الهواء كان مشبعًا برائحة الاحتراق، والدخان الكثيف لف ساحة المعركة كستار موت. صيادو النقابة قاتلوا بكل ما لديهم، لكن الوحش ذو الرأسين كان أشبه بكارثة متحركة، لا يمكن إيقافها. كراتهم السحرية لم تكن إلا وميضًا عابرًا يتلاشى قبل أن يصل إليه، وسيوفهم ارتدت عن جلده وكأنها تصطدم بالفولاذ.
"إنه... لا يُهزم..." تمتم أحد الصيادين، جسده يرتجف بينما كان يتراجع بخطوات متعثرة.
الوحش لم يمنحه لحظة ليلتقط أنفاسه. فجأة، زمجر بصوت زلزل المكان بأسره، وكأن الجحيم نفسه قد فتح فكيه ليبتلعهم جميعًا. الزئير لم يكن مجرد صوت—بل كان موجة من الرعب النقي، اجتاحت عقول الصيادين، شلّت أطرافهم، غرست الخوف عميقًا في أرواحهم.
ما عدا هيونغ.
ظل واقفًا، عيناه مثبتتان على الوحش دون أن ترمشا. لا خوف، لا تردد، فقط تركيز جليدي قاتل. لكن حتى هو لم يكن مستعدًا لما حدث بعد ذلك—
رأس الوحش الأيمن بدأ يتوهج.
في البداية، كان مجرد بريق أحمر متوهج بين أنيابه، لكنه سرعان ما تحول إلى دوامة من اللهب، كرة نارية مشؤومة، تتضخم وتزداد توهجًا كأنها شمس مصغرة. الحرارة منها كانت خانقة، حتى قبل أن يُطلقها.
ثم، بدون سابق إنذار—
أطلقها!
انفجار هائل دوى في المكان، أعنف من أي هجوم واجهوه من قبل.
لم تكن مجرد كرة نارية، بل كانت طوفانًا من اللهب اجتاح الأرض، التهم كل شيء في طريقه. الصخور تناثرت، الأشجار تحولت إلى رماد في لحظة، والأرض نفسها اهتزت وكأنها على وشك الانهيار.
الصيادون لم يكن لديهم فرصة.
بعضهم احترق على الفور، صرخاتهم لم تدم سوى لحظة قبل أن يبتلعها اللهب. آخرون قُذفوا بقوة، أجسادهم تهشمت وهم يُطاح بهم في الهواء مثل أوراق ممزقة.
لكن الأمر لم ينتهِ عند ذلك.
الأرض نفسها بدأت تتصدع.
الانفجار لم يكن مجرد لهب، بل كان زلزالًا. الشقوق بدأت تظهر تحت أقدامهم، ثم توسعت بسرعة مرعبة، وكأن العالم نفسه قد قرر الانهيار. الصخور العملاقة تهاوت، والجرف الذي كانوا عليه لم يعد ثابتًا—
بدأ ينهار.
"تمسكوا بشيء!" صرخ أحد الصيادين، لكن كلماته ضاعت وسط الضجيج والفوضى.
هيونغ وكايل كانا في مركز الانهيار.
كايل حاول التشبث بحافة الصخور، أصابعه انغرست فيها بأقصى ما يستطيع، لكنه كان يعرف أنها لن تصمد. عيناه التقتا بعيني هيونغ للحظة، وكأنه يبحث عن مخرج، عن أمل—
لكن هيونغ لم يكن يبحث عن خلاص.
كان ينظر للأعلى، حيث الوحش كان يحدق بهم من فوق، عيناه المشتعلتان تتوهجان بشماتة خبيثة. سقوطهم لم يكن كافيًا بالنسبة له، كان يعلم أنهم لم يُهزموا بعد.
ثم، كما لو أن القدر قرر إنهاء هذا المشهد المروع—
انهارت الأرض تحتهم تمامًا.
وسقطوا في الظلام. كان الظلام كثيفًا، يبتلع كل شيء دون أن يترك سوى أنين مكتوم وصوت تساقط الحصى من السقف المتصدع. الهواء كان رطبًا، مشبعًا بالغبار، وكأنه يحمل أنفاس الأرض المختنقة.
ثم اخترق الصمت صوتٌ قوي، حازم، لا يحمل أي أثر للتردد:
"استيقظوا."
كانت نبرة القائد كايل أشبه بضربة فولاذ على صخر، ثقيلة وواضحة وسط الفوضى. سرعان ما تبعتها حركات متثاقلة، شهقات ألم، وسعال مكتوم. بدأ الصيادون الذين سقطوا معه يتحركون ببطء، أجسادهم المرهقة تحاول استعادة قوتها بعد السقوط العنيف.
"أيها الصيادون، أعطوني تقريرًا عمّا حدث."
