استدعاء من النقابة

استيقظ هيونغ على صوت اهتزاز هاتفه الموضوع على الطاولة بجانب السرير. فتح عينيه ببطء، متأقلمًا مع ضوء الصباح الذي تسلل عبر النافذة. كان نومه هادئًا بشكل غريب، رغم كل ما مر به في الأيام الأخيرة.

مدّ يده إلى الهاتف، فتح الشاشة، ووجد إشعارًا من نقابة الصيادين.

[إشعار رسمي: يُطلب من الصياد هيونغ الحضور الفوري إلى مقر النقابة الرئيسي في المنطقة الوسطى. الأمر عاجل.]

رفع حاجبه ببطء، جالسًا على حافة السرير وهو يحدق في الرسالة. لم يكن هذا مجرد طلب عادي، بل كان أمرًا عاجلًا.

"إذن، لقد لاحظوا…"

تمتم لنفسه وهو ينهض من السرير. لم يكن الأمر مفاجئًا، بعد كل شيء. اجتيازه للطابق الأول بتلك الطريقة، هزيمته للطاغية هيراكوس، واكتساحه لجيش الوحوش وحده… لا بد أن الأخبار قد وصلت إليهم.

مشّى أصابعه بين خصلات شعره، ثم اتجه إلى الحمام ليغسل وجهه. حدّق في المرآة للحظة، وعيناه تعكسان أفكارًا لا تحصى.

لماذا النقابة مهتمة به فجأة؟ هل يريدون تجنيده؟ التحقيق معه؟ أو ربما… تحذيره؟

ارتدى ملابسه بسرعة، معطفه الأسود الطويل، قفازاته المعتادة، ثم التقط سيفه الذي كان مسندًا على الجدار. لم يكن يثق بأي اجتماع يتم وصفه بـ "العاجل"، ويفضل أن يكون مستعدًا.

قبل أن يخرج، ألقى نظرة سريعة على هاتفه مجددًا.

"حسنًا، لنرَ ماذا تريد النقابة هذه المرة."

وفتح الباب، متجهًا نحو المجهول. كان هيونغ يسير بهدوء في الشارع الطويل الممتد على ضفاف النهر، حيث تلألأت المياه تحت أشعة الشمس الصباحية. نسيم بارد خفيف كان يلفح وجهه، لكن جسده المتمرس بالكاد تأثر.

تقدّم بخطوات ثابتة، عيناه تراقبان التيار المتدفق، وكأن أمواج النهر تهمس بأسرار لا يسمعها غيره. انعكاسه على سطح الماء كان مشوهًا بفعل تموجات المياه، لكنه شعر أن هذا يعكس حاله تمامًا—ظل قاتل يسير في عالم لم يعد يشبهه.

"النقابة… هل هم أصدقاء أم أعداء؟"

تمتم لنفسه، وعقله يراجع السيناريوهات المحتملة لهذا الاجتماع المفاجئ. لم يكن يثق بأحد، وهذا ما جعله ينجو حتى الآن.

على الجانب الآخر من الطريق، كانت هناك مجموعة من الصيادين يسيرون معًا، يتبادلون الحديث بصخب. عندما مرّ بجانبهم، خفتت أصواتهم للحظات، وألقوا عليه نظرات مليئة بالفضول والتوجس. لم يكن هذا غريبًا. بعد كل شيء، كان اسمه يتردد في الخفاء بعد اجتيازه الطابق الأول بطريقة غير مسبوقة.

لكنه لم يكترث.

تابع سيره، وأصابعه تمر على مقبض سيفه المتدلي من خصره. الإحساس بالصلب البارد تحت يده أعطاه شعورًا بالطمأنينة. لا شيء في هذا العالم يمكن أن يهدد هيونغ وهو على أهبة الاستعداد.

وعندما ظهرت مباني النقابة الضخمة أمامه، رفع رأسه قليلًا، نظراته تشتد حدة.

