استيقظ هيونغ مع أول خيوط الفجر التي تسللت عبر النافذة الضيقة لغرفته. لم يكن نومه هادئًا، فالذكريات العالقة من الليلة الماضية ما زالت تومض في ذهنه كشرارات نار لم تنطفئ بعد. لكنه لم يكن من النوع الذي يسمح للماضي بأن يُثقل كاهله.
نهض من سريره بثبات، عاري الصدر، والندوب القديمة التي تزيّن جسده تشهد على المعارك التي خاضها. وقف للحظة، يتأمل انعكاسه في مرآة صغيرة مثبتة على الجدار الخشبي، عيناه السوداوان تلمعان بجمود المعتاد، قبل أن يرتدي رداءً خفيفًا ويخرج من الغرفة.
كان الهواء في الخارج باردًا، يحمل رائحة المطر البعيد، وأوراق الأشجار في الغابة المجاورة تهتز برفق مع النسمات الصباحية. مدّ ذراعيه قليلًا، مفاصل جسده تصدر طقطقة خافتة قبل أن يبدأ بالجري.
ركضه لم يكن مجرد تمرين، بل عادة ترسخت في روحه منذ صغره. كانت خطواته ثابتة، تتناغم مع إيقاع أنفاسه المتزنة. مرّ بين الأشجار العتيقة، متجاوزًا الجداول الصغيرة التي تعكس نور الشمس المتسلل عبر الأغصان. لم يكن وحيدًا تمامًا؛ العصافير غردت من فوقه، وأرنب بري هرب عند رؤيته، لكنه لم يلقِ بالًا لأي منها.
كل خطوة كانت تطرد شيئًا من ثقل الماضي، لكنه لم يكن يركض هربًا، بل كان يستعد... لأي شيء قد يحمله اليوم القادم. كان الفجر بالكاد قد لامس الأفق عندما انطلقت خطوات هيونغ عبر الممر الحجري الممتد بمحاذاة نهر المدينة. الهواء البارد لامس جلده كحد شفرة، لكنه لم يبطئ من سرعته. كان يجري بخفة قاتل متمرس، كل خطوة محسوبة، كل نفس موزون، وكأن جسده لم يكن سوى آلة صقلتها المعارك والدماء.
أضواء المدينة انعكست على سطح النهر، ترقص كألسنة لهب صامتة، لكن ظله كان يتحرك بينها كخنجر أسود يشق الماء بلا صوت. لا أحد لاحظه، لا أحد أدرك أن الشبح الذي مر بجانبهم لم يكن سوى تنفيذ لأمر صادر من الشاشة السوداء.
الرسالة كانت واضحة: "تحرك عند الفجر. لا تترك أثراً."
عيناه الضيقتان مسحتا الطريق أمامه، يبحث عن نقطة المراقبة. كان يعلم أن الهدف لم يكن بعيدًا، مجرد جسد آخر ستختفي آثاره في ظلام هذا النهر إذا لزم الأمر. لم يكن القتل جديدًا على يديه، لكنه كان يعرف أن هذه الليلة مختلفة. لم تكن مجرد مهمة، بل اختبار، عقبة أخرى عليه تجاوزها ليبقى في الظل.
توقف لثانية، زفر ببطء، ثم أكمل جريه. كان الليل يتراجع أمامه، لكن الظلام في داخله كان يتوسع.
ركض هيونغ بمحاذاة النهر، أنفاسه ثابتة، عيناه تراقبان الطريق أمامه، لكن عقله كان يجري في اتجاه آخر، أعمق من ظلام الماء الذي يعكس أضواء المدينة. الطابق الثالث… ماذا ينتظره هناك؟ أي نوع من الجحيم سيفتح أبوابه له بمجرد أن يضع قدمه فيه؟
لقد نجا من الطابق الأول، جعله مملكته، وترك إليانا، ملكة الشياطين، تحكمه باسمه. قرار لم يكن سهلاً، لكنه كان ضروريًا. قوة الشياطين كانت برية، فوضوية، لكنها الآن أصبحت تحت سيطرة واحدة… سيطرته. هل كان ذلك الخيار الأفضل؟ هل ستظل إليانا تحت سلطته، أم أنها ستبحث عن طريقها الخاص عندما يحين الوقت؟
أما الطابق الثاني، فقد كان مختلفًا. هناك، واجه فريا، ملكة الجليد، وطغيانها الذي سحق كل من وقف في طريقها. كان البرد في تلك الأرض قاتلاً، أكثر من مجرد طقس، بل إرادة حية تريد أن تخضع كل شيء لجليدها الأزلي. لكن هيونغ لم يكن من النوع الذي يُجمد. حطم حكمها، حرر القبائل التي عانت تحت سطوتها، وأخذ أقواهم ليكونوا تحت إمرته.
