[منظور إدغار سكارليث]
الهواء هنا… كان مختلفًا.
وقفتُ في القاعة المظلمة تحت أعماق قلعة سكارليث، حيث لا يصل الضوء ولا الحياة. شعرتُ بأنفاسي تثقل مع كل خطوة أخطوها على الأرضية الحجرية الباردة. حتى الهواء بدا وكأنه مليء بشيء غير مرئي، شيء يزحف على جلدي ويجعل شعري يقف من تلقاء نفسه.
لم أكن غريبًا عن هذا المكان، فقد جلبني جاستين إلى هنا من قبل… ولكن هذه المرة، كنتُ هنا لأجل شيء محدد.
"القلب."
ذلك القلب العملاق الذي أراني إياه جاستين سابقًا.
عندما رأيته لأول مرة، لم أستطع حتى استيعاب ما كنتُ أنظر إليه. كان نابضًا… حيًا… لكن لم يكن بشريًا. حجمه وحده كان بحجم حصنٍ كامل، ينبض بصمت في وسط القاعة المحفورة داخل الجبال، وكأن الأرض نفسها كانت تحاول دفنه لكنها فشلت.
لكن هذا لم يكن أسوأ ما فيه.
العيون.
عندما رأيته سابقًا، انفتحت عيون لا حصر لها على سطح ذلك القلب. لم تكن أعينًا طبيعية، لم تكن حتى ثابتة. بعضها كان يدور، بعضها كان يلمع كأن داخله سماء مليئة بالنجوم، وبعضها… كان ينظر إليّ مباشرة.
ذلك اليوم، لم أستطع التحدث. لم أستطع حتى التفكير.
كل ما شعرتُ به هو الرعب المطلق.
كنتُ قد شعرت بالخوف من قبل، كنتُ قد قاتلتُ مخلوقات مرعبة، لكن هذا… لم يكن خوفًا طبيعيًا. لم يكن خوفًا يمكن تفسيره، بل كان خوفًا يخرق المنطق نفسه.
شعرتُ وكأنني أغرق في بحر لا قاع له، وكأن الواقع نفسه بدأ يتشوه حولي.
وللحظة… نسيت من أكون.
والآن، كنتُ هنا مجددًا.
التفتُّ إلى جاستين، الذي كان واقفًا أمام الحاجز الضخم المصنوع من المعدن الأسود، الحاجز الذي كان يفصلنا عن ذلك الشيء. كان وجهه كعادته… هادئًا، لكنه لم يكن يخفي حقيقة واحدة: حتى هو كان خائفًا.
"أبي… ما هذا الشيء حقًا؟" سألتُ، وأنا أشعر بقلبي ينبض بقوة داخل صدري.
لم يجب على الفور. ظلَّ صامتًا للحظات، وكأنه كان يبحث عن الكلمات المناسبة. ثم، بصوت هادئ، قال:
"إنه أحد الكوابيس السبعة التي تمكّنا من احتجازها."
شعرتُ بقشعريرة تسري في عمودي الفقري.
كنتُ أعلم أن عائلتنا قد تمكنت من السيطرة على بعض الكوابيس، لكنني لم أكن أعرف أنهم احتجزوا أحد السبعة.
"إذا كان كذلك… ما هو مستواه؟"
نظر إليّ جاستين بصمت، ثم قال:
"لا نعلم."
تجمدتُ في مكاني. "ماذا؟"
"نحن لا نعرف مستواه الحقيقي."
كيف يكون ذلك ممكنًا؟ كل مخلوقات الكابوس يمكن تصنيفها ضمن المستويات المعروفة… خامل، مستذئب، طاغوت، ساقط، فاسد، عظيم، جبار، كابوس، ملعون، وأخيرًا… طاغية.
إذا كان من السبعة، فمن المفترض أن يكون على الأقل من مستوى جبار.
ولكن إذا لم يستطيعوا تصنيفه، فهذا يعني…
"هل تعتقد أنه قد يكون في أحد المستويات الثلاثة غير المكتشفة؟"
لم يجب جاستين، لكن تعابير وجهه كانت كافية لإعطائي الجواب.
بلعتُ ريقي بصعوبة. "إذا لم نعرف مستواه، كيف تمكنّا من احتجازه؟"
قال جاستين بهدوء: "لأننا لم نفعل."