"حسنًا… فلنرَ ما ينتظرني بالداخل." بخطوات هادئة، دخل هيونغ عبر البوابة العملاقة لنقابة الصيادين، حيث انتشرت الهالة القاتمة حوله كأنها جزء من كيانه. كان المدخل ضخمًا، مزينًا بأعمدة شاهقة ونقوش محفورة تروي قصص الصيادين العظماء الذين مروا عبر هذه الأروقة من قبله.

حالما وطأت قدماه الأرضية الرخامية الباردة، انتشرت موجة صامتة من التوتر بين الحاضرين. بعض الصيادين الذين كانوا يتحدثون في مجموعات توقفوا عن الكلام لبرهة، أعينهم تتجه نحوه بفضول وحذر.

لم يهتم هيونغ بهم. كان تركيزه منصبًا على مكتب الاستقبال في نهاية البهو الواسع، حيث وقفت موظفة الاستقبال خلف المنضدة، مرتدية زي النقابة الرسمي.

اقترب منها بخطوات ثقيلة، صدى حذائه يتردد في البهو الكبير. عندما رفعت رأسها ونظرت إليه، بدت متوترة للحظة قبل أن تستعيد هدوءها المهني.

"مرحبًا، السيد هيونغ. لقد كنا في انتظارك." قالت بصوت رسمي، بينما كانت أصابعها تتحرك بسرعة على شاشة زجاجية أمامها.

"ما سبب استدعائي المفاجئ؟" سأل بصوت بارد، عيناه تراقبانها دون أن يظهر أي تعبير على وجهه.

ترددت للحظة قبل أن ترد: "رئيس النقابة بنفسه طلب رؤيتك. إنه ينتظرك في الطابق العلوي."

ارتفع حاجباه قليلًا، لكنه لم يُظهر أي اندهاش حقيقي. إذا كان رئيس النقابة قد استدعاه شخصيًا، فلا بد أن الأمر بالغ الأهمية.

"خذيني إليه." قال باقتضاب، دون أي تردد.

أومأت الموظفة بسرعة، ثم ضغطت على زر خلف المنضدة، مما أدى إلى فتح بوابة معدنية في الجدار الجانبي، تكشف عن ممر يؤدي إلى المصعد الخاص بكبار الشخصيات.

تقدم هيونغ دون تردد، شعوره الغريزي يخبره أن شيئًا مهمًا على وشك الحدوث. دخل هيونغ إلى المصعد المعدني الفاخر، وأُغلقت الأبواب خلفه بصوت ميكانيكي خافت. كان داخله واسعًا على غير العادة، مزودًا بجدران مزخرفة بنقوش ذهبية تمثل رموز النقابة الكبرى.

بدأ المصعد بالصعود بسلاسة، ولم تمر سوى لحظات حتى صدر صوت رنين خافت، ثم انفتحت الأبواب على قاعة كبيرة مزينة بثريات كريستالية تتدلى من السقف، وأعمدة رخامية منحوتة بدقة.

وسط القاعة، كان رجلٌ مسنٌ بهيبة واضحة يجلس على كرسي فاخر، مرتديًا بذلة سوداء أنيقة، بينما وقفت بجانبه امرأة ذات شعر قصير ونظرة صارمة، تبدو كمساعدته الشخصية.

رفع الرجل رأسه عندما رأى هيونغ يدخل بخطوات ثابتة، ثم ابتسم بخفة وقال بصوت رخيم: "أخيرًا، الشاب الذي يتحدث الجميع عنه."

لم يرد هيونغ، بل سدد إليه نظرة ثابتة دون أي تعبير، مما جعل الجو مشحونًا بصمت ثقيل.

أشار الرجل إلى الكرسي المقابل: "اجلس، لدينا حديث مهم."

تقدم هيونغ ببطء وجلس دون أن يزيل نظراته الحادة عنه.

