيقية، هيونغ! دعني أريك كيف يكون الدمار الحقيقي!"

لكن حتى مع هذا التحوّل المرعب، لم يتغيّر تعبير هيونغ. لم يظهر الخوف، لم يظهر الغضب، لم يظهر أي شيء... فقط تلك الابتسامة الباردة التي جعلت قلب شينغ جين ينكمش للحظة.

ثم، رفع هيونغ منجله، والظلام المحيط به بدأ يغلي كبحر أسود في حالة هيجان.

"العرش الدموي…"

قالها بصوت هادئ، لكنه دوّى في المكان كما لو أن العالم نفسه يُصغي إليه.

"سيسقط الليلة."

ثم… تحرّك.

لم يكن تحرّكه بشريًا، بل كان كأنه اختراق للزمن نفسه. في طرفة عين، كان في الهواء، ثم على الأرض، ثم خلف شينغ جين، ثم أمامه… كان سريعًا إلى درجة جعلت العالم يبدو كأنه في حالة توقف بينما هو يتحرك بحرية تامة.

ثم، جاء الهجوم.

"قصم الروح."

اختفى المنجل للحظة، لكن فجأة… ظهر خط أسود يمتد من أعلى رأس شينغ جين إلى أسفل قدميه.

وقف شينغ جين متجمّدًا.

"ماذا…"

ثم… انشق جسده إلى نصفين.

لم يكن مجرد قطع للجسد، بل كان قطعًا للروح نفسها. قبل أن يتمكن من الصراخ، تحوّل جسده بالكامل إلى رماد، وتبعثرت روحه إلى أجزاء لا يمكن إعادة جمعها.

لم يبقَ شيء من سيد العرش الدموي.

وقف هيونغ وسط العدم، راقب بقايا العدو وهي تتلاشى مع الريح، ثم نظر إلى منجله. كانت النقوش عليه تتوهج أكثر، وكأنها ابتلعت روحًا جديدة.

"كما قلت…"

"العروش… مصيرها السقوط."

ثم استدار، وغادر دون أن يلقي نظرة أخرى على الخراب الذي خلّفه. لم يكن هذا سوى خطوة أخرى في طريقه… طريق الظلال، حيث لا يبقى سوى من يستحق البقاء. خمدت المعركة، والرماد المتناثر كان الدليل الوحيد على أن شينغ جين، سيد العرش الدموي، لم يعد موجودًا. وقف هيونغ وسط الأنقاض، منجله ما زال يتوهج بوميضه الأسود، لكن… كان هناك شيء خاطئ.

بدأ المنجل يرتجف في يده، وانطلقت منه موجات سوداء غامضة، كأنها نبضات قلب شيطاني عملاق. شعر هيونغ أن قبضته على المنجل بدأت تضعف، وكأن السلاح نفسه لم يعد يخضع له.

ثم… انفجر الظلام.

اندلعت من المنجل طاقة هائلة، موجة سوداء أشبه بإعصار كاسح، دفعت هيونغ نفسه إلى الخلف. تمددت الشرارات السوداء حوله، مزّقت الأرض، وشقّت السماء. صرخات لا تنتمي لهذا العالم بدأت تتردد في الهواء، كأن أرواحًا محبوسة منذ الأزل وجدت فرصة للتحرر.

"هذا ليس… جيدًا."

حاول هيونغ أن يستعيد سيطرته، لكن المنجل تحرّك من تلقاء نفسه، كأنه أصبح كيانًا مستقلاً. بدأ يدور حوله بسرعة، والظل المحيط به أصبح أثقل، أكثر كثافة، أكثر وحشية. ثم، في لحظة، بدأت أصوات الهمسات تتعالى داخل رأسه.

"حررنا… حررنا… المزيد… نحتاج المزيد…"

ضغط هيونغ على أسنانه. شعر أن كيانه نفسه يُسحب إلى هذا الظلام. كان منجله قد استوعب روح شينغ جين، ولكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيًا، بل أصبح أكثر جوعًا، أكثر شراسة.

ثم فجأة، تمددت يد سوداء ضخمة من الفراغ، كأنها يد كائن قديم استيقظ من سباته. امتدت الأصابع الطويلة والمخالب الحادة نحو هيونغ، محاولة التهام جسده ودمجه مع الظلال.

"تبا…!"

استجمع هيونغ كل قوته، وأطلق عاصفة من طاقته الخاصة، محاولًا مقاومة هذا الكابوس الذي خلقه بيديه. لكنه شعر بشيء لم يشعر به منذ زمن طويل… العجز.

كان المنجل… يستهلكه.

