رنَّ صوت العد التنازلي في القاعة الرئيسية لنقابة الصيادين، معلنًا انطلاق المهمة. البوابة التي فتحت في الجهة الغربية من المدينة كانت مصدر قلق بالغ، حيث انتشرت حولها شائعات عن طاقة مظلمة تتسرب منها ببطء.
وقف كايل، الصياد ذو رتبة B، في مقدمة الفريق، عاقدًا ذراعيه بينما ينظر إلى الشاشة الضخمة التي تعرض تفاصيل المهمة. كان يعلم أن إغلاق هذه البوابة لن يكون سهلًا.
على الجانب الآخر من القاعة، اقتربت مساعدة رئيس النقابة من هيونغ، وهو صياد مبتدئ برتبة D. نظرت إليه بابتسامة احترافية قبل أن تسلّمه وثيقته الرسمية.
"لقد تم إدراجك رسميًا في قائمة الصيادين المشاركين. ستكون ضمن فرقة تجميع الموارد."
حدّق هيونغ في الوثيقة، غير مصدق. "فرقة تجميع الموارد؟"
أومأت برأسها. "صحيح، مهمتك هي دعم الفريق الرئيسي من خلال جمع الموارد والتأكد من عدم وجود تهديدات جانبية. لا تقلق، ستعمل مع صيادين ذوي خبرة." ترددت أصداء الهتافات عبر أرجاء المدينة الغربية، حيث احتشدت الجماهير خلف الحواجز، تراقب بفارغ الصبر المشهد أمام البوابة العملاقة التي انفتحت في السماء مثل جرح أسود يبتلع الضوء. جيش من الصيادين اصطف أمامها، مدججين بأسلحتهم، مهيّئين للمعركة. كانت النظرات تتجه نحو قائد الفرقة، كايل، الصياد ذو رتبة B، الذي وقف بثقة وعيناه تراقبان الظلام المتربص داخل البوابة.
"أغلقوا البوابة!" "لا تدعوا الوحوش تخرج!"
هتافات المدنيين ملأت المكان، بعضهم يهتف بحماس، وبعضهم يرتعد خوفًا من ما قد ينفلت من أعماقها. لم يكن أحد يعلم أن بين هؤلاء الصيادين يقف شخص لم يكن يهتف معهم، لم يكن ينظر إلى البوابة كتهديد… بل كفرصة.
في الصف الأخير، كان هيونغ يقف بلا حراك، عيناه مثبتتان على كايل. وجهه لم يعكس توتر الآخرين، بل هدوءًا مشوبًا بالظلام. لم يكن هنا لإنقاذ المدينة، لم يكن يهتم بما يوجد داخل البوابة، لم يكن سوى صائد يترقب لحظة الانقضاض على فريسته.
قبل أشهر، تركه كايل ليموت داخل بوابة مماثلة. تخلّى عنه ليكون طعامًا للوحوش، ليعود هو ببطولته الزائفة. الجميع اعتقدوا أن هيونغ قد مات. لكنه عاد. وليس كشخص مهزوم… بل كصياد يسير على طريق الانتقام.
"تحركوا!"
صدر الأمر، وبدأ الصيادون بالدخول واحدًا تلو الآخر، غمرهم الضوء المشع للبوابة قبل أن يختفوا داخلها. كايل كان في المقدمة، يسير بثقة القائد الذي اعتاد على المجد.
هيونغ تحرك أيضًا، خطواته بطيئة، ثابتة، تتبع خطوات كايل، كظلٍ يزحف خلفه بصبر.
كان اليوم هو اليوم… والبوابة لن تُغلق إلا على دماء شخص واحد إضافي. غمرهم ضوء أزرق مشع للحظات، ثم اختفى، ليتركهم في عالم آخر، عالم من الظلال والضباب الكثيف. انتشر الصيادون على الفور، كلٌّ إلى موقعه، بينما كانت الفرق تنقسم حسب المهام الموكلة إليها.
في الصفوف الخلفية، كان هيونغ يعبث بحقيبة سوداء متينة، فُتحت أمامه، مليئة ببعض الأدوات والأسلحة الخفيفة، لكنها مخصصة لهدف واحد: جمع الموارد. هذه الحقيبة لم تكن سوى غطاء، تم تسليمها له ليقوم بدوره المزعوم كأحد أفراد فريق تجميع الموارد.
