في أعماق القصر الجليدي، حيث كانت الأعمدة البلورية تعكس وهجًا أزرق شاحبًا، جلست ملكة الجليد على عرشها المهيب. شعرها الأبيض كان يتدلى كستار من الثلج، وعيناها تشعّان ببرودة لا تعرف الرحمة. حولها، جلست وحوشها، تلك المخلوقات التي لم يكن أحد يجرؤ على تحديها، كانوا يحيطون بها كما تحيط الذئاب بأمهم، ينتظرون كلماتها، أو أوامرها.

دوى صوت خطوات مرتجفة عبر القاعة، وحينما اقترب صاحبها، ركع على ركبتيه، واضعًا رأسه على الأرض، مرتجفًا كأن العرش نفسه يجمد دمه في عروقه. كان أحد قادتها، مغطى بالدماء والغبار، لكن أسوأ ما حمله لم يكن الجراح… بل الرأس الذي بين يديه.

رفعت الملكة حاجبها ببطء، نظرت إليه كما ينظر المفترس إلى الفريسة التي جاءت تطلب الرحمة.

"لقد أتيت، يا ابني… هل تم إبادة الألف كما أمرتك؟" قالتها بصوت هادئ، لكنه حمل تحذيرًا خفيًا.

لكن القائد لم يتحرك، لم يرفع رأسه، لم ينبس ببنت شفة، كأن كلمتها الأخيرة شلّت لسانه تمامًا. لاحظت أصابع يديه المرتجفة، قبضته المشدودة على الرأس الذي يحمله، والرعب الذي يفترس ملامحه.

أخيرًا، بعد لحظات من الصمت القاتل، تمتم بصوت بالكاد يُسمع:

"يا أمي… هناك شرّ مطلق قادم إلينا…"

ارتفع حاجب الملكة قليلًا، لكن عينيها ظلتا باردتين كعادتهما. "شر مطلق؟"

رفع القائد رأسه أخيرًا، وعيناه الواسعتان بالكاد استطاعتا النظر إلى ملكته مباشرة. صوته المبحوح خرج كما لو كان يحاول دفع الكلمات من بين جدران خوفه:

"إنه… إنه قادم إلى هنا… من أجل تدميرنا جميعًا."

ساد الصمت القاعة، الوحوش حول الملكة أصدرت همهمات منخفضة، بعضها كشف أنيابه، بينما أخرى تسلقت الجدران الجليدية وكأنها شعرت بالخطر. أما الملكة، فلم تبدُ عليها أي علامات توتر.

ببطء، نزلت عن عرشها، وخطت نحو القائد المنهار أمامها، وقفت فوقه، وأخفضت رأسها قليلاً، همست له بصوت حمل دفئًا زائفًا وسط البرد القاتل من حولهما:

"قل لي، يا ابني… من هو الذي تجرأ على إرسال رأس أحد أبنائي إليّ؟"

كان القائد لا يزال يرتجف، لكن شفتاه تحركتا ببطء لينطق اسمًا واحدًا، اسمًا كاد يخنقه قبل أن يقوله.

"هيونغ…"

وعندها، لأول مرة منذ قرون… ابتسمت ملكة الجليد.

وقفت ملكة الجليد أمام قائدها الراكع، نظرتها الثلجية تخترق خوفه، لكن ابتسامتها الخافتة كانت أكثر رعبًا من أي تهديد.

"تحدّث،" أمرته بصوت هادئ لكنه محمّل بسطوة لا تُقاوَم، "أخبرني بكل ما حدث... بكل تفصيل."

بلع القائد ريقه، رغم أن حلقه كان جافًا كالصحراء. حاول أن يجمع شتات نفسه، لكنه لم يكن قد تعافى بعد من المشهد الذي عاشه. رفع رأسه قليلًا، وعيناه تحملان مزيجًا من الرعب والعار، ثم بدأ الكلام:

"كنا في طريقنا لإبادة الألف كما أمرتِ،" صوته كان مرتعشًا، لكنه تابع، "سيطرنا عليهم بسرعة، كان الأمر سهلاً، لم يكونوا قادرين على الصمود أمامنا. لكن…"

توقّف لحظة، وكأن ذكرى ما رآه تلتف حول عنقه كحبل مشنقة.

"لكن عندها… ظهر ذلك الرجل."

ضاقت عينا الملكة قليلًا، "هيونغ؟"

أومأ القائد برأسه، وأكمل بصوت أكثر ضعفًا، وكأنه كان يتذكّر كابوسًا حيًّا:

"كان يجلس على غصن شجرة، وكأنه غير مكترث بشيء، يده تستند إلى خده، وفي الأخرى منجله الأسود المعلّق على كتفه. لم يكن حتى ينظر إلينا وكأننا لا نستحق اهتمامه. عندما رأيته، شعرت بشيء… شيء لم أشعر به حتى أمامكِ، يا أمي… شعرت أنني أمام شيء ليس بشريًا."