بدأ الرجل حديثه: "لقد تابعتُ صعودك السريع... إنجازاتك في البوابة الأولى كانت مثيرة للإعجاب، بل مرعبة بالنسبة للبعض."

تدخلت مساعدته بصوت جاد: "لكن هناك أمرًا غير معتاد... مع قوتك الحالية، كان من الطبيعي أن تنضم إلى إحدى الفرق الكبرى التابعة للنقابة، لكنك لم تفعل."

ظل هيونغ صامتًا للحظة، ثم قال ببرود: "أنا لا أحتاج إلى فريق."

ارتفع حاجب الرجل العجوز، ثم ضحك بهدوء وقال: "ثقة مثيرة للإعجاب، لكنها قد تكون خطيرة... هل تفهم ما يعنيه رفضك الانضمام لأي من فرق النقابة الكبرى؟"

"هذا لا يعنيني." رد هيونغ دون تردد.

نظرت المساعدة إليه بنظرة حادة، ثم قالت: "إن بقاءك وحيدًا قد يجلب لك أعداءً، نحن لا نريد خسارة موهبة مثلك."

نظر هيونغ نحوها وقال بصوت هادئ لكن يحمل وزنًا ثقيلًا: "من يجرؤ على أن يكون عدوي... عليه أن يكون مستعدًا للزوال."

ساد الصمت في القاعة للحظات، قبل أن يبتسم رئيس النقابة بخفة، عاقدًا يديه أمامه: "إذن، لا تزال مُصرًّا على طريقك الخاص؟"

"دائمًا." أجاب هيونغ بثقة، عازمًا على شق طريقه بنفسه، دون قيود أو تحالفات قد تعرقل مسيرته. جلس هيونغ في مقعده الفاخر داخل القاعة المزخرفة، وأمامه كان رئيس النقابة يحدّق به بنظرة تحمل مزيجًا من الدهشة والفضول. مساعدته وقفت إلى جانبه، تحاول كتم تعبير الصدمة الذي ظهر للحظة عندما فتح الرئيس ملفًا سميكًا وألقى به على الطاولة.

قال الرئيس بنبرة هادئة لكن حادة: "تلقينا تقريرًا يفيد بموتك داخل البوابة الأولى... لكن ها أنت أمامي، على قيد الحياة. هل ستخبرني كيف؟"

لم يظهر على هيونغ أي انفعال، بل رفع نظره ببطء والتقت عيناه بعيني الرجل الجالس أمامه. ثم قال بصوت بارد كحدِّ السيف: "هل أنت متأكد أنهم قالوا إنني مت؟ أم أنهم أخفوا السبب الحقيقي؟"

قطّب الرئيس حاجبيه قليلًا وقال: "ماذا تعني؟"

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي هيونغ، لكنها كانت خالية تمامًا من أي شعور بالود. أسند مرفقيه على الطاولة، وتابع بصوت منخفض لكنه مليء بالرهبة: "لقد كنت قربانًا."

ساد الصمت في القاعة للحظات، ثم تحدثت المساعدة أخيرًا بصوت متردد: "قربان؟"

أدار هيونغ عينيه نحوها، ثم أومأ بهدوء: "ذلك الفريق لم يتركني هناك لأني كنت ضعيفًا... بل رموني عمدًا إلى أفواه الوحوش، لكي يضمنوا هروبهم."

ضاقت عينا رئيس النقابة، وبدأت ملامحه تأخذ طابعًا أكثر جدية. قال ببطء: "هل لديك دليل على ذلك؟"

ضحك هيونغ بسخرية، ثم مال إلى الخلف في مقعده قائلاً: "دليل؟ لا أحتاج إلى دليل، لأنهم هم أنفسهم يعلمون ما فعلوه... وكل ليلة، عندما يغمضون أعينهم، سيرونني هناك... واقفًا فوق الدماء، أنظر إليهم."