"أنت هناك!"
صوت خشن اخترق تفكيره. رفع رأسه قليلًا ليرى رجلاً ضخماً، يرتدي درعًا خفيفًا، يحمل فأسًا على ظهره. كانت نظرته فاحصة، وكأنها تدرس القادم الجديد.
"أنت جين؟ الولد الجديد الذي انضم لفريق جمع الموارد؟"
أخذ هيونغ لحظة قبل أن يرد، وكأنه يستوعب السؤال. في النهاية، اكتفى بهز رأسه قليلًا.
الرجل عبس قليلًا ثم ابتسم ابتسامة ساخرة. "أوه، إذًا أنت هو الشخص الذي أدخلته النقابة في اللحظة الأخيرة؟ سمعتُ أنك بلا تجربة تُذكر، فقط حظيت ببعض الاختبارات السريعة، صحيح؟"
لم يرد هيونغ، فقط أعاد ترتيب الحقيبة، متظاهرًا بأنه غير مهتم.
الرجل ضحك. "حسنًا، لا يهمني كثيرًا من تكون، فقط لا تتسبب في أي مشاكل، نحن هنا لجمع الموارد، وليس لقتال الوحوش مثل الصيادين في المقدمة. ابقَ بالقرب مني ولا تبتعد."
أومأ هيونغ مجددًا، لكن في داخله كان يعرف أنه لن يبقى بجانب أحد… كان له هدف آخر تمامًا.
بينما بدأ الصيادون بالتحرك داخل البوابة، وأصدر القادة أوامرهم، كان هيونغ يراقب كايل من بعيد، يحصي خطواته، يحفظ تحركاته.
المطاردة بدأت… ولكن الفريسة لم تكن تشعر بالخطر الذي كان يتربص بها. وسط الضباب الرمادي الكثيف الذي غطى سماء البوابة، كان هيونغ يسير بخطوات بطيئة، ممسكًا بحقيبته بإحكام. عيناه كانتا تراقبان الصيادين الذين انتشروا في المكان، لكنه كان غارقًا في أفكاره الخاصة.
"جين… جين؟ أي نوع من الأسماء هذا؟"
لقد منحته مساعدة رئيس النقابة هذا الاسم المزيف عند تسجيله كصياد من الرتبة D، وكأنه مجرد ورقة تُضاف إلى السجلات. كان يكره الاسم، يكره كيف يبدو غريبًا على لسانه، وكيف يجعله يشعر وكأنه شخص آخر، شخص لم يكن موجودًا من قبل.
"لم يكن بإمكانها اختيار شيء آخر؟ أي شيء آخر؟"
كان يتذمر في داخله، لكن في النهاية، كان يدرك أن هذا الاسم مجرد وسيلة للبقاء متخفيًا، حتى يحين الوقت المناسب. ومع ذلك، لم يمنع هذا شعور الانزعاج الذي تسلل إلى صدره.
"ماذا؟ تبدو متضايقًا."
رفع رأسه بسرعة، ليجد شابًا يقف بجانبه. لم يكن قوي البنية مثل القائد، لكنه بدا متمرسًا في عمله. كان يحمل حقيبة مماثلة لحقيبته، وعلى ظهره قوس بسيط.
"لا شيء." رد هيونغ ببرود.
الشاب ابتسم ابتسامة جانبية، ثم أشار بإبهامه للخلف. "لا تهتم لكلام القائد، إنه يعامل الجميع وكأنهم عبء عليه. لكنه ليس بذلك السوء، فقط يحب أن يظهر كأنه يعرف كل شيء."
لم يعلق هيونغ، فتابع الشاب كلامه وهو يتفحصه بنظرة فضولية. "هل هذه أول مرة لك هنا؟ تبدو... جديدًا تمامًا."
لم ينكر هيونغ أو يؤكد، فاكتفى الشاب بالتنهد قبل أن يقول: "حسنًا، دعني أعطيك بعض النصائح قبل أن نبدأ. عملنا هنا بسيط: نحن لا نقاتل. نجمع أي شيء له قيمة—نباتات نادرة، معادن، أحجار مانا، أي شيء يُباع بسعر جيد. لا تحاول العبث بمواقع الوحوش، ودائمًا ابقَ مع المجموعة، فهمت؟"
أومأ هيونغ بصمت، لكن عقله لم يكن هنا حقًا. كان ينتظر، يراقب، يعدّ الدقائق… فالانتقام لا يحتاج إلى موارد، بل إلى صبر قاتل. "إذن، جين، من أي نقابة أتيت؟ لم أرك من قبل في أي من فرق جمع الموارد."
