وسط العاصفة الثلجية التي اجتاحت سماء القلعة، وقف هيونغ وسط جثث أولاد ملكة الجليد، سيفه ينقط بدمائهم الباردة، بينما أنفاسه لم تهتز ولو للحظة. الرياح تعوي حوله كأنها نذر شؤم، لكن نظراته بقيت ثابتة، باردة كالموت نفسه.
على العرش الجليدي، جلست ملكة الجليد بثوبها الفضي المتوهج، تتكئ ببطء على مسندها وكأنها لم تكترث للمجزرة التي وقعت أمامها. عيناها الجليديتان تحدقان في هيونغ، قبل أن تبتسم ببرود قائلة:
"أهو الغرور أم الجهل، يا هيونغ؟ أتظن حقًا أن رجلاً واحدًا يمكنه إسقاطي هنا، في معقل قوتي، بينما تحيط بك جدرانٌ بُنيت من دماء من تحدوني؟"
هيونغ لم يرمش، لم يتحرك حتى. فقط رفع سيفه قليلًا، ليتقطر الدم على الأرضية الجليدية محدثًا صوتًا خافتًا كأنه جرس الموت.
قال بصوت هادئ لكنه مشبع باليقين القاتل: "أرى أنك مخطئة. لم آتِ هنا لأسقطك فقط... بل لأطمس وجودك من هذه الأرض."
الهواء من حوله اهتز، كأن قوته تكسر تماسك القلعة نفسها. نظرة عينيه وحدها كانت كفيلة بجعل الصقيع ذاته يرتجف.
ملكة الجليد ضيّقت عينيها، وللمرة الأولى، لم يكن البرود وحده في نظرتها... بل شيء آخر، شيء يشبه إدراكًا مرعبًا لخطر لم تحسب له حسابًا.
ارتجفت جدران القلعة تحت وطأة المعركة المحتدمة. صرخات جنود ملكة الجليد امتزجت بصدى خطوات الضلال وهم ينقضون كجحيم أسود على الممرات المتجمدة. كلما حاول أحد الأبناء الملكيين صدّهم، تهاوى تحت وطأة سيف مظلم، ينثر الدمار كأنما يشقّ الليل ذاته.
على العرش الجليدي، جلست ملكة الجليد بثبات، غير آبهة بالمذبحة التي تدور في أروقة قلعتها. كانت نظرتها المتجمدة تخترق العتمة أمامها، حيث وقف هيونغ وسط ساحة القاعة الكبرى، كتمثال من الظلام ينبض برهبة لا توصف.
"هل تظن أنك تستطيع هزيمتي هنا؟" قالت بصوت بارد كالجليد نفسه، وهي تلقي بنظرة ازدراء نحو الضلال الذين مزّقوا جنودها كأوراق هشة. "أنت واقف في معقلي، حيث يزدهر سلطاني، وحيث يتعاظم أبنائي."
هيونغ لم يتحرك، لكن الهواء حوله ارتجف كأنما يستعد الكون نفسه للانشقاق. رفع رأسه قليلًا، كاشفًا عن عينيه المتوهجتين كجمرتين في ظلام أزلي. "المعقل؟ السلطان؟ أبناؤك؟" جاء صوته كهدير عميق، ممتزجًا بصدى خفي حمل بين طياته رعشة قاتمة.
ثم، في لحظة خاطفة، اندفعت موجة من الظلام من تحت قدميه، كأفعى شيطانية تبتلع الأرض. في طرفة عين، تلاشت الأنوار الخافتة التي كانت تنير القاعة، ولم يبقَ سوى البريق الأزرق المتجمد لعرش الملكة، محاطًا بهالة قاتمة من الهيبة المطلقة.
"أبناؤك لا يهمّونني." تابع هيونغ، وهو يسير ببطء نحو العرش، صوت خطواته يشقّ السكون كحدّ النصل. "ولا هذه القلعة." رفع يده، وأشار بإصبعه نحوها، فتصدعت الجدران، وتشققت الثريات الجليدية متساقطة كدموع زجاجية.
"ما يهمني..." توقّف للحظة، وعيناه تتوهجان أكثر، "هو أن أسمع صوتك يرتجف قبل أن تطأطيء رأسك."
