لم يستطع إدغار إخفاء شكه وهو ينظر إلى والده. للحظة، لم يكن جاستين فقط رئيس مجلس الشيوخ، بل بدا وكأنه شيء آخر… شيء مخيف بنفس قدر المخلوقات التي يتحدث عنها.
"كيف احتجزتموها من الأساس إذا كانت بهذه القوة؟" سأل بصوت منخفض، لكنه كان حادًا كالسيف.
جاستين ابتسم، لكنها لم تكن ابتسامة مطمئنة. بل كانت باردة، مزيجًا من الفخر والرهبة في آنٍ واحد.
"الأمر لم يكن سهلًا، ولا يزال غير مستقر."
ضغط على زر بجهاز التحكم، وعادت الشاشة لتضيء من جديد، لكن هذه المرة لم تكن هناك مقاطع فيديو… بل مخططات ورسومات غامضة.
إدغار لم يكن عالمًا، لكنه فهم بعض الأشياء من النظرة الأولى.
"تعويذات احتجاز، دوائر استدعاء، وأختام محكمة… لا تخبرني أنك تعاملت مع مشعوذين."
"ليس مشعوذين، بل علماء متخصصين في استغلال القوانين الطبيعية للواقع." جاستين قال ذلك بثقة، وكأن الأمر بسيط.
لكن إدغار لم يكن أحمق.
"هذا هراء. لا يوجد شيء يُعرف بالقوانين الطبيعية عندما يتعلق الأمر بهذه المخلوقات. نحن لا نفهمها، ولا نعرف حتى مصدرها الأصلي، ومع ذلك تدّعي أنك استطعت حبسها؟"
جاستين تنهد وكأنه توقع هذا الرد. "إدغار، عندما تواجه شيئًا لا يمكنك قتله، لديك خياران فقط: إما أن تهرب، أو أن تحاول سجنه."
"وكيف سجنتموه؟"
هذه المرة، لم يجب جاستين مباشرة، بل قام بتشغيل مقطع جديد.
ظهر على الشاشة مشهد لغرفة ضخمة، معزولة بجدران معدنية سميكة، مليئة بالنقوش الغامضة التي تنبعث منها طاقة غير طبيعية.
في وسط الغرفة، كان هناك شيء… شيء لم يكن من المفترض أن يوجد.
لم يكن له شكل ثابت، لكنه كان يتحرك… ينبض كما لو كان قلبًا عملاقًا. كان الظلام يلتف حوله، يتغير، يمتد كأنه دخان حي.
ثم… ظهرت عيون.
واحدة… اثنتان… عشرات العيون السوداء انفتحت على سطحه المتحرك، كل واحدة تنظر في اتجاه مختلف.
ثم بدأت الهمسات.
الصوت لم يكن صادرًا من السماعات… بل كان داخل رأس إدغار.
همسات غير مفهومة، لكنها جعلت معدته تنقبض.
ضغط جاستين على زر آخر، فأُغلق الفيديو فجأة، والصوت تلاشى كما لو كان لم يكن.
أخذ إدغار نفسًا عميقًا، لكنه شعر وكأنه كان على وشك التقيؤ.
"ما هذا؟"
"هذا واحد فقط من الكوابيس التي استطعنا احتجازها."
إدغار حدق في والده، غير مصدق.
"واحد فقط؟ كم عددهم؟"
جاستين لم يجب فورًا، لكنه أخيرًا قال: "حاليًا… سبعة."
شعر إدغار بقشعريرة تسري في عموده الفقري.
"كيف تمكنتم من احتجازهم؟"
جاستين اقترب، وضع يده على الطاولة، ثم قال بصوت منخفض:
"الدم."
إدغار تجمد في مكانه.
"أي دم؟"
"دم المؤسس."
الآن، فهم إدغار كل شيء.
المؤسس الأول لعائلة سكارليث، الذي مات منذ 500 عام أثناء قتاله لأحد مخلوقات الكابوس، كان هو المفتاح.