شعرت المساعدة بقشعريرة باردة تسري في جسدها، بينما تبادل رئيس النقابة وهيونغ النظرات. في النهاية، تنهد الرئيس وقال: "إذا كان ما تقوله صحيحًا، فهؤلاء ليسوا محاربين... إنهم جبناء."

أمال هيونغ رأسه قليلاً وقال بصوت ناعم لكنه يحمل في طياته خطرًا كامنًا: "ليسوا جبناء فقط... بل قتلة."

وقف بهدوء، ثم نظر إلى الرئيس بعينين مظلمتين كأنهما بوابة إلى هاوية لا قاع لها، وأكمل: "أخبرني، هل ستظل تحميهم؟ أم أنك ستراقب عندما يحين وقت الحساب؟"

ساد الصمت للحظة، قبل أن يبتسم رئيس النقابة أخيرًا ويقول بصوت خافت: "يبدو أن بعض الأشخاص في النقابة سيواجهون كوابيس قريبة..."

ابتسم هيونغ ابتسامة باهتة، ثم استدار متجهًا نحو الباب، تاركًا خلفه هواءً ثقيلًا محمّلًا بالرهبة والخطر... وقف هيونغ للحظة عند الباب، لكن قبل أن يخطو خطوة أخرى، سمع صوت رئيس النقابة وهو يضحك بهدوء. استدار قليلًا، ليجد الرجل يبتسم بثقة، عاقدًا ذراعيه فوق صدره.

قال الرئيس بنبرة تحمل بعض السخرية: "لقد أخذت كل ما أريد منك، يا هيونغ."

لم يبدُ على هيونغ أي رد فعل، لكنه أبقى نظره ثابتًا على الرجل، بينما أكمل الأخير: "كنت أريد أن أعرف ما حدث لك في البوابة، وما سمعته الآن كان أكثر مما توقعت. أنت لست مجرد ناجٍ، بل وحش خرج من قاع الجحيم... وهذا مثير للاهتمام."

لم يقل هيونغ شيئًا، لكنه كان يعلم أن رئيس النقابة ليس بالشخص الذي يتحدث دون غرض. لذا، اكتفى بترك ابتسامة باردة على زاوية شفتيه قبل أن يغادر.

لكن قبل أن يصل إلى المصعد، سمع صوت المساعدة تناديه: "انتظر، سيد هيونغ!"

التفت إليها، فرأى أنها لحقت به سريعًا، ووقفت أمامه بنظرة جادة.

قالت بصوت هادئ لكن مليء بالإصرار: "إذا كنت تقول الحقيقة، وإذا كان فريقك قد تركك هناك ليكون طُعمًا، فيمكنني اتخاذ إجراءات رسمية ضدهم. أستطيع إحضارهم ووضعهم في السجن، ستأخذ عدالتك بالكامل."

صمت هيونغ للحظات، ينظر إلى المساعدة كأنما يزن كلماتها في ذهنه. ثم ابتسم ابتسامة خافتة وقال بصوت منخفض: "عدالة؟"

أمال رأسه قليلًا، وأكمل بصوت يحمل ظلامًا خفيًا: "العدالة بطيئة... أما الانتقام، فهو أكثر فاعلية."

شعرت المساعدة بقشعريرة تسري في جسدها، لكنها تماسكت وقالت بحزم: "إذا كنت تريد أن تأخذ حقك بيدك، فهذا شأنك... لكن لا تظن أن الجميع سيقف متفرجًا. إذا اخترت السير في طريق الانتقام، فستجد الكثيرين يحاولون إيقافك."

ضحك هيونغ بهدوء، واقترب منها قليلًا، ثم قال بصوت يكاد يكون همسًا، لكن وقع كلماته كان كالسيف القاطع: "فليحاول أي شخص أن يكون بيني وبين انتقامي... وسأريه جحيمًا حقيقيًا."