لحظة صمت ثقيلة سادت، قبل أن تبتسم ملكة الجليد، ابتسامة لم تكن خالية من التحدي. رفعت يدها، وفي طرفة عين، تجمّع الضباب الجليدي حولها، متحولًا إلى حراب من الجليد الحيّ، موجهة نحو هيونغ من كل الجهات.
"سنرى،" قالت بصوت كسر الصقيع، "من سينحني أولًا."
وفي اللحظة التالية، انفجر الجليد والظلام في صدام رهيب، يهزّ القلعة حتى أساساتها، إيذانًا ببداية المواجهة الحقيقية بين الجليد والهاوية. في قاعة العرش الجليدية، حيث تلتف العواصف الثلجية حول الأعمدة الشاهقة وتتناثر رقاقات الثلج كهمسات الأشباح، جلست ملكة الجليد فوق عرشها المصنوع من أنقى بلورات الجليد الأزرق. كانت عيناها تشعّان بتوهج أزرق بارد وهي تنظر إلى هيونغ المحاط بظلاله، جسده ساكن، لكن هالته كانت كابوسًا يخترق الأجواء، يُخمد أي دفء، يُسكت أي ضجيج.
بابتسامة متعجرفة، رفعت الملكة يدها، ومن أطراف أصابعها انطلقت عاصفة من الجليد النقي، تدفقت كالطوفان، كأنها شظايا مجرّة متجمدة تتجه مباشرة نحو هيونغ. في لحظة، غلفته البلورات الجليدية، حاصرته كقبر كريستالي، وتشكلت بلورة عملاقة حبسته تمامًا في قلبها.
تجمدت الظلال التي تحيط به فجأة، وكأن الحياة انتُزعت منها، صمت غريب ساد القاعة. أدرك الجميع ما حدث. ملكة الجليد ضحكت، صوتها كان كصوت انكسار الجليد، بارداً، قاسيًا.
"انتهى أمرك، سيد الظلام! سوف أجعلك تحفة فنية تليق بغرفتي، منحوتة من الجليد الأزلي، تذكارًا لانتصاري عليك!"
لكن فجأة، شيء ما لم يكن صحيحًا.
الهواء اهتز.
الظلال... تحركت.
كانت ترتجف، ثم بدأت تتلوى، ثم تحولت إلى دوامات سوداء تسحب النور من القاعة. ارتجفت البلورة الجليدية نفسها، انشقّت شقوق دقيقة على سطحها، كأنها تخشى ما في داخلها. ملكة الجليد اتسعت عيناها بدهشة.
"مستحيل...!"
الصدع الأول! ثم الثاني! فجأة، انفجرت البلورة الجليدية، تناثرت شظاياها في كل الاتجاهات، لكن لم يكن هناك جسد هش أو ميت في الداخل... بل كان هيونغ، واقفًا، متجسدًا في كابوسه المرعب.
عيناه كانتا تلمعان بحمرة خافتة تحت الغطاء الأسود لظلاله، وهالته انفجرت كأنها هاوية لا قاع لها، البرد الذي كان يلفه لم يكن سوى نسيم أمام ظلامه.
رفع رأسه ببطء، ونظر مباشرة إلى ملكة الجليد، صوته كان عميقًا، باردًا، أشبه بصدى يأتي من أعماق الفناء.
"هل هذا أفضل ما لديكِ؟"
أصاب القاعة صمت مطبق.
ملكة الجليد، ولأول مرة منذ آلاف السنين، شعرت بشيء لم تعرفه قط... الخوف.
كانت الأجواء في القاعة الجليدية مشحونة برهبة لم تعرفها جدران القصر المتجمدة من قبل. بعد تحطيم قيدها الجليدي، وقف هيونغ بين الشظايا المتناثرة، جسده محاط بظلال تنبض كأنها كائن حي، تلتف حوله كالأفاعي السوداء. عيناه تومضان بتوهج شيطاني، والموت ذاته بدا وكأنه يُراقب من خلفه.
ببطء، رفع يده، ووسط ظلام دامس، تشكل المنجل الأسود في قبضته.
لم يكن مجرد سلاح… كان امتدادًا له، ينبض بقوة قاتمة، مغطى بنقوش قديمة تتلوى كأنها تهمس بأسرار محرمة. كان طويلاً، نصلُه منحنيًا مثل هلال أسود يبتلع النور، وعند تحريكه، تردد صدى ثقيل في القاعة، كأن العالم نفسه يرتجف.