لكن هل كان هذا القرار صائبًا؟ هؤلاء المحاربون، الذين نجوا من قبضة فريا، هل سيظلون أوفياء له؟ أم أنهم مجرد سيوف تبحث عن سيد آخر عندما تتاح الفرصة؟
"ما الذي أفعله؟" همس لنفسه، لكنه لم يتوقف عن الجري.
لقد بدأ هذه الرحلة بوضوح، برؤية محددة: الصعود. لا مجال للتراجع الآن، لكنه يعلم أن كل خطوة إلى الأعلى تزداد خطورة. الطابق الثالث قد يكون شيئًا مختلفًا تمامًا… وربما، مجرد ربما، لم يكن مستعدًا له كما يظن.
كان نسيم الصباح بارداً وهو يواصل الجري بمحاذاة النهر، لكن البرودة لم تكن شيئًا مقارنةً بما شعر به عندما قبض على مقبض السيف الجليد الأسود للمرة الأولى. ذلك السلاح، بتوهجه القاتم، كان أكثر من مجرد أداة قتل… كان شيئًا ينبض، وكأنه يمتلك إرادة خاصة.
درجة S… لم يكن هناك الكثير من الأسلحة بمثل هذه المرتبة، والقوة التي يملكها هذا السيف لم تكن عادية. كل ضربة منه كانت تكفي لتجميد الهواء، لتحطيم الفولاذ وكأنه زجاج هش، وحتى لشلّ الأعداء قبل أن تصلهم ضرباته. لكن مع قوته، جاء شعور آخر… شعور غير مريح.
"هل أملك هذا السيف؟ أم أنه هو من يملكني؟" تساءل في نفسه وهو يضغط على قبضته المتخيلة حوله، رغم أنه لم يكن يحمله الآن.
السيف لم يكن مجرد معدن. كان نابضًا، وكأنه يهمس إليه كلما استخدمه، كأن هناك روحًا ما تسكن داخله، مراقِبة، صامتة، تنتظر شيئًا. في لحظات القتال، عندما تراقصت شفرته في مواجهة ملكة الجليد، كان هناك إحساس غريب… كما لو أن السيف كان سعيدًا بالدمار، كما لو أن الصقيع الذي أطلقه لم يكن مجرد قدرة، بل رغبة.
"هل أحتاجه؟" سأل نفسه وهو يواصل الركض، خطواته منتظمة لكن عقله في معركة أخرى.
القوة لا تأتي دون ثمن، وهذه القاعدة لم ينسها أبدًا. كلما ازداد استخدامه لهذا السيف، كلما شعر أن جزءًا منه بدأ يذوب داخله، كأن شيئًا غير مرئي كان يحاول تآكله. كان يعلم أن الأسلحة من هذا النوع ليست مجرد أدوات، بل عقود غير مرئية.
لكن في النهاية، ما خياره؟
التخلي عنه لم يكن منطقيًا. في عالم حيث القوة تحكم، لا يمكنك رمي سلاح من درجة S والبحث عن بديل. عليه أن يستخدمه، أن يروضه… أو أن يتأكد من أنه لن يروضه هو.
توقف لبرهة، أخذ نفسًا عميقًا، ثم تابع الركض، لكن هذه المرة، كان ذهنه أكثر وضوحًا. السيف ليس سوى أداة، واليد التي تمسك به هي التي تحدد المصير. سواء كان السيف يرغب في السيطرة عليه أم لا، فإنه لن يسمح بذلك. ليس بعد كل هذا الطريق. توقفت خطواته فجأة عندما انبثقت أمامه تلك الشاشة السوداء المألوفة، تتراقص كلماتها بلون فضي كئيب.
