تنفس هيونغ بصعوبة، وقطرات العرق الممزوجة بالدم تتساقط على الأرض المحطمة من حوله. وقف منتصبًا وسط ساحة المعركة، حيث كانت آثار الدمار تحيط به من كل جانب—الجدران المتشققة، الأرضية الممزقة، وألسنة اللهب التي لا تزال تتراقص في الهواء كأنها تحتفل بانتصاره.

في وسط هذا الخراب، كان جسد شينغ جين ممددًا بلا حراك، غارقا في بركة من الدماء. كانت عيناه، اللتان لطالما امتلأتا بالغطرسة، تحدقان في الفراغ الآن، وكأنهما لم تستوعبا الهزيمة حتى لحظة موته.

وفجأة، ظهر أمام هيونغ وميض أسود، وسرعان ما ملأت شاشة مظلمة مجال رؤيته.

[تهانينا!] لقد قتلت زعيم الطابق! المكافآت: قوى جديدة، مهارات مطورة، دخول مفتوح للطابق التالي.

قرأ هيونغ الكلمات بهدوء، بينما كانت أنفاسه المتسارعة تهدأ تدريجيًا. رفع رأسه ونظر إلى الدمار من حوله، وأدرك أن هذه المعركة لم تكن مجرد اختبار قوة، بل كانت معركة وجود. كان يعلم أن سقوط زعيم الطابق يعني شيئًا واحدًا—أن طريقه نحو الأعلى قد فُتح، لكن الثمن كان غاليًا.

أغلق هيونغ عينيه للحظة، محاولًا استيعاب كل ما حدث. ثم فتحهما مجددًا، وعيناه تحملان بريقًا مختلفًا—ليس فقط بريق المنتصر، بل بريق شخص أدرك أن كل انتصار يقوده إلى معركة أكثر شراسة.

الطابق التالي كان بانتظاره، ومعه خصم أقوى... هدوء ثقيل خيّم على الأرض المحطمة، والهواء مشبع برائحة الدم والرماد. وقف هيونغ وسط الخراب، سيفه يقطر سوادًا لزجًا، نظراته باردة كليلٍ أبدي. أمامه، كان الرأس العملاق للطاغية هيراكوس ملقى على الأرض، عيناه المتحجرتان تحدقان في العدم، وكأنهما لا تزالان عاجزتين عن استيعاب الهلاك الذي حلّ به.

هبت الرياح، فحركت عباءة هيونغ السوداء، بينما الأرواح العيا التي حاصرته أخذت تصدر همهمات غامضة، تدور حول جسده مثل دوامة موت تبتلع كل شيء. شقّت شاشة سوداء الهواء أمامه، خطوط من اللهب الأسود تشتعل حول حوافها، وكلمات محفورة بدماء الأعداء ظهرت أمامه:

「لقد قتلت زعيم الطابق: الطاغية هيراكوس.」

ابتسم هيونغ ابتسامة باهتة، بلا أثر للدهشة أو الفرح. كان يعرف أن هذا مصيره، أن يكون هو من يُحطم الأساطير القديمة ويمحو الطغاة من الوجود. أدار ظهره للجثة الهائلة خلفه، ثم خطا خطوة للأمام، والظلام نفسه بدا وكأنه ينحني له، يفسح له الطريق.

وصول المنتصر إلى قلعة الشياطين

على أعتاب قبيلة الشياطين الغربية، ساد صمت مهيب. السماء ملبدة بغيوم حمراء، وكأنها تبكي دماء المهزومين. أصوات قرع الطبول تصدح في الأرجاء، إعلانًا عن قدوم شخص غير عادي، شخص عاد من أعماق الجحيم نفسه.