تحدث أول الناجين، رين، صياد الرؤية الليلية، وهو يحدق في محيطه بعينيه المعتادتين على الظلام:
"نحن في كهف عميق... السقف فوقنا متصدع لكنه مستقر حاليًا. أرى عدة أنفاق متفرعة، بعضها يبدو محفورًا حديثًا. لا يوجد ضوء من الأعلى، مما يعني أننا بعيدون جدًا عن السطح."
"كم عدد الناجين؟"
أجاب هذه المرة جينغ، صياد التعافي:
"أحصيت تسعة ناجين، بما فيهم أنت، أيها القائد. ثلاثة جرحى، أحدهم في حالة سيئة. فقدنا بعض الصيادين أثناء السقوط، ولا أعرف إن كانوا قد سُحقوا أو سقطوا في مكان آخر."
كايل ألقى نظرة على الناجين، عيناه الحادتان تمسحان الظلام من حولهم. لم يكن لديهم وقت ليضيعوه، فوجودهم في هذا المكان المجهول يعني خطرًا محتملاً.
في مكانٍ قريب، بعيدًا عن أنظارهم، كان هناك شخص آخر مستيقظًا منذ البداية.
هيونغ.
لم يكن مختبئًا، لكنه لم يشعر بالحاجة إلى الإعلان عن نفسه. كان يراقب الصيادين من الظلال، عينيه تدرسان الوضع بصمت. لم يكن عدم ظهوره خوفًا أو ترددًا، بل اختيارًا محسوبًا. كان يفضل أن يعرف حجم الضرر أولًا، أن يتأكد مما يحيط بهم قبل أن يكشف عن نفسه.
ولكن قبل أن يتخذ قراره… جاء الصوت.
همهمة منخفضة، بعيدة، لكنها تتردد في جدران الكهف كما لو أن المكان بأسره يتنفس.
شيء ما كان يتحرك في الظلام.
شيء لم يكن ينتمي لهذا العالم. وقف كايل في مقدمة الصيادين، عينيه تضيقان في الظلام وهو يدرس الممرات المتشعبة أمامه. الصخور الحادة كانت تبرز من الجدران، والرطوبة تلتصق بالجلد كأنها أنفاس شيء يراقبهم من الأعماق. لم يكن هناك وقت للانتظار أو التردد.
"سنصعد."
قالها كايل بصوت حاسم، قاطع، لا يقبل أي اعتراض. التفت إلى الصيادين الذين نجوا من السقوط، ألقوا عليه نظرات مختلطة بين الحذر والإرهاق، لكنه لم يمنحهم فرصة للشك.
"هدفنا واضح. الوحش ذو الرأسين لا يزال في الأعلى، وإن لم نقضِ عليه، فسيواصل ذبح من تبقى فوق. هذا المكان قد يكون فخًا، وإن انتظرنا أكثر، فقد لا نجد طريقًا للخروج."
أخذ رين خطوة إلى الأمام، حدق في الممرات القاتمة وقال:
"هناك ثلاث طرق أمامنا. واحد منها يصعد بزاوية حادة، لكنه ضيق. الآخر يبدو أكثر استقرارًا لكنه يلتف بطريقة غريبة. الثالث… لا أرى نهايته."
كايل لم يتردد.
"سنأخذ الطريق الأول. حتى لو كان ضيقًا، فهو يضمن أننا نصعد مباشرة. لا وقت للالتفافات."
بدأ الصيادون بالتحرك، أقدامهم تلامس الأرضية الحجرية بحذر، أنفاسهم مكتومة وسط الظلام. أصوات أنين الصخور المتآكلة ترددت حولهم، وكأن المكان نفسه كان يراقبهم وهم يصعدون.
بعد دقائق من التقدم، بدأ الممر يضيق أكثر فأكثر، حتى اضطر بعضهم إلى السير بشكل جانبي، أجسادهم تحتك بالجدران الخشنة. كان الظلام كثيفًا، لكن بفضل كرات السحر المضيئة التي حملها البعض، تمكنوا من شق طريقهم.
لكن فجأة…
"توقفوا."
رفع كايل يده، فتوقف الجميع على الفور. الصمت خيّم، قبل أن يصل إلى مسامعهم صوت خافت… لم يكن صوت الصخور، بل شيء آخر.
زحف.
شيء يتحرك في الأعلى، ينتظرهم.
كايل لم يكن بحاجة إلى مزيد من الإشارات. استدار نحو الصيادين وأشار لهم:
"استعدوا للقتال."
كانوا يصعدون لمواجهة الوحش، لكن يبدو أن الظلام نفسه قرر اختبار قوتهم أولًا. كان الممر الضيق أشبه بشريان مغلق، ينبض بالرطوبة والهواء الثقيل. تقدَّم كايل والصيادون بحذر، خطواتهم تلامس الأرضية الحجرية، محدثة صدى خافتًا داخل العتمة التي تحيط بهم. كانت الجدران قريبة لدرجة أن بعضهم شعر بها تحكّ أكتافهم، ورغم أنهم أطلقوا كراتهم السحرية المضيئة، إلا أن الظلام بدا وكأنه يبتلع الضوء نفسه، مما جعل الرؤية محدودة.