[لقد اجتزت تحدي الركض.]
لم يستغرب الأمر كثيرًا، فقد كان يشعر أن جسده قد تخطى حدوده المعتادة، أن عضلاته لم تعد تصرخ احتجاجًا مثل السابق، بل تأقلمت، تطورت. لكن قبل أن تتلاشى الشاشة الأولى، ظهرت أخرى، هذه المرة تحمل كلمات أكثر أهمية.
[تمت زيادة مستوى الرشاقة +2] [تمت زيادة مستوى البنية الجسدية +1]
نظر إلى الشاشة بتمعن، مستشعرًا التغيير في جسده. لم يكن مجرد أرقام، بل حقيقة ملموسة. أنفاسه، التي كانت ثقيلة قبل قليل، أصبحت أكثر انتظامًا. جسده، الذي كان يحمل آثار التعب، شعر وكأنه أعيد شحنه.
"إذن، حتى الأشياء الصغيرة تُحتسب…" تمتم لنفسه، متأملاً كيف أن مجرد الركض لم يكن مضيعة للوقت كما اعتقد سابقًا.
تحسس أصابعه، قبض يده، شعر بالقوة تتدفق في عضلاته. إذا كان مجرد تمرين بسيط قد رفع إحصائياته، فكيف سيكون الأمر عندما يخوض معركة حقيقية؟ عندما يدفع جسده وروحه إلى الحدود القصوى؟
ابتسم ابتسامة خافتة. هذا العالم، هذه الشاشات السوداء… لم تكن مجرد أدوات لتحديد قوته، بل كانت سُلّمًا للصعود، خطوة بعد أخرى.
رفع رأسه نحو الأفق، حيث كان النهر يعكس ضوء الصباح البارد. التحديات القادمة ستكون أعظم، لكن طالما أن كل جهد يُحتسب، فلن يكون هناك تراجع.
أخذ نفسًا عميقًا، ثم بدأ بالركض مجددًا، أسرع هذه المرة، وكأن الرياح نفسها كانت تحاول اللحاق به. حدّق هيونغ في الشاشة السوداء أمامه، عيناه تلمعان ببرود وهو يقرأ التفاصيل مجددًا.
[مهمة جديدة متاحة!] [المهمة: القضاء على 100 وحش من رتبة B خلال 15 دقيقة.] [المكافأة: غير معروفة.]
دون أي تردد، مدّ إصبعه ولمس زر القبول. ما إن فعل ذلك حتى شعر بقوة غامضة تجذبه، وكأن المكان من حوله يتلاشى. في غمضة عين، اختفى من ضفة النهر، ووجد نفسه في وسط صحراء شاسعة. الرمال الذهبية تمتد بلا نهاية، والهواء جاف كأنفاس الموت. لا أصوات، لا حياة… فقط هو والسماء الخاوية.
"إذًا، هذا هو ميدان المعركة…" تمتم بصوت منخفض، قبل أن يرفع يده ليمسك بمقبض سيفه الأسود الجليدي. كان يشعر ببرودته، وكأن الجليد ينبض بالحياة داخله.
أخفض نظره إلى النصل القاتم، ولمعت عينيه بنظرة عميقة. "حسنًا، سأجربه الآن… لنرَ إن كان يستحق كونه من رتبة S حقًا."
وقبل أن يتمادى أكثر في أفكاره، انبثق أمامه عدّاد في الهواء.
[بدء المهمة خلال: 10… 9… 8…]
شعر بنبضات قلبه تتسارع، ليس خوفًا، بل شوقًا لما هو قادم. أدخل السيف في غمده ببطء، ووضع يده عليه استعدادًا لبدء القتال فورًا.
[7… 6… 5…]
الهواء أصبح أثقل، وكأنه يحمل شيئًا مرعبًا قادمًا.
[4… 3… 2…]
ظهر صدع في الأفق، كما لو أن الفراغ نفسه يتمزق، ثم خرجت منه عشرات الأشكال.
