[منظور إدغار سكارليث]

كنتُ أمشي خلف والدي في الممرات الطويلة لقصر سكارليث، حيث انعكست الأضواء الحمراء الخافتة على الجدران السوداء المزينة بنقوش معقدة. المكان لم يتغير أبدًا، لكنه لم يكن مريحًا بأي شكل من الأشكال.

كان الصمت بيننا ثقيلًا، لكنني لم أكن مستعدًا لكسره. كنتُ أنتظر والدي ليتحدث أولًا، وكنتُ أعلم أنه لن يقول أي شيء حتى نصل إلى وجهتنا.

بعد دقائق، وصلنا إلى باب معدني ضخم، محاط بطلاسم قديمة. رفع والدي يده، فتوهجت علامة سكارليث الحمراء على ظهر كفه، وانفتح الباب بهدوء، كاشفًا عن غرفة مظلمة، يضيئها وميض شاشات ضخمة تعرض خرائط ورسوم بيانية متحركة.

خطى والدي إلى الداخل بثقة، بينما تبعته بحذر. لم يكن هذا مجرد مكتب، بل غرفة عمليات حقيقية.

"ما الذي تخطط له؟" سألت أخيرًا، محاولًا كسر الصمت.

وقف أمام إحدى الشاشات، حيث كان هناك عرض تفصيلي لخريطة العالم. بعض المناطق كانت مظللة باللون الأحمر القاتم، والبعض الآخر باللون الرمادي الداكن.

"إدغار، ما هو الشيء الوحيد الذي يجعل البشر يتوقفون عن محاربة بعضهم البعض؟"

كرّر نفس سؤاله السابق، لكن هذه المرة، كان الأمر أكثر جدية.

تقدمتُ أكثر، ناظرًا إلى الخريطة، قبل أن أقول: "خطر وجودي. شيء يجعلهم يدركون أنهم سيموتون إذا لم يتعاونوا."

"بالضبط." قال، وعيناه تركزان على منطقة مظللة باللون الأحمر الداكن.

"هذه…" نظرتُ إلى المكان الذي يشير إليه، وفجأة فهمت. "أنت تفكر في تسريع هجوم الكوابيس؟"

ابتسم ببطء، وكأنني أخيرًا بدأتُ أفهم عمق مخططاته.

"نحن لا نمتلك الوقت الكافي حتى يُدرك البشر الحقيقة بأنفسهم. الحروب بين الإمبراطوريات ستدمر كل شيء قبل أن تتحد، ولهذا… يجب أن نعطيهم سببًا للاتحاد، سواء أرادوا ذلك أم لا."

"كيف؟" سألتُ، وأنا أشعر بأنني بدأتُ أفهم مدى خطورة خطته.

اقترب من الشاشة، ومرر يده على أحد الرموز، فظهر مقطع فيديو من إحدى القواعد الحدودية للإمبراطورية. كان هناك مختبر ضخم، حيث احتُجزت العديد من مخلوقات الكابوس في أقفاص طاقة، تصرخ بأصوات حادة، محاولة التحرر.

"لقد أمضينا عقودًا في دراسة مخلوقات الكابوس، وجعلناها أكثر عدوانية، أقوى، وأكثر ذكاءً."

حدّقتُ في الفيديو بصمت، بينما كان أحد العلماء يحقن إحدى الوحوش بسائل أسود غريب. فجأة، بدأت عيون المخلوق تتوهج بلون دموي، قبل أن يتمزق جلده ويتحول إلى شيء أكثر رعبًا مما كان عليه من قبل.

"أنت تخطط لإطلاق هذه الأشياء." لم يكن سؤالًا، بل كان تأكيدًا.

"ليس كلها، فقط عدد كافٍ لإشعال الكارثة."

شعرتُ بأنني أختنق للحظة. "هل تدرك ما الذي تفعله؟ هذا قد يخرج عن السيطرة!"

نظر إليّ والدي بهدوء، ثم قال بصوت منخفض: "إذا لم نفعل شيئًا الآن، سيموت الجميع على أي حال. لكن إذا خلقنا التهديد في الوقت المناسب، فإن الإمبراطوريات ستضطر إلى الاتحاد لمواجهته."

كانت خطته واضحة الآن… إجبار العالم على الاتحاد عبر إشعال أزمة عالمية، أزمة يعتقد الجميع أنها جاءت بشكل طبيعي.