وفي قلب القلعة، حيث تتراقص النيران في مشاعل مصنوعة من جماجم الأعداء، جلس ملك الشياطين "زاركون" على عرشه، جسده الضخم مسند على مساند منحوتة من أنياب الوحوش الأسطورية، وعيناه المتوهجتان تشعان بحدة تنذر بالموت. بجانبه وقفت الأميرة إليانا، شعرها الفضي يتلألأ تحت الضوء الخافت، وعيونها القرمزية تحدق بترقب نحو المدخل.

وحين فُتحت الأبواب العظيمة، انطلقت موجة من الهيبة في المكان، وكأن شيئًا فوق الطبيعة قد دخل القاعة.

كان هيونغ يمشي بخطوات ثابتة، ثقيلة، لكن دون أدنى تردد، كأن الأرض تخضع له مع كل خطوة. رداؤه الأسود كان ممزقًا عند الأطراف، لكنه زاد من مظهره الوحشي. خلفه، كان الرأس العملاق للطاغية هيراكوس يُجرّ على الأرض، يترك خلفه أثرًا من الدماء الداكنة.

توقفت الأرواح العيا عن الدوران حوله، وانكمشت في الهواء، وكأنها تخشى الاقتراب من هذا المكان الذي لا يسوده إلا قانون القوة.

وقف هيونغ أخيرًا أمام العرش، ثم دفع بالرأس العملاق للأمام، ليسقط على الأرض بصوت مدوٍّ هزّ أركان القلعة. العيون القرمزية للشياطين الحاضرين اتسعت، والهمسات انتشرت كالنار في الهشيم.

زاركون نظر إلى الرأس العملاق، ثم إلى هيونغ، قبل أن ترتسم ابتسامة قاتلة على وجهه.

"قتلت الطاغية؟"

أومأ هيونغ دون أن ينطق بكلمة، لكن عينيه كانتا تحملان الجواب—نعم، وقد لا يكون الأخير.

ضحك زاركون بصوت خافت لكنه عميق، وكأن وحشًا أسطوريًا يزأر في أعماق الظلام. "لقد أثبت قوتك، لكن القوة وحدها لا تكفي للبقاء هنا."

إليانا اقتربت خطوة، عيناها تتأملانه بصمت. ثم قالت بصوت هادئ لكنه يحمل ثقل ألف معركة:

"والآن، بعد أن فتحت الطابق التالي... ماذا ستفعل؟"

رفع هيونغ رأسه، وعيناه تلمعان بانعكاس النيران. ابتسم، تلك الابتسامة التي لم تكن تحمل أي رحمة.

"سأستمر."

زاركون ضحك مرة أخرى، لكن هذه المرة، كان في صوته شيء آخر—تقدير، وربما، خوف خافت.

"إذاً، لنرى إلى أي مدى يمكنك الوصول... قبل أن يبتلعك الظلام."

انعكست النيران في عيون الجميع، وكأنهم رأوا لمحة من المستقبل. لمحة من المجازر القادمة، من المجد والدماء، من أسطورة جديدة تُكتب… بيد هيونغ نفسه.

جلس ملك الشياطين زاركون على عرشه المصنوع من عظام الوحوش الساقطة، وأمامه هيونغ، جسده محاط بهالة قاتمة، ورائحة الدم والرماد لا تزال تلتصق به. في وسط القاعة، كان الرأس العملاق للطاغية هيراكوس مرميًا كرمز لانتصار غير مسبوق.

زاركون، بعينين متوهجتين بلون الجحيم، نظر إلى هيونغ بتمعن، قبل أن يطلق ضحكة خافتة ذات صدى عميق في القاعة.

"لقد حطمت القيود التي خنقتنا لعقود... لقد حررتنا من استبداد هيراكوس، ومنحْتنا فرصة لاستعادة مجد قبيلتنا."

نهض من عرشه، خطواته الثقيلة جعلت الأرض تهتز تحت وطأة قوته. وقف أمام هيونغ، فارق الطول بينهما واضح، لكن الهيبة التي تشع من هيونغ جعلت حتى الشياطين تتردد في النظر إليه مباشرة.