لم يكن هذا مكانًا طبيعيًا… كان وكأنه كائن حي، يتنفس حولهم، يراقبهم بصمت.
ثم… جاء الصوت.
حفيف…
حركة خاطفة بين الظلال، كأن شيئًا تسلل بينهم ثم تلاشى. التفت بعض الصيادين نحو المصدر، قلوبهم تخفق بسرعة، بينما قبضوا بشدة على أسلحتهم. لم يكن أحد متأكدًا مما سمعه، لكن شعورًا باردًا زحف على جلودهم، كأنهم أصبحوا فرائس غير مرئية لصياد مجهول.
كايل لم يتردد، رفع يده مشيرًا إلى أحد الصيادين، "أنت، تحقق هناك."
الصياد ابتلع ريقه، أصابعه تشددت حول قبضته، ثم تقدم ببطء نحو الظل الكامن في الزاوية. خطواته كانت مدروسة، حذرة، وعيناه تجولان في المكان، محاولًا رصد أي حركة. عندما اقترب، لم يجد شيئًا.
استدار ليواجه كايل، قائلاً بصوت منخفض لكنه ثابت:
"لا يوجد شيء ه—"
شووووف!!
رأسه طار في الهواء.
في لحظة، قبل أن يدرك أحد ما حدث، انشقّت رقبته وسقط رأسه أرضًا، متدحرجًا على الصخور، بينما جسده ظل واقفًا لثانية واحدة… ثم انهار كجدار متهالك، مغرقًا الأرض بلون قرمزي قاتم.
لم يرَ أحد الهجوم. لم يسمع أحد أي شيء.
كل ما عرفوه… أن الموت قد جاء.
كايل حدّق إلى الجثة للحظة، ثم بصوت بارد، حاد كالسيف، أمر:
"استعدوا للقتال!"
في أقل من ثانية، كان الصيادون قد رفعوا أسلحتهم، وعيونهم تبحث بجنون في الظلام. كان هناك شيء هناك، كامنًا، متربصًا، لكنه كان سريعًا لدرجة أن أحدًا لم يستطع ملاحظته.
ثم… خرجت الوحوش.
من الظلام، بدأت أشكال تتجسد ببطء. أجسادها سوداء كأنها ظلال حية، أعينها تتوهج بلون قرمزي شرس، أنيابها تقطر بسائل أسود كريه الرائحة. كانت أشبه بمخلوقات جحيمية، متعطشة للدماء، تتحرك بخفة مرعبة، وكأنها لم تكن مقيدة بقوانين العالم العادي.
"إنها قادمة!" صرخ أحد الصيادين، لكن لم يكن هناك وقت للهروب.
من العدم، انطلقت أولى الوحوش بسرعة لا تُرى بالعين المجردة.
ثم انفجر الجحيم.
مخالب مزقت الهواء، كرات سحرية أُطلقت كأنها نجوم ساقطة، صيحات الألم اختلطت بصوت انفجارات الطاقة، ورائحة الدم انتشرت بسرعة كريهة.
كايل، وسط الفوضى، استلّ سلاحه وسدد ضربة خاطفة، شطر بها أحد الوحوش إلى نصفين، لكن في اللحظة نفسها، كان آخر ينقض عليه من الخلف.
المعركة بدأت، والخروج حيًا لم يعد خيارًا مضمونًا. وقف هيونغ في الظلام، متكئًا على جدار الكهف الصخري، عينيه تراقبان المعركة الدامية التي اندلعت بين الصيادين والوحوش المتعطشة للدماء. كان المشهد أمامه أشبه بعرض مسرحي فوضوي، حيث تناثرت الجثث، وارتفعت صرخات الألم، بينما امتزج وهج الكرات السحرية المنطلقة مع لمعان الأنياب القاتلة.
زاوية شفتيه ارتفعت بابتسامة باردة. لم يكن مهتمًا بمن سينجو ومن سيموت… كان كل ما يشغله الآن هو شيء واحد فقط: كايل.
تجول نظره بين الحشود، حتى وقع على ذلك الرجل ذو الحضور الطاغي، يقاتل ببراعة، يقطع الوحوش كأنها مجرد حشرات تعيق طريقه. كان كايل رمزًا للقوة، للهيبة، لكنه بالنسبة لهيونغ… لم يكن سوى هدف، هدف يجب أن يسقط… بأبشع طريقة ممكنة.
"كايل…" همس لنفسه، عينيه تضيقان كأنه يرسم في ذهنه صورة لموته.
كم مرة تخيل هذه اللحظة؟ كم مرة راوده ذلك المشهد في كوابيسه وأحلامه؟ رؤية ذلك الرجل يتلوى ألمًا، يصرخ، ينهار، حتى يتوسل الموت لينهي عذابه.