توقف هيونغ للحظة، ثم استأنف المشي دون أن يرد على الفور. لم يكن يخطط للدخول في أي محادثات غير ضرورية، لكن بارك جين لم يكن من النوع الذي يتجاهله أحد بسهولة.
"آه، لا تقل لي أنك مجرد مبتدئ دخل بدون أي خلفية؟ هذا سيكون صعبًا عليك."
ألقى هيونغ نظرة جانبية على بارك جين، ثم قال بصوت هادئ: "شيء من هذا القبيل."
ابتسم بارك جين ابتسامة عريضة وكأنه استمتع بالإجابة الغامضة. "لا بأس، كلنا بدأنا من مكان ما. كنت مثلك تمامًا عندما انضممت لأول مرة، لا أعرف الفرق بين حجر مانا وحجر عادي. القائد كاد يقتلني عندما أحضرت صخرة لا قيمة لها من أول رحلة لي."
لم يعلق هيونغ، لكنه كان يستمع رغمًا عنه. بارك جين كان يتحدث بحيوية وكأنه لا يهتم لوجودهم داخل بوابة مليئة بالمخاطر.
"على أي حال، لا تأخذ الأمر على محمل الجد. جمع الموارد ليس سيئًا كما يظن البعض، طالما أنك ذكي في اختيار ما تأخذه وما تتجنبه. بالمناسبة، كيف انتهى بك الأمر هنا؟"
نظر إليه هيونغ للحظة قبل أن يشيح بوجهه. لم يكن يريد أن يُسأل عن ماضيه، خاصة من شخص لا يعرفه حتى. لكنه أدرك أن التهرب التام قد يثير الشكوك، فقرر إعطاء إجابة غير واضحة.
"احتجت إلى المال."
"هاه، قصة مألوفة." قالها بارك جين وهو يهز رأسه بتفهم. "نحن جميعًا هنا لنفس السبب تقريبًا. لكن بصراحة، لا تبدو من النوع الذي يعمل في جمع الموارد، تبدو… مختلفًا."
تجمدت عينا هيونغ للحظة قبل أن يعود إلى السير وكأن شيئًا لم يحدث. لم يكن هذا جيدًا، لا يريد أن يثير الشكوك حول نفسه.
لكنه كان يعلم أن هذه لن تكون المحادثة الأخيرة بينه وبين بارك جين. بصوت جهوري، أمر كايل جميع الصيادين بالدخول إلى البوابة، فتقدموا الواحد تلو الآخر، تتبعهم فرق الدعم وجامعو الموارد، ومن بينهم كان هيونغ الذي سار بهدوء في الصفوف الأخيرة، يراقب المشهد بعينيه الحادتين.
ما إن تخطى الجميع بوابة الضوء حتى وجدوا أنفسهم في عالم آخر—كهف عملاق يمتد إلى ما لا نهاية، سقفه يختفي في الظلام، وجدرانه مغطاة بالصخور الحادة المتدلية كأنياب وحش نائم. في وسط الكهف، انحدر شلال هائل من أعماق السقف، مياهه تتدفق بقوة مرعبة، تهدر كالرعد وتحيط بها ضباب كثيف يمنح المكان رهبة مميتة.
لكن لم يكن هناك وقت للدهشة.
من الظلال، من بين الصخور، ومن أعماق الشلال نفسه، بدأت الحركة. عيون حمراء متوهجة ظهرت وسط الظلام، أعداد لا تحصى من الوحوش خرجت دفعة واحدة، كأنها كانت تنتظر قدوم الصيادين.
"استعدوا للقتال!" صرخ كايل بصوت حازم، رفع سيفه، وعيناه تمسح المكان بحثًا عن الأهداف الخطرة.
خرجت الوحوش من كل مكان—ذئاب مظلمة بأسنان كالخناجر، وزواحف بحجم البشر تتحرك بسرعة غير طبيعية، ومخلوقات غريبة بأطراف مشوهة تشبه مزيجًا بين العناكب والبشر.