"أنتم… تستخدمون دمه لإبقائهم محتجزين؟"
"ليس دمه فقط. جوهر قوته، سماته، وكل ما تبقى من إرثه. لقد جعلنا دماءه الأساس للأختام التي تمنع هذه المخلوقات من الهروب."
إدغار شعر بشيء لم يشعر به منذ وقت طويل… القلق.
لأنه إذا كان هذا هو الشيء الوحيد الذي يمنع هذه الكوابيس من الخروج…
فهذا يعني أن أي خطأ بسيط قد يؤدي إلى كارثة لا يمكن تخيلها.
...
...
لم يستطع إدغار إخفاء صدمته. لم يكن الأمر منطقيًا. كيف يمكنهم استخدام دم شخص مات قبل 500 عام؟
نظر إلى جاستين بعينين ضيقتين. "لا تحاول التلاعب بي. جسد المؤسس قد تحلل منذ قرون. كيف حصلتم على دمه؟"
جاستين لم يجب فورًا. بدلًا من ذلك، ابتسم تلك الابتسامة الباردة التي جعلت إدغار يشعر بعدم الارتياح.
"هل تعتقد أننا لم نفكر في ذلك؟ صحيح أن جسده اختفى منذ زمن، لكن إرثه لم يختفِ بالكامل."
"ماذا تعني؟"
أخرج جاستين قطعة صغيرة من المعدن الأسود من جيبه، ووضعها على الطاولة. كانت تنبض بطاقة غير طبيعية، وكأنها كائن حي.
"هذا…" إدغار شعر بشيء غريب يتسلل إلى جسده وهو ينظر إلى المعدن.
"هذا هو النصل الذي قتل به مخلوق الكابوس منذ 500 سنة."
إدغار تجمد.
"ذلك الوحش الذي قتل مؤسس العائلة؟"
"نعم. وعندما تمكن المؤسس من القضاء عليه، غُرِس هذا النصل في قلبه… وشيء ما حدث."
إدغار شعر بقشعريرة تسري في عموده الفقري.
"لا تقل لي…"
"نعم، النصل احتفظ بدمه وروحه، مشبعًا بالقوة التي حصل عليها من الكابوس الذي هزمه."
إدغار نظر إلى المعدن بحذر.
"إذن أنتم تستخرجون دم المؤسس من هذه القطعة؟"
جاستين أومأ برأسه ببطء. "ليس الأمر بهذه البساطة، لكن نعم. باستخدام طقوس معينة، يمكننا استخلاص أجزاء من دمه، لكن بكميات ضئيلة للغاية. لهذا السبب لا يمكننا السيطرة على عدد كبير من الكوابيس في وقت واحد."
إدغار شعر برأسه يثقل. كان هذا أكبر من مجرد تجربة عسكرية.
"وماذا عن النصل نفسه؟ هل حاولتم استخدامه؟"
جاستين ضحك بصوت خافت. "بالطبع حاولنا. لكن المشكلة هي…"
رفع عينيه إلى إدغار، نظراته باردة كالجليد.
"لا أحد يمكنه استخدامه."
لم يستطع إدغار كبح فضوله. هذا الأمر لم يكن بسيطًا كما ظن في البداية. نظر إلى القطعة المعدنية السوداء التي تنبض بطاقة غريبة، ثم رفع عينيه إلى جاستين، وسأله بصوت منخفض لكنه يحمل ثقل الشكوك:
"كيف حصلتم على هذا النصل؟ متى؟ ولماذا لا يستطيع أحد استخدامه؟"
تنهد جاستين، وكأنه كان يتوقع هذا السؤال.
"لقد حصلنا عليه منذ 150 عامًا فقط."
إدغار ضيّق عينيه. "ماذا؟ لكنه سلاح المؤسس، أليس كذلك؟ كان يجب أن يكون بحوزتنا منذ 500 سنة."
أومأ جاستين ببطء، ثم تراجع في مقعده، وكأنه يستعد لسرد قصة طويلة.
"بعد وفاة المؤسس، اختفى النصل معه."
تجمد إدغار في مكانه. "ماذا؟ كيف يمكن لسلاح أن يختفي؟"
"لا أحد يعلم." نظر إليه جاستين بجدية. "لكن عندما عاد الفرسان إلى ساحة المعركة بعد موته، لم يجدوا أي أثر لجسده أو للنصل. كان وكأنه تبخر من الوجود."