لكن لا… الموت السريع لا يليق به.
"أريدك أن تتذوق الجحيم نفسه، كايل…"
صوته كان خافتًا، لكنه مليء بالسمّ والكره الخالص.
تخيل الأمر… كايل محاصر، مرهق، جرحى الصيادين حوله يسقطون واحدًا تلو الآخر، يدرك أنه لن يخرج حيًا، يدرك أن هناك من يسحب الخيوط من الظلال، يعبث بمصيره، يقود خطواته نحو النهاية المحتومة.
لكن لا، هذا ليس كافيًا.
أريدك أن ترى أملك يتحطم.
أريدك أن تشعر بالعجز، أن تعرف أن كل قوتك… لا قيمة لها أمام ما ينتظرك.
أريدك أن تصرخ، أن تتوسل، أن تدرك أنك لم تكن سوى بيدق في لعبة أكبر منك.
ضاقت عيناه أكثر، وهو يراقب كايل يواجه وحشًا هائلًا، جسده مغطى بالجروح، لكن رغم ذلك، لم يسقط. كان ذلك يثير غضبه قليلاً… لكنه لم يكن مستعجلاً. لا، يجب أن تسير الأمور وفق الخطة.
رفع يده قليلًا، أصابعه تتحرك ببطء، كأنه يستشعر الطاقة التي تحيط به. الظلال حوله بدت وكأنها تستجيب له، تتموج برفق، كأنها تنتظر أمره.
"ليس بعد…"
هناك وقت لكل شيء. الموت الذي خطط له لسنوات لن يكون عاديًا… سيكون تحفة فنية، لوحة مرسومة بالدماء والعذاب.
والأهم… أنه سيكون بيدي أنا. تنفس كايل بعمق، قطرات العرق تنساب على جبينه وهو يسحب سيفه المغطى بدماء الوحوش. كان آخر وحش قد سقط للتو، جسده الضخم يرتطم بالأرض محدثًا رجّة خفيفة، وصوت أنفاسه الأخيرة يتلاشى في ظلام الكهف.
استدار كايل نحو الصيادين، مستعدًا لسماع تقريرهم حول الخسائر وما حدث أثناء القتال، لكنه تجمد في مكانه…
لا أحد هناك.
كل الصيادين الذين كانوا معه قبل لحظات… اختفوا.
لم يبق سوى صياد واحد، يقف مترنحًا، جسده مغطى بالجروح وعيناه مليئتان بالخوف.
"أين البقية؟" سأل كايل بصوت حاد، لكن الصياد لم يملك إجابة واضحة، فقط تلعثم بكلمات غير مفهومة وهو ينظر حوله بذعر.
وفجأة—
حركة خفيفة…
جاء الصوت من أحد جوانب الكهف المظلمة، كأن شيئًا يتحرك في العتمة، يتربص بهما بصمت قاتل. شد كايل قبضته على سيفه، وعيناه مسمرة على النقطة التي جاء منها الصوت.
ثم… ظهر بريق غريب في الظلام.
عينان بنفسجيتان، تتلألآن بهدوء كئيب، مليئتان بالغموض والخطر.
"من هناك؟!" قال كايل بحذر، نبرته صارمة لكنها لا تخفي التوتر الذي بدأ يتسلل إلى جسده.
الصمت ساد للحظات، قبل أن يخترقه صوت ناعم، لكنه يحمل سخرية قاتلة:
"ألم تعرفني بعد، كايل؟"
خرج الصوت من العتمة، يتردد صداه في الكهف كأن الجدران نفسها تهمس به.
ثم ظهر الشكل من الظلام…
هيونغ.
خطى إلى الأمام ببطء، كأنه يستمتع بلحظة الظهور، عينيه ما زالتا تلمعان بذلك اللون البنفسجي القاتم، وابتسامة باردة ترتسم على شفتيه.
كايل لم يستطع إخفاء الصدمة التي ارتسمت على وجهه. للحظة، شعر كأن الزمن توقف…
هيونغ… على قيد الحياة؟!
لم يكن هذا ممكنًا… لم يكن يجب أن يكون هنا… ومع ذلك، ها هو، يقف أمامه، يحدّق به كما لو كان فريسة وقعت أخيرًا في فخها. ساد الصمت للحظات، لم يكن سوى صدى أنفاس كايل الثقيلة وهو يحدق في هيونغ، يحاول استيعاب ما يراه أمامه. أما هيونغ، فقد وقف بثبات، ابتسامته الباردة لم تفارق شفتيه، وعيناه البنفسجيتان تلمعان بوهج خافت، كأنهما تخفيان نارًا مشتعلة في أعماقها.