"إذا فشلت هذه الخطة، قد ينتهي بنا الأمر إلى تسريع نهاية العالم بدلًا من إنقاذه." قلت، ناظرًا إلى عينيه مباشرة.

"لهذا السبب نحن بحاجة إليك، إدغار." قال، بنبرة لم أستطع تجاهلها. "أنت قديس. قوتك ستجعل الأمور تحت السيطرة حتى نحقق هدفنا."

وقفتُ هناك، أنظر إليه، ثم إلى الشاشات التي تعرض صورًا للوحوش، المدن، الخرائط، والجداول الزمنية.

هذه لم تكن مجرد خطة عادية…

لقد كانت خطة قد تغيّر مصير العالم كله.

...

...

ظللت أحدق في الشاشات، عقلي يعالج المعلومات بسرعة. لم تكن هذه مجرد خطة طائشة، بل كانت استراتيجية مدروسة بعناية. والدي لم يكن يعبث.

"أريد التفاصيل." قلت أخيرًا، بينما كنت أضع يدي في جيب معطفي، محاولًا الحفاظ على هدوئي.

أدار والدي رأسه نحوي، ابتسامة خفيفة على وجهه، قبل أن يشير بيده إلى شاشة عملاقة في منتصف الغرفة. بضغطة زر، ظهرت خريطة العالم مجددًا، لكنها هذه المرة أظهرت ست مناطق مختلفة، كل واحدة منها مظللة بلون معين.

"كما تعلم، هناك ست إمبراطوريات تحكم هذا العالم. سكارليث وفيرزادن هما الأقوى، لكن البقية ليست ضعيفة."

أومأت برأسي، فقد كنت أعرف ذلك بالفعل.

إمبراطورية سكارليث: معروفة بقوتها العسكرية وسيطرتها على تقنيات الطاقة المظلمة. تحت قيادة بلاين سكارليث، توسعت أراضيها بشكل كبير.

إمبراطورية فيرزادن: المنافس الأكبر لسكارليث، معروفة بتقنياتها المتقدمة وأسلحتها البيولوجية.

إمبراطورية نيفيريا: قوة اقتصادية عظمى، تسيطر على الأسواق العالمية وتُعتبر المركز المالي للعالم.

إمبراطورية زاندرا: موطن لأقوى المقاتلين الجسديين، حيث يولد الأطفال بقدرات جسدية تفوق البشر العاديين.

إمبراطورية إيسكار: تُعرف بكونها إمبراطورية السحرة، حيث يتمركز فيها أعظم مستخدمي السحر في العالم.

إمبراطورية رافيندال: إمبراطورية غامضة تحكمها عائلة ملكية تمتلك قدرات خارقة للطبيعة.

حدّقتُ في الخريطة بينما استمر والدي في الشرح.

"إذا أردنا إجبار العالم على الاتحاد، علينا استهداف نقاط ضعف كل إمبراطورية."

ضغط على الشاشة، فظهرت ست مناطق حمراء.

"سنطلق مخلوقات الكابوس في ست مواقع رئيسية، واحدة في كل إمبراطورية. لن نجعلها تبدو كأنها هجوم متعمد، بل كظاهرة طبيعية خارجة عن السيطرة."

تراجعتُ إلى الخلف قليلًا، أفكر في العواقب.

"ما الذي سيجبرهم على الاتحاد؟"

"الخوف." أجاب والدي ببساطة. "البشر لن يتحدوا ما لم يكونوا يائسين. سنجعل كل إمبراطورية تعتقد أنها الهدف الرئيسي، وسنغذي شعور العجز لديهم حتى يدركوا أنهم بحاجة إلى بعضهم البعض."

"وماذا لو قرروا استغلال الفوضى لمهاجمة بعضهم البعض بدلًا من الاتحاد؟"

ابتسم والدي، وكأنه كان ينتظر هذا السؤال.

"هنا يأتي دورك، إدغار."

ضغط على زر آخر، وظهرت صورة لي على الشاشة.

"بصفتك قديسًا، لديك السلطة والقوة للتدخل. إذا بدأت إحدى الإمبراطوريات في التحرك بشكل غير محسوب، ستتدخل لضبط الأمور."

تنهّدتُ بعمق. "بمعنى آخر، سأكون الشرطي الذي يمنعهم من قتل بعضهم البعض."

"بالضبط."

نظرتُ إلى الشاشة بصمت، ثم عدتُ بنظري إلى والدي.