"الصفوف الأمامية، ثبتوا مواقعكم! السحرة، جهزوا الهجمات بعيدة المدى!"
تجاوب الصيادون مع أوامر كايل، وبدأت المعركة على الفور. السيوف التقت بالأنياب، والسهام اخترقت الجلود المتعطشة للدماء، وانفجرت التعاويذ النارية في كل اتجاه، مضيئةً الكهف للحظات قبل أن تعود الظلمة لتبتلعهم.
كان القتال شرسًا، والوحوش لا تتوقف عن التدفق، ومع كل ضربة تسقط، يظهر المزيد ليحل محلها.
أما في الخلف، وقف هيونغ بين جامعي الموارد، يراقب المشهد دون أن يتحرك. يداه كانت تمسكان بالحقيبة المخصصة لجمع الموارد، لكن عقله كان في مكان آخر—عيناه كانتا مثبتتين على كايل، الرجل الذي خانه في الماضي.
كان هذا المكان مثالياً لتنفيذ انتقامه، لكن عليه أن ينتظر… عليه أن يتحين الفرصة المناسبة. وسط فوضى المعركة، حيث انشغل الصيادون بمواجهة الوحوش التي لا تنتهي، كان فريق جمع الموارد يعمل بصمت في الخلف، بعيدًا عن خط المواجهة. كانوا يتحركون بين الجثث المتناثرة، يفرغون أكياسهم من الأدوات، ويجمعون كل ما يمكن أن يكون ذا قيمة—أنوية الوحوش، الأعشاب النادرة، المعادن الثمينة التي ظهرت على الجدران بفعل الاضطراب السحري في المكان.
هيونغ، أو كما أصبح يُعرف بين أفراد الفريق بـ"جين"، كان يتحرك بهدوء، يملأ حقيبته كما طُلب منه، لكنه لم يكن مهتمًا حقًا بالموارد. عيناه كانت تراقبان رجلًا واحدًا فقط—كايل.
بعد فترة من العمل، شعر بالعطش، فتوقف للحظة، انسحب إلى زاوية هادئة حيث لا تصل الفوضى، وجلس على صخرة باردة. أخرج قارورة ماء من حقيبته، فتحها ببطء، وأخذ جرعة طويلة. الماء كان باردًا، لكنه لم يطفئ النار المشتعلة داخله.
لم تمضِ سوى لحظات حتى انضم إليه بعض زملائه من جامعي الموارد. جلسوا أمامه، متعبين مثلما كان، وأحدهم، شاب يدعى بارك جين، تنهد قائلاً:
"هذا العمل متعب أكثر مما يبدو عليه، أليس كذلك؟ دائمًا ما يظنون أننا مجرد عالة، لكننا نحمل على عاتقنا جزءًا كبيرًا من المهمة."
أومأ رجل آخر برأسه وأضاف: "بالفعل، بدون الموارد التي نجمعها، لن يحصل الصيادون على الدعم اللازم للمعارك الطويلة."
كانوا يتحدثون، يناقشون أعباء عملهم، يتذمرون من قادة الصيادين الذين يستخفون بهم، لكن هيونغ لم يكن يسمعهم حقًا. كان جسده هنا، لكن عقله كان بعيدًا—بعيدًا عند رجل يرتدي درعًا أسود اللون، يقف في الخطوط الأمامية، يلوح بسيفه الكبير ويقود الصيادين بلا تردد.
كايل.
كان يراقب حركاته، طريقته في القيادة، كيف يصدر الأوامر، كيف ينظر إلى رجاله بنظرة الواثق، كما لو أنه لم يرتكب أي خطأ في حياته. لم يكن يدرك أن هناك شخصًا بين هذا الجمع يراقبه ليس بإعجاب، بل بحقد مكبوت، بصبر قاتل، بانتظار اللحظة المناسبة التي سيفتح فيها جروح الماضي وينزفها أمامه حتى الموت.
لكن ليس الآن. ليس بعد. وقف كايل وسط ساحة المعركة، يتفقد الأرض الملطخة بالدماء بعد انتهاء أول موجة من الوحوش. الجثث متناثرة—بعضها لوحوش سقطت تحت سيوف ورماح الصيادين، وبعضها لصيادين لم يتمكنوا من النجاة. رغم النصر في هذه الجولة، إلا أن الخسائر كانت واضحة.