اتسعت عينا المساعدة قليلًا، وابتلعت ريقها بصعوبة، بينما شعرت بقوة مظلمة تلف جسدها بالكامل، كأن الهواء أصبح أثقل، وكأن الظلال خلف هيونغ كانت تتحرك من تلقاء نفسها. لم تعد ترى أمامها إنسانًا... بل كيانًا خطيرًا، شيئًا لا يمكن أن يكون بشريًا.

قالت في داخلها، وهي تشعر بخوف لم تجربه من قبل: "هذا الرجل... ليس بشريًا... إنه كيان مرعب."

بقيت متجمدة في مكانها، بينما استدار هيونغ ودخل المصعد، تاركًا وراءه هواءً باردًا يلف المكان. أما المساعدة، فبقيت تحدق في الباب المغلق، تدرك أن الشخص الذي وقفت أمامه اليوم ليس مجرد محارب نجا من الموت... بل ظلًّا يتحرك بين الحياة والجحيم، ولا شيء سيقف في وجهه. عاد هيونغ إلى المنزل في ساعة متأخرة من المساء، بعد يوم طويل من المواجهات والمحادثات التي لم تنتهِ عند رئيس النقابة. كان الجو باردًا قليلًا، والمدينة تضيء بأنوار الشوارع الهادئة. عند دخوله، وجد طاولة العشاء مرتبة بعناية، ورائحة الطعام المنزلي تعبق في المكان.

جلست سويول، أخته الصغيرة، أمام الطاولة، تعبث بطعامها بينما كانت عيناها تلمعان قليلًا بالملل. رفعت رأسها فور أن رأت هيونغ يدخل، وضربت الطاولة بخفة قائلة: "أخيرًا قررت العودة! كنت سأأكل كل شيء وحدي."

جلس هيونغ بهدوء، وأخذ طبقًا، ثم قال بنبرة هادئة: "أين أمي؟"

أجابت سويول وهي تمضغ لقمة من طعامها: "ذهبت لزيارة خالتنا، قالت إنها ستنام هناك الليلة."

رفع هيونغ حاجبه قليلاً، ثم أكمل طعامه بصمت لثوانٍ قبل أن يسأل: "وكيف حال المدرسة؟"

أطلقت سويول تنهيدة طويلة، ثم تكلمت بلهجة متذمرة: "كما هي دائمًا... مملة! الفروض لا تنتهي، والمدرسون مملون. آه، وهناك طالبة جديدة في فصلي، تبدو مغرورة بعض الشيء."

ابتسم هيونغ قليلًا، ثم قال وهو يأخذ لقمة أخرى: "وهل تشاجرتِ معها بالفعل؟"

نظرت سويول إليه بنظرة مليئة بالتحدي، قبل أن تقول بثقة: "ليس بعد... لكن الأمر مسألة وقت فقط!"

ضحك هيونغ بصوت خافت، ثم أكمل طعامه بهدوء. كان هذا الجو العائلي البسيط شيئًا لم يشعر به منذ فترة. بعد كل ما مر به داخل البوابة، كان هذا العشاء العادي مع أخته الصغيرة بمثابة لحظة استراحة وسط العاصفة القادمة.

لكن، في أعماقه، كان يعلم أن هذه الهدنة لن تستمر طويلًا... وقف هيونغ فوق خزان مياه مرتفع، تطل قدماه على المدينة المضيئة أسفل منه، بينما هبّت الرياح الباردة تحرّك خصلات شعره السوداء. كانت عيناه جامدتين، كأنهما تبحثان عن شيء خلف الأفق المظلم.

فجأة، أمامه، ظهرت الشاشة السوداء مجددًا، تتوهج بهالة غامضة، وكلماتها كانت واضحة لا تحتمل الشك:

[هل تريد العودة إلى البوابة الأولى؟] [نعم] / [لا]

نظر هيونغ إلى الكلمات التي تسبح أمامه، أصابعه تقترب ببطء من الاختيار، لكنه لم يضغط بعد. كان يعرف ما يعنيه هذا القرار… العودة إلى المكان الذي بدأ فيه كل شيء، حيث وُضع كطُعم للوحوش، حيث كان من المفترض أن يموت لكنه خرج منه أقوى مما كان يتخيله أي شخص.