"إذا فشلنا، فإن هذه الخطة قد تؤدي إلى إبادة العالم بدلًا من إنقاذه."

"لهذا السبب نحن بحاجة إلى شخص مثلك، شخص يفهم المخاطر، لكنه لا يخاف من اتخاذ القرارات الصعبة."

حدّقتُ في عينيه للحظات، ثم أغمضتُ عيني وأخذتُ نفسًا عميقًا.

هذه الخطة كانت مجنونة، لكنها قد تكون الأمل الوحيد للعالم.

...

...

...

ظللت أحدق في والدي للحظات، مستوعبًا كلماته. ثم سألت، بنبرة مليئة بالشك:

"من أين حصلت على هذه المخلوقات؟ هل أخذتها من غابة الكابوس؟ كالديون؟"

كان ذلك هو الاحتمال الأكثر منطقية. غابة الكابوس كانت الموطن الأصلي لأكثر الكائنات رعبًا في هذا العالم، وقد بقيت غير مستكشفة تقريبًا بسبب خطورتها المطلقة. حتى الإمبراطوريات الست الكبرى لم تستطع سوى اكتشاف 5% منها، والبقية كانت مجرد هاوية مظلمة مليئة بالوحوش التي تتجاوز حدود الفهم.

لكن جاستين سكارليث، والدي، ضحك بهدوء وهز رأسه.

"مستحيل. لن أخاطر بإرسال أي أحد إلى هناك. أنت تعلم جيدًا أننا لا نعرف سوى خمسة بالمئة فقط من الغابة، والبقية... مجرد موت مؤكد."

تراجعت قليلًا للخلف، واضعًا يدي في جيب معطفي.

"إذا لم تكن من هناك، فمن أين إذن؟"

ابتسم جاستين ابتسامة غامضة، ثم ضغط على زر في جهازه اللوحي، فظهرت أمامي مجموعة من الصور على الشاشة. صور لوحدات بحثية، معامل تحت الأرض، ومخلوقات غريبة محبوسة داخل حجرات زجاجية.

"لقد صنعناها."

شعرت بقلبي ينبض أسرع.

"ماذا تعني بصنعتموها؟"

"أعني أننا قمنا بدمج الحمض النووي لمخلوقات الكابوس التي تمكنا من أسرها مع أنواع أخرى، وحاولنا ترويضها."

نظرت إلى الصور مجددًا، وأدركت أن هذه المخلوقات لم تكن طبيعية. لم تكن مجرد وحوش عادية خرجت من الغابة، بل كانت نتائج تجارب علمية تهدف إلى خلق نوع جديد من الأسلحة البيولوجية.

"لقد جننت." قلت بصوت منخفض، لكن والدي لم يُظهر أي رد فعل.

"إدغار، العالم في طريقه للدمار. إذا لم نتخذ خطوة جريئة، فسينتهي بنا الأمر كفريسة لمخلوقات الكابوس الحقيقية."

أخذت نفسًا عميقًا، محاولًا استيعاب الموقف.

"وما الذي يجعلك تظن أنك تستطيع السيطرة عليها؟ لا أحد يستطيع التحكم في مخلوقات الكابوس."

"نحن لا نحاول السيطرة عليها، بل نوجهها فقط. نطلقها في مناطق محددة، ونترك الخوف يفعل الباقي."

كانت هذه الخطة جنونية، خطيرة، وربما مدمرة. لكن المشكلة أنها كانت منطقية.

نظرت إلى والدي مباشرة.

"إذا فقدتم السيطرة عليها، فإن هذا العالم قد ينتهي قبل أن تتاح لنا فرصة إنقاذه."

"ولهذا السبب أنت هنا، إدغار." قالها بابتسامة هادئة. "إذا خرجت الأمور عن السيطرة، فأنت الوحيد الذي يمكنه إنهاؤها."

لم أكن متأكدًا مما إذا كان هذا مدحًا أم لعنة. لكن شيء واحد كان واضحًا...

لم يكن هناك طريق للعودة بعد الآن.

...

...

حدقت في والدي للحظات، محاولًا تحليل كلماته. لم يكن هناك أي أثر للتردد في صوته، وكأنه كان واثقًا تمامًا من صحة أفعاله. لكنني لم أكن أحمقًا—كنت أعرف جيدًا أن جاستين سكارليث لا يفعل شيئًا دون سبب.