اقترب مساعده، رجل نحيل يرتدي درعًا خفيفًا وعيناه القلقتان تمسحان المكان.
"القائد كايل، لدينا عشرة قتلى، وثمانية جرحى حالتهم حرجة. بعضهم لن يكون قادرًا على القتال مجددًا حتى لو نجوا."
لم يبدُ على كايل أي تعبير وهو يستمع للتقرير، فقط نظر إلى الجثث للحظة ثم رفع رأسه، صوته كان حادًا عندما تحدث:
"هذا عدد أكبر مما توقعت. هؤلاء لم يكونوا مؤهلين للقتال في الخطوط الأمامية."
تردد المساعد قبل أن يجيب: "معذرة، سيدي، لكن معظم الصيادين الذين جلبناهم هم من الرتب المتوسطة والمنخفضة. لا يمكننا ملء الجبهة الأمامية إلا بهم."
زمّ كايل شفتيه بضيق. كان يعرف أن الاعتماد على صيادين من رتب منخفضة يعني المزيد من الخسائر، لكن لم يكن هناك خيار آخر. هذه الغارة لم تكن عادية، والوحوش كانت أقوى مما توقعوا.
"نحن بحاجة إلى مقاتلين أقوى في المقدمة، وإلا ستتضاعف خسائرنا في الموجات القادمة. أرسل رسالة لنقابة الصيادين، أخبرهم أننا بحاجة إلى تعزيزات من رتب أعلى."
أومأ المساعد بسرعة قبل أن يسأل: "وماذا عن الجرحى؟"
نظر كايل إليهم للحظة، ثم قال ببرود: "إذا لم يكن بإمكانهم الوقوف والقتال، فدعهم يعودون إلى البوابة. لا يمكننا المخاطرة بحملهم معنا."
رغم القسوة الواضحة في كلماته، إلا أن الجميع هنا يعرفون الحقيقة—الغارة لم تنتهِ بعد، والرحمة ليست رفاهية يمكنهم تحملها.
على بعد مسافة، حيث كان جامعو الموارد يعملون على جمع بقايا الوحوش، راقب هيونغ المشهد بصمت. رأى برود كايل، رأى كيف يتعامل مع رجاله كما لو كانوا أدوات تُستخدم ثم تُرمى عند تعطلها.
قبض على يده ببطء.
"كايل… لم تتغير أبدًا."
لكن هذا سيكون في صالحه. فهو لم يأتِ إلى هنا لجمع الموارد فحسب، بل لشيء آخر تمامًا. وسط أصوات التنفس الثقيلة وصدى الماء المتساقط من الشلال العملاق، تحرك مساعد كايل بخطوات متسارعة نحو فرق تجميع الموارد. كان وجهه متجهمًا، وعيناه تمسحان الوجوه المتعبة بحثًا عن مرشحين محتملين.
وقف وسطهم، ونادى بصوت عالٍ:
"هل هناك أحد هنا يجيد استعمال الأسلحة؟ القائد كايل بحاجة إلى مقاتلين لدعم الجبهة الأمامية!"
ساد صمت ثقيل بين جامعي الموارد. كان الجميع يعرفون أن الجبهة الأمامية ليست مكانًا لمن اعتادوا جمع البقايا والهروب من المواجهات المباشرة. بعضهم خفض رأسه، آخرون تجنبوا النظر مباشرة إلى المساعد، وكأنهم بذلك يختفون عن ناظريه.
لكن وسط هذا التردد، ارتفعت يد واحدة.
"أنا أستطيع."
توجهت كل الأنظار نحو الشخص الذي تحدث—هيونغ، أو كما يعرفه الجميع هنا باسم "جين".
اقترب منه المساعد بخطوات سريعة، وعيناه تضيقان بشك وهو يتفحصه من رأسه إلى قدمه. بدا له مجرد جامع موارد آخر، لا شيء يميزه عن البقية، لكن نبرة صوته لم تحمل الخوف المعتاد.
"ما اسمك؟" سأل المساعد وهو ينظر إليه بحدة.
أجاب هيونغ بهدوء: "جين."