رفع هيونغ المنجل وأشار به مباشرة إلى ملكة الجليد، التي كانت لا تزال جالسة على عرشها الفخم. رغم أن وجهها ظل جامدًا، إلا أن عيناها فضحتا شيئًا لم يظهر من قبل… توجسًا.
"حان وقت النهاية، يا ملكة الثلج."
كلماته لم تكن تهديدًا، بل حقيقة قادمة.
أحاط الصمت بالمكان، ثم فجأة…
اهتز القصر بأكمله.
بدأت الجدران ترتجف، والأعمدة الجليدية تشققت تحت وطأة طاقة المنجل، كأنها تستجيب لهيبته. ارتفع الهواء في دوامات قاتمة حوله، وكأن العرش الجليدي نفسه بات على شفا الانهيار.
ملكة الجليد شبكت أصابعها ببعضها، نظرت إليه نظرة مليئة بالكبرياء، لكن داخل عينيها العميقتين كان هناك إدراكٌ قاتل… هذا ليس خصمًا يمكن أن يُحاصر بالجليد، هذا ليس عدوًا يمكن أن يُجمد.
هذا… كابوس متجسد.
ثم، بابتسامة باردة، انحنت قليلًا إلى الأمام، نظرتها ثاقبة، حادة كخناجر الجليد.
"إذن، لنرَ ما يمكن لمنجلك فعله أمام ملكة العواصف الأبدية."
وفي لحظة، انفجر العرش تحتها، واندلعت العاصفة.
المعركة الحقيقية… بدأت. في لحظة خاطفة، رفعت ملكة الجليد يديها، وانبثقت منهما عاصفة جليدية هائلة. دوامات من الثلج والغبار الأبيض اجتاحت القاعة، ثم، من قلب الإعصار، تشكل سيفان جليديان، يلمعان كقطع من السماء المتجمدة، مشحونان بطاقة هائلة.
قبضت عليهما بيدين قويتين، وبدون تردد… انطلقت نحو هيونغ.
كانت سرعتها خارقة، تركت وراءها آثارًا من الجليد المتكسر، وجدارًا من الرياح القطبية. لو كان أي شخص آخر في مواجهة هذا الهجوم، لكان قد تحطم قبل أن يدرك ما حدث.
لكن هذا لم يكن أي شخص آخر.
كان هذا هيونغ.
بلا أدنى تراجع، اندفع نحوها هو الآخر، منجله الأسود يشتعل بالظلام، والهواء حوله يتمزق من شدة الطاقة المنبعثة منه.
تصادما.
انفجار من القوة اندلع وسط القاعة، تحطمت الأرضية الجليدية تحت قدميهما، واندفعت شظايا الجليد مثل سهام قاتلة في جميع الاتجاهات.
"ليس سيئًا." تمتم هيونغ بصوت هادئ، بينما تصدى لإحدى ضرباتها بمنجله، شفرته السوداء تصرخ عند احتكاكها بالجليد الصلب.
"ولا أنت." ردت ملكة الجليد بابتسامة باردة، قبل أن تستدير بسرعة خاطفة، وسيفها الآخر يشق الهواء باتجاه رقبته.
لكن في اللحظة الأخيرة، انحنى هيونغ بمرونة شيطانية، تفادى الضربة وكأن الزمن قد تباطأ من حوله، ثم استدار بلمح البصر، ووجه ضربة أفقية بمنجله، مستهدفًا صدرها.
بوووم!
لحظة التصادم أرسلت موجة صدمة عبر القاعة، دفعت الجدران للخلف، وكسرت أعمدة من الجليد.
ارتدت ملكة الجليد للخلف، لكن قدميها انغرستا في الأرضية، تاركة وراءها مسارات متجمدة، وعيناها تشتعلان بالغضب والقوة.
هيونغ لم يمنحها ثانية لالتقاط الأنفاس.
بخطوة واحدة، اندفع نحوها، منجله يدور حوله في زوبعة من الظلام، بينما هي ردت بقوة، سيفيها ينسجان حاجزًا من الجليد الخالص.