"أنت لم تجبني يا أبي…" قلت بهدوء، ناظرًا في عينيه مباشرة. "متى نبدأ؟"

رفع حاجبه قليلًا، كما لو أنه تفاجأ بسؤالي، ثم ارتسمت على شفتيه تلك الابتسامة التي تحمل دائمًا معاني خفية.

"قريبًا جدًا، إدغار. الأمور تتحرك كما خططنا لها، وما تبقى الآن هو الخطوة الأخيرة."

أومأت، ثم قررت طرح السؤال الذي كان يدور في رأسي منذ أن سمعت خطته لأول مرة.

"هل يعرف بلاين؟"

لأول مرة منذ بداية حديثنا، لاحظت تغييرًا طفيفًا في تعابير والدي. لم يكن توترًا، لكنه شيء أقرب إلى الحذر.

"لا، لا يعرف."

شعرت بشيء بارد يزحف في داخلي.

"أنت تخفي هذا عن الإمبراطور؟"

"بلاين لديه أولويات أخرى، وهذه ليست واحدة منها." قالها والدي ببساطة، كما لو كان الأمر مجرد تفصيل ثانوي. "لقد تنحيت عن العرش لأمنحه السلطة الكاملة، لكنه ليس مستعدًا لاتخاذ قرارات كهذه."

ضحكت بسخرية وهززت رأسي.

"إذن، بدلًا من أن تحاول إقناعه، قررت أن تفعل كل شيء من وراء ظهره؟"

"الأمر ليس بهذه البساطة، إدغار." قال جاستين، ثم أضاف بصوت منخفض: "أحيانًا، هناك أشياء لا يستطيع حتى الإمبراطور معرفتها. هناك قرارات يجب أن تُتخذ، سواء وافق عليها بلاين أم لا."

كان الأمر مضحكًا، بطريقة مأساوية. بلاين، إمبراطور سكارليث، لم يكن حتى على علم بأن والده كان يعبث بقوى قد تدمر كل شيء. والأسوأ من ذلك، أنني الآن أصبحت جزءًا من هذه الفوضى.

صمت قليلا قبل أن أقول بصوت هادئ لكنه حاد:

"إذا كنتَ تعتقد أنني الشخص الذي يستطيع اتخاذ القرارات الصعبة دون تردد، فلماذا لم تجعلني الإمبراطور بدلًا من بلاين؟"

كان السؤال منطقيًا. إن كان يرى فيّ هذه الصفات، فلماذا منح العرش لشخص آخر؟

ابتسم جاستين ابتسامة خافتة، كما لو كان يتوقع مني أن أسأل ذلك، ثم قال بصوت هادئ لكنه يحمل ثقل الحقيقة:

"لسببين. الأول، بلاين أقوى منك، وهذه الحقيقة لا يمكنك إنكارها."

لم أُجادله. كان كلامه صحيحًا. على الرغم من أنني وصلت إلى مستوى "قديس"، إلا أن بلاين كان يتفوق عليّ بفارق واضح. حتى لو قاتلته بكل ما أملك، فسينتهي الأمر بهزيمتي.

ثم أكمل والدي، لكن هذه المرة بنبرة أكثر جدية:

"أما السبب الثاني، وهو الأهم… فهو أنه ورث سمات مؤسس عائلتنا."

توسعت عيناي قليلًا، رغم أنني كنت أعرف هذه الحقيقة مسبقًا. ومع ذلك، سماعها مجددًا بهذه الطريقة جعلني أشعر بثقلها.

تابع والدي بصوت هادئ لكنه يحمل رهبة:

"أنت تعرف من كان مؤسسنا، أليس كذلك؟ الرجل الذي وصل إلى مستوى "شبه سامي"، وهو أول من فعل ذلك في تاريخ العائلة. الشخص الذي ضحّى بنفسه قبل خمسمئة عام لقمع أحد مخلوقات الكابوس الغامضة. وحتى يومنا هذا، لا أحد يعرف من كان ذلك المخلوق الذي استطاع قتل رجل بمثل تلك القوة."

صمتَ للحظة قبل أن يكمل:

"أن يرث شخص ما سمات مستيقظ آخر هو أمر نادر للغاية، يكاد يكون مستحيلًا. ومع ذلك، بلاين حصل على إرثه. وهذا وحده يجعله مختلفًا عن أي شخص آخر."

استنشقتُ نفسًا عميقًا. كنت أعلم كل هذا، لكنني لم أستطع منع نفسي من الشعور بالضيق.