أغمض عينيه للحظة، وكأن آلاف الذكريات اجتاحت عقله في ثوانٍ. صرخات الموت، الدماء، الوحوش التي مزقت كل شيء، والقوة التي استيقظت داخله وسط الجحيم. والآن… سيعود.

فتح عينيه ببطء، نظرة لا يملؤها التردد، بل قرار ثابت. رفع إصبعه، وضغط على…

[نعم].

وفي لحظة، اختفت المدينة من حوله، وسقط في الظلام… شعر هيونغ بجاذبية غريبة تسحبه إلى الأعماق، وكأن جسده يُبتلع في فراغ لا نهاية له. كانت الظلمة تحيط به، قبل أن يُفتح أمامه عالم مألوف… لكنه مختلف.

هبط على قدميه وسط أرض متصدعة، والغبار الكثيف يتطاير في الهواء. رفع رأسه ببطء، نظراته تتفحّص المكان بحدة. كانت البوابة الأولى، لكنها لم تكن كما تركها.

الجثث التي كانت متناثرة في السابق قد اختفت، والأنقاض القديمة تحولت إلى مساحات واسعة من الحجارة السوداء المنحوتة بدقة. على أطراف الأفق، كانت أعمدة ضخمة ترتفع نحو السماء، محفورة عليها نقوش شيطانية متوهجة بلون أرجواني خافت.

كان واضحًا أن الشياطين لم يضيعوا وقتهم، فقد كانوا يوسعون أراضيهم ويبنون قلاعًا أكثر ضخامة وهيبة، استعدادًا للسيطرة الكاملة على هذه الأرض.

ثم، وسط الصمت المشحون بطاقة غامضة، جاء صوت مألوف:

"سيد هيونغ! أين اختفيت كل هذه المدة؟!"

التفت بسرعة، ليجد إليانا واقفة عند مدخل أحد الأبراج النصف مكتملة، شعرها الفضي يتطاير مع الرياح، وعيناها القرميزيتان تلمعان تحت ضوء القمر الدامي. كانت ملامحها تجمع بين الغضب والارتياح، وكأنها لم تصدق أنه عاد بالفعل.

تقدمت نحوه بخطوات سريعة، قبل أن تتوقف على مسافة قريبة منه، تنظر إليه بحدة وكأنها تحاول التأكد أنه ليس مجرد وهم.

"اختفيت فجأة بعد أن دمرت الطاغية هيراكوس… لم نكن نعلم إن كنت ستعود أم لا."

نظر إليها هيونغ ببرود، قبل أن يجيب بصوته العميق:

"كنت بحاجة لبعض الوقت خارج البوابة… لكن يبدو أن الأمور هنا تغيرت."

أومأت إليانا بجدية، قائلة: "ليس المكان فقط… بل كل شيء. منذ رحيلك، بدأت قوى جديدة تتحرك. أراضٍ لم نكن نعرف بوجودها بدأت تنكشف، وكيانات مظلمة بدأت تستيقظ."

تأمل هيونغ السماء الملبدة بالغيوم الداكنة، ثم سألها بنبرة باردة:

"كم من الوقت كنتُ غائبًا؟"

ترددت إليانا للحظات، قبل أن تجيبه بصوت هادئ لكنه يحمل توترًا خفيًا:

"لقد مرت شهران منذ أن اختفيت، سيد هيونغ."

ضاقت عينا هيونغ، وشعر بطاقة خفية تسري في الهواء من حوله. شهران؟ لم يكن يتوقع أن يكون الزمن داخل البوابة مختلفًا إلى هذا الحد.