كانت الضربات تتوالى، كل منها يمكن أن تكون مميتة.
كل حركة، كل هجوم، كل تصدٍ كان يترك أثرًا في القاعة الملكية.
القتال لم يكن مجرد معركة، بل كان كارثة.
السقف بدأ يتصدع، العرش خلفها بدأ يتآكل من الطاقة المنبعثة، والظلال التي تحيط بهيونغ بدأت تتسلل كأفاعٍ سوداء، تزحف ببطء نحو خصمته.
ثم فجأة...
تصادم آخر، أقوى من أي شيء قبله.
الطاقة انفجرت، ودُفع الاثنان للخلف، يقف كل منهما على طرف القاعة، يحدق في الآخر… وكأن كلاً منهما قد وجد أخيرًا خصمًا يستحق قوته.
ملكة الجليد مسحت قطرات الدم المتجمدة من شفتيها، عيناها تضيقان بحدة.
"لم أتوقع منك أن تصمد لهذه الدرجة."
أما هيونغ، فرفع منجله، وتقدم خطوة، عيناه تلمعان بوميض شيطاني.
"وأنا لم أتوقع أن تكوني بهذا البطء."
كانت تلك الكلمات الشرارة الأخيرة... قبل أن ينطلقا مجددًا، والقتال يستعر نحو ذروته القاتلة. صرخة جليدية مزقت القاعة الملكية.
ملكة الجليد تراجعت إلى الخلف، لكن هيونغ كان أسرع. بحركة خاطفة، أدار منجله في الهواء، ثم وجهه نحو ساقها اليمنى—
شــقّ اللحم المتجمد، وتدفق الدم الأزرق الفاتح، يلون الأرض البيضاء.
ركبتها خارت، وسقطت على الأرض، أنفاسها متلاحقة، وعيناها تتسعان في صدمة… لم تكن قد توقعت أن تُجرح.
القاعة بأكملها اهتزت من وطأة سقوطها.
على الجانب الآخر، وقف هيونغ، يجر منجله عبر الجليد، تاركًا خلفه خطًا أسود يشبه أثر الظلام نفسه. تقدم بخطوات ثابتة، كل خطوة كانت أشبه بجرس الموت يُقرع ببطء.
وعندما وصل أمامها، رفع منجله عاليًا، حتى انعكس بريقه القاتم على وجهها الشاحب.
"حانت وقت نهايتك."
نظرته كانت باردة، خالية من أي رحمة. لم يكن يتلاعب بها، لم يكن يتفاخر أو يستعرض… فقط كان ينفذ حكمًا لا مفر منه.
لكن…
ملكة الجليد ضحكت.
ضحكة ناعمة، متغطرسة، حتى وهي على ركبتيها، تنزف على أرض عرشها. رفعت عينيها الباردتين إلى هيونغ، ابتسامة جليدية ترتسم على شفتيها.
"هل تظن… أنك تستطيع أن تفعل ما تريد… أمام أبنائي؟"
اتسعت عيناها بثقة شيطانية، وكأنها تنتظر أن تتحطم هيبته أمام الجحيم الذي سيطلقه أبناؤها.
لكن—
لم يحدث شيء.
لا زئير، لا خطوات راكضة، لا أضواء جليدية تنبعث لإنقاذها.
فقط صمت.
ارتجفت نظرتها، نظرت حولها، بحثت في الأرجاء… ثم أدركت الكارثة.
كل شيء كان هادئًا... هادئًا جدًا.
الجثث… كانت في كل مكان.
أبناؤها، أمراؤها وأميراتها، من صنعتهم بقوتها، من اعتقدت أنهم لن يُهزموا أبدًا… كانوا قد ماتوا جميعًا.
الموت احتضنهم ببرود أبدي.
بعضهم ممزق إلى أشلاء، البعض الآخر مجمد في وضعياتهم الأخيرة، وجوههم مملوءة بالدهشة والذعر، وكأنهم لم يفهموا أبدًا كيف تحولوا من صيادين إلى فرائس.
عينا ملكة الجليد تجمدتا، التوتر بدأ ينهشها من الداخل، أنفاسها تعثرت، وكأنها لا تستطيع قبول الواقع أمامها.
ثم جاء صوت هيونغ.