"هل سبق لك القتال في الجبهة الأمامية؟"
"لم أقاتل هناك، لكنني أجيد استخدام الأسلحة."
رفع المساعد حاجبه بشك: "وأي سلاح تجيد استخدامه؟"
"السيوف."
تأمل المساعد رده للحظة، ثم قال: "الجبهة الأمامية ليست مكانًا للمترددين، هناك لن تجد وقتًا لجمع الموارد أو التراجع. إما أن تقاتل أو تموت. هل تدرك ما الذي تطلبه؟"
ابتسم هيونغ، لكنها لم تكن ابتسامة مرح، بل ابتسامة تخفي وراءها شيئًا آخر.
"أدرك ذلك جيدًا."
نظر المساعد إليه مرة أخرى، ثم أومأ ببطء. "حسنًا، اتبعني."
بدأ هيونغ يتحرك، لكنه لم يبتعد كثيرًا قبل أن يمسك به بارك جين من ذراعه.
"انتظر،" قال بارك بصوت منخفض، وعيناه مليئتان بالقلق. "هل أنت مجنون؟ لماذا قد تعرض نفسك لهذا؟ الجبهة الأمامية ليست مثل جمع الموارد، هناك الوحوش لا تمنحك فرصة للهروب!"
سحب هيونغ ذراعه برفق، وقال بهدوء: "أنا أعلم ذلك."
زمّ بارك شفتيه وهو يحدق به، وكأنه يحاول قراءة دوافعه. "إذا كنت تجيد استخدام السيف حقًا، فكان بإمكانك الانضمام لفريق قتالي منذ البداية، لماذا كنت تعمل كجامع موارد؟"
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي هيونغ. "لأنني لم أكن مستعدًا بعد."
"مستعدًا؟ مستعدًا لماذا؟"
نظر هيونغ بعيدًا، باتجاه كايل الذي كان يقف مع بعض الصيادين الآخرين في الجبهة. ثم أعاد نظره إلى بارك وقال بصوت منخفض، يكاد يكون همسًا:
"لشيء أهم من جمع الموارد."
لم يفهم بارك كلماته بالكامل، لكنه شعر بأن هناك سرًا ما، شيئًا لا يريد هيونغ الإفصاح عنه. لكنه لم يستطع فعل شيء، سوى مشاهدته وهو يبتعد متجهًا نحو مصيره المجهول. سار هيونغ خلف المساعد بخطوات ثابتة نحو الجبهة الأمامية، حيث كان الصيادون المقاتلون يستعدون للموجة القادمة من الوحوش. صوت الأسلحة المشحوذة، والدرع المعدنية التي تُرتدى بإحكام، والأحاديث المتوترة بين الصيادين شكلت مشهدًا يفيض بالتوتر والرهبة.
كانت الجبهة تعج بالمحاربين، كل واحد منهم يحمل سلاحه وكأنه امتداد لجسده، مستعدًا لخوض معركة أخرى في هذا الكهف المظلم. ولكن أكثر ما لفت انتباه هيونغ هو الرجل الذي جلس في مقدمة الجبهة، على صخرة مرتفعة قليلًا، ينظر إلى الصيادين من الأعلى كما لو أنهم مجرد أدوات تحت أمره.
كايل.
عيناه الحادتان، وقسمات وجهه المتعجرفة، والطريقة التي ارتاح بها على مقعده الصخري وكأن المكان بأكمله تحت سيطرته، كلها كانت كافية لإشعال نيران الكراهية في قلب هيونغ.
"حسنًا، جين،" قال المساعد وهو ينظر إليه، "قبل أن تبدأ، عليك تجهيز نفسك. اذهب وأحضر سلاحًا يناسبك من هناك." وأشار إلى مكان حيث وضعت عدة أسلحة احتياطية على طاولة خشبية قديمة.
تحرك هيونغ نحو الطاولة، وعيناه تمسحان الأسلحة بسرعة. سيوف، فؤوس، رماح… كلها بدت قوية، لكنها لم تكن ما يبحث عنه. بعد لحظات، وقعت عيناه على سيف متوسط الحجم، ذو نصل أسود قاتم، يلمع تحت الضوء الباهت للكهف. مد يده وأمسكه، شعر بوزنه المألوف في يده، وكأن جسده قد تذكر هذا الشعور القديم.