والدي أكمل بصوت هادئ:

"حتى لو كنت أنت أكثر ذكاءً منه، وأكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، فإن القوة تبقى العامل الأهم. وعلى الرغم من أن بلاين لا يزال في مستوى "قديس"، إلا أن وراثته لسمات المؤسس جعلته يتجاوز أي "قديس" آخر، حتى أنك لا تستطيع مقارنته."

ضحكتُ بسخرية، رغم أنني لم أكن أشعر بالمرح.

"إذن، ببساطة لم أكن قويًا بما يكفي."

"بالضبط." أجاب والدي بصراحة دون أي تردد. "لكن لا تدع ذلك يزعجك. لو لم يكن بلاين موجودًا، لكنت أنت الخيار الأول دون شك."

أغمضتُ عيني للحظة، ثم زفرتُ بهدوء. كنت أعرف أن هذا هو الواقع، لكن مواجهته بشكل مباشر كان مختلفًا تمامًا عن مجرد التفكير فيه.

"حسنًا، فهمتُ ذلك." قلتُ بهدوء،

...

...

نظرتُ إلى والدي طويلًا قبل أن أطرح عليه سؤالًا أخيرًا، سؤالًا كان يدور في عقلي منذ وقت طويل:

"ماذا عن إمبراطورية رافيندال؟"

كان اسمها وحده كفيلًا بجلب الصمت إلى أي مجلس، وهي واحدة من الإمبراطوريات الست العظمى، لكن على عكس البقية، لم يكن أحد يعرف قوتها الحقيقية. لا أحد يعرف مستوى مستيقظيها، ولا طبيعة قواتها العسكرية، ولا حتى قدرات إمبراطورها. لقد ظلوا منعزلين عن العالم تقريبًا، مجرد ظل غامض يراقب من بعيد دون تدخل مباشر.

حدّق والدي في وجهي، ثم قال بصوت هادئ لكنه يحمل ثقلًا مخيفًا:

"ما الذي تحاول قوله؟"

"أقصد… ماذا لو كشفناهم؟ ماذا لو استطعنا معرفة حقيقتهم؟ إنهم مجهولون، وأنت تعلم أن المجهول هو الخطر الأكبر."

رأيت عينيه تضيقان قليلاً، كأنه يفكر في شيء ما، ثم زفر ببطء وأجاب:

"إدغار، نحن نتعامل مع كيانات قديمة، أقدم مما يمكنك تخيله. رافيندال ليست مجرد إمبراطورية… بل شيء أقدم من ذلك بكثير."

شعرتُ بقشعريرة باردة تسري في عمودي الفقري.

"أقدم؟ ما الذي تعنيه؟"

"أعني أن رافيندال لم تظهر فجأة مثل بقية الإمبراطوريات. لقد كانت موجودة منذ البداية، حتى قبل تأسيس عالمنا الحالي. عندما بدأت الإمبراطوريات الأخرى بالنمو والتوسع، كانت رافيندال موجودة بالفعل، تراقب بصمت."

لم أكن أتوقع هذه الإجابة، لكن والدي لم يتوقف عند هذا الحد، بل أكمل بصوت أكثر حدة:

"لقد قابلنا إمبراطورهم مرات قليلة جدًا، لكن كل مرة كان الأمر كأننا نتحدث مع كيان وليس إنسانًا."

شعرتُ بحاجبي ينعقدان.

"كيان؟ ماذا تعني؟"

"لا أعلم، وهذا ما يخيفني. جميع الإمبراطوريات الأخرى، بما في ذلك إمبراطوريتنا، لها حدود واضحة لقوتها. لكن رافيندال؟ لا أحد يعرف حتى الحد الأدنى لقوتهم. إنهم غير مفهومين، وهذا يجعلهم أخطر من أي عدو آخر."

صمتُ للحظة، أفكر في كل ما قاله. إذا كانوا بهذه الغموض، فهذا يعني أن أي محاولة لاختبارهم قد تكون كارثية.

لكن كان لا يزال هناك شيء واحد لم أفهمه، فسألتُ والدي:

"إن كانوا بهذه القوة والغموض، لماذا لم يحاولوا السيطرة على العالم؟ لماذا يبقون في الظل؟"

"لأنهم لا يهتمون." جاء الرد سريعًا هذه المرة، وكأن والدي كان واثقًا منه تمامًا. "لا أحد يعرف ما الذي يبحثون عنه أو ما هدفهم. لكنهم لم يتحركوا أبدًا لغزو أو تدمير أي إمبراطورية. وكأنهم فقط… ينتظرون شيئًا."