هادئ، مستهزئ، ومليء بالسخرية القاتلة.
"ماذا كنتِ تقولين عن أولادك؟"
نظر إليها نظرة أخيرة، وكأنها لم تعد تستحق أكثر من ذلك.
أما هي… فقد جلست في مكانها، ضائعة، منهارة، عرشها يتحطم من حولها، والإدراك البطيء يزحف عبر قلبها المتجمد—
كانت ملكة، لكن بلا مملكة.
وكان هيونغ… سيد النهاية. تقدَّم هيونغ، خطواته بطيئة لكنها قاتلة. كل خطوة كانت تثقل على صدر ملكة الجليد، وكأن الجليد الذي لطالما حكمته أصبح اليوم قبرها.
كانت لا تزال على الأرض، أنفاسها متقطعة، الألم يشلّ ساقها المصابة، بينما حدَّقت في القادم إليها.
منجله الأسود اللامع امتد عبر الهواء… حتى توقف عند عنقها.
لامس النصل الجليد البارد أسفلها، لكن البرودة التي شعرت بها لم تكن من الأرض. كانت برودة الموت نفسه.
عيناها، اللتان لطالما تحدَّتا العروش، كانتا الآن معلقتين بالخوف.
لم تتحدث في البداية، فقط شفتاها ارتجفتا، وكأنها تحاول فهم الوضع قبل أن تنهار تمامًا. ثم، وأخيرًا، شقّ صوتها الصمت:
"هل يمكن… لسيد الضلال الجليل… أن يتعدى على سيدة مرمية على الأرض؟"
كان صوتها هشًّا، لكنها حاولت إخفاء رجفتها خلف كبريائها المعتاد.
رفع هيونغ حاجبه قليلًا، ثم مالت شفتاه بابتسامة باردة، بلا عاطفة. كانت ابتسامة رجل لا يرى الفرق بين ملكة جالسة على عرشها، أو ملكة مرمية تحت قدميه.
انحنى قليلًا، عاكسًا ملامحه القاتمة على سطح سيفها الجليدي المكسور، وعندما تحدث، كان صوته كضربة جرس ثقيل:
"وهل كنتِ ستترددين في قتلي لو كنتُ أنا من سقط أمامك؟"
لم تجبه على الفور. شفتاها انفصلتا، وكأنها على وشك قول شيء… لكنها توقفت.
هي تعرف الإجابة.
وهو يعرفها أيضًا.
الصمت كان حكمًا كافيًا.
تحرك المنجل قليلًا، ضغطت حافته على بشرتها، شعرت بالبرد المميت يتسلل من الفولاذ الحاد، لكن في الوقت ذاته… كان هناك شيء آخر.
شيء أعمق.
شيء كامن في عينيه، في كيانه، في ذلك السواد الذي يحيط به.
"أنتِ لا تفهمين، أليس كذلك؟" همس بصوت أشبه بهمس الموت نفسه.
"هذه ليست معركة بين ملك وسيدة. ليست نزال شرف، ولا مباراة قوة. هذه لحظة نهايتك، وقد جئتُ فقط لأشهدها."
ارتجف جسدها، لأول مرة منذ قرون، شعرت أن قوتها… لا تساوي شيئًا أمامه.
هي… لم تعد ملكة.
كانت مجرد ضحية… تنتظر ضربتها الأخيرة.
ثم، بصوت منخفض، لكنه مشبع بالسخرية السوداء، قال:
"لم تُجيبي بعد…"
جفلت قليلاً، رفعت عينيها المرتعشتين إليه، فوجدته يحدق بها بلا أي ذرة رحمة.
"هل أعجبتكِ هديتي؟"
نظرت حولها… فوجدت الفراغ.
أبناؤها، جنودها، قوتها… كل شيء اختفى.
كانت وحدها، تمامًا كما أرادها أن تكون. وقفت ملكة الجليد على ركبتيها، الدماء الزرقاء تتساقط من فمها، نظراتها لا تزال تحمل شيئًا من الكبرياء، رغم أنها باتت مجرد شبح لما كانت عليه قبل دقائق. كانت تقاتل من أجل عرشها، من أجل مملكتها، من أجل أبنائها… لكنها الآن، مجرد امرأة مهزومة، تواجه مصيرها المحتوم.