تقدّمت الملكة خطوة بطيئة، لكنها لم تقاطعه.

"بدأ يتحدث معي، يسخر مني، وصفني بالكلب، سألني عن سلسلتي… ثم فجأة… بدأت الظلال تتحرك."

عند هذه الكلمة، اهتزّ بعض الوحوش الحاضرين، وأصدروا همهمات مضطربة.

"الظلال؟" كررت الملكة، اهتمامها بدأ يتزايد.

"نعم… كانت ظلاله تنبض بالحياة، كأنها جيش مستقل، مئات… بل آلاف الكيانات السوداء، أشباح تتحرك في الظلام، بلا وجوه، بلا أعين… لكنهم كانوا ينظرون إلينا، وكأنهم يملكون وعياً خاصًا بهم."

الآن، بدأ صوته يزداد اضطرابًا.

"ثم… بدأوا بالهجوم. لم يكن قتالًا، بل كان مجزرة… جيشنا لم يكن يملك فرصة، لم نستطع حتى أن نلمسه! كل من اقترب منه تمزق، وكل من قاوم احترق في الظلام، حتى أخي الأكبر…"

ارتجف صوته للحظة، ثم تابع:

"كان يقف أمامه… كان يحاول التفاوض معه، أو ربما تهديده… لكنه لم يُكمل حتى جملته الأولى قبل أن… قبل أن يرفع ذلك المنجل الأسود، وفي وهلة واحدة… رأيت رأس أخي تتدحرج على الأرض."

شهقت بعض الوحوش التي سمعت القصة للمرة الأولى، لكن القائد لم يتوقف.

"ثم… حمل الرأس من شعره، نظر إليّ بابتسامة… ثم ألقاه نحوي قائلاً: 'خذ، إنها هدية مني إلى ملكتك.'"

كان المكان قد غرق في صمت مطبق، حتى الهواء البارد داخل القصر بدا وكأنه توقف عن الحركة.

الملكة الجليدية لم تقل شيئًا في البداية، فقط رفعت يدها ولمست الرأس المقطوعة بأطراف أصابعها، وكأنها تحاول استيعاب الموقف. بعد لحظة، انحنت قليلاً، لتهمس بجانب أذن القائد:

"وهل تعتقد… أنه سيتوقف عند هذا الحد؟"

شهق القائد، لكن قبل أن ينطق بكلمة، أتى صوت من أحد الوحوش المراقبة عند بوابات القصر:

"ملكة الجليد! هناك شيء غريب في الخارج!"

رفعت الملكة رأسها ببطء، لكن القائد كان قد فهم بالفعل…

"إنه… إنه هنا." الريح الجليدية تعوي بين أشجار الغابة الميتة، والثلوج المتراكمة تهتز مع كل خطوة تخترقها هالة لا يمكن وصفها سوى بأنها شر خالص.

هيونغ كان يسير ببطء، خطواته ثقيلة وكأنها تسحق الأرض تحته، ووراءه امتدّت ظلاله كجيش أسود، نابض بالحياة، يزحف بصمت وكأنّه طاعون يجتاح المكان.

عيونه المتوهجة بالاحتقار لم تكن تنظر للأشجار أو حتى القصر الجليدي الذي بدأ يظهر في الأفق، بل كان يحدّق مباشرة في العرش الذي ينتظره في الداخل، وكأنّه يراه بالفعل رغم المسافات.

داخل القصر، وقفت ملكة الجليد على عرشها، وجهها لم يتحرّك، لكن عينيها الضيقتين كانتا تتابعان ما يحدث خارجًا. فجأة، إحدى الوحوش الضخمة، التي كانت تجلس بجانبها، رفعت رأسها وهي تستنشق الهواء البارد الذي بدأ يحمل رائحة جديدة… رائحة الموت.

"أمّي…" تكلمت الوحش بصوت خفيض مليء بالحذر، "إنها طاقة… مظلمة، ثقيلة…"

لكن الملكة لم ترد، فقط أبقت نظرها مثبتًا على الأفق الأبيض خارج القصر، حيث بدأت الظلال تتغلغل، تبتلع البياض شيئًا فشيئًا.

"أمّي… هل هذا هو هيونغ؟"

للمرة الأولى، ظهر شرخ طفيف في تعابير ملكة الجليد، ليس خوفًا، بل شيئًا آخر… فضول مميت.