شعرتُ بجسدي يتصلب. "ماذا تعني؟"
أدار وجهه ببطء ونظر إلى القلب العملاق خلف الحاجز، ثم قال:
"هو الذي سمح لنفسه بأن يُحتجز."
…
شعرتُ بأن عقلي يتوقف للحظات.
"أنت تمزح، صحيح؟"
لم يجب.
كان جاستين يمزح أحيانًا، لكنه لم يكن يمزح الآن.
"إذا كان قادرًا على المغادرة، فلماذا لم يفعل ذلك؟"
"لأنه يريد شيئًا منا."
…
هنا، بدأ صدري يضيق.
مخلوقات الكابوس لم تكن كالبشر. لم تكن لديهم رغبات أو أهداف مثلنا. كانت دوافعهم غير مفهومة، وغالبًا ما تكون مجرد دمار وفوضى.
لكن هذا؟
إذا كان مخلوقًا بهذا المستوى يريد شيئًا، فهذا يعني أن لديه إرادة.
أدرتُ رأسي ببطء ونظرتُ إلى القلب العملاق.
عندها…
انفتحت عيون جديدة على سطحه.
ليس عينا أو اثنتين.
بل عشرات، مئات، ربما أكثر.
كلها… كانت تنظر إليّ مباشرة.
—"إدغار سكارليث."
…
توقف الزمن.
ذلك الصوت… لم يكن صوتًا عاديًا. لم يكن صوتًا بشريًا أو حتى صوت مخلوق.
بل كان صوتًا… داخل رأسي.
شعرتُ بأن رأسي سينفجر من الداخل، وكأنني كنتُ أسمع آلاف الأصوات في وقت واحد، كلها تتحدث بصوت واحد.
رأيتُ أشياء لم يكن ينبغي لي رؤيتها.
مدنًا محترقة… أنهارًا سوداء… سماءً من العيون، وأرضًا من الجثث.
شعرتُ كأنني كنت أغرق في واقع مختلف، مكان لا ينتمي لهذا العالم.
وفجأة…
—"إدغار!"
عاد صوت جاستين إلى مسامعي، وسحبتُ نفسي من ذلك الكابوس اللحظي، لأجد أنني كنتُ راكعًا على الأرض، أتنفس بصعوبة، والعرق يتصبب من جبيني.
نظر إليّ جاستين بوجه متجهم.
"لقد ناداك."
لم أجب.
أخذتُ أنفاسي بصعوبة، وحاولتُ نسيان ما رأيته للتو.
لكنني كنتُ أعلم أنني لن أستطيع.
لأنني شعرتُ بشيء آخر داخل ذلك الصوت.
شيء أراد مني أن أسمعه.
شيء لا ينبغي أن يسمعه أي إنسان.
...
...
...
نظر إليّ جاستين، ثم قال بصوت هادئ لكن حازم:
"لن يستطيع أحد السيطرة عليه."
سألته وأنا أتنفس بصعوبة: "كيف هذا؟"
كانت الحقيقة واضحة في عينيه: حتى عائلة سكارليث لم تعرف كيف سيطروا عليه. لم يكن بإمكانهم فعل شيء سوى إبقائه تحت السيطرة.
"ولكن لماذا هنا؟ لماذا لم نكتشفه؟"
لم يكن لدى جاستين إجابة واضحة. جميع الأبحاث كانت قد توقفت. لا أحد يعرف لماذا سمح هذا المخلوق نفسه بأن يُحتجز. لكن الحقيقة كانت واضحة: إنه لم يُحتجز بإرادتهم، بل بإرادته هو.
أخذتُ أنفاسي بشدة، محاولة أن أهدأ، لكنني عرفت أن هذا المخلوق كان أكثر من مجرد محتجز. كان لديه خطة.
عينيه التي لا تحصى، التي كانت تراقبني، كانت تقول لي هذا.
---
"إدغار، أنت لا تفهم…"
نظر إليَّ جاستين بعينين هادئتين، لكن في داخلهما شيء آخر. شيء لم أره من قبل… الخوف.
"أنت تعتقد أن هذا الشيء،" قال وهو يشير إلى القلب العملاق الذي ينبض في عمق القاعة، "هو قمة الرعب؟"
صمتُ للحظة، نظرت إلى العيون التي لا تحصى، العيون التي شعرت وكأنها تخترق كياني. لقد كنت قديسًا، لكن حتى الآن، لم أستطع تجاهل ذلك الشعور العميق بأنني أقف أمام شيء… لا يجب أن يوجد.