"يبدو أنني عدت في الوقت المناسب…" قال بصوت منخفض، قبل أن ينظر إليها مباشرةً.

"أرشديني، إليانا… أخبريني بكل ما تغير منذ أن غادرت." تحرك هيونغ عبر الأرض السوداء المليئة بالحجارة المكسرة، خطواته واثقة وقوية، وعيناه الباردتان تمسحان المكان كما لو كان ملكًا يستعرض مملكته. كانت إليانا تسير بجانبه، نظراتها تراقبه باهتمام، وكأنها تحاول قراءة أفكاره.

مع اقترابهما من قلعة الشياطين، بدأت ملامح التطور تظهر بوضوح. لم تعد مجرد أطلال كما تركها آخر مرة، بل كانت الآن في طور التحول إلى حصن أسطوري يليق بقوة القبيلة.

الطرق المعبدة بالحجارة البركانية امتدت في كل الاتجاهات، وأبراج شاهقة كانت تُبنى ببطء، ترتفع إلى السماء وكأنها تتحدى النجوم. الشياطين، بأجسادهم المظلمة وعيونهم المتوهجة، كانوا يعملون دون توقف.

بعضهم كان ينحت الأحجار العملاقة بأيديهم العارية، وآخرون كانوا يرفعون الألواح المعدنية الضخمة التي ستشكل جدران القلعة، بينما كانت مجموعات أخرى ترسم نقوشًا شيطانية متوهجة على الأرض، تملأ المكان بهالة سحرية مرعبة.

وقف هيونغ عند بوابة القلعة، مراقبًا هذا المشهد العظيم. كانت هذه الحضارة تُولد من جديد أمام عينيه، ولم يكن بوسعه إلا أن يشعر بقوتها تتصاعد.

"لقد تغيرت الأمور كثيرًا منذ رحيلك، سيد هيونغ." قالت إليانا بنبرة هادئة، لكنها كانت تحمل في طياتها احترامًا واضحًا له.

نظر إليها، ثم قال ببرود: "هذا ليس سيئًا… لكنني أريد معرفة كل التفاصيل. من يقود هذا التقدم؟ وكيف أصبحت القبيلة بهذه القوة في وقت قصير؟"

أجابته إليانا: "بعد سقوط الطاغية هيراكوس، اتحد الشياطين تحت راية ملكنا زاركون، وبدأنا في بناء حضارتنا من جديد. لكن…" توقفت لبرهة، ثم أضافت بصوت أكثر جدية: "كان هناك من حاول استغلال الفراغ الذي تركته… بعض القبائل الأخرى أرادت السيطرة، لكننا سحقناهم."

ابتسم هيونغ ابتسامة باردة، ثم قال بصوت منخفض: "سحقتمهم؟ هكذا يجب أن يكون… هذا العالم لا يرحم الضعفاء."

تقدم داخل القلعة، حيث كانت الأضواء الأرجوانية تومض من النقوش السحرية على الجدران. كان بإمكانه الشعور بالطاقة المظلمة تنبض في كل زاوية، مما جعله يتأكد من شيء واحد…

هذه القلعة لن تكون مجرد معقل للشياطين، بل ستكون حصنًا للهيمنة على العالم السفلي. وقف هيونغ داخل القاعة الداخلية للقلعة، حيث كانت الرفوف ممتلئة بالتمائم السحرية، والجرعات المظلمة، والأسلحة الملعونة التي تشع بهالة غامضة. كانت الأضواء الخافتة تلقي بظلال غريبة على الجدران المزخرفة بنقوش قديمة، بينما كان الجو مشبعًا برائحة البخور القاتم والطاقة الشيطانية.

بهدوء، بدأ هيونغ يأخذ ما يحتاجه. التقط تعويذة تعزيز القوة، وجرعة استعادة المانا، بالإضافة إلى تميمة الظلال التي ستساعده على التسلل بين الأبعاد. مدّ يده نحو خنجر أثيري كان ينبض بهالة سوداء، وعندما أمسكه، تسللت قشعريرة باردة عبر ذراعه. كان يعلم أن هذا السلاح ملعون، لكنه لم يكن يهتم، بل كان يشعر أنه مناسب تمامًا له.