شعر إدغار بقشعريرة تسري في جسده.
"ثم قبل 150 سنة، ظهر فجأة في وسط أحد مناجمنا في الشمال."
"ماذا؟! في أحد المناجم؟"
"نعم. عمال المناجم عثروا عليه مدفونًا بين الصخور السوداء العميقة. عندما أبلغونا، تم إرسال مجموعة من العلماء والسحرة لاستعادته."
عبس إدغار، محاولًا استيعاب الأمر. "وكيف عرفتم أنه نفس النصل؟"
ابتسم جاستين ابتسامة صغيرة، قبل أن يضع يده على القطعة المعدنية السوداء. "لأن دم المؤسس لا يزال ينبض بداخله."
شعر إدغار بانقباض في قلبه. "هذا… غير منطقي."
"العالم لم يكن منطقيًا منذ أن غزتنا مخلوقات الكابوس قبل 500 سنة."
لم يستطع المجادلة في ذلك.
لكنه لم ينسَ الجزء الأخير من سؤاله.
"حسنًا… لماذا لا يستطيع أحد استخدامه؟ إذا كان بهذه القوة، فلا بد أن شخصًا ما حاول."
هذه المرة، لم يجب جاستين فورًا. بقي صامتًا للحظات، ثم قال بصوت منخفض:
"لقد حاولنا."
شعر إدغار أن هناك شيئًا مروعًا لم يخبره به بعد. "وماذا حدث؟"
"كل من لمس النصل…" توقف للحظة جاستين، ثم أكمل بصوت بارد: "تمزق إلى أشلاء."
إدغار تجمد. "ماذا؟!"
"النصل يرفض كل من يحاول استخدامه. حتى أقوى المستيقظين لدينا، حتى أولئك الذين وصلوا إلى مستوى قديس ، لم يستطيعوا حتى رفعه قبل أن يتحولوا إلى لحم ممزق."
لم يجد إدغار ما يقوله. هذا… لم يكن مجرد سلاح.
كان شيئًا آخر تمامًا.
لم يستطع إدغار منع نفسه من طرح السؤال الذي تردد في ذهنه كالصاعقة:
"إذا كان كل من لمس النصل قد مات… فكيف استطعت أنت حمله؟"
لم يرد جاستين فورًا. حدّق في النصل للحظات، وكأنه يحاول تذكر شيء عميق، ثم رفع رأسه ونظر إلى إدغار بعينين جادتين.
"أنا لم أحمله."
عقد إدغار حاجبيه. "ماذا تعني؟ أنت تمسكه الآن أمامي!"
جاستين أدار النصل بين أصابعه، ليكشف عن قفاز أسود رقيق يغطي يده بالكامل. "أنا لا ألمسه مباشرة."
إدغار أطلق ضحكة ساخرة. "قفاز؟ هذا هو السر؟ مجرد قطعة قماش تحول دون تمزيقي إلى أشلاء؟"
"هذا ليس مجرد قفاز." قال جاستين ببطء، ثم خلع القفاز ووضعه على الطاولة.
إدغار لم يكن بحاجة لسؤاله عمّا هو، لأنه رأى ما كان واضحًا أمامه—القفاز لم يكن مصنوعًا من أي مادة عادية، بل كان جلدًا بشريًا.
لكن ليس أي جلد.
كان جلده يتحرك. ينبض كما لو كان حيًا.
شعر بقشعريرة تسري في عموده الفقري. "ما هذا؟"
نظر جاستين إلى القفاز للحظة قبل أن يجيب:
"إنه مصنوع من بقايا جسد المؤسس نفسه."
شعر إدغار وكأن الهواء اختفى من الغرفة.
"ماذا؟!"
"عندما وجدنا النصل في المنجم، وجدنا بجانبه جزءًا صغيرًا من جسد المؤسس، وكأنه لم يتحلل أبدًا. العلماء استخرجوا منه مادة خاصة، واستطعنا صنع هذا القفاز باستخدامها. إنه الشيء الوحيد الذي يسمح لي بلمس النصل دون أن أموت."