أخفضت رأسها قليلًا، ثم همست، وكأنها تحدث نفسها أكثر من الآخرين:

"إن كان هو… فإن ليلتنا ستكون طويلة." في تلك الليلة الباردة، كانت القلعة الجليدية تغرق في صمت مهيب، لكن ذلك الصمت تحطم فجأة…

تحطّم الباب الرئيسي للقلعة!

صوت انفجار مدوٍّ ارتجّت له الجدران، وانبعثت شظايا الجليد كالعاصفة، متطايرة في كل اتجاه، بينما وقفت الوحوش داخل القاعة وهي تحدّق برعب بالمشهد أمامها.

عبر الدخان المتصاعد، ظهر هيونغ…

كان يسير ببطء، منجله الأسود مستند على كتفه، والهالة السوداء التي تحيط به جعلت المكان أكثر ظلمة وكأن شتاء الأبدية قد حلّ داخل القلعة نفسها. كانت خطواته غير متسرعة، لكنه بدا وكأنه يمتلك كل الوقت في العالم.

وحوش ملكة الجليد زأرت، تجهّزت للهجوم، لكن صوتًا واحدًا جعلها تتوقف فورًا.

"تراجعوا."

كانت الملكة هي من تكلمت، جالسة على عرشها المصنوع من الجليد الأزرق، ساقًا فوق ساق، وابتسامة باردة تعلو شفتيها.

"إذن، أنت هو هيونغ."

هيونغ توقّف في منتصف القاعة، عيناه الداكنتان تحدّقان بها بلا تعبير. ثم رفع المنجل قليلًا، وأشار به نحوها وكأنه يختبر المسافة بينهما.

"وأنتِ هي ملكة الجليد؟"

ضحكت الملكة بصوت ناعم لكنه يحمل قوة كامنة، ثم وضعت كفها على خدّها كما لو كانت تراقب مشهدًا مسليًا.

"ياله من دخول فوضوي… كنت أتوقع منك شيئًا أكثر أناقة، بعد كل تلك الشائعات التي سمعتها عنك."

لم يُجب هيونغ فورًا، بل دار بنظره حول القاعة، ثم تمتم ساخرًا:

"أوه، معذرة… كنت سأطرق الباب، لكن يبدو أنني نسيته في مكان ما بين الجحيم والطريق إلى هنا."

زمّت الملكة شفتيها بتسلية، لكنها لاحظت بوضوح أن أتباعها بدأوا يشعرون بعدم الارتياح… تلك الهالة، ذلك الشعور بالخطر، لم يكن مجرّد تهديد فارغ.

أراحت ظهرها على العرش، ثم قالت بصوت منخفض لكنه مشحون بالقوة:

"أخبرني… ماذا تريد؟ هل أتيت تطلب الموت، أم أنك تحمل لي هدية أخرى؟"

ابتسم هيونغ، تلك الابتسامة المائلة التي لا تحمل سوى الاحتقار، ثم همس:

"ربما الاثنان معًا." كانت ملكة الجليد تحدّق في الرجل الذي اقتحم قلعتها وكأنه لا شيء. رغم برودة القاعة الجليدية، إلا أن الهالة القاتمة التي أحاطت به بدت وكأنها تسرق أي دفء قد تبقى في هذا المكان.

أراحت الملكة ظهرها على العرش الجليدي، وابتسمت بخفة قبل أن تسأل بصوت هادئ لكنه محمّل بالقوة القاتلة:

"أخبرني… هل أنت من قطع رأس ابني؟"

ساد صمت ثقيل للحظة، قبل أن يتردد في القاعة صوت ضحكة منخفضة… كانت ضحكة هيونغ.

تقدّم ببطء، رفع منجله قليلًا، ثم قال ببرود شديد:

"هل أعجبتكِ هديتي؟"

تقلّصت عينا الملكة للحظة، قبل أن تعود لابتسامتها الهادئة، بينما الوحوش التي أحاطت بالعرش ازداد زئيرها، جاهزة للانقضاض في أي لحظة.

"هدية؟" همست، ثم تابعت وهي تميل رأسها بخفة، كما لو كانت تقيّم خصمًا مثيرًا للاهتمام. "كان ابني قوياً… أو هكذا ظننت."

هيونغ أمال رأسه قليلاً، كأنه يسخر من كلماتها.

"أوه، لقد كان قويًا بالتأكيد…" قال بنبرة ساخرة قبل أن يضيف ببطء: "لكن ليس كفاية ليحافظ على رأسه."