[1…]
انفجر المكان بحشود من الوحوش المتعطشة للدماء!
ذئاب بعيون متوهجة، سحالي عملاقة، وحوش بأجساد مشوهة، جميعها اندفعت نحوه كطوفان قاتل.
لكنه لم يتحرك، انتظر حتى أصبحوا على بعد خطوة واحدة… ثم أطلق العنان للجحيم.
بصوت يشبه صرخة الموت، خرج سيف الجليد الأسود من غمده، وفي اللحظة التي لوّح بها، اجتاحت موجة جليدية المكان، محولة الرمال إلى جليد زجاجي تحت قدميه.
— زئير الموت تجمد في الهواء.
— مذبحة بدأت. بمجرد أن خرج السيف من غمده، اجتاحت موجة صقيع مفاجئة المكان، كأن الصحراء تحولت إلى أرض جليدية مهجورة. الهواء، الذي كان جافًا وحارقًا قبل لحظات، أصبح الآن مشبعًا بهالة باردة تقشعر لها الأبدان.
هيونغ أمسك بالسيف بإحكام، ومرر أصابعه على نصل الجليد الأسود. على الرغم من أنه كان يبدو كأي سيف حاد، إلا أن مجرد لمسه منح شعورًا غريبًا… شعورًا وكأن الموت نفسه ينبض داخله.
في اللحظة التي اندفع فيها أول وحش نحوه، لوّح هيونغ بالسيف بحركة سريعة. لم يكن هجومًا قوياً، مجرد خدش طفيف على ذراع الوحش. لكن ما حدث بعد ذلك جعله يبتسم ببرود.
توقف الوحش في مكانه، عيناه تتسعان رعبًا. المكان الذي لامسه النصل بدأ يتجمد، ليس على سطح الجلد فقط، بل امتد التجمد داخليًا، متسربًا إلى عروقه مثل سم قاتل. حاول الوحش الصراخ، لكنه لم يستطع—كان جسده يتصلب، حركته تتباطأ، أطرافه تتحول إلى تماثيل جليدية مشوهة.
"مجرد خدش واحد يكفي، إذًا…" تمتم هيونغ، بينما راقب الوحش وهو يسقط على ركبتيه، غير قادر على الصمود ضد برودة الموت المطلقة.
لكن لم يكن لديه وقت للتأمل أكثر—بقية الوحوش لم تنتظر، اندفعت نحوه في موجة من العنف الهمجي.
ابتسم بهدوء. ثم انطلق.
لوّح بالسيف مجددًا، وهذه المرة، ضرب الهواء أمامه مباشرة. لم يكن هناك أي احتكاك مرئي، لكن لحظة بعدها، توقفت الحركة في الميدان.
الوحوش التي كانت في منتصف اندفاعها تباطأت فجأة، وكأن الزمن نفسه قد تجمد. أصوات زمجرتها تلاشت تدريجياً، أجسادها تحولت إلى كتل جليدية دون حتى أن تدرك ذلك.
— خطوة واحدة، عشر جثث متجمدة.
— لمسة واحدة، كارثة محتمة.
وقف هيونغ وسط المشهد، الرياح الباردة تحيط به، والسيف الأسود في يده يتوهج بلون أزرق جليدي خافت.
"إن كان مجرد خدش قادرًا على إيقافهم…" همس لنفسه، وهو يرفع نظره إلى باقي الوحوش التي ما زالت تتردد في مهاجمته.
"فماذا سيحدث إذا قاتلت بجدية؟" وقف هيونغ وسط بحر من الجثث المتجمدة، أنفاسه باردة كالثلج، بينما تساقطت شظايا الجليد من أطراف الوحوش التي سقطت ضحية لسيفه الأسود. نظر إلى العداد المعلق في زاوية بصره—"12 دقيقة و57 ثانية."
"قبل انتهاء المهلة بثلاث ثوانٍ فقط…" تمتم لنفسه، ثم زفر ببطء. لم يكن التحدي سهلاً، لكنه انتهى، وانتهى لصالحه.