"ينتظرون ماذا؟"

"لو كنتُ أعرف، لما كنتُ خائفًا منهم."

ساد الصمت بيننا للحظة، قبل أن أقول أخيرًا:

"إذن، علينا أن نحذر منهم أكثر من أي عدو آخر."

"بالضبط."

وقفتُ من مكاني، وشعرتُ أنني حصلت على كل الإجابات التي كنتُ أبحث عنها، لكن بدلًا من أن أشعر بالراحة، شعرتُ أنني فتحتُ بابًا لم يكن يجب أن يُفتح.

إذا كانت رافيندال بهذه الغموض… فماذا سيحدث لو قرروا أخيرًا التحرك؟

نظر والدي إليّ بنظرة ثابتة، ثم أطلق ضحكة قصيرة، لكنها لم تكن ضحكة سعادة، بل كانت مليئة بالسخرية والرهبة.

"إدغار، هل تظن أنني سأرسل مخلوقات الكابوس إلى إمبراطورية لا أعرف عنها شيئًا؟"

لم أقل شيئًا، لكنني كنتُ أفكر في الأمر. صحيح، سيكون من الجنون إرسال مخلوقات الكابوس إلى رافيندال دون معرفة قوتهم الاستخباراتية أو العسكرية.

"إذن، ما الذي تخطط له؟"

أخذ والدي نفسًا عميقًا قبل أن يتحدث بصوت هادئ لكنه كان يحمل ثقلًا رهيبًا:

"أنا لا أرسلها لاختبارهم… بل لجذب انتباههم."

ارتفع حاجباي بدهشة. "جذب انتباههم؟ لماذا قد ترغب في ذلك؟"

"لأننا بحاجة إلى معرفة رد فعلهم. الطريقة الوحيدة لمعرفة كيف تفكر رافيندال هي أن نجعلهم يتحركون. وأفضل طريقة لفعل ذلك؟ هي خلق تهديد في أرضهم."

بدأت أفهم ببطء… لكنه كان مجازفة خطيرة للغاية.

"ولكن، ماذا لو كان رد فعلهم عنيفًا؟ ماذا لو قرروا أنهم لن يتسامحوا معنا؟"

أدار والدي رأسه لينظر إلى النافذة، وكأنه كان يتأمل شيئًا بعيدًا. ثم قال بهدوء:

"لهذا السبب لن تكون هناك أي صلة بيننا وبين مخلوقات الكابوس التي ستهاجمهم. إذا قرروا البحث عن الجاني، فلن يجدوا أي أثر لنا."

عبستُ، محاولًا استيعاب مدى تعقيد الخطة. "ولكن، كيف يمكنك أن تكون متأكدًا أنهم لن يعرفوا؟"

عاد والدي لينظر إليّ مباشرة، وابتسامة باردة ترتسم على شفتيه.

"لأن رافيندال لا تتحرك وفقًا لقوانين العالم العادي. إنهم لا يلاحقون المذنبين… بل يلاحقون من يهدد توازنهم. وهذا هو ما سنختبره."

كانت تلك فكرة مجنونة… لكنها عبقرية أيضًا.

إذا كانت رافيندال مجهولة بالنسبة لنا، فإن الطريقة الوحيدة لفهمهم هي جعلهم يكشفون عن جزء من أنفسهم. ولكن، في الوقت نفسه، كانت هناك مخاطرة حقيقية: ماذا لو كانت ردة فعلهم أكثر مما توقعنا؟ ماذا لو كانوا أقوى مما نعتقد؟

لكن والدي لم يكن من النوع الذي يأخذ خطوة دون أن يكون لديه خطة بديلة.

"وماذا لو لم يفعلوا شيئًا؟ ماذا لو تجاهلوا الهجوم تمامًا؟"

ابتسم والدي مجددًا، لكن هذه المرة، كانت ابتسامته أكثر خطورة.

"إذا لم يفعلوا شيئًا، فهذا يعني أنهم ليسوا مخيفين كما نعتقد… أو أنهم ينتظرون شيئًا أكثر رعبًا منا جميعًا."

شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي. لأول مرة منذ فترة طويلة، لم أستطع تحديد ما إذا كنا نحن من يصنع الفخ… أم أننا من نسير نحوه.

يتبع....

2025/02/19 · 51 مشاهدة · 2597 كلمة
Vicker
نادي الروايات - 2025