تكلم كايل أخيرًا، نبرته كانت حادة، لكنها تحمل ترددًا خفيفًا: "كيف… كيف ما زلت حيًا؟"
ضحك هيونغ، لكنها لم تكن ضحكة فرح، بل كانت ضحكة مليئة بالمرارة والاحتقار. "هل كنت تتمنى موتي يا كايل؟ ألم يكن ذلك هو هدفك منذ البداية؟"
قطّب كايل حاجبيه، لكن قبل أن يرد، تابع هيونغ بصوت منخفض، كأن كل كلمة تخرج منه تحمل نصلًا مسمومًا: "لا تتظاهر بالبراءة، أنت تعرف جيدًا ما فعلته. أنت ورفاقك… تركتموني هناك. قربانًا للوحوش، فقط كي تتمكنوا من الهرب."
شعر كايل بقبضة باردة تلتف حول قلبه. حاول أن يحافظ على هدوئه، لكنه لم يستطع إخفاء التوتر في صوته: "الأمر لم يكن كذلك، نحن…"
قاطعه هيونغ بحدة، عيناه تضيقان بغضب مكبوت: "كاذب! لا تحاول أن تبرر، لقد رأيت بنفسي… كنت تستطيع مساعدتي، لكنك لم تفعل! تراجعت مع الآخرين، تركتني هناك، أقاتل وحدي، بينما كنت تسمع صرخاتي تتلاشى خلفك!"
تذكر كايل تلك الليلة المشؤومة، اللحظة التي اضطر فيها لاتخاذ القرار. الوحوش كانت تقترب، وكانوا محاصرين. كان عليهم أن يضحوا بشيء كي ينجوا… وهيونغ كان ذلك "الشيء".
لكن حينها… لم يكن لديه خيار، صحيح؟
حاول كايل الدفاع عن نفسه، لكن كلماته خرجت ضعيفة: "كنا في وضع مستحيل… لو بقينا، لم يكن أحد ليخرج حيًا."
أطلق هيونغ ضحكة ساخرة، لكنها كانت فارغة من أي مشاعر سوى الكراهية: "لكنكم خرجتم، أليس كذلك؟ أنتم على قيد الحياة… وأنا؟ أنا واجهت الجحيم وحدي. رأيت الوحوش تمزق أصدقائي واحدًا تلو الآخر… شعرت بأني أسقط في قاع الظلام… لكنني لم أمت."
ثم توقف، ونظر إلى كايل نظرة باردة، نظرة لم يكن يحملها من قبل: "وهنا نحن الآن، كايل. أنت وجهاً لوجه مع "الشبح" الذي تركته للموت. فماذا ستفعل الآن؟"
لم يرد كايل فورًا، لكن عينيه كانتا تراقبان هيونغ بحذر. كان يعلم… أن هذا اللقاء لن ينتهي بالكلمات وحدها. في ظلام الكهف الرطب، وبين الشقوق الحجرية التي تتدلى منها قطرات الماء، لم يكن هناك سوى وهج العينين البنفسجيتين وهي تتوهج في العتمة. ببطء، رفع هيونغ يده، ومن الفراغ تشكل سيف أسود كالجليد، حوافه تومض بوميض خافت كأنه يعكس ضوءًا غير مرئي. كانت قبضته منقوشة برموز غامضة، ونصلُه ينبض بطاقة باردة جعلت الهواء من حوله يكتسي بطبقة من الضباب الأبيض.
حدّق كايل بالسيف، عينيه تضيقان وهو يشعر بضغط هائل ينبعث منه. لم يكن هذا مجرد سلاح… كان كتلة من الحقد المتجسد، إرثًا من الجحيم الذي نجا منه هيونغ.
أما الصياد الوحيد الذي نجا من المذبحة، فقد كان واقفًا بجانب كايل، أنفاسه متسارعة، عرقه يتصبب، وعيناه تتحركان بين الاثنين، عاجزًا عن فهم ما يجري. لكن قبل أن ينطق بكلمة، استدار هيونغ نحوه فجأة، وعيناه تلمعان بوميض قاسٍ.
"إذا كنت تملك القليل من الغريزة، فابتعد من هنا… وإلا ستلقى مصيرك قبل أن تفهم السبب."
شعر الصياد بقشعريرة تجتاح جسده، وكأن الموت نفسه كان يخبره بأن يهرب. لم يحتج إلى المزيد من الكلمات—بمجرد أن لمح تلك الهالة القاتمة التي تحيط بهيونغ، استدار وركض بأقصى سرعته، يتعثر في الصخور، حتى اختفى في ظلام الكهف.
عاد هيونغ بنظره إلى كايل، ابتسامة باردة ترتسم على شفتيه وهو يرفع سيفه قليلًا، يوجهه نحوه ببطء، كأنه يعلن بداية محاكمة دموية.
"حسنًا يا كايل… هل تتذكر الجحيم الذي تركتني فيه؟ كيف كنت أصرخ بينما الوحوش تمزق لحمي، وأنت تنظر إليَّ من بعيد… دون أن تفعل شيئًا؟"
كان صوته هادئًا، لكنه محمل بغضب مكبوت، غضب ظل يغلي داخله لسنوات.