لكن كلمات جاستين جعلت شيئًا أبرد يتسلل إلى عظامي.
"إدغار، هذا مجرد شيء تمكنَّا من احتجازه… لكن هل تساءلت يومًا ماذا يوجد هناك، في الأماكن التي لم نتمكن حتى من الاقتراب منها؟"
نظرت إليه، ثم قلت ببطء:
"أخطر خمسة أماكن في هذا العالم…"
لم يكن هناك تردد في صوتي، لأنني كنت أعلمهم جيدًا.
"غابة الكابوس كالديون."
أومأ جاستين بصمت.
"البحر الأسود."
نظر إليَّ بثبات.
"جبال أوليمبوس، أو كما يسميها البعض… جبال الموت."
شيء ما لمع في عينيه، لكنه لم يقاطعني.
"القارة المظلمة."
حتى جاستين نفسه لم يستطع إخفاء ذلك الشعور البارد عند ذكر هذا الاسم.
"وأخيرًا… كهف كيلاس."
صمتُ بعد ذلك. كلماتي وحدها جعلت الغرفة تزداد ظلمة.
ثم قال جاستين بصوت منخفض: "أنت تفهم إذن."
لم أجب، لكنني كنت أفهم تمامًا.
"إدغار، نحن لم نتمكن حتى من استكشاف هذه الأماكن بشكل صحيح."
رفع يده، مشيرًا إلى القلب الذي ينبض أمامنا.
"هذا الشيء الذي نحتجزه هنا؟ قد يكون مجرد لعبة مقارنة بما يوجد هناك."
شعرت بشيء ثقيل في صدري.
"أنت تتحدث كما لو أن هناك مخلوقات تستطيع سحق هذا الوحش بسهولة."
ابتسم جاستين بسخرية باردة. "ربما ليس وحشًا واحدًا… بل الكثير."
صمتُ للحظة، ثم قلت: "أنت لا تملك أي دليل على ذلك."
"لا أحتاج إلى دليل." نظر إليَّ بجدية. "نحن لم نتمكن حتى من دخول بعض هذه الأماكن، إدغار. ليس لأننا لم نحاول… بل لأن أي شخص دخل، لم يعد."
شعرت بقشعريرة تمر عبر ظهري.
"فكر في الأمر… نحن أقوى إمبراطورية في العالم، لدينا أقوى المستيقظين، أفضل العلماء، وأقوى الجيوش. لكننا لا نجرؤ حتى على محاولة استكشاف هذه الأماكن بالكامل."
"إذًا، ماذا تعتقد؟"
تنهد جاستين، ثم نظر إلى القلب مرة أخرى.
"أعتقد أننا لسنا سوى نملٍ يعيش في جزء صغير من هذا العالم… بينما في الخارج، هناك وحوش حقيقية."
صمتُ، ثم نظرت إلى العيون التي تحدق بي.
لأول مرة في حياتي، شعرت أنني لا شيء.
نظر جاستين إلى القلب العملاق للحظات طويلة قبل أن يتنهد ببطء. كان صوته هادئًا، لكنه حمل معه ثقل قرون من المعرفة والخوف.
"إدغار، نحن نلعب بالنار، ونحاول التحكم بشيء لم يكن من المفترض أن يطاله البشر. هل تعرف كم من الوقت استغرقنا لاحتجاز هذه المخلوقات السبعة؟ أكثر من 300 عام من المحاولات الفاشلة، من التضحيات التي لا تُحصى، من الجهود التي كادت أن تؤدي إلى إبادة عائلتنا بالكامل."
أدار ظهره للحظة، وكأنه لا يريد مواجهة الحقيقة التي كان على وشك قولها.
"ورغم كل ذلك، حتى الآن، نحن لا نعرف كيف نتحكم بها بالكامل."
كان بإمكاني سماع دقات قلبي تتسارع. لم يكن هذا هو جاستين المعتاد، الرجل الذي دائمًا ما بدا وكأنه يملك الإجابة على كل شيء.