فجأة، انبثقت أمامه شاشة سوداء وسط الظلام المحيط:
> [المهمة مكتملة] لقد هزمت 100 وحش من رتبة B في أقل من 15 دقيقة. الزمن المسجل: 13 دقيقة المكافأة: رداء مقاوم للنار – مستوى D
قبل أن يتمكن من التفكير في الأمر، شعر بجاذبية غريبة تسحبه للخلف. الرؤية من حوله تشوشت للحظات، ثم وجد نفسه واقفًا وسط مدينة مألوفة، المكان الذي بدأ منه قبل المهمة.
"لقد عدت."
لم يكن هناك وقت ليستوعب، فقد ظهرت شاشة سوداء أخرى فورًا:
> [تهانينا، لقد اجتزت التحدي!] تمت إضافة نقاط إضافية إلى "الرشاقة" و"البدن".
شعر بطاقة خفيفة تتدفق في جسده، عضلاته أصبحت أخف، أنفاسه أكثر انسيابية. كان تأثير النمو واضحًا.
نظر إلى مكافأته التالية، رداء مقاوم للنار. كان من مستوى D، مما يعني أنه ليس شيئًا نادرًا أو قويًا بشكل مبالغ فيه، لكنه قد يكون مفيدًا في الظروف المناسبة.
"حسنًا، على الأقل لم أخرج خالي الوفاض."
رفع رأسه، نظر إلى السماء التي بدأت تكتسي بوهج المغيب، ثم تنهد بخفوت. لقد أنهى مهمة أخرى، لكن رحلته لم تنتهِ بعد. ما ينتظره في الطابق التالي… قد يكون أسوأ بكثير. كان هيونغ يسير عبر شوارع المدينة بهدوء، يراقب الأضواء المنعكسة على الأرصفة بعد مغيب الشمس، عندما اهتز هاتفه فجأة. أخرج الهاتف من جيبه ونظر إلى الشاشة.
[رسالة من نقابة الصيادين]
> إلى جميع الصيادين من الرتبة D إلى B، نطلب منكم التوجه فورًا إلى مقر النقابة، هناك أمر طارئ بحاجة إلى تدخلكم العاجل.
نظر هيونغ إلى الرسالة ببرود. أمر طارئ؟ لم يكن مهتمًا كثيرًا، لكنه قرر الذهاب على أي حال، فقد يكون هناك شيء يستحق الانتباه.
—
عند وصوله إلى مقر نقابة الصيادين، كان المشهد يعج بالفوضى. صيادون من مختلف الرتب تجمعوا بسرعة، بعضهم يتناقش، وبعضهم يجهز معداته استعدادًا للمهمة. كان الجميع متوترين، ينتظرون التوضيح الرسمي.
في وسط القاعة الكبرى، وقفت مساعدة رئيس النقابة على منصة مرتفعة، وجهها صارم وهي تخاطب الحشد:
"لقد ظهرت بوابة جديدة بشكل مفاجئ، والتقارير تشير إلى أنها غير مستقرة. نحتاج إلى مجموعة منكم للدخول إليها وإغلاقها قبل أن تتسبب بكارثة!"
تصاعدت الهمهمات بين الصيادين، بعضهم متردد، والبعض الآخر مستعد للانطلاق فورًا.
في هذه اللحظة، كان هيونغ جالسًا في الطابق الثاني من المبنى، مستندًا إلى السور، ينظر إلى الأسفل بلا مبالاة. لم يكن مهتمًا بصخب الحشد أو بمهمة إغلاق البوابة.
رفعت مساعدة رئيس النقابة رأسها ونظرت إليه. لم تكن المرة الأولى التي تراه فيها، لكنها كانت تدرك جيدًا قوته رغم عدم شهرته الكبيرة. صعدت الدرجات بثبات، ثم وقفت أمامه قائلة بنبرة هادئة:
"سيد هيونغ، هل تريد المشاركة في المهمة؟"
لم يغير هيونغ وضع جلوسه، فقط نظر إليها للحظة قبل أن يرد ببرود:
"لا أريد."
صمت مفاجئ خيم على الجو من حولهم. لم يكن ردًا متوقعًا، خصوصًا من شخص بمستواه.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة قبل أن تقول:
"كما توقعت."