"هل تتذكر كيف كنت سعيدًا بذلك؟ كيف كنت تراقبني وأنا أُسحب إلى الظلام؟"
لم يتكلم كايل، لكن قبضته كانت مشدودة، وعيناه تراقبان كل حركة لهيونغ.
أمال هيونغ رأسه قليلًا، صوته يزداد برودة، وصدى كلماته يتردد في جنبات الكهف: "حان دورك الآن، كايل… هذه المرة، سأكون أنا من يشاهد… وسأكون سعيدًا بذلك." في اللحظة التي رفع فيها كايل سيفه ليصد هجوم هيونغ، شعر بقوة قاتمة تتدفق عبر الهواء، كأن المكان كله يرتجف استجابة لحضور هيونغ. كانت تلك القوة باردة… لكنها لم تكن مجرد برودة عادية، بل برودة تحمل معها رائحة الموت، كأنها صقيع قادم من قاع الجحيم نفسه.
تــــنــــغ!
اصطدم السيفان مرة أخرى، ولكن هذه المرة، القوة القادمة من نصل هيونغ كانت ساحقة، دفعت كايل عدة خطوات إلى الخلف، قدماه تنزلقان على الصخور المهشمة. حاول استعادة توازنه، لكنه بالكاد استطاع رفع نصل سيفه أمام الهيبة المخيفة التي تكسو خصمه.
"هذا ليس مجرد قتال…" فكر كايل، وعيناه تراقبان هيونغ الذي كان يسير نحوه بخطوات بطيئة، واثقة، كأن النصر قد كُتب له مسبقًا.
"هذا إعدام."
هيونغ لم يكن مجرد مقاتل، بل كان كارثة تمشي على قدمين. هالة سوداء باردة تحيط بجسده، وعيناه البنفسجيتان تلمعان بوميض قاتم، تحملان في عمقهما شيئًا أكثر رعبًا من الغضب… شيئًا أقرب إلى الانتقام المتجسد.
"كايل…" نطق اسمه بهدوء زاد من وطأة التوتر، ثم أضاف بصوت منخفض لكنه اخترق الصمت الثقيل: "أتعلم؟ كنت أفكر في طرق مختلفة لإنهاء حياتك… لكنني أريدك أن تشعر بالخوف أولًا. نفس الخوف الذي غرزته في داخلي عندما تركتني هناك، ممزقًا بين أنياب الوحوش."
لم يمنحه كايل إجابة. كان عقله يعمل بسرعة، يحاول تحليل أي فرصة للنجاة. لكنه لم يملك الوقت للتفكير…
هيونغ اختفى.
في لحظة واحدة، كان يقف أمامه، وفي اللحظة التالية، أصبح ظلاً يتحرك بسرعة لا تصدق، كأن الهواء نفسه لم يعد قادرًا على مجاراة سرعته. لم يسمع كايل سوى صوت تمزق الهواء، ثم فجأة…
"تبًّا—!"
اندفع كايل إلى الجانب، لكن الألم انفجر في كتفه قبل أن يتمكن من تفادي الهجوم تمامًا. نصل الجليد الأسود مرّ بجواره، قاطعًا طبقة من درعه، وترك خلفه جرحًا عميقًا تجمد لحمه عند أطرافه فورًا، كأن الثلج نفسه قد تسلل إلى داخله.
صرخ كايل، لكنه لم يملك الوقت حتى ليشعر بالألم، لأن هيونغ ظهر أمامه مجددًا، هذه المرة موجهًا ضربة قاتلة نحو رقبته.
رفع سيفه بسرعة ليصد الهجوم، لكن…
كـــســـر!
لم يكن مجرد تصادم، بل كان سحقًا! قوة الضربة كانت مروعة لدرجة أن سيف كايل نفسه اهتز تحت الضغط، شرخ دقيق ظهر على نصله، وكأن الموت كان يوشك أن ينكسر إلى أشلاء بين يديه.
كايل قفز إلى الخلف، محاولًا التقاط أنفاسه، لكن هيونغ لم يمنحه أي فرصة. اندفع للأمام مرة أخرى، هذه المرة مستخدمًا سرعته الخاطفة ليظهر خلف كايل قبل أن يتمكن الأخير من استيعاب ما يحدث.
"بطيء."
كانت تلك الكلمة الوحيدة التي همس بها هيونغ قبل أن يوجه ضربة جانبية بسرعة غير بشرية.
الوقت بدا وكأنه تباطأ بالنسبة لكايل…
رأى الشفرة تقترب، لكن جسده لم يتحرك بالسرعة الكافية.
شعر بالهواء يبرد حوله، وتلك اللحظة… تذكر الوحش ذو الرأسين الذي كاد أن يقتله بالأعلى.
تذكر الصيادين الذين سقطوا في هذا الجحيم…
تذكر الماضي الذي حاول نسيانه…
لكنه لم يملك وقتًا للتفكير أكثر—
"آآآه!"