راقبته إليانا بصمت، عيناها القرمزيّتان تتابعان حركاته بدقة. كان واضحًا لها أنه يستعد لشيء أكبر، شيء لا ينوي التراجع عنه. وبعد لحظات من الصمت، قطعت أفكارها بسؤال:

"سيد هيونغ… هل ستذهب الآن إلى البوابة الثانية؟"

توقف هيونغ قليلًا، قبل أن ينظر إليها بنظرة باردة تحمل في طياتها يقينًا لا يتزعزع.

"نعم، لقد حان الوقت."

رغم أنها توقعت إجابته، إلا أن سماعها بصوته جعل قلبها ينقبض للحظة. فقد رأت قوته، ورأت كيف أنه لم يكن مجرد مقاتل، بل كيان مظلم آخذ في التطور. ومع ذلك، كان البوابة الثانية مجهولة تمامًا…

اقتربت منه بخطوات بطيئة، ثم قالت بصوت منخفض لكنه حاد: "كن حذرًا… هناك أشياء في الظلام قد لا تخضع حتى لك."

ابتسم هيونغ ابتسامة خافتة، ثم قال بهدوء مخيف: "إذًا، سنرى من سينحني لمن."

ثم أدار ظهره، وسار نحو المخرج، حيث كانت الظلال تتحرك من حوله كما لو أنها تودعه… أو ربما كانت تتبع سيدها إلى المجهول. تقدم هيونغ عبر الأراضي المظلمة للبوابة الأولى، خطواته تتردد فوق التربة المحترقة والأنقاض التي خلفتها المعارك السابقة. الهواء كان ثقيلاً بطاقة غامضة، والسماء ملبدة بالغيوم السوداء التي لا تسمح بمرور حتى بصيص من الضوء.

بعد سير طويل، بدأ يشعر بأن الأرض من حوله تتغير. لم تعد مجرد أرض قاحلة، بل أصبحت مشبعة بطاقة غير مستقرة، كأنها تتنفس ببطء. وعند وصوله إلى نصف البوابة الأولى، رفع بصره ليرى المشهد الذي كان ينتظره.

مصعد من الطاقة النقية يشق السماء.

كان عمودًا هائلًا من الضوء الأزرق المتوهج، ينبعث من دائرة نقوش ضخمة مرسومة على الأرض. الطاقة التي تشع منه كانت قوية لدرجة أن الهواء نفسه كان يهتز، وصوت طنين خافت يملأ المكان كما لو كان المصعد ينادي من يجرؤ على الصعود.

وقف هيونغ أمام المصعد، عاقدًا ذراعيه، وعيناه السوداوان تعكسان وهج الطاقة السماوية. لم يكن هناك أي حراس، لم يكن هناك أي عوائق… كأن هذه البوابة تنتظر قدومه.

من خلفه، كان الظلام يتحرك ببطء، ظلاله تتمدد كأنها تتردد في تركه يرحل. لكن هيونغ لم يتردد، بل مد قدمه للأمام، ليشعر بطاقة المصعد تتسلل إلى جسده.

"البوابة الثانية…" تمتم بصوت منخفض، بينما ارتفعت أمامه شاشة سوداء.

— [هل تريد الانتقال إلى البوابة الثانية؟] —

ابتسم بسخرية، ثم رفع رأسه نحو السماء. كان يعلم أن هذا ليس سوى بداية شيء أعظم.

"فلنبدأ اللعبة الحقيقية."

ثم ضغط على [نعم]، لتبتلعه الطاقة بالكامل…

2025/02/22 · 6 مشاهدة · 3089 كلمة
Aymen
نادي الروايات - 2025