"نحن مدينون لك،" تابع زاركون بصوت مهيب. "ومن اليوم، قبيلة الشياطين الغربية ستكون تحت أمرك، تقاتل تحت رايتك، وتحرق أعداءك بالنار والدم."

تقدمت الأميرة إليانا خطوة، عيناها القرمزيتان تحدقان بثبات في هيونغ، قبل أن تضيف بصوت هادئ لكنه يحمل قوة كامنة:

"لقد غيرت مصيرنا في معركة واحدة... وهذا ليس بالأمر الذي ننساه بسهولة."

ظل هيونغ صامتًا للحظات، عينيه القاتمتين تدرسان زاركون وإليانا، ثم قال بصوت منخفض لكنه اخترق القاعة كالسيف:

"أنا لا أحتاج للامتنان، ولا للولاء الأعمى... لكنني أقبل قوتكم، طالما أنها تستحق أن تُستخدم في حربي."

ارتسمت ابتسامة خافتة على شفتي زاركون، وكأنه وجد في هيونغ ما لم يجده في أي محارب آخر. رفع يده اليمنى، وسرعان ما اشتعلت بنيران أرجوانية غريبة، قبل أن يضرب بها صدره بقوة.

"إذن، فليكن عهد الدم! قبيلتي ستكون سيفك الذي يشق العروش، ونارك التي تلتهم المدن!"

تردد الصدى في أرجاء القلعة، ومعه انبعثت أصوات الشياطين تهتف باسم هيونغ، إعلانًا لعهد جديد… عهد حيث يصبح الظلام قوة لا تُقهر، وحيث أن اسم هيونغ لن يكون مجرد محارب، بل سيد الفوضى ذاته. وقف هيونغ أمام إحدى البنايات المحطمة، بقايا الجدران لا تزال مشتعلة بنيران خافتة، والسكون القاتل يحيط بالمكان كأن الأرواح التي أُزهقت هنا ما زالت تهمس بين الأنقاض. كانت الرياح تحمل رماد المعركة التي انتهت منذ وقت قصير، بينما ظل رأس الطاغية هيراكوس بعيدًا، تذكارًا لهذا النصر.

إليانا وقفت بجانبه، عيناها القرمزيتان تراقبان المكان بحذر، قبل أن ينتقل نظرها إليه. كان وجهه هادئًا كما لو أن الحرب لم تمسه، لكن تلك العيون السوداء العميقة كانت تحكي قصة مختلفة—قصة رجل يبحث عن ما هو أكثر من مجرد القتال.

"إذن، الطابق الأول انتهى..." قال هيونغ بصوت منخفض، عاقدًا ذراعيه بينما نظر إلى الدمار أمامه. ثم التفت إلى إليانا وسألها مباشرة: "ماذا عن الطابق الثاني؟ ما الذي ينتظرني هناك؟"

أخذت إليانا نفسًا عميقًا قبل أن تجيبه بصوت جاد: "الطابق الثاني ليس مجرد امتداد لهذا المكان. إنه عالم مختلف تمامًا، أكثر اتساعًا، وأكثر خطورة."

رمقها بنظرة باردة، منتظرًا أن تكمل حديثها.

"هناك، لن تواجه مجرد زعماء أقوياء… بل قوانين مختلفة تمامًا عن التي اعتدت عليها هنا. الطابق الأول كان أرض صراع تحكمها القوة المطلقة، لكن الطابق الثاني..." توقفت للحظة، وكأنها تحاول اختيار كلماتها بدقة، "يحكمه نظام فوضوي معقد، حيث التحالفات تُبنى وتُكسر في لحظة، وحيث الأعداء قد يكونون أقرب مما تظن."