"أنت تقول إننا لا نتحكم بها، إذًا كيف…؟"
قاطعني وهو يحدق بي بعينين باردتين: "نحن نوجّهها فقط، بالكاد نمنعها من الانفلات… لكننا لا نتحكم بها كما نتحكم بالوحوش الأخرى."
"وإذا انفلتت؟"
ابتسم ابتسامة خالية من المشاعر، وقال ببرود: "حينها، سينتهي كل شيء."
شعرت ببرودة تتسلل إلى جسدي. لكن رغم ذلك، لم أكن قد حصلت على جميع الإجابات التي أردتها.
نظرت إليه مباشرة وسألته:
"قلت إنكم احتجزتم سبعة من أقوى مخلوقات الكابوس… إذًا أين الستة الباقون؟"
كان الصمت هو الإجابة الأولى. نظرات جاستين أصبحت أثقل، وكأنه كان يفكر فيما إذا كان يجب أن يخبرني بالحقيقة أم لا.
ثم، بصوت خافت لكنه مليء بالرهبة، قال:
"اتبعني، سأريك."
لم يكن لدي أي فكرة عما كنت على وشك رؤيته، لكن جزءًا مني تمنى لو لم أسأل ذلك السؤال أبدًا.
سرت خلف جاستين في الممرات المظلمة، خطواتنا تتردد في الفراغ وكأن الجدران نفسها كانت تراقبنا. كلما تقدمنا، شعرت أن الهواء أصبح أثقل، وكأن شيئًا غير مرئي كان يضغط على صدري. لم يكن هذا المكان جزءًا من القصر الرئيسي، بل كان شيئًا أعمق… شيئًا أكثر رعبًا.
"ما ستراه الآن، إدغار… هو أحد أعظم كوابيس هذا العالم."
توقف جاستين أمام باب عملاق مصنوع من معدن أسود قاتم، بدا وكأنه يمتص الضوء نفسه. كان مزينًا بنقوش غريبة، لم تكن من أي لغة أعرفها، بل كانت عبارة عن رموز ملتوية بدت وكأنها تتحرك عندما نظرت إليها.
أخرج جاستين خنجراً غريباً وجرح راحة يده، ثم ضغطها على الباب. في تلك اللحظة، بدأت النقوش تتوهج بلون أحمر داكن، وكأنها استيقظت من سبات طويل. بدأ الباب يصدر أنيناً مخيفاً، وكأنه كائن حي يكره أن يُفتح.
ثم، انفتح.
ما كان خلفه لم يكن مجرد غرفة… بل هاوية.
غرفة هائلة الحجم، لدرجة أنني لم أستطع رؤية سقفها أو جدرانها البعيدة. كان كل شيء مظلمًا، ولكن في منتصف تلك الظلمة، كان هناك شيء يتحرك.
شعرت بقشعريرة تجتاح جسدي، ليس بسبب رؤيته فقط، بل لأنني سمعته قبل أن أراه.
صوت تنفس بطيء… ثقيل… ومليء بالكراهية.
ثم رأيته.
كان كائنًا ضخمًا بشكل لا يصدق، أطول من أي وحش رأيته في حياتي. كان له جسد هزيل بشكل غريب، لكنه في نفس الوقت بدا صلباً كالفولاذ. كان جلده رماديًا مائلًا إلى الأسود، وكأنه مغطى برماد محترق.
لكن أكثر ما جعل الدم يتجمد في عروقي كان رأسه.
لم يكن له وجه بشري أو حيواني… بل كان جمجمة مشوهة، خالية من أي جلد، بعيون سوداء لا قاع لها. لم تكن مجرد عيون، بل كانت ثُقَبًا سوداء تمتص الضوء نفسه، وكأنها نهايات عالم آخر.
ثم، ابتسم.
لم تكن ابتسامة بشرية… بل كانت شقًا مشوهًا امتد عبر نصف وجهه، يكشف عن صفوف من الأسنان السوداء الطويلة، كل واحدة حادة كالشفرات.
لم يتحرك. لم يتكلم.
لكنه كان ينظر إليّ.
في تلك اللحظة، شعرت بشيء غريب… وكأن عقلي نفسه كان يتشقق.
سمعت أصواتاً في رأسي، لم تكن صراخًا، ولم تكن كلمات مفهومة، بل كانت همسات، لكن كل واحدة منها كانت كافية لجعل جلدي يقشعر.