ارتفع صوت الوحوش في القاعة، لكن الملكة رفعت يدها فأعادتهم إلى الصمت، بينما واصلت التحديق في هيونغ بنظرة باردة كالجليد.

"إذن، بعد كل هذا، أتيت بنفسك… هل جئت لتسلّمني رأسك أيضًا؟"

ضحك هيونغ مرة أخرى، لكنه هذه المرة تقدّم خطوة أخرى، مما جعل التوتر يزداد في القاعة.

"لا، لا، لا…" تمتم وهو يلوّح بمنجله قليلاً، ثم ثبت عينيه في عينيها مباشرة. "أتيت لأرى إن كنتِ أكثر قوة من ابنك… أو إن كنتِ مجرد ملكة أخرى تنتظر دورها في السقوط." كانت القاعة الجليدية تعج بالصمت المشحون. رغم هدير الوحوش التي أحاطت بالمكان، إلا أن الهيبة القاتمة التي أحاطت بهيونغ جعلتهم يترددون في الاقتراب أكثر. كان واقفًا بثبات، منجله على كتفه، عينيه السوداوين تنظران مباشرة إلى ملكة الجليد التي كانت تجلس على عرشها الجليدي وكأنها لم تأبه لرجل قتل ابنها واقتحم قلعتها كما لو كان يسير في ساحة منزله.

"أنت واثق بنفسك أكثر مما ينبغي،" قالت بصوت هادئ لكنه مشبع بالتهديد، عيناها تلمعان كقطعتي جليد قاتلتين. "لكن لا بأس… سأجعلك تدرك كم كان خطأك فادحًا."

ابتسم هيونغ بخفة، لم تبدُ عليه أي علامة خوف، بل على العكس، بدا مستمتعًا.

"خطأ؟" قال بصوت هادئ، ثم لوّح بمنجله قليلًا في الهواء كأنه يفكر في كلماتها. "الخطأ الوحيد الذي قد أكون ارتكبته… هو أنني لم أرسل رأسكِ مع رأس ابنكِ، كي لا أضطر إلى المجيء إلى هنا بنفسي."

تصلبت ملامح الملكة للحظة، لكن سرعان ما عادت إلى هدوئها المتجمد.

"وقاحة البشر لا حدود لها،" تمتمت وهي تنهض من عرشها، خطوة واحدة منها فقط جعلت الأرض تحتها تتجمد أكثر وكأنها تستعد للهجوم. "أنت تظن نفسك قويًا لأنك انتصرت على قائد من قادتي؟ مسكين… أنت لم ترَ شيئًا بعد."

رفع هيونغ حاجبًا، ثم ابتسم بسخرية.

"حسنًا، لم أكن أتوقع أنك ستتفاجئين كثيرًا… لكن هذا يجعل الأمور أكثر متعة، أليس كذلك؟"

ضاقت عينا الملكة، ثم قالت ببطء، وكأنها تحاول استدراجه:

"أخبرني… ما الذي يجعلك تظن أنك مختلف؟ أن تحاربني لن يكون مثلما فعلت مع ابني."

ضحك هيونغ ضحكة خافتة، ثم مال برأسه قليلًا قبل أن يقول بصوت هادئ لكنه مليء بالشر المطلق:

"أنا؟ أنا ببساطة… لست مثل أي شخص واجهتيه من قبل. أنا الظل الذي لا يمكنك تجميده، واللعنة التي لا يمكنك محوها."

صمتت الملكة للحظة، تدرس كلماته… ثم ابتسمت، لكن ابتسامتها كانت مشوبة بالدموية.

"إذن، لنرَ إن كنت مجرد كلمات… أم شيء يستحق أن يُكسر." وقفت ملكة الجليد أمام هيونغ، عيناها المتجمدتان تحاولان اختراق ظلام هالته القاتمة، لكن ما رأته لم يكن شيئًا مألوفًا. رجلٌ اقتحم قلعتها، قتل ابنها بلا تردد، وأرسل رأسه كهدية لها… لم يكن مجرد محارب مغرور، بل كان شيئًا آخر، شيئًا لا يشبه البشر الذين قابلتهم من قبل.

"ما الذي تريده حقًا؟" سألت بصوت هادئ، لكن التوتر الذي ساد القاعة لم يكن هادئًا أبدًا. "لا تبدو كبشرٍ جاء للانتقام أو الغزو… أنت مختلف."

رفع هيونغ منجله قليلًا، ثم أدار قبضته حول المقبض بينما قال بابتسامة باردة:

"أنتِ ملكة… صحيح؟ أليس من الطبيعي أن يأتي إليكِ من يرغب في إسقاطك؟"

ضاقت عينا الملكة، لكنها لم تبدُ منزعجة، بل مهتمة بطريقة غريبة.