رفع هيونغ حاجبه قليلاً، ثم سأل بنبرة فضولية ممزوجة بالاحتراس: "ومن يحكم ذلك الطابق؟"

ابتسمت ابتسامة باهتة، وقالت: "إنه ليس شخصًا واحدًا. هناك عدة فصائل، كل واحدة تملك قائدها الخاص، لكن أقواهم… يُلقب بـ(الإله المُنكر). قيل إنه ليس بشريًا، ولا شيطانًا، ولا أي كائن يمكن تصنيفه. مجرد وجوده في مكان معين يجعل القوانين تنهار من حوله."

ظل هيونغ صامتًا للحظة، ثم تمتم بصوت منخفض: "إله منكر؟ مثير للاهتمام."

إليانا نظرت إليه، متفحصة تعابيره، قبل أن تضيف بصوت أكثر هدوءًا: "لكن احذر... الطابق الثاني لن يرحب بك كما فعل الأول. كل من يسمع عنك الآن يرى فيك تهديدًا. أنت لم تهزم فقط هيراكوس، بل كسرت التوازن الذي كان يحكم الطابق الأول منذ أمد طويل."

ضحك هيونغ ضحكة خافتة، ثم استدار ليكمل مشيه بين الأنقاض، قائلاً بصوت واثق: "هذا يجعل الأمر أكثر إثارة... لنرَ ما يمكن أن يقدمه الطابق الثاني."

راقبته إليانا بصمت، قبل أن تتبعه بخطوات ثابتة. كانت تعلم أن هيونغ لم يكن مجرد محارب آخر يصعد بين الطوابق… كان شيئًا أكثر خطورة، وأكثر غموضًا. والطابق الثاني… كان فقط بداية الطريق. وسط الدمار الذي خلّفته المعركة، وبين الأنقاض المشتعلة والهواء المشبع برائحة الدم والرماد، وقف هيونغ بلا حراك، عينيه تلمعان بهدوء يشوبه ظلال الموت. كان المكان صامتًا، كأن العالم بأسره توقف للحظة، قبل أن تظهر أمامه شاشة سوداء مفاجئة.

[تهانينا! لقد رفعت عدد الأرواح إلى 1000.]

حدّق هيونغ في الكلمات الباردة، وابتسامة خافتة شقت شفتيه. ألف روح... لم يكن هذا مجرد رقم، بل كان وزناً جديداً يضاف إلى قوته، إلى كيانه. شعر بطاقة خافتة تسري في جسده، كأن الأرواح نفسها تهمس إليه، تلتف حوله مثل ظلال قاتمة، مستعدة لتنفيذ أي أمر يصدره.

لم يكن هذا مجرد إنجاز، بل علامة على أنه لم يعد بشريًا تمامًا. كان أكثر من ذلك.

"ألف روح، هاه؟" تمتم بصوت خافت، بينما رفع يده قليلاً، محركًا أصابعه ببطء. على الفور، تجمعت الظلال من حوله، تشكلت على هيئة طيفية، أصوات غير مفهومة تتردد بينها، كأنها تنتظر توجيهاته.

لكن ما لفت نظره أكثر لم يكن الشاشة السوداء، بل المئات من الجثث المتناثرة حوله. أجساد ضخمة لوحوش مرعبة، قتلى سقطوا أثناء المعركة، جلودهم ممزقة، وأعينهم الفارغة تحدق في الفراغ. مشهد من الخراب المطلق، لكنه رأى فيه شيئًا آخر...

"حتى هذه المخلوقات... يمكنني استخدامها."

أغلق هيونغ عينيه للحظة، ثم فتحهما ببطء، وانحنى ليلمس الأرض بأطراف أصابعه. في لحظة، انتشرت ظلال كثيفة، كالضباب الأسود، تزحف من جسده نحو الجثث. وما إن لامستها، حتى بدأت تتلوى، تتحرك وكأنها تستيقظ من سبات طويل.

الوحوش الميتة بدأت تخرج منها ظلال قاتمة، تتصاعد من جثثها الهامدة، تتخذ أشكالًا ملتوية مرعبة، قبل أن تنجذب كلها إلى هيونغ، تندمج معه كما لو كانت تابعة له منذ الأزل.