شعرت أنني سأسقط على ركبتي، لكنني تماسكت. التفت إلى جاستين، محاولًا التحدث، لكن صوتي لم يخرج.
نظر إليّ وقال بهدوء:
"أعرف ما تشعر به. هذا ليس مجرد مخلوق… إنه لعنة متجسدة."
كنت لا أزال أرتجف، لكنني تمكنت أخيرًا من التحدث. "ما… ما هذا؟"
جاستين لم ينظر إليّ، بل ظل يحدق في ذلك الوحش وقال:
"إنه يُدعى كارون."
"أحد السبعة الذين احتجزناهم."
"لكن، حتى بين السبعة، هو مختلف."
نظرت إلى الوحش مجددًا. كان لا يزال يبتسم، لا يزال ينظر إليّ، وكأنني كنت مجرد فرصة ضائعة للقتل.
لكنني شعرت بشيء آخر أيضًا.
شيء جعلني أرغب في الابتعاد فورًا.
لقد كان جائعًا.
ظل الوحش، كارون، يحدّق فيّ بتلك الابتسامة المشوهة، وعيونه السوداء العميقة تبتلعني بالكامل. رغم وقوفي بعيدًا، شعرت وكأنني على حافة هاوية، وكأن نظراته وحدها قادرة على سحبي إلى العدم.
تحاملت على نفسي والتفت إلى جاستين. كان يقف بثبات، وكأن هذا المشهد لا يعني له شيئًا. لكنني شعرت به. لم يكن هادئًا تمامًا… كان جسده متوتراً، وعيناه محملتان بالحذر.
"لماذا… لا يهاجم؟" سألت بصوت خرج أضعف مما أردت.
تنهد جاستين، ثم رد بصوت هادئ:
"إنه ليس مجرد وحش، إدغار… إنه لعنة متجسدة. الطريقة التي يفكر بها مختلفة عما تتخيله. إنه ليس مخلوقًا مندفعًا كالوحوش العادية، وليس لديه غرائز بسيطة تحركه. إنه… ينتظر."
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي. "ينتظر؟ ماذا؟"
جاستين أدار رأسه نحوي ببطء وقال:
"فرصة. أو بالأحرى… خطأ."
نظرت مجددًا إلى الوحش. لم يتحرك، لم يتكلم، لكنه لم يكن جامدًا.
لقد كان… يراقب.
"كارون ليس مجرد مخلوق قوي، إدغار. إنه أحد أخطر ما احتجزناه على الإطلاق. لا نعرف حتى ما إذا كان يمتلك شكلاً حقيقيًا أم أن هذه مجرد صورة يُظهرها لنا. لكنه… مختلف عن الآخرين."
أخذ جاستين خطوة إلى الأمام، ثم أكمل:
"المخلوقات الأخرى التي احتجزناها… كانت وحوشًا، مهما كانت قوية أو ذكية. لكن كارون… يفكر. يدرس. يخطط."
ارتجفت يدي دون أن أدرك. "إذا كان بهذه الخطورة، لماذا تحتفظون به؟ لماذا لا… تتخلصون منه؟"
ضحك جاستين بسخرية. "وكيف نقوم بذلك بالضبط؟ هل تظن أننا لم نحاول؟"
توقفت للحظة، ثم سألته: "ماذا تعني؟"
جاستين تنهد مجددًا، ثم أشار بيده إلى الوحش وقال:
"لقد حاولنا قتله أكثر من مرة، إدغار. استخدمنا أقوى الأسلحة، أقوى المستيقظين، حتى أنني… شخصيًا، حاولت إنهاءه بنفسي."
صمت للحظة، ثم أضاف بصوت منخفض:
"لم يفلح شيء."
تجمدت مكاني. "مستحيل…"
أومأ جاستين برأسه ببطء. "لقد قطعناه، أحرقناه، سحقناه… لكنه لم يمت. بل لم يُظهر أي ألم. كل ما فعله… هو النظر إلينا بنفس النظرة التي تراها الآن."
نظرت إلى الوحش مجددًا، وتراجعت خطوة لا إرادية.
جاستين أكمل: "في مرحلة ما، أدركنا أن محاولة قتله لن تؤدي إلى شيء، بل قد تؤدي إلى شيء أسوأ. لذا، بدلًا من