الفصل 40 : قارة الوحوش
لم يكن لوكاس من النوع الذي يثق بالانطباعات الأولى، خاصة في أماكن مثل هذه. لكن مع صرير بوابة القرية وهي تفتح، كاشفة عن شئ مختلف تمامًا عما كان يعرفه، لم يستطع إلا أن يشعر بشيء من الدهشة يزحف عليه.
انتشرت القرية أمامه، بدائية لكن مليئة بالحياة هياكلها الخشبية الخام وجدرانها الخشبية الشاهقة كانت علامة لا شك فيها على مجتمع قديم. كانت المباني بسيطة، مبنية من جذوع الأشجار وألواح الخشب، وأسقفها مغطاة بالقش، والدخان يتصاعد من المدخنات في الأفق. كان الهواء ثقيلًا برائحة الأرض والحطب، وأصوات الناس يتحدثون والحيوانات تتحرك تملأ الأجواء.
لكن لم يكن المعمار هو ما جذب انتباه لوكاس. لا، كان ذلك الكائنات. الوحوش. كائنات غريبة، وحشية، بعضها كان أكبر من أي شيء رآه في حياته. نمور ضخمة بفراء كالمعدن ، وسلاحف عملاقة، ووحوش كلابية غريبة برؤوس متعددة، وحتى وحوش طائرة تدور فوق القرية، وأجنحتها تشق السماء برشاقة غريبة.
"هاه، ما هذا؟" همس لوكاس، وعيناه مفتوحتان.
كان يشعر بتحرك أندريه ودارلين وراءه، لكنه بالكاد سجل وجودهما بينما كانت عيناه تجولان في المشهد. كانت حجم الحيوانات لا،
الوحوش
أما القرويون، فقد بدا أنهم لم يلاحظوا الثلاثي الغريب وهم يسيرون في وسطهم. لكن عيونهم كانت قاسية، كانوا يراقبون لوكاس بفضول شعَر به كان مُتطفلًا تقريبًا. كانت الهمسات تلاحقهم أثناء سيرهم عبر الشوارع.
"من هؤلاء الناس؟" تمتم أحدهم، صوته خافت لكنه حاد. "من أين جاؤوا؟"
"لماذا هم يرتدون هذه الملابس؟" سأل آخر، عيونها تضيق بينما كانت تأخذ في عين الاعتبار زيهم الغريب.
لم يعرف لوكاس ماذا يعتقد حول كلماتهم. كان هناك توتر خفي في الهواء. كان من الواضح أنهم غرباء بكل معنى الكلمة.
رغم ازدياد قلقه، استمروا في السير. كان المسار يقودهم نحو مبنى كبير في قلب القرية، واحد كان يبرز حتى بين الهياكل الخشبية البسيطة التي تحيط به. كان المبنى فخمًا، لكن ليس بالطريقة التي كانت تبدو فيها المباني الفاخرة…. كان هناك عدة حراس يقفون بانتباه في الخارج، كل منهم برفقة وحشه الخاص. خنزير مدرع بعناية، دب ضخم مربوط بسلسلة، مخلوق طائر جاثم على عمود، منقاره الحاد يلمع في ضوء الشمس.
توجه الحارس الذي قادهم إلى لوكاس، وكان وجهه بلا تعبير. "سأذهب إلى الداخل لإبلاغ زعيم القرية"، قال باقتضاب.
أومأ لوكاس، رغم أن الصمت بينهما كان ثقيلاً بالأسئلة غير المجاب عنها. ثم التفت إلى أندريه ودارلين، متبادلاً نظرة قصيرة وغير مؤكدة معهما. لم يكن هناك كلمات ماذا يمكنهم أن يقولوا؟ لكن عيونهما تحدثت كثيرًا. هذا المكان، هذا العالم، كان غريبًا. غريب جدًا.
أخيرًا، عاد الحارس، وكان وجهه لا يزال محاطًا بالحذر، لكنه أعطاهم إيماءة صغيرة. "من فضلكم، ادخلوا"، قال وهو يتنحى جانبًا مشيرًا لهم لدخول.
أخذ لوكاس نفسًا عميقًا واندفع إلى الأمام، وحذاؤه يجرح الأرض الخشبية وهو يعبر العتبة. تبعه أندريه ودارلين عن كثب
كان داخل المبنى فخمًا كما يوحي مظهره الخارجي، لكنه لم يكن كما توقع لوكاس. كان بسيطًا. كانت الجدران مزخرفة بنسج صور لعدة وحوش بعضها شرس، وبعضها ملكي. الأثاث كان بدائيًا.. طاولة قديمة هنا، وكرسي خشبي هناك. كان الهواء يحمل رائحة خفيفة من خشب الأرز والأعشاب، وهو تناقض حاد مع رائحة العالم الخارجي.
في وسط الغرفة، كان يجلس رجل مسن على كرسي خشبي ضخم. كان شعره طويلًا وأبيض، لحيته تتدلى إلى صدره.. كان يحدق من النافذة بنظرة حادة. كان الجو من حوله يطن بطاقة غريبة.
إلى جانبه، كان هناك مخلوق ملفوف على الأرض في كرة من الفرو الأبيض الناعم، مما جعل لوكاس يتنفس بعمق. كان نمرًا، صغيرًا بالمقارنة مع الوحوش الأكبر خارجًا، لكن كانت له أجنحة رقيقة تنمو من ظهره.
لم يعرف لوكاس ماذا يفكر. لم يرَ شيئًا مثل هذا من قبل. هل كان وحشًا مستدعى؟ هل كان هذا ما كان يقصده الحارس؟
"حسنًا"، تحدث الرجل المسن، وكانت صوته منخفضًا ورخيمًا، ثابتًا وغير مستعجل "من أنتم؟"
"أنا... أنا لوكاس"، أخيرًا استطاع أن يقول، وصوته كان مهتزًا لكنه ثابت. "هؤلاء رفاقي، أندريه ودارلين. نحن... لا نعرف كيف وصلنا إلى هنا."... "لقد تم الهجوم علينا، ثم استفقنا هنا."
انتقلت عيون الرجل المسن إلى أندريه ودارلين، اللذان كانا يقفان خلف لوكاس، وكان تعبيرهما غير قابل للقراءة. أومأ لهم باختصار، ثم عاد بانتباهه إلى لوكاس.
"لا تعرف كيف وصلت إلى هنا؟" كرر الرجل، وكان صوته ناعمًا، لكنه يحمل حافة ضمنية. "مثير للاهتمام." توقف، ليترك الصمت يتسلل. "أعتقد أنك ترغب في معرفة المزيد عن هذا المكان؟"
"نعم"، قال، وكان صوته ثابتًا. "أحتاج أن أعرف أين أنا. ما هذا المكان؟ وماذا تعني بـ 'الوحوش المستدعاة'؟"
انقلبت شفة الرجل المسن بابتسامة خفيفة، رغم أنه كان هناك شيء مريب في ابتسامته.