إليانا، التي كانت تراقب كل هذا، شعرت بقشعريرة تسري في جسدها. كانت تعلم أن هيونغ قوي، لكنها لم تتوقع أن يمتلك هذه القدرة المطلقة على التحكم بالموت ذاته. لم يكن مجرد مقاتل، بل كان أشبه بكابوس حي.

"هذا المستوى من القوة..." تمتمت بصوت منخفض، غير قادرة على إخفاء قلقها، قبل أن تضيف: "هل تشعر بشيء مختلف؟"

نظر إليها هيونغ للحظة، قبل أن يقول ببرود، وهو يشعر بالقوة تتغلغل في كيانه: "أنا أكثر وضوحًا الآن... كأنني أرى العالم بطريقة مختلفة."

تحركت الظلال حوله كما لو كانت تمتلك وعيًا خاصًا بها، ثم اندمجت معه مرة أخرى. أخذ نفسًا عميقًا، شعر بالقوة تتغلغل في عروقه، كأن هذه الأرواح لم تعد مجرد بقايا لمن سقطوا، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ منه.

"هذه ليست مجرد أرواح..." قال بصوت هادئ، قبل أن يضيف: "إنها جنودي الآن."

نظرت إليه إليانا بصمت، ولكن هذه المرة، لم يكن مجرد إعجاب... بل كان خوفًا خافتًا، تسلل إلى قلبها رغمًا عنها.

"هيونغ..." تمتمت، قبل أن تخفض بصرها للحظة، غير متأكدة مما إذا كان هذا الحليف الذي يعتمدون عليه... لا يزال بشريًا بما يكفي ليفهم معنى الحدود. وقف هيونغ بين أنقاض الطابق الأول، وسط الجثث الممزقة والظلال التي ما زالت تتلاشى ببطء في الهواء. كانت الرياح تعصف بالركام، وصوت ألسنة اللهب المتبقية يملأ المكان بهدوء مخيف. أمامه، كانت إليانا لا تزال واقفة، تنظر إليه بعينين مليئتين بالرهبة، وكأنها لم تستوعب بعد مدى قوته الحقيقية.

أدار هيونغ وجهه نحوها، صوته كان حادًا، لا يقبل الجدال: "عودي إلى قبيلتك، إليانا. أخبري والدك أنني سأصعد إلى الطابق الثاني قريبًا."

ارتبكت للحظة، لكنها أدركت أن هذا لم يكن طلبًا، بل كان أمرًا مباشرًا. قبضت على يديها، مترددة للحظة قبل أن تومئ برأسها ببطء.

"كما تريد… ولكن، كن حذرًا. الطابق الثاني ليس كالأول، لن تجد هناك من يمنحك فرصة ثانية."

لم يرد عليها، فقط نظر نحو الأفق المدمر، كأنه يرى شيئًا آخر لا يمكنها رؤيته. وبعد لحظات من الصمت، ظهرت أمامه شاشة سوداء، تومض بهدوء في الفراغ.

───✦✧✦─── [ تهانينا! لديك خيار حفظ التقدم والخروج من الطابق الأول. ] [ هل ترغب في حفظ تقدمك والخروج؟ ] ───✦✧✦───

نظر إلى الشاشة للحظات، قبل أن يرفع يده ببطء، وعيناه تضيقان قليلًا. كان يعلم أن مغادرة الطابق الأول تعني نهاية هذا الفصل من رحلته، لكنه لم يكن سوى بداية طريق أكثر دموية.

بلا تردد، حرك أصابعه نحو الخيار…

[ نعم. ]

وفجأة، بدأ كل شيء من حوله ينهار. الأرض تحته تهتز، والأنقاض تتلاشى إلى ظلام كثيف، وكأن هذا العالم نفسه يُطوى ليغلق صفحته.