أمامها، وقف هيونغ، الكابوس الذي لا يمكن الفرار منه. ظلاله امتدت كأنها كائنات حية تهمس بأصوات غامضة، تراقبها، تحكم عليها. المنجل الذي يحمله لم يكن مجرد سلاح… بل كان أداة لحصاد الأرواح.
رفع هيونغ منجله ببطء، ملامحه بقيت غير مبالية، كأنه كان ينظر إلى شيء غير مهم.
"لقد قدَّمتُ لكِ هدية عظيمة، ملكة الجليد."
عينها المرتعشة تحركت نحوه. هدية؟ عن أي شيء يتحدث؟
أدركت ببطء… كان يقصد جثث أبنائها، المبعثرة حولها، بلا حياة.
قبضت على الأرض الجليدية تحتها، أظافرها انغرست فيها، لكنها لم تستطع النهوض. كانت بقايا قوتها تتلاشى، مثل وهج شمعة على وشك الانطفاء.
نظر إليها هيونغ كما ينظر المرء إلى دمية محطمة.
ثم بصوت هادئ، لكنه محمَّل بالرهبة، قال:
"حان الوقت… أن تُقدِّمي لي هدية بالمقابل."
ارتجفت شفتاها… "أي… هدية؟"
ابتسامة خفيفة ظهرت على وجهه… تلك الابتسامة التي جعلت جميع من واجهوه سابقًا يدركون أن لا خلاص لهم.
"رأسك."
في لحظة واحدة، تلاشى كل شيء.
⟪ شووك! ⟫
تحرك المنجل بسرعة تفوق الإدراك، لمعانه الأسود كان آخر شيء رأته قبل أن يسود كل شيء.
⟪ تدحرج رأسها من العرش… نازلاً عبر الدرجات الجليدية، حتى وصل عند أقدام جنود الضلال. ⟫
لم يتحرك أحد… لم يُصدر أحد أي صوت.
لقد سقطت ملكة الجليد.
أما هيونغ… فقد ارتقى.
بخطوات هادئة، لكنه يُشبه الموت حين يزحف، صعد الدرجات الجليدية وجلس على العرش، كأنما كان مكانه الطبيعي منذ الأزل.
⟪ ظهرت شاشة سوداء أمامه، تتوهج وسط الظلام. ⟫
⟪ لقد هزمت ملكة الجليد! ⟫
⟪ تم اكتساب مهارة جديدة: "الجليد الأسود"! ⟫
⟪ تم ارتفاع مستواك! ⟫
⟪ تمت إضافة عنصر جديد من الدرجة S إلى مجموعتك! ⟫
نظر إلى الشاشة ببرود، كأنها مجرد تحصيل حاصل.
لوّح بيده لتختفي، ثم استند إلى العرش، واضعًا ساقًا فوق الأخرى.
نظر إلى الجثث الهامدة أمامه… القلعة التي كانت مليئة بالحياة قبل قليل أصبحت الآن مقبرة باردة.
ثم همس بصوت بالكاد يُسمع، لكنه كان كافيًا لجعل الظلال المحيطة تتحرك كأنها تبتسم معه:
"أظن أنها ستكون مفيدة لمجموعتي…"
وفي تلك اللحظة، أصبح عرش الجليد… عرش الظلال.
جلس هيونغ على العرش، عيناه الباردتان تراقبان القاعة الملطخة بالجليد والدماء المتجمدة. الظلال كانت تتراقص حوله، كأنها تحتفل بانتصار سيدها الجديد.
⟪ ظهرت شاشة سوداء أمامه، تشعّ بهالة مظلمة، وكلمات متوهجة كُتبت عليها. ⟫
⟪ "تم زيادة عدد الظلال إلى 1500." ⟫ ⟪ "المكتسب: 1000/1500." ⟫
رفع حاجبه قليلًا، نظرة قاتمة تمرّ عبر الفراغ. وفي لحظة، مدّ يده للأمام، وبدأت الظلال تتجمع حول جثة ملكة الجليد.
⟪ "كووووه…" ⟫
تجمّعت طاقة شاحبة بلون الجليد الأزرق الباهت، وكأنها آخر بقايا الحياة التي رفضت أن تختفي. بدأت تتحرك بشكل لولبي، تخرج ببطء من جسدها الذي تجمد للأبد.