كلما حاول مقاومته، زادت قوته. كلما حاول احتواءه، تمرد أكثر. لم يكن هذا مجرد سلاح بعد الآن… لقد أصبح شيئًا آخر، كيانًا ولد من الظلال والموت، ولم يعد يخضع لسلطة مستخدمه.

ثم، دوّى صوت صاخب في ذهنه.

"أنت لست سيدنا…"

تجمد هيونغ.

"أنت… مجرد وعاء."

ثم… اختفى كل شيء في الظلام.

كان هذا مجرد بداية… وكانت الحقيقة الأكثر رعبًا، أن هيونغ لم يكن متأكدًا مما إذا كان قادرًا على إيقاف نفسه بعد الآن. كان المكان يغلي بالطاقة المظلمة، كأن الأرض نفسها ترفض وجود هذه القوة الغريبة. انحسرت الغيوم في السماء، لكنها لم تكشف عن النور، بل عن ظلام أعظم، دوامات من السواد تلتف حول هيونغ كأنها تحاول ابتلاعه.

كان جسده ينهار تحت الضغط… ليس ضغط القتال، بل ضغط المنجل نفسه.

"أنتَ لست السيد هنا..."

كان الصوت يأتي من الداخل، ليس من أي مخلوق خارجي، بل من أعماق المنجل… كأنه كيان واعٍ يحاول فرض إرادته.

شعر هيونغ بأن روحه تُسحب شيئًا فشيئًا، كأن كيانه يتمزق، وكأن المنجل يحاول أن يستحوذ عليه بالكامل. الرؤى بدأت تظهر أمامه: صور لميادين مغمورة بالدماء، أجساد ممزقة، أرواح تُستهلك بلا رحمة.

كان هذا المصير الذي ينتظره إن فقد السيطرة…

لكنه لم يكن رجلاً يسقط بهذه السهولة.

قبض بأسنانه، وشدّ على المنجل بيد ترتجف، ثم صرخ في أعماقه بصوت لم يكن مجرد صوت… بل كان إرادة من حديد:

"أنا من يقرر… من يعيش… ومن يموت!"

وفي تلك اللحظة، حدث الصدام بينهما—ليس جسديًا، بل بين روحين متصارعتين. كان نضالاً بين هيونغ والمنجل نفسه، بين سيد وسلاح تمرد.

الطاقة انفجرت حوله، الأعاصير السوداء بدأت تتلاشى، والأيادي الشيطانية التي خرجت من المنجل تقلّصت ببطء، وكأنها تُجبر على الطاعة.

ثم فجأة… عاد كل شيء إلى السكون.

كان هيونغ واقفًا، عرق يتصبب من جبهته، لكنه كان ثابتًا. هدأت الهالة المظلمة التي أحاطت به، لكن لم يكن ذلك استسلامًا… بل خضوعًا لقوته.

رفع رأسه ونظر إلى شينغ جين، الذي كان قد ابتعد خطوة للوراء وهو يراقب هذا المشهد بعينين مليئتين بالذهول… وربما بالخوف.

انسحاب العدو… وتوعد بالعودة

تنفس شينغ جين ببطء، ممسكًا بسيفه الضخم، ثم زم شفتيه قبل أن يتحدث بصوت خالٍ من التردد:

"يبدو أنك تمكنت من النجاة هذه المرة، هيونغ."

لم يرد هيونغ، فقط ثبت عينيه الحادتين عليه، كأن نظراته وحدها تكفي لسحق أي كلمات بلا قيمة.

أخفض شينغ جين سيفه، لكنه لم يكن استسلامًا، بل مجرد إعلان مؤقت لإنهاء المعركة.

"لكن لا تخطئ الفهم…" ارتسمت على شفتيه ابتسامة باردة. "في المرة القادمة… لن أمنحك الوقت للسيطرة على سلاحك."

ثم… استدار وغادر.

لم يكن هروبًا، بل انسحابًا محسوبًا.

بقي هيونغ واقفًا، ممسكًا بالمنجل الذي أصبح أكثر هدوءًا… لكن ليس تمامًا. كان كيانًا متمردًا، لكنه الآن علم من هو سيده الحقيقي.

أخذ نفسًا عميقًا، ثم رفع المنجل إلى كتفه قبل أن يتمتم بهدوء:

"فلتعد متى شئت… لكن في المرة القادمة، لن أحتاج للسيطرة عليك."

ثم استدار هو الآخر، تاركًا خلفه أرضًا محترقة، ورياحًا باردة تحمل نذرًا بمعركة أعظم قادمة.

2025/02/21 · 9 مشاهدة · 2819 كلمة
Aymen
نادي الروايات - 2025