ثم استدارت عائدة إلى الأسفل، تاركة هيونغ يجلس هناك، مراقبًا من الأعلى كما لو كان مجرد متفرج في مسرح مليء بالفوضى. "سيد هيونغ، هل تريد المشاركة في المهمة؟"
رد ببرود: "لا أريد."
حدقت فيه للحظة قبل أن تبتسم بخفة، لكنها لم تستدر للمغادرة هذه المرة، بل قالت بصوت خافت لكنه يحمل شيئًا من التحدي:
"هل ما زلت مصرًا على عدم المشاركة يا سيد هيونغ؟ لأن قائد البعثة هو صياد من الرتبة B… وأحد الأشخاص الذين تركوك تموت في أول مهمة لك."
تجمدت نظرات هيونغ للحظة، واختفى ذلك الهدوء البارد من ملامحه. شيء مظلم اشتعل في أعماقه، ذكرى مشؤومة طفت على السطح، ذكرى الخيانة، والدماء، وصوت صراخه وسط الظلام بينما أولئك الذين كان من المفترض أن يكونوا رفاقه غادروا دون أن يلتفتوا إليه.
شعور بالحنق، بالغضب البارد، بدأ يتغلغل في جسده. فكرة الانتقام التي كانت مجرد شرارة خافتة أصبحت الآن شعلة متقدة، تحرق تردده وتوقظ رغبة مظلمة داخله.
رفع عينيه إليها، لم يكن فيهما أي تردد، بل قرار صارم.
"هل يمكنك تسجيلي؟ لكن ليس باسمي."
ابتسمت مساعده رئيس النقابة، هذه المرة بوضوح أكبر، كما لو كانت تتوقع هذا الرد.
"بالطبع، يمكنني ذلك."
لم يكن أحد يعلم أن البوابة لم تعد مجرد مهمة بالنسبة لهيونغ، بل أصبحت ساحة انتقام، حيث سيعيد الدين لأولئك الذين خانوه.
وقفت مساعدة رئيس النقابة أمام الحشد الكبير من الصيادين، عيناها تجولان بين الوجوه المتحمسة، القلقة، وحتى المتعجرفة. رفعت يدها قليلًا لإسكات الهمسات المتناثرة، ثم قالت بصوت واضح:
"قبل ثلاث ساعات، ظهرت بوابة فجأة على مشارف المدينة. وفقًا لفحصنا الأولي، فإنها بوابة من الرتبة B، ولكن هناك مؤشرات غير طبيعية تدل على أنها قد تكون أكثر خطورة مما تبدو عليه."
ساد صمت ثقيل للحظة، قبل أن تتناثر همسات القلق بين الحاضرين.
"لذلك سيتم إرسال بعثة من نخبة الصيادين من الرتبة D إلى الرتبة B، بقيادة صياد ذو خبرة عالية، لضمان نجاح المهمة دون خسائر كبيرة."
عند تلك الكلمات، تقدم رجل طويل القامة من بين الحشد، يقف بثقة مفرطة، وعلى وجهه ابتسامة متعجرفة. كان يحمل سيفًا ضخمًا على ظهره، ويبدو أن جسده الرياضي وقسماته الحادة كانت كافية لجعله يبدو كشخص قوي.
"اسمي هو كايل، قائد هذه البعثة." قال بصوت مرتفع، عاقدًا ذراعيه. "قد لا يعرفني بعضكم، لكنني أحد أقوى الصيادين من الرتبة B في هذه المدينة. أنتم محظوظون لأنني معكم اليوم، لأنني سأضمن ألا يموت أحدكم... طالما أنكم لا تعيقونني."
كان صوته مزيجًا من الغرور والاستخفاف، وكأن وجوده وحده كافٍ لجعل المهمة سهلة. بعض الصيادين أظهروا إعجابهم الواضح، بينما آخرون تبادلوا نظرات متحفظة.
لكن وسط كل تلك الأصوات، شعر كايل بشيء غريب... إحساس غير مألوف، كأن طاقة موت تحوم حوله، باردة، كثيفة، أشبه بخيط خفي يلتف حول عنقه. للحظة، شعر أن هناك عيونًا مظلمة تراقبه، تطمع في شيء واحد فقط... قتله.