الدم تناثر في الهواء، وصرخة الألم شقت الصمت المخيف.
سقط كايل على ركبتيه، يلهث بشدة، يده تمسك بجنبه حيث الجرح العميق الذي شقه نصل هيونغ. الألم كان لا يُحتمل، الجليد بدأ ينتشر عبر جسده، كأن البرودة نفسها كانت تنهش لحمه من الداخل.
أما هيونغ، فوقف فوقه، سيفه لا يزال يقطر بدمه، وعيناه المتوهجتان تنظران إليه بازدراء.
"هذا ليس سوى البداية، كايل." قال بصوت منخفض، لكنه كان محمّلًا بوعد مميت.
رفع سيفه مجددًا، مستعدًا لتوجيه الضربة القاضية… كان هواء الكهف مشبعًا برائحة الدم والثلج، وكان الصمت القاتل يلف المكان بعد انتهاء المعركة. كايل، الذي بالكاد يستطيع الجلوس، كان جسده ممزقًا، والدماء تتسرب ببطء من الجروح التي حفرها سيف هيونغ في جسده. أنفاسه كانت متقطعة، وعيناه الزرقاوان تحدقان بصعوبة في الرجل الذي يقف أمامه، هيونغ… الشبح الذي عاد من الجحيم ليطالبه بثمن الخيانة.
رفع هيونغ سيف الجليد الأسود عاليًا، موجهًا حدّه مباشرة نحو رقبة كايل. بريق السيف كان يعكس ضوءًا شاحبًا وسط العتمة، بينما كانت قطرات الدم المتجمدة تتساقط ببطء من النصل، كما لو كانت ترفض أن تمتزج مع قذارة هذا المكان.
كايل، برغم كل شيء، لم يُظهر أي مقاومة. كان يعرف… كان يعرف أن هذه اللحظة ستأتي.
لكن—
توقف هيونغ.
نظر إلى كايل للحظة، ثم إلى النصل القاتل الذي كان سيُنهي كل شيء، وأطلق زفرة خافتة، قبل أن يُخفض يده ببطء.
"ما الفائدة من إنهاء هذا في لحظة؟"
صوته كان هادئًا، لكنه حمل بين طياته شراسة جليدية، وكأن الموت بحد ذاته كان يتكلم من خلاله.
كايل رفع رأسه بصعوبة، عيناه مليئتان بالشكوك والذهول. "لِمَ… توقفت؟"
ابتسم هيونغ بسخرية باردة. "لأنني لا أريد فقط قتلك… بل أريد أن أرى روحك تنهار، تمامًا كما جعلتني أنهار حين تركتني هناك، بين أنياب الوحوش."
خفض سيفه أكثر، ثم وضعه على كتفه بخفة، وكأن القتال لم يكن أكثر من تمرين بسيط بالنسبة له. خطا ببطء نحو صخرة كبيرة عند زاوية الكهف، وجلس عليها بطريقة مسترخية، وكأنه مراقب يستعد لمشاهدة عرض ممتع.
عندها، رفع هيونغ يده نحو الأرض، ثم بصوت هادئ وقاسٍ نطق بكلمة واحدة:
"فريا، قُومي."
وفجأة، ازداد البرد في الكهف بشكل لا يُطاق، وبدأ الضباب الأبيض يزحف عبر الصخور، كأن المكان كله تحوّل إلى جزء من الجحيم المتجمد.
ثم—
تشقق الجليد، وخرج منه ظل مظلم يحيطه برد قاتل.
صوت طقطقة الثلج، أنفاس باردة تتسرب من بين الضباب… ثم برزت ملكة الجليد، فريا.
كانت طويلة بشكل غير بشري، جسدها منحوت من الجليد الداكن، وعيناها تتوهجان بوميض أزرق شاحب، كأنهما بوابتان إلى العدم. درعها الجليدي الصلب يعكس الضوء الشاحب، بينما كانت أنفاسها تُطلق موجات من الصقيع القاتل.
كايل، الذي بالكاد يملك القوة ليحرك جسده، شعر بدمائه تتجمد في عروقه. الرعب بدأ يسيطر عليه… هذا الشيء أمامه لم يكن مجرد استدعاء سحري، بل كان كارثة مجسدة.
"هل أبناؤك شبعوا من تمزيق اللحم، أم لا؟" سألها هيونغ بصوت هادئ، لكن السخرية القاتلة لم تفارقه.
فريا لم تجب، لكنها زمجرت بصوت منخفض، زمجرة جعلت الهواء في الكهف يهتز. كانت تحذيرًا، كانت إعلانًا بأن هذه الليلة لن تنتهي دون مأساة جديدة.
ثم حدث شيء أكثر رعبًا—
رفعت فريا يدها الجليدية، وأطلقت هديرًا عميقًا، وفي لحظة، بدأ الجليد المحيط بها يتصدع… لكنه لم ينهار. بل خرجت منه مخلوقات.