لم يكن إدغار متأكدًا مما يجب أن يشعر به. هذا لم يكن طبيعيًا. لم يكن بشريًا.
"إذا كان هذا القفاز ضروريًا لحمله، فكيف كان المؤسس يستخدمه؟"
جاستين نظر إليه نظرة باردة. "لأنه لم يكن بحاجة إلى قفاز. كان النصل جزءًا منه… لكنه لم يكن جزءًا من أي شخص آخر."
شعر إدغار بأن هذه المحادثة تزداد رعبًا أكثر مما كان يتوقع.
...
...
...
إمبراطورية نيفيريا – القصر الإمبراطوري
كانت القاعة الكبرى للقصر غارقة في التوتر. في صدر القاعة، جلس الإمبراطور رينارد نيفيريا على عرشه الذهبي، وعيناه المتجمدتان تحدقان في الرجل الراكع أمامه، جسده يرتجف ووجهه شاحب كالأموات.
"كرر ما قلته الآن." كان صوت الإمبراطور بارداً، لكن في داخله، كان يغلي بالغضب.
رفع الرجل رأسه بصعوبة، وجهه مليء بالخوف، كما لو أنه لم يصدق بعد ما رآه. "سيدي الإمبراطور… لقد… لقد تمت إبادة قرية فالدرن بالكامل… خلال ليلة واحدة."
ساد الصمت القاتل في القاعة. عشرات النبلاء، القادة العسكريين، والسحرة الأقوياء الذين حضروا الاجتماع شعروا بتوتر لا يمكن إنكاره.
"تمت إبادة قرية كاملة؟!" اخترق صوت الجنرال كالفوس الصمت، مزيج من الدهشة والغضب على وجهه. "من الذي يجرؤ على فعل هذا؟ هل هي إمبراطورية أخرى؟ هل هم المتمردون؟"
هز الرسول رأسه بسرعة، عرق بارد يتساقط من جبينه. "لا… لا نعلم. لكن… لكنهم لم يكونوا بشرًا."
"ماذا؟"
وقف أحد السحرة، سيرافين، وكان أحد كبار مستشاري الإمبراطورية، وصوته كان محمّلًا بالقلق. "وضح كلامك، ما الذي رأيته بالضبط؟"
ابتلع الرسول ريقه بصعوبة، ثم قال بصوت مرتعش: "عندما أرسلتموني للتحقق من الأمر، وجدت القرية… فارغة."
"ماذا تعني فارغة؟" سأله الإمبراطور ببرود.
أغلق الرسول عينيه للحظة وكأنه يسترجع المشهد:
"لم يكن هناك أحد… لا جثث، لا آثار معركة، لا شيء. فقط المنازل المدمرة، والدماء المتناثرة في كل مكان. بدت القرية وكأنها تحولت إلى مدينة أشباح بين ليلة وضحاها."
"وماذا عن الآثار؟" سأل الجنرال كالفوس، نبرته حادة. "لابد أن هناك آثارًا للمهاجمين!"
ارتجف الرسول وهو يتذكر التفاصيل، ثم همس: "وجدنا آثار مخالب… وحوافر… وأقدام بشرية… لكن الأغرب من ذلك كله…"
توقف، وكأنه خائف من قول ما رآه، لكنه أجبر نفسه على المتابعة: "لقد رأينا كلمات محفورة على جدران المنازل… وكأنها خُدشت بأظافر حادة."
"ماذا كُتب؟"
رفع الرسول رأسه، وعيناه مليئتان بالخوف الحقيقي:
"استعدوا للكوابيس."
…
ساد الصمت الرهيب في القاعة، كما لو أن المكان كله قد تجمد. لم يجرؤ أحد على الحديث.
ثم، وبهدوء مرعب، نطق الإمبراطور: "استدعوا فرسان الظل وأمروا بإغلاق جميع القرى القريبة. لا أريد أن تتكرر هذه الحادثة مرة أخرى."
انحنى الجميع بسرعة، بينما كان الظلام يلوح في الأفق…