خرج هيونغ من البوابة بخطوات متثاقلة، جسده مغطى بالغبار وملابسه ممزقة، لكنه كان حيًا. تنفس بعمق، وشعر بالهواء النقي يملأ رئتيه بعد أن قضى أيامًا في عالم البوابة القاتم. أمامه، تدفّق نهر المدينة بهدوء، تعكس مياهه أضواء المساء الخافتة، وكأن كل شيء من حوله لم يتغير… لكن داخله، كان يعلم أنه لم يعد نفس الشخص الذي دخل تلك البوابة.
نظر حوله، الشوارع شبه خالية إلا من بعض المارة الذين لم يلقوا له بالًا. كان الوقت متأخرًا، وعليه أن يذهب إلى المنزل. عليه أن يرى عائلته.
تحرك بخطوات غير مستقرة، جسده يصرخ من الألم، لكنه لم يتوقف. كل ما كان يفكر فيه هو والدته المريضة وأخته التي تركها وحيدة. تسارعت أنفاسه مع اقترابه من الحي القديم، قلبه ينبض بعنف… ماذا سيقول لهما؟ كيف سيواجه نظراتهما بعدما قيل لهما إنه مات؟
عندما وصل إلى باب منزله، رفع يده ليدقّ لكنه تردد للحظة. أخذ نفسًا عميقًا، ثم طرق الباب.
بعد لحظات، فُتح الباب ببطء، لتظهر أخته، سو يون، في المدخل. كانت عيناها متعبة، وشعرها مبعثرًا وكأنها لم تنَم منذ أيام. حدّقت فيه للحظات، وكأن عقلها يرفض تصديق ما تراه.
“أوبا…” همست، صوتها يرتجف.
قبل أن يتمكن من قول أي شيء، سقطت على ركبتيها، وبدأت دموعها تنهمر بغزارة.
“أوبا… أنت حي… أنت حي!”
ركضت نحوه، عانقته بقوة، وكأنها تخشى أن يكون مجرد وهم سيتلاشى إذا أغمضت عينيها. شعر بجسدها يرتجف، وسمع شهقاتها المتقطعة، فضمّها إليه بحنان، رغم الألم الذي مزق جسده.
في الداخل، خرج صوت ضعيف من الغرفة الصغيرة: “ما الذي يحدث…؟”
كان صوت والدته.
ساعد هيونغ أخته على الوقوف، ودخل إلى المنزل. هناك، رأى والدته جالسة على الفراش، تبدو أكثر ضعفًا مما كان يتذكر. كانت بشرتها شاحبة، وهالات سوداء تحيط بعينيها. عندما وقع نظرها عليه، اتسعت عيناها بصدمة، وأمسكت حافة الفراش بيد مرتعشة.
“هيونغ…؟”
لم يستطع أن يمنع نفسه، أسرع نحوها وجثا على ركبتيه بجانبها، ممسكًا بيديها بلهفة.
“أمي… لقد عدت.”
انهارت الدموع من عينيها، ومدّت يدها المرتجفة لتلمس وجهه، كما لو كانت تريد التأكد من أنه ليس حلما.
“قالوا… قالوا إنك مت… لقد أخبرونا أنك… أنك لن تعود أبدًا…”
أخفض رأسه، يشعر بمرارة في حلقه. كيف يمكنه أن يشرح؟ كيف يخبرهم بما مر به؟ لم يكن لديه كلمات كافية لذلك.
“لقد نجوت،” قال بصوت خافت. “أنا هنا الآن… لن أترككما مرة أخرى.”
لم يكن بحاجة إلى قول المزيد، فقد كانت نظراتهما ودموعهما كافية لتخبره كم كان غيابه قاسيًا عليهما. تلك اللحظة، بين أحضان عائلته، كانت تعني أكثر من أي انتصار في البوابة. كان قد عاد أخيرًا… وعليه الآن أن يواجه ما سيأتي بعد ذلك. رغم الدفء الذي شعر به بين أحضان عائلته، لم يستطع هيونغ أن يتجاهل الشعور الغريب الذي تسلل إلى أعماقه. لم تكن هذه العودة سهلة كما كان يأمل، فحتى بعدما اطمأنت والدته ونامت بعد بكاء طويل، لم تتركه نظرات أخته الحائرة.
جلست سو يون على الطاولة الصغيرة في المطبخ، تنظر إليه بصمت بينما احتسى كوبًا من الماء. كانت عيناها متورمتين من كثرة البكاء، لكنها لم ترفع نظرها عنه.