وحوش الجليد… أبناء فريا.
كائنات مشوهة، مزيج بين الذئاب والمسوخ، أجسادها مغطاة بطبقة جليدية صلبة، وأعينها تتوهج بوميض أزرق قاتل. كانت تتحرك ببطء، لكنها كانت متعطشة للدماء، أنيابها الطويلة تقطر بجليد متجمد، وكأنها كانت تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
كايل، الذي كان بالكاد يستطيع التنفس، شعر بالرعب يتغلغل في عظامه. "لا… لا، انتظر…!"
لكن هيونغ رفع يده، وأصدر أمرًا بسيطًا:
"عذِّبوه حتى الموت."
وفي اللحظة التالية، قفزت الوحوش الجليدية عليه.
"آآآآآه!!!!"
الصراخ…
الدماء…
الأنياب التي مزقت اللحم، المخالب التي حفرت عميقًا في الجسد…
العيون التي تحولت من التوسل إلى الفراغ…
كان كايل يُسحب عبر الأرض، يُمزق ببطء، أضلاعه تتحطم تحت وطأة أنياب وحوش الجليد، أنفاسه تتحول إلى شهقات يائسة، كلما حاول الزحف، غرست مخالب أكثر في جسده، كلما صرخ، زاد نهم الوحوش لتمزيقه.
كانت أشبه بوليمة باردة، حيث لم يكن كايل سوى الوجبة الرئيسية.
هيونغ جلس على الصخرة، ساقه متشابكة فوق بعضها، وذراعه مستندة إلى ركبته، بينما كان يراقب بصمت. صوت الصراخ كان موسيقى ليلية تعزفها أنياب الوحوش.
"أليس هذا ممتعًا؟" همس لنفسه، ثم أمال رأسه إلى الخلف، مغلقًا عينيه للحظة. كان الهواء في الكهف كثيفًا بالصقيع، مشبعًا برائحة الدم والموت. الأضواء الخافتة المنبعثة من الجدران الجليدية عكست صورة مروعة لجثة كايل، أو بالأحرى ما تبقى منها.
لم يكن هناك جسد... بل مجرد كومة ممزقة من اللحم والعظام، متناثرة في برك متجمدة من الدم الداكن.
صدره لم يعد موجودًا، إذ تمزقت ضلوعه إلى قطع متناثرة، بعضها مغروس في الجليد حوله. ذراعه اليمنى اختفت بالكامل، كما لو أن أحد الوحوش اقتلعها من جذورها، تاركًا وراءها فجوة سوداء يحيط بها الجليد المتشقق.
رأسه لم يكن في مكانه الصحيح... بل تدحرج بعيدًا عن جسده، متجمدًا بملامحه المشوهة من شدة الألم. عيناه كانتا لا تزالان مفتوحتين، جاحظتين بالرعب، تحدقان في الفراغ وكأنهما لم تستوعبا الموت حتى بعد حدوثه.
فمه بقي مفتوحًا في صرخة صامتة... لكنه لن يصرخ مجددًا.
أطرافه الأخرى لم تكن بحال أفضل، فقد تعرضت للسحق تحت أنياب ومخالب وحوش الجليد، لدرجة أن العظام البيضاء كانت بارزة من بين اللحم الممزق، مغطاة بطبقة رقيقة من الصقيع الذي تجمد فوقها.
حتى أحشاؤه لم تُترك بسلام—كانت مبعثرة على الأرض، بعضها لا يزال ينبض ببطء قبل أن يتجمد تمامًا.
"يا له من مشهد بائس."
همس هيونغ بسخرية، وهو يقف بجانب الجثة، ينظر إليها وكأنها مجرد حشرة داسها عن قصد.
رفع رأسه إلى فريا، التي كانت تقف بهدوء بجواره، أنفاسها الباردة تثير زوبعة من الضباب المتجمد. نظرتها كانت جامدة، بلا تعبير، كأن ما حدث كان مجرد تنفيذ آخر لأمر سيدها.
"لقد قمتِ بعمل رائع."
زمجرت الملكة الجليدية بخفة قبل أن تبدأ بالتلاشي، جسدها الضخم يتحول إلى شظايا ثلجية متوهجة اختفت في الهواء. ومعها، تبخرت الوحوش التي مزقت كايل إلى أشلاء، وكأنها لم تكن هنا أبدًا.
عاد الكهف إلى سكونه المخيف.
كل ما تبقى كان جثة مشوهة، وشخص واحد ينظر إليها بلا أي أثر للشفقة.
"هل هذا كل شيء؟"
سأل هيونغ نفسه بصوت خافت، لكنه لم ينتظر إجابة.
تنهد ببطء، ثم استدار، خطواته هادئة على الجليد المتشقق تحت قدميه.
"أظن أنه قد حان وقت العودة إلى السطح…