حاول أن يستشعر مصدر هذا التهديد، لكن الحشد الكبير حوله جعله عاجزًا عن تحديد صاحبه. نظر حوله، لكن كل الوجوه بدت طبيعية، لا أحد يظهر نية عدائية واضحة.
"هل أنا أتوهم؟" تساءل في داخله، لكن ذلك الشعور القاتم لم يختفِ. بل على العكس، بدا وكأنه يتغلغل في أعماقه، همسة باردة تحذره من أن الموت قد يكون أقرب مما يتخيل. شعر كايل بتلك الهالة القاتمة تلتف حوله كأنها أنفاس الموت تهمس له بسرٍ لا يدركه بعد، لكنه أخفى ارتباكه سريعًا وعاد إلى وقفته الواثقة، مجبرًا نفسه على تجاهل الإحساس الغريب الذي غزاه. لم يكن هناك أي صياد أمامه يبدو مريبًا، ولم يكن في موقع يسمح له بالتأكد من مصدر هذا الضغط القاتم.
"على أي حال!" رفع صوته، مستعيدًا سيطرته على الأجواء. "بالنسبة للبوابة التي ظهرت، فهي تتموضع في الأطراف الغربية للمدينة، قرب المنطقة الصحراوية المهجورة. وفقًا للاستطلاعات الأولية، فالتصنيف الرسمي لها هو 'رتبة B'، لكننا لاحظنا تقلبات في الطاقة السحرية المحيطة بها، مما يشير إلى إمكانية وجود خطر أكبر مما يبدو عليه الأمر."
توقّف لحظة، تاركًا للجميع فرصة لاستيعاب كلماته قبل أن يكمل:
"مهمتنا واضحة. سندخل إلى البوابة، نحدد مصدر الاضطراب، نقتل الوحوش الموجودة بداخلها، ثم نغلقها قبل أن يتسرب أي مخلوق منها إلى العالم الخارجي. هذا إجراء روتيني، لكن لا تدعوا تصنيفها يخدعكم. ضعوا في أذهانكم أن أي خطأ داخل البوابة قد يعني موتكم!"
خيم الصمت على الصيادين للحظات، بعضهم بدأوا يبدون أكثر قلقًا، بينما أظهر الآخرون ثقة مفرطة، كأنهم يتوقعون نزهة داخل البوابة.
كايل نظر إليهم جميعًا بنظرة حادة، ثم قال بحزم:
"الانطلاق سيكون بعد ثلاث ساعات من الآن. استخدموا هذا الوقت للاستعداد، تفقدوا معداتكم، تأكدوا من جاهزيتكم، وإذا كنتم خائفين، فهذه فرصتكم للانسحاب. لن أسمح لأي شخص جبان بإبطاء البعثة."
نظر حوله، متأكدًا من أنه لم يلاحظ أي تعبيرات تدل على نية شخص ما بالانسحاب، ثم التفت إلى مساعدة رئيس النقابة وسألها:
"هل هناك أي معلومات إضافية بخصوص هذه البوابة؟ أي تقارير عن كائنات محددة أو مشاهدات غير اعتيادية؟"
أجابت المرأة بصوت هادئ لكنه جاد:
"حتى الآن، لا يوجد سوى شيء واحد مثير للريبة... البوابة تبدو غير مستقرة، كما لو أنها تحاول التوسع من تلقاء نفسها. هذا الأمر نادر الحدوث بالنسبة لبوابات رتبة B، وهو ما يجعلنا نعتقد أن هناك خطرًا غير ظاهر بعد. لهذا السبب، نحن بحاجة إلى إنهاء المهمة بسرعة قبل أن تتفاقم الأمور."
كايل أومأ برأسه، لم يُظهر أي قلق رغم التحذير الذي سمعه. ثم استدار ليغادر القاعة، تاركًا الصيادين يتجهزون لمهمتهم، لكن في داخله، لم يستطع التخلص من ذلك الشعور المخيف...
ذلك الإحساس بأن هناك شخصًا ما يراقبه، متربصًا في الظل، ينتظر اللحظة المناسبة ليضرب.