"إسقاطي؟" قالت وهي تخطو إلى الأمام ببطء، الجليد تحت قدميها يتشقق مع كل خطوة. "أيها البشري… كم من ملكٍ حاول ذلك قبلك؟ وكم منهم انتهى مدفونًا تحت هذا الجليد؟"

ضحك هيونغ بصوت منخفض، ثم رفع عينيه إليها، نظرته كانت أشبه بظلٍ لا نهاية له، مليء بشيء لا يمكن وصفه.

"قد يكونون جميعًا ماتوا، لكنهم لم يكونوا أنا."

وقفت الملكة للحظة، تتأمل كلماته. كان هناك شيء في صوته… شيء خطير، شيء لا يجب تجاهله.

"إذن، أنت لا تسعى للانتقام… ولا للغزو،" تمتمت وهي تتقدم ببطء. "أنت تسعى… للمتعة؟"

ضحك هيونغ مجددًا، لكن هذه المرة كانت ضحكته أكثر قتامة، أكثر وحشية.

"ربما… وربما أيضًا أريد أن أرى كيف ستصرخين عندما يتحطم عرشك تحت قدمي."

توقفت الملكة عن التقدم، صمتت لثوانٍ، ثم ابتسمت ابتسامة بطيئة، باردة كالجليد نفسه.

"إذن، لنرَ إن كنت تملك القدرة على تحقيق ذلك، أم أنك مجرد ظلٍ آخر… ينتظر أن يتلاشى."

وفي تلك اللحظة… بدأ الجليد بالاهتزاز، والقلعة بأكملها وكأنها تستعد لحرب لم يسبق لها مثيل.

سادت لحظة صمت ثقيل بين ملكة الجليد وهيونغ، هالة كلٍّ منهما تتصادم في الهواء كأنهما عاصفتان تتصارعان للسيطرة. جلست الملكة على عرشها الجليدي، ساقًا فوق أخرى، ووضعت ذقنها على كفها، تنظر إلى هيونغ بنظرة تملؤها السخرية.

"أنت واثقٌ جدًا،" قالت بصوت بارد، "لكن هل فكرت يومًا أنك قد تكون مجرد لعبةٍ أخرى في يد القدر؟ مجرد ظل يركض خلف شيءٍ لا يستطيع الإمساك به؟"

ابتسم هيونغ ابتسامة صغيرة، وأمال رأسه قليلًا، عيناه السوداوان تلمعان كأنهما هاوية بلا قاع.

"القدر؟" قال مستهزئًا. "هل حقًا تعتقدين أن شيئًا مثل القدر هو من أوصلني إلى هنا؟"

نهضت الملكة ببطء، حواف فستانها الجليدي تلمع تحت أضواء القاعة، ثم تابعت بصوت أكثر حدة:

"إن كنتَ تظن أن قتل أحد أطفالي سيرعبني، فأنت أحمق. لقد فقدت الكثير قبل ابنك الذي قتلته بيدي، لكن…" ابتسمت بخبث "لا بأس، سأجعلك تنضم إليهم قريبًا."

رفع هيونغ منجله ببطء، طرفه يقطر بهالة سوداء تتلوى كأنها كائنٌ حي. ثم قال بصوت هادئ لكنه محمّل بوحشية غير طبيعية:

"إذن، لنرَ… من سينضم إلى من."

أشارت الملكة بيدها، وفجأة تعالى صوت زئيرٍ وحشي، اهتزت القاعة مع اندفاع مئات الوحوش الجليدية من زوايا القصر، أسنانها القاطعة تتلألأ تحت الضوء البارد.

"اقطعوه إربًا." قالت الملكة بصوت خالٍ من المشاعر.

في المقابل، لم يتحرك هيونغ خطوة واحدة. فقط أدار رأسه قليلًا وهو يتمتم:

"انهضوا."

وفجأة… خرجت آلاف الظلال من الأرض، كأنها أشباح سوداء مزقتها الظلمة من قاع الجحيم نفسه. عيونها تتوهج بلمعان دموي، وأصوات همساتها تتداخل مع صرخات الوحوش الجليدية.

وقف هيونغ هناك، وسط الفوضى، يراقب المشهد وكأن المعركة ليست سوى تسلية بالنسبة له. ابتسم، ثم همس بصوت بالكاد يُسمع وسط الضجيج:

"لنرَ أي جيش يستحق أن يُسمى جيشًا."

وفي اللحظة التالية، اشتعلت المعركة.

2025/02/23 · 7 مشاهدة · 2266 كلمة
Aymen
نادي الروايات - 2025