وفي اللحظة الأخيرة، قبل أن يختفي كل شيء، كان آخر ما رأته إليانا هو صورة هيونغ، واقفًا وسط الظلال المتلاطمة، عينيه المتوهجتان تلمعان ببرود قاتل، قبل أن يُبتلع بالكامل في العدم.

خرج هيونغ من دوامة الظلام التي ابتلعته عندما اختار المغادرة. في لحظة، انتقل من الفراغ المدمر إلى مدينة مألوفة، حيث عادت إليه تفاصيل العالم الواقعي. كانت الشوارع مليئة بالضوء، والمباني الشاهقة تحيط به من كل جانب. لكن رغم ذلك، كان كل شيء يبدو… باهتًا. وكأنه مجرد خلفية غير مهمة أمام ما مر به في الطابق الأول.

في اللحظة التي وطأت فيها قدماه الأرض، ظهرت أمامه شاشة سوداء متوهجة.

───✦✧✦─── [ تهانينا! لقد اجتزت الطابق الأول بنجاح. ] [ تمت إضافة المكافآت إلى مستودعك. ] [ تصنيفك الحالي: غير مصنف (لم يتم تسجيلك بعد). ] ───✦✧✦───

لم يعر الشاشة اهتمامًا كبيرًا. كان عقله لا يزال عالقًا في المشاهد الدامية التي خلفها وراءه، في صرخات هيراكوس وهو يُمزق، في الظلال التي استيقظت من تحت قدميه، وفي نظرات الرعب التي رأتها إليانا فيه.

بدأ يسير بهدوء في شوارع المدينة، متجهًا نحو منزله. كانت الأضواء تتلألأ، والسيارات تمر بجانبه، والناس يتحدثون، يضحكون، يعيشون حياة طبيعية… حياة لم يعد يشعر أنه ينتمي إليها.

كل خطوة خطاها كانت تثقلها أصداء معاركه، وكل ظل مرّ به ذكره بالوحوش التي سقطت تحت يديه.

لكن وسط هذه المشاعر الثقيلة، كان هناك شيء واحد واضح في ذهنه.

هذا لم يكن سوى البداية. فتح هيونغ باب منزله بهدوء، متوقعًا أن يكون الجميع نائمين. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، والمدينة غارقة في السكون. لكنه ما إن دخل حتى وجد الضوء في غرفة المعيشة مضاءً، وفي وسطها وقفت أخته الصغيرة، ذراعيها متقاطعتين وعيناها تشتعلان بالغضب.

"أين كنت؟!" كان صوتها مليئًا بالاستياء، ممزوجًا بقلق خفي.

رفع هيونغ حاجبه قليلًا، لكنه لم يُجب على الفور. بدلًا من ذلك، أغلق الباب خلفه، وخلع معطفه بهدوء.

"أنت تركت المنزل لمدة أربعة أيام كاملة!" تابعت بصوت أعلى، خطواتها الغاضبة تتقدم نحوه. "أربعة أيام! لم تجب على أي مكالمة، لم تترك أي رسالة! هل لديك أي فكرة عن كم كنت قلقة؟!"

توقفت أمامه، تحدق في عينيه وكأنها تحاول أن تستشف الحقيقة من ملامحه. لكن نظرات هيونغ لم تكن كعادتها. لم يكن الأخ الذي تعرفه. كان هناك شيء مختلف... شيء أكثر ظلمة، أكثر ثقلًا.

"أين كنت؟" سألت مجددًا، لكن هذه المرة كان صوتها أضعف، وكأنها بدأت تشعر بالخوف من الإجابة.

تنهد هيونغ بهدوء، متجاهلًا التعب الذي بدأ يتسلل إليه بعد المعارك التي خاضها. رفع يده، وربت على رأسها بخفة، كما كان يفعل دائمًا عندما كانت تغضب.