"محظوظٌ أنت،" قال المساعد بابتسامة ساخرة، "ليس كل يوم يحصل صياد من رتبة D على فرصة للقتال بجانب كايل، الصياد من الرتبة B."
توقف هيونغ للحظة، ثم رفع رأسه ونظر إلى المساعد، قبل أن يقول بابتسامة خفيفة: "أجل… محظوظ."
لكنه لم يكن يقصدها بنفس الطريقة التي فهمها المساعد.
في داخله، كان صوته الداخلي يعج بالسخرية والغضب المكبوت.
(محظوظ؟ نعم… محظوظ لأن لحظة انتقامي أصبحت أقرب مما توقعت.)
نظر مجددًا إلى كايل، الذي بدا غير مهتم بكل ما يجري حوله.
(هذه المرة، لن أكون الفريسة التي تُترك للموت.)
شد قبضته على مقبض السيف، وهو يشعر بنبضات قلبه تتسارع.
(هذه المرة… أنا الصياد.) بعد معركة ضارية، هدأ الضجيج أخيرًا في الجبهة الأمامية، ومعه توقف صدى صرخات الوحوش المحتضرة. كان الصيادون يلتقطون أنفاسهم، بعضهم يتفقد جروحه، وآخرون يعيدون ضبط أسلحتهم استعدادًا لما هو قادم. ومع ذلك، لم يكن هناك وقت للراحة.
تقدمت الفرقة الأمامية بقيادة كايل، متجهة عبر الكهف نحو بوابة عملاقة وسطها بحيرة هادئة، بينما كان شلال ضخم يسقط بقوة من الأعلى، يثير موجات صغيرة على سطح الماء. كان المشهد مهيبًا، وكأن المكان ينبض بقوة غامضة، تخبر كل من يقترب منه بأنه قد وصل إلى نقطة اللاعودة.
وقف الجميع أمام البوابة، يحدقون في عظمتها. ارتفعت الهمسات بين الصيادين حتى قطعها صوت أحدهم:
"هل… هل هذه هي غرفة زعيم الطابق؟"
ساد الصمت، وكأن الجميع كانوا ينتظرون تأكيدًا لما يخشونه.
تقدم كايل خطوة إلى الأمام، واضعًا يديه خلف ظهره، قبل أن يتحدث بصوته العميق والواثق:
"نعم، هذه هي. بوابة الكهف هذه تقود مباشرة إلى زعيم هذا الطابق. لا مجال للتراجع الآن."
نظر حوله، عيناه تمسحان الوجوه المتوترة أمامه.
"هل أنتم مستعدون؟"
بعض الصيادين شدوا قبضاتهم على أسلحتهم، وآخرون تبادلوا النظرات فيما بينهم، ولكن لم يجرؤ أحد على التراجع.
كان هيونغ يقف في الصف الخلفي، يراقب كايل بصمت، فيما أفكاره كانت تغلي في رأسه.
(الزعيم موجود خلف تلك البوابة… ولكن معركتي الحقيقية ليست معه.)
نظر إلى كايل بعينين لا تحملان الخوف، بل شيئًا آخر… شيئًا أكثر ظلمة.
(هذه البوابة ستفتح، وستبدأ المعركة… وحينها، ستكون فرصتي أخيرًا.) خطا الصيادون جميعًا داخل القاعة العظيمة، أقدامهم تغوص قليلًا في التربة الرطبة المحيطة بالبحيرة الواسعة. كان المكان محاطًا بجدران صخرية شاهقة، والشلال الضخم يواصل سقوطه بصخب مزلزل. الهواء كان مشبعًا برطوبة خانقة، ورائحة مياه راكدة امتزجت برائحة الدماء التي لم تجف بعد على أسلحة الصيادين.
ولكن فجأة…
اهتزت الأرض بعنف، وكأن شيئًا ما يستيقظ من سبات عميق. تشققت الصخور حول البحيرة، وبدأت المياه تتلاطم بقوة غير طبيعية. الصيادون تجمدوا في أماكنهم، أعينهم تتجه نحو مركز البحيرة حيث تصاعدت فقاعات ضخمة إلى السطح، تليها دوامة مائية هائلة.
ثم… خرج من الأعماق.