“كيف… كيف نجوت؟” سألت بصوت خافت لكنه محمل بالشكوك.
توقف عن الشرب، وأخفض الكوب ببطء. كان يعلم أن هذا السؤال سيأتي، لكنه لم يكن يعرف كيف يجيب عليه.
“الأمر معقد…” تمتم، محاولًا تجنب النظر في عينيها.
لكنها لم تتراجع، تقدمت نحوه وضربت الطاولة بقبضتها. “لا تقل لي إنه معقد! لقد أخبرني فريقك أنك مت! حتى الجثث لم يجدوها… كيف خرجت من هناك؟”
كانت نبرتها تحمل خوفًا أكثر من الغضب. خوف من أن يكون ما أمامها ليس هو حقًا… أو ربما أنه عاد شخصًا آخر.
أخذ نفسًا عميقًا وأغمض عينيه للحظة. تذكر الأيام التي قضاها في البوابة، الأهوال التي واجهها، الأعداء الذين لم يكن من المفترض أن ينجو منهم. كيف يخبرها بأنه مات هناك بالفعل… لكنه عاد بطريقة لا يستطيع حتى هو فهمها؟
“لقد كنت محظوظًا.”
لم يكن كذبة تمامًا، لكنه لم يكن الحقيقة كاملة أيضًا.
حدّقت فيه لثوانٍ طويلة، ثم تنهدت، واستندت إلى الكرسي بتعب.
“أعلم أنك تخفي شيئًا… لكنني لن أضغط عليك الآن.” نظرت إليه بعينين تحملان مزيجًا من الراحة والقلق. “أنا فقط سعيدة لأنك هنا.”
شعر بوخز في قلبه. لو عرفت الحقيقة، هل ستظل سعيدة؟ هل ستنظر إليه بنفس الطريقة؟
لكن هذا ليس وقت التفكير في ذلك. هناك أمور أكثر إلحاحًا.
خرج إلى الشرفة، الهواء الليلي البارد يلسع وجهه. أغمض عينيه للحظة، لكنه سرعان ما فتحها عندما شعر بشيء غريب… إحساس مألوف، لكنه غير مرحّب به.
نظر عبر الشارع، نحو الزقاق المظلم المقابل للمنزل. هناك، وسط الظلال، رأى شيئًا يتحرك.
شخص ما كان يراقبه.
كان يعلم أن نجاته من تلك البوابة لن تمر مرور الكرام… والآن، يبدو أن العواقب قد بدأت باللحاق به.
جلس هيونغ على حافة إحدى البنايات الشاهقة، تتلاعب الرياح بشعره وهو ينظر إلى الأضواء المتلألئة التي تغطي المدينة ليلاً. من هذا الارتفاع، بدت الشوارع كأنها شرايين مضيئة، بينما السيارات تتحرك ككريات صغيرة في شبكة ضخمة من الطرق المتشابكة.
أطلق زفرة طويلة وهو يرفع يده، وبمجرد أن فعل، ظهرت أمامه شاشة سوداء، خافتة الضوء لكنها تنبض بطاقة غريبة.
[ الحالة ]
المستوى: 40
نقاط الصحة: 12,500 / 12,500
المانا: 8,000 / 8,000
القوة: 210
الرشاقة: 195
التحمل: 180
الإدراك: 160
الذكاء: 150
تحركت عيناه إلى القسم السفلي من الشاشة، حيث ظهر عدد الأرواح المتاحة للاستخراج.
[ عدد الأرواح المتاحة ]: 500
خمسمئة روح…
ابتسم بسخرية، لكن الابتسامة لم تصل إلى عينيه. لم يكن من المفترض أن يكون هذا ممكنًا، ومع ذلك، ها هو يملك شيئًا يتجاوز حدود أي صياد آخر.
كانت الأرواح هذه ليست مجرد أرقام، بل بقايا من الكائنات التي هزمها داخل البوابة. بعضها كان وحوشًا، وبعضها… لم يكن كذلك.
أغلق الشاشة السوداء بتمريرة خفيفة من يده، ثم أمال رأسه إلى الخلف، يحدق في السماء المظلمة.
خمسمئة روح، وقوة تتجاوز حتى نخبة الصيادين في المدينة… لكن ماذا الآن؟
ما الهدف من امتلاك هذه القوة إن لم يعرف كيف يستخدمها؟
لكن فجأة… شعر بوخزة باردة على رقبته، ذلك الإحساس الذي لا يخطئه أي صياد محترف…
كان هناك أحد يراقبه.
لم يلتفت على الفور، بل أغلق عينيه وكأن الأمر لا يهمه، لكنه في الحقيقة كان يركز إدراكه الحسي. كان هناك شخص أو شيء يختبئ في الظلال، على بعد عدة بنايات منه، يتربص به بصمت مريب.
أطلق زفرة بطيئة، ثم رفع يده أمامه.
"خمسة عشر روحًا… هذا يكفي."
[ استدعاء الأرواح: 15 وحدة مستخرجة ]
في لحظة، انبعثت من حوله هالة باردة، وبدأت الظلال تتكثف أمامه، تتشكل إلى كائنات ذات عيون متوهجة باللون الأزرق الباهت. لم تكن هذه أرواحًا عادية، بل كائنات قاتلة، بلا صوت، بلا رحمة.
أدار رأسه أخيرًا نحو الظلال البعيدة حيث كان يختبئ المراقب، ثم نطق بهدوء:
"امسكوه."
اندفعت الأرواح بسرعة تفوق الإدراك، تتلاشى بين زوايا المباني، تصطاد هدفها بصمت مخيف.
أما هيونغ، فظل جالسًا، ينتظر بصبر… لأنه كان يعلم أنه على وشك كشف سر لم يكن يتوقعه. كان هيونغ لا يزال جالسًا على حافة البناية الشاهقة، يراقب المدينة الممتدة أمامه، بينما انتظر بصبر. كانت الأرواح التي أرسلها تتحرك بسرعة عبر الأزقة المظلمة، تطارد المتسلل الذي تجرأ على مراقبته.
لم يستغرق الأمر طويلًا حتى شعر باضطراب طفيف في الهواء، وصدى صرخات مكتومة قادمة من الشارع أدناه. أدار رأسه ببطء، محدقًا في الظلام حيث كانت الأرواح تنفذ مهمتها.
لقد أمسكت به.
بعد لحظات، خرجت الظلال من بين المباني، تتحرك بصمت مخيف، وبينها، كان هناك رجل يُجَرُّ قسرًا، تتشبث به الأيدي الطيفية التي لم تترك له مجالًا للهروب. كان جسده مليئًا بالخدوش والجروح، وعيناه متسعتين برعب واضح.
توقفوا أمام هيونغ، وألقوا بالرجل أمامه دون أي رحمة.
رفع هيونغ إحدى حاجبيه، بينما حدّق في الشخص الذي كان يراقبه. كان شابًا ذو شعر داكن، ويرتدي سترة سوداء ممزقة، لكن أكثر ما لفت انتباه هيونغ هو نظرة التحدي التي لم تختفِ من عينيه، رغم وضعه البائس.
"لقد قاومتَ أكثر مما توقعت." قال هيونغ بصوت بارد.
ردّ الرجل بصوت متقطع وهو يلهث: "ماذا… ماذا أنت؟ كيف يمكنك… التحكم بهذه الكائنات؟!"
لم يجبه هيونغ على الفور، بل أدار رأسه قليلًا، ثم رفع يده إلى كتفه، حيث كان يستقر منجل أسود، ينبعث منه وهج داكن وهالة سوداء كثيفة، كما لو كان ينبض بطاقة شريرة.
تحرك المنجل قليلًا، كما لو كان على قيد الحياة، مما جعل الرجل يرتجف غريزيًا.
"السؤال الحقيقي هو…" قال هيونغ بصوت هادئ لكنه مهدد، "من أنت؟ ولماذا كنت تراقبني؟"
ظل الرجل صامتًا للحظات، ثم أطلق ضحكة متوترة، رغم الألم الذي كان يشعر به.
"إذا كنت تريد قتلي، فافعلها بسرعة… لأنني لن أجيب على أي شيء."
حدق به هيونغ لثوانٍ، ثم ابتسم، لكن ابتسامته لم تكن تحمل أي دفء.
"من قال أني سأقتلك؟"
رفع يده قليلًا، وعندها، بدأت الظلال تتحرك مرة أخرى، تلتف حول جسد الرجل، تضغط عليه أكثر فأكثر.
"هناك أشياء أسوأ من الموت، صديقي…"
وبدأ الاستجواب. بعد دقائق، ظهرت الظلال من جديد، تسحب شخصًا مكبلاً بأطياف سوداء، جسده يرتعش، بينما يحاول المقاومة بلا فائدة. ألقته الأرواح أمام هيونغ بعنف، فسقط على ركبتيه، يلهث بصوت مرتجف.
لكن ما جعل عيني هيونغ تضيقان بحدة، لم يكن ضعفه… بل هويته.
"يونغ-سو؟"
رفع الرجل رأسه بصعوبة، وعيناه تحملان مزيجًا من الذهول والخوف، وكأن ما يراه الآن شيء مستحيل.
"مستحيل… أنت—أنت ميت!"
صمت هيونغ لوهلة، ثم ابتسم بسخرية باردة، وهو يسند منجله الأسود على كتفه. "يبدو أنك لست جيدًا في التأكد من موت الآخرين، أليس كذلك؟"
تشنج وجه يونغ-سو، وأخذ يحدق في هيونغ وكأن شبحًا قد وقف أمامه. كان وجهه شاحبًا، وكأن كل دمائه قد تبخرت من جسده.
"لكن… نحن رأيناك تُقتل داخل البوابة! رأينا الجثث… كيف—؟"
"أنتم تركتموني أموت." قاطعه هيونغ، ونبرته كانت أشبه بصقيع الليل. "بل في الواقع، أنتم من دفعني إلى ذلك الفخ، أليس كذلك؟"
ارتجف يونغ-سو قليلاً، لكن لم ينكر.
"لقد كنا مضطرين… لم يكن لدينا خيار، لو لم نتركك هناك، لكنا متنا جميعًا!"
ضحك هيونغ، لكن ضحكته كانت خالية من أي مرح.
"أوه، إذن كنتم مضطرين؟ هل كان ذلك سبب كافٍ لتتركوني أنزف وسط الوحوش، بينما تهربون كالفئران؟"
لم يستطع يونغ-سو الرد، فقط حدّق إلى الأرض، يعضّ شفتيه بقوة.
اقترب هيونغ، خطوة… ثم أخرى، حتى وقف أمامه مباشرة.
"قل لي، لماذا كنت تراقبني؟ هل اكتشفتم أنني على قيد الحياة، وجئتم للتأكد من إنهاء المهمة؟"
هزّ يونغ-سو رأسه بسرعة. "لا! أقسم لك، لم أكن أريد قتلك! كنا… فقط نظن أن هناك شخصًا ما يستخدم هويتك، أو ربما… شيء آخر. لا أحد منا صدق أنك قد تنجو!"
ضاقت عينا هيونغ قليلاً، ثم أمال رأسه.
"وأين البقية؟"
ابتلع يونغ-سو ريقه، ثم قال بتردد: "لا أعرف… بعد أن خرجنا من البوابة، كل واحد ذهب في طريقه، لكن القائد… القائد قال إننا يجب أن نبقى حذرين، لأننا قد ندفع الثمن لاحقًا."
"القائد، هاه؟" تمتم هيونغ، ثم ابتسم ببطء، نظرة خالية من الرحمة تعبر وجهه.
"حسنًا، أخبرني يا يونغ-سو… هل تظن أنكم مستعدون لدفع الثمن الآن؟"
توسعت عينا يونغ-سو برعب، وفتح فمه ليقول شيئًا، لكن الظلال التفت حول رقبته بإحكام، تقطع أنفاسه ببطء.
الانتقام… لم يكن سوى البداية. وقف هيونغ على حافة المبنى الشاهق، الرياح الباردة تعبث بشعره، بينما كان ينظر إلى الأسفل نحو يونغ-سو الملقى على الأرض، جسده يرتعش من الألم والخوف. لم يكن الرجل يتوقع أن ينجو هيونغ، ولم يكن يتوقع أن يواجهه بهذا الشكل.
كان القمر خلف هيونغ، ينعكس ضوؤه على شفرة المنجل الأسود الذي يستريح على كتفه، هالة سوداء تنبعث منه وكأنها تتنفس، موجات من الخوف تتسلل إلى قلب يونغ-سو مع كل لحظة تمر.
"لماذا؟ لماذا لا تزال حياً؟" تمتم يونغ-سو بصوت مبحوح، عيناه متسعتان بالرعب.
لم يجبه هيونغ فورًا، بل نظر إليه بازدراء، وكأنه مجرد قذارة تحت قدميه. "كان من المفترض أن أكون ميتًا، أليس كذلك؟ لقد تركتموني هناك، محاصرًا داخل البوابة، بينما أنتم هربتم كالجرذان."
ابتلع يونغ-سو ريقه، وحاول النهوض لكنه سرعان ما سقط على ركبتيه، جسده لم يكن يستجيب بشكل صحيح بعد الضربة القوية التي تلقاها. رفع رأسه لينظر إلى هيونغ، لكنه سرعان ما أدرك أن هذا لم يعد نفس الشخص الذي كان يعرفه.
لقد أصبح وحشًا.
"أنا... لم يكن لدي خيار!" حاول يونغ-سو تبرير نفسه، صوته كان يرتجف. "إذا بقينا هناك، لكنا جميعًا قد متنا! لم يكن خطأي! كان ذلك قرار القائد!"
رفع هيونغ حاجبه بسخرية. "القائد؟" تمتم بصوت هادئ لكنه كان مشحونًا بالغضب. "وماذا عنك؟ ألم تكن أنت من أغلق البوابة بعد خروجهم؟ ألم تكن أنت من تأكد أنني لن أخرج؟"
اتسعت عينا يونغ-سو، وانعقد لسانه للحظة، لكن بعد ثوانٍ، حاول تمالك نفسه. "أنا... لم أكن أريد أن أموت!"
في تلك اللحظة، لم يعد الغضب داخل هيونغ مجرد نار، بل تحول إلى جحيم مشتعل.
رفع يده، وفي لحظة، خرجت ظلال كثيفة من الأرض، تدفقت كأنها أنهار من الظلام، قبل أن تتجسد على شكل خمس كائنات مخيفة… كلاب جحيم.
كانت ضخمة، بحجم الأسود، فراؤها أسود كالليل، وأعينها تتوهج بلهب أرجواني شيطاني. أسنانها الحادة بدت كأنها شفرات، بينما كانت تلهث، تتدلى ألسنتها الطويلة التي تقطر بلعاب سام، كل قطرة منه تحرق الأرض تحتها.
هدير مرعب شق الهواء.
تراجعت أنفاس يونغ-سو، وبدأ جسده يرتعش، عيناه كانتا مليئتين بالرعب. "هيونغ... لا... لا تفعل هذا... أرجوك...!"
لكن هيونغ لم يكن ينوي الرحمة.
أشار بإصبعه، وفي لحظة، انقضت الكلاب عليه.
تمزيق...
أول كلب قفز على صدره، أنيابه غرست في كتفه، عضته كانت كالنار، تمزق لحمه بسهولة وكأنه ورقة ممزقة.
صرخ يونغ-سو بألم، لكن هذا كان مجرد البداية.
الثاني أمسك بساقه، أنيابه انغرست عميقًا حتى العظم، قبل أن يبدأ بسحبها بقوة، اللحم يتمزق، والدم يتدفق على الأرض.
حاول يونغ-سو التخلص منه، لكن الثالث قفز على ظهره، مخالب ضخمة غاصت في لحمه، تمزيق عميق جعل دمه يتناثر في الهواء.
الصرخات كانت مدوية، لكنها لم تكن كافية لإيقاف هيونغ.
وقف هناك، يراقب المشهد بعينيه الباردتين.
كان الانتقام قد بدأ، ولن يتوقف حتى يتذوق كل خائن طعم العذاب.
وقف هيونغ بلا حراك، عيناه القاتمتان تراقبان المشهد بلا رحمة. كان يونغ-سو يصرخ، صرخاته تمزق سكون الليل، لكنها لم تكن سوى موسيقى عذبة لهيونغ. لقد تذوق الخيانة والموت بأبشع صورهما، والآن… جاء دور من خانوه ليذوقوا الجحيم الذي عاشه.
الكلب الأول غرس أنيابه الضخمة في كتف يونغ-سو، العظام تكسرت تحت قوة الفك الجهنمي، الدم تطاير كالنافورة، يسيل على الأرض مثل نهر أحمر.
يونغ-سو حاول دفعه بعيدًا، لكن الكلب الثاني أمسك بساقه، أنيابه تغوص عميقًا حتى وصلت إلى العظم. بضغطة واحدة، بدأ يسحبها بقوة، الجلد يتمزق، العضلات تنفصل، وأخيرًا... تمزقت الساق بالكامل!
صرخة يونغ-سو كانت أشبه بعواء شخص يسحب إلى الجحيم.
الكلب الثالث قفز على ظهره، أظافره الحادة كالمخالب غاصت في لحمه، تمزق جلده كما لو كان ورقة قديمة، وانكشفت عظامه الملطخة بالدماء.
الرابع لم يرد أن يترك رأس يونغ-سو دون أن يترك بصمته، فحاول غرس أنيابه في وجهه، بينما الضحية كان يصرخ بلا توقف، يلوح بيديه في محاولة يائسة لإبعادهم، لكنه لم يكن سوى لعبة في فك الوحوش.
الكلب الخامس، الأكبر بينهم، وقف على صدره، وزفر من فمه أنفاسًا سوداء محملة بهالة الجحيم، قبل أن يفتح فكيه على مصراعيهما، أنيابه الطويلة تشع بوميض قاتل… ثم انقض.
"آآآاااااااه!!"
تمزق اللحم.
تناثرت الأمعاء.
أصبح جسده ممزقًا إلى أشلاء متناثرة.
كانت الدماء تغطي الأرض، بقاياه لم تعد سوى قطع ممزقة من اللحم والعظام، وروحه التي كانت تصرخ برعب اختفت تمامًا بين أنياب كلاب الجحيم.
كان الهواء مشبعًا برائحة الحديد والاحتراق.
أما هيونغ، فقد وقف هناك، بلا تعبير، بلا شعور، سوى شعور واحد يتأجج داخله... الرغبة في المزيد.
لقد بدأ الانتقام… ولن ينتهي حتى يصبح العالم كله مدفونًا تحت ظلاله. جلس هيونغ على حافة المبنى الشاهق، قدمه تتأرجح في الهواء، بينما أنظاره كانت مثبتة على المشهد الدامي أمامه. كانت شفتيه مرفوعتين في ابتسامة باردة، تلك الابتسامة التي لا تحمل أي شفقة، فقط متعة خالصة برؤية الألم والعذاب يُسكبان على جسد خائن.
يونغ-سو كان يصرخ، دموعه تمتزج مع الدماء التي تغطي وجهه، لكن تلك الصرخات لم تكن سوى لحن ناعم لأذن هيونغ، موسيقى انتقام طال انتظاره.
"هيا، استمر بالصراخ... دعني أسمع ألمك كما سمعت صراخ روحي وهي تُسحق داخل البوابة."
كانت كلاب الجحيم تنهش جسده بلا توقف. يونغ-سو بالكاد كان قادرًا على رفع رأسه، عيناه الممتلئتان بالرعب تبحثان عن أي أثر للرحمة في وجه هيونغ، لكنه لم يجد شيئًا سوى الظلام العميق الذي يبتلعه.
"ه...هيونغ... أرجوك... لا تفعل هذا..."
ضحك هيونغ بصوت خافت، ثم نهض من مكانه، تقدم ببطء حتى أصبح فوق الجسد المهترئ، جثا على ركبتيه، ثم أمسك وجه يونغ-سو بأصابعه الباردة، رفعه لينظر مباشرة في عينيه المليئتين بالخوف.
"أرجوك؟"
همس بها بصوت ناعم، ثم شد قبضته، غارزًا أظافره في جلد يونغ-سو، قبل أن يهمس مجددًا:
"هل توسلتَ لي عندما تركتموني أموت؟ هل طلبتَ الرحمة عندما أغلقتُم البوابة خلفي؟"
يونغ-سو بدأ يهتز، لكنه بالكاد كان قادرًا على تحريك جسده المهشم. كانت الدموع تنهمر من عينيه، لكن هيونغ لم يكن يهتم، بل فقط استمتع بالمشهد.
ثم، قبل أن تلتهمه كلاب الجحيم بالكامل، اقترب هيونغ أكثر وهمس في أذنه بصوت قاتم، مليء بالكراهية المطلقة:
"هذه ليست سوى البداية… سوف أنتقم منكم جميعًا، وسأريكم الجحيم الأعظم… الجحيم الذي لن تستطيعوا الهرب منه حتى لو متُّم ألف مرة."
ثم وقف، مشيرًا بيده لكلابه:
"مزّقوه بالكامل."
صرخة يونغ-سو الأخيرة مزقت سماء المدينة.
لكن هيونغ فقط ابتسم… وشاهد، مستمتعًا حتى النهاية. " سوف انتقم منكم كلكم وسوف ترون عذاب جحيم الحقيقي "