"كنت في مكان بعيد..." قال بصوت منخفض لكنه حازم. "لكني عدت الآن."

لكن ذلك لم يكن كافيًا. لم يكن تفسيرًا مقنعًا لها.

"مكان بعيد؟! هذا ليس جوابًا!" دفعت يده بعيدًا، وحدقت فيه بعينين ممتلئتين بالقلق. "أخبرني الحقيقة، هيونغ… ماذا يحدث معك؟"

وقف هيونغ صامتًا للحظات. كان بإمكانه أن يرى بوضوح القلق في عينيها، القلق الذي لم تستطع إخفاءه مهما حاولت التظاهر بالغضب.

لكنه كان يعلم… لم يكن مستعدًا لإخبارها. ليس بعد.

ابتسم ابتسامة خفيفة، لكن تلك الابتسامة لم تصل إلى عينيه.

"لا تقلقي، سأشرح كل شيء لاحقًا." قال وهو يسير متجاوزًا إياها باتجاه غرفته. "لكن الآن… أنا بحاجة إلى النوم."

شاهدته وهو يختفي خلف باب غرفته، لكنها لم تتحرك.

لم تكن مقتنعة… ولم تكن مطمئنة.

كانت تعلم أن هناك سرًا مظلمًا يحيط بأخيها. والسؤال الحقيقي هو… متى ستكتشفه؟ تمدد هيونغ على سريره، يحدق في السقف بعينين غارقتين في الظلام. رغم أن جسده كان يصرخ من الإرهاق، إلا أن عقله لم يكن مستعدًا للراحة. كان صوت الرياح بالخارج خافتًا، والسكون يلف الغرفة، لكن داخله… كان هناك عاصفة.

"الطابق الثاني..."

تردد الاسم في ذهنه، وكأنه لغز لم يُحل بعد. الطابق الأول كان ساحة معركة، مليئًا بالوحوش والدماء، بمخلوقات تسعى لتمزيق كل من يدخل مجالها. لكنه نجح. سحق كل من وقف في طريقه، وخرج من هناك أقوى.

لكن ماذا عن الطابق الثاني؟

رفع يده أمام عينيه، متذكرًا كيف استخرج ظلال الوحوش الميتة في ساحة الخراب. ذلك المشهد… نظرات إليانا المرتعبة… الرهبة التي اجتاحت المكان حين خرجت تلك الظلال من شقوق الأرض ككيانات زاحفة من الجحيم نفسه.

ابتسم بهدوء.

"هل سيكون الطابق الثاني أكثر إثارة؟" تمتم لنفسه.

هل سيواجه مخلوقات أقوى؟ زعماء أشد قسوة؟ أو ربما قوانين مختلفة تمامًا؟

أغمض عينيه للحظة، محاولًا تخيل المشهد.

ممرات قاتمة، ضباب كثيف يخفي ما خلفه، أصوات همسات غريبة تتردد في الهواء، ورائحة الدم التي تملأ الأنفاس. ربما هناك كائنات أكثر ذكاءً، ليست مجرد وحوش مفترسة، بل أعداء لهم عقول، لهم استراتيجيات…

"إن كان الأمر كذلك…"

فتح عينيه مجددًا، بريق قاتم يتلألأ فيهما.

"فهذا سيكون ممتعًا."

أدار رأسه لينظر إلى شاشة النظام السوداء العائمة فوقه، لا تزال هناك، بانتظار قراره.

[هل تريد حفظ تقدمك والخروج من الطابق؟]

ضغط على زر "نعم"، لتختفي الشاشة على الفور، تاركة خلفها صمتًا ثقيلًا.

أغمض عينيه مجددًا، لكن هذه المرة… لم يكن هناك أي قلق أو تردد.

كان يعلم أن الطابق الثاني ينتظره.

وكان مستعدًا لما سيأتي.

2025/02/22 · 8 مشاهدة · 2720 كلمة
Aymen
نادي الروايات - 2025