"أنتِ لم تعودي ملكة الجليد."
قالها هيونغ بصوت عميق، قبل أن تنفصل الروح بالكامل، متجسدة أمامه على هيئة طيف ملكي مغلف بهالة ثلجية، لكن عيناها الآن لم تعدا تحملان الفخر القديم، بل الاستسلام والخضوع.
"من الآن فصاعدًا، سيكون اسمكِ... "فريا"."
بمجرد أن نطق الاسم، اهتزّت الروح بشدة قبل أن تبتلعها الظلال وتعيد تشكيلها. في لحظات، ركعت فريا أمام هيونغ، كظلّ أزرق شاحب، هالتها المهيبة قد تحولت إلى طاعة مطلقة.
لكن الأمر لم ينتهِ بعد.
لوّح هيونغ بيده، فتدفقت الظلال من تحت جثث أبناء ملكة الجليد. جثثهم، التي كانت هامدة، بدأت تهتزّ، وأعينهم المتجمدة اشتعلت بلهب أسود.
⟪ "تم استدعاء ظلال أبناء ملكة الجليد." ⟫
رفعوا رؤوسهم ببطء، وجثوا على ركبة واحدة أمام سيدهم الجديد. لم يعودوا "الأمراء" كما كانوا، بل فرسان الظل، قوة جديدة انضمت إلى جيشه.
ابتسم هيونغ بخفة وهو ينظر إلى فريا وأبنائها الذين أصبحوا الآن جزءًا من مملكته.
ثم قال بصوت هادئ، لكنه كان يحمل في طياته الهيمنة المطلقة:
"أخبريني، يا فريا... كيف تشعرين وأنتِ تخدمينني؟" جلس هيونغ على العرش، عيونه المتوهجة تراقب الصالة الجليدية حيث انتصرت الظلال على مملكة الثلج. صمت ثقيل خيّم على المكان، بينما كانت الجثث المجمّدة متناثرة في أرجاء القاعة.
⟪ ظهرت شاشة سوداء أمامه، متوهجة بهالة شيطانية، وكلمات غامضة تنساب عليها. ⟫
⟪ "تم استخراج ظل ملكة الجليد - فريال [المستوى A]." ⟫
⟪ "تم استدعاء ظلال أبناء ملكة الجليد." ⟫
نظر هيونغ إلى الأمام، حيث كانت الظلال تتراقص حول جسد ملكة الجليد المتجمد، قبل أن تنفصل روحها عن جسدها، متخذة شكلاً شفافًا من الجليد الشاحب المغلف بهالة سوداء قاتمة.
رفع يده ببطء، وأمر بصوت عميق:
"اركعي."
في لحظة، انحنت فريال أمام سيدها الجديد، ركبة واحدة على الأرض، رأسها منحني بانكسار لا مثيل له. الهيبة الملكية التي كانت تتفاخر بها سابقًا قد تحطّمت تمامًا.
خلفها، بدأ أبناءها الذين كانوا أمراء الثلج يتحركون. أعينهم المتجمدة أصبحت مشتعلة بلهب الظلال الأسود. ترددوا للحظات، كأنّهم يقاومون مصيرهم الجديد، لكن قوة هيونغ كانت ساحقة.
⟪ "ألازلتم تمانعون؟" ⟫
كانت نبرة صوته محمّلة بالسخرية القاتمة، وكأن مقاومة مصيرهم ليست سوى مهزلة. في النهاية، لم يكن لديهم خيار آخر سوى الركوع بدورهم، رؤوسهم منخفضة، منتظرين أوامره.
نظر إليهم هيونغ ببرود، ثم قال بصوت منخفض لكنه يحمل سلطة مطلقة:
"هكذا يكون الأمر... جميعكم الآن تحت ظلي."
⟪ "لقد تم السيطرة الكاملة على ظلال مملكة الجليد." ⟫
⟪ "تمت زيادة عدد الظلال إلى 1500." ⟫
ابتسم هيونغ ابتسامة خفيفة، ثم راقب فريال وأبناءها وهم جاثون أمامه.
ثم همس لنفسه، بصوت بالكاد يُسمع، لكنه كان محملاً بالهيمنة المطلقة:
"هذه مجرد البداية..."