وحش عملاق ظهر من قلب البحيرة، جلده السميك يشبه درعًا صلبًا، وقوقعته الضخمة تحمل مزيجًا غريبًا بين شكل السلحفاة والتنين، ولكن الأكثر رعبًا كان رأسيه الملتويين بعيون متوهجة شرسة. أحد الرأسين أطلق زئيرًا هادرًا، بينما الآخر بدأ في استنشاق الهواء بقوة، وكأنه يستعد لهجوم ساحق.
"إنه زعيم الطابق!" صرخ أحد الصيادين.
رفع كايل سيفه عاليًا وأمر بصوت واثق: "الجميع، اهجموا بكل ما لديكم! لا تدعوه يتنفس!"
انطلق الصيادون كالعاصفة، مستخدمين مهاراتهم وقدراتهم، بعضهم يهاجم الوحش مباشرة، وآخرون يلقون تعاويذ نارية وجليدية على جسده الهائل، فيما قفز المحاربون المسلحون بأسلحة ثقيلة فوق صخور الكهف، يحاولون البحث عن نقاط ضعف في درعه الصلب.
لكن هيونغ لم يتحرك.
كان قد تراجع قليلًا إلى الخلف، عينيه تراقبان ساحة المعركة بدقة، يدرس تحركات كايل والصيادين حوله. لم يكن هدفه الوحش، لم يكن معنيًا بالقتال الآن.
(هذه فرصتي. إنهم مشغولون به، وأنا… سأنتظر اللحظة المناسبة.)
قبض على مقبض خنجره المخفي تحت عباءته، قلبه ينبض بخفوت، عينيه لا تفارقان كايل.
(حين تحين اللحظة… سأضرب.)
اندلعت المعركة بكل عنفها، الصيادون تحركوا كالأمواج، كل منهم يسعى لإسقاط الوحش العملاق الذي خرج من أعماق البحيرة. انفجارات سحرية أضاءت الكهف المظلم، وانعكس وهجها على المياه المتلاطمة، فيما انطلقت الأسهم الحادة، والسيوف الثقيلة تحاول اختراق جلده الصلب.
ولكن… لم يحدث شيء.
كل الضربات، كل المهارات، كل القوى التي أُطلقت نحو الوحش لم تترك سوى شرارات باهتة على درعه الحجري. لم يُخدش، لم يتراجع، بل زأر زئيرًا هائلًا جعل الصخور ترتج وتنهار من سقف الكهف.
"ما هذا بحق الجحيم؟!" صرخ أحد الصيادين وهو يبتعد متراجعًا بعد أن تحطمت نصلته على جسم الوحش.
انقض محارب آخر يحمل مطرقة ضخمة، مستخدمًا كل قوته لضرب إحدى أرجل الوحش، لكن الصدمة ارتدت عليه وكأنه ضرب جبلًا صلبًا، فطار في الهواء قبل أن يرتطم بأحد الجدران، يلفظ دمًا من فمه.
كايل، الذي كان يقف في المقدمة، قبض على سيفه بقوة، تجاعيد القلق ظهرت على وجهه لأول مرة. هذا الوحش لم يكن مثل أي وحش واجهوه من قبل، كان أشبه بحصن متحرك، جدار لا يمكن تجاوزه.
"استهدفوا رأسه!" صاح أحد السحرة من الخلف، لكن الوحش تحرك بسرعة لا تتناسب مع حجمه، رافعًا إحدى قدميه العملاقة قبل أن يسحق بها مجموعة من الصيادين دفعة واحدة. صرخاتهم تلاشت مع صوت تهشم عظامهم تحت وطأة جسده.
الدماء انتشرت على الأرضية الصخرية، والجثث تكدست في البحيرة التي تحولت مياهها إلى لون داكن، مشبع برائحة الموت.
هيونغ كان في الخلف، يراقب المعركة بهدوء، لكنه لم يكن قلقًا بشأن الوحش.
بل كان يراقب كايل.
(حتى هذا المغرور عاجز عن فعل شيء… يبدو أنني لست الوحيد الذي يشعر بالعجز أمام قوة مطلقة.)
لكن هيونغ لم يكن هنا ليقاتل الوحش. كان هنا لشيء آخر. شيء أكثر أهمية من هذه المعركة الفوضوية.
(انتظر فقط، كايل… دورك سيأتي قريبًا.)