الفصل 35 : جنون الأحمق
كان الهواء مشبعًا بالتوتر، كثيفًا لدرجة أنه كان يبدو كأنه يمكن أن يخنقهم جميعًا. التفتت ملكة العناكب ببطء نحو لوكاس، وعينها الحمراء تتألق بوعد قاسي. ثم، كما لو أنها كانت تشعر بالملل من العالم من حولها، نظرت إلى دارلين، ونظرتها باردة، وحسابية.
في حركة سلسة ومخيفة، مدّت إصبعًا واحدًا.
انطلقت الخيوط المعدنية البيضاء بسرعة غير مرئية، ومضة فضية في الضوء الخافت. اهتز جسد دارلين عندما اخترقت عنقها، وصوت الخيط وهو يقطع جلدها مزق الصمت. تدفقت الدماء بغزارة، تغطيها باللون القرمزي بينما كانت تختنق بلا حول ولا قوة.
“أ... أ... أاااا... أاااا...”
كان الصوت فظيعًا غير طبيعي. تدفق الدم من عنقها، صدرها، عينيها، وفمها كان كابوسًا يتكشف أمامهم. كان جسدها يرتجف في نوبات الموت، وحياتها تتسرب بين أصابعها.
وقف لوكاس متجمدًا للحظة، وقلبه ينبض في صدره. توقفت أنفاسه في حلقه وهو يشاهد الحياة تتسرب من عيني دارلين. بدأ عالمه في التمايل، يدور بشكل جنوني بينما كان الرعب يسيطر عليه.
(ماذا يحدث؟ هاه؟هل ماتت؟ هاااااه؟!)
كانت أفكاره تتسابق، لكن لم يكن هناك وقت للتفكير. تحول نظره إلى الآخرين. قبضت قبضتيه.
“حسنًا... سأريكِ، أيتها الساحرة اللعينة!” كان صوته زئيرًا، مليئًا بالغضب والذعر. كان عاجزًا، خائفًا، لكنه لم يكن لينقض على موت دارلين هباءً.
توجه إلى أندريه، وصوته يقطع الفوضى.
“أندريه! اقتل هذه... اللعينة!!”
دون تردد، اندفع أندريه إلى الأمام، متحركًا بسرعة تفوق المنطق. كانت قبضته الضخمة تتأرجح مع قوة العاصفة، لتصطدم بفك ملكة العناكب. تم إلقاؤها إلى الوراء، جسمها يصطدم بالجدار بصوت ثقيل مزعج.
لكن أندريه بقي واقفًا. بقيت قبضته مرفوعة، مستعدًا لإنهاء المهمة. كان عليه سحقها. كان عليه ذلك.
لكن قبل أن يوجه ضربة أخرى، غابت الدنيا من حوله.
في طرفة عين، اختفت ملكة العناكب من أمامه.
دور حول نفسه، عضلاته مشدودة، في الوقت الذي شعر فيه بشيء بارد يلامس مؤخرة رقبته.
جاء صوتها منخفضًا، ساخراً، كما لو كانت مفترسة تستمتع بصيدها.
“هاه... من الذي تنظر إليه، وسيم؟ هاه؟ من؟”
كانت الكلمات تقطع الهواء، لكن أندريه لم يتردد. دون تفكير، أطلق انفجارات الضوء الست.
بووووم!!! بووووم!! بوووووم!!
كل انفجار كان يمزق الهواء، والضوء كان ساطعًا لدرجة أنه كان يعمي الأعين. هزت الانفجارات الغرفة، وترددت أصداؤها على الجدران.
ثم... لا شيء.
بدأ الضوء الساطع يتلاشى، وهناك، واقفة أمامهم، كانت ملكة العناكب دون أن يمسها أي ضرر. كانت ببساطة واقفة هناك، وعينها تتلألأ بالمتعة.
حبست أنفاسها بينما استقر الغبار.
رآها الآن بوضوح، واقفة هناك، مبتسمة. وكان الرعب الذي اجتاحه يفوق أي شيء شعر به من قبل.
(التفكير: أعلم... لا أستطيع أن أقاتلها...)
اصطدمت هذه الحقيقة به كموجة، ولأول مرة شعر زين بثقل العجز. نظر إلى جسد رين الملطخ بالدماء، شكله المتراخي بالكاد يتمسك بالحياة.
"رين..." همس، وصراخ كان يتكون في صدره. "لا... لا!"
كان صوته مكسور، والصوت الذي انبعث منه كان خامًا، مكتومًا. سقط زين على ركبتيه بجانبه بينما كان يحمله بين ذراعيه. لم يكن يستطيع أن يقول إذا كان لا يزال تتنفس.
وفي هذه الأثناء، كان قلب لوكاس يتفجر. كان يقف في وسط كل شيء، يشاهد المشهد يتكشف وكأنه كابوس مشوه. كان عقله فوضى من الذعر والغضب العاجز. لم يستطع أن يبعد عينيه عن الفوضى.
(في ذهنه: يبدو أن أندريه يستطيع التعامل معها... ولكن دارلين، تابعتي العزيزة...)
توجه نظره إلى جسد دارلين، المعلق.... لا يزال بالخيط المعدني الأبيض، ودمها يلوث الأرض تحتها. كانت عيناها مفتوحتين على مصراعيها، لا ترمش، تحدق في الفراغ كما لو كانت ترى شيئًا لا يستطيعون رؤيته... دمها على الأرض وكأنه عمل فني مثير للاشمئزاز.
شعر لوكاس بأن أنفاسه توقفت في حلقه. "ماذا يحدث...؟!"
انزلقت الكلمات من شفتيه كدعاء، لكنها لم تحمل أي أمل. لا شيء. لا شيء يمكن أن ينقذهم الآن.
عاد بنظره إلى أندريه، نظرته كانت محمومة، وصوته يرتجف.
كان أندريه لا يزال يضرب ملكة العناكب، قبضاته تتساقط واحدة تلو الأخرى بقوة لا تلين. كانت ضرباته هائلة، لكنها لم تكن ترتجف حتى. هل كانت... تبتسم؟
كيف؟
كيف لا تزال واقفة؟
لكن ثم، حدث ما حدث.
بدأت ضربات أندريه تتباطأ، وتضعف. تنفسه كان متقطعًا، وجسمه الضخم يرتجف من الإرهاق. توقف، يديه تنخفض، طاقته قد نفدت.
ضجت ضحكة ملكة العناكب في الصمت، قاسية ومليئة بالمتعة الظلامية.
“هل تعتقد حقًا أنك تستطيع قتلي؟” كان صوتها كالحرير، وكل كلمة تتساقط كالسخرية. “كم هو لطيف.”
دون أن تتردد ثانية، تحولت أصابعها إلى خيوط مرنة، ملتوية كالثعابين في الهواء. تحركت بسرعة حتى أنه كان من المستحيل متابعتها. كانت يدها تصفع على وجه أندريه، وكان الصوت كالصوت الذي تصنعه السياط.
كان وجهه مخططًا، اللحم ممزقًا ومشوهًا، الجلد ملتويًا تحت قوة ضربتها.
تعثر أندريه إلى الوراء، وعيناه مفتوحتان في صدمة، جسده ينهار. ولكن قبل أن يسقط على الأرض، كانت ملكة العناكب تتحرك مجددًا. مشيت إليه ببطء، خطواتها كسولة، وكل واحدة هادفة.
"عزيزي... لماذا تفعل هذا؟" همست، وصوتها ينضح بالاستخفاف.
قبل أن يتمكن أندريه من الرد، اختفت مجددًا، وظهرت خلفه.
“هممم... لا تقم من مكانك، عزيزي”، همست في أذنه، وأنفاسها باردة ضد بشرته. "مُت بسلام."
كانت الغرفة كأنها تضيق بينما انفجرت الشبكات من كل اتجاه. اندفعت نحو أندريه، وحشية بلا هوادة. لم يكن لديه حتى وقت للصراخ. تم حبسه، ملفوفًا في الشبكات في لحظة.
صرخ لوكاس.
“هآآآه! لماذا؟!! لماذا؟! أيتها الساحرة اللعينة!”
كان صوته خشنًا، خامًا بسبب الألم الهائل للحظة. كان كل شيء يتفكك. أصدقاؤه، فريقه، كلهم يموتون أمام عينيه.
كان عاجزًا. فقط... عاجزًا.
ومع وقوف ملكة العناكب فوق جسد أندريه المرتجف، عادت بنظرتها إلى لوكاس، وعينيها تتلألأ بالمتعة السوداء.
كل ذلك كان يتكشف أمام عيني زين، يشاهد بعجز بينما انهار لوكاس على الأرض، يصرخ ويبكي كطفل.
ثم، من خلال بحر من اليأس، لمست أصابع لوكاس شيئًا في جيبه. شيء بارد وصغير.
كان الكنز الذي أعطاه له شي يانغ القصر الصغير.
بأيدٍ مرتجفة، سحب لوكاس الكنز، وعقله مشوش بالحزن والغضب.
ربما... فقط ربما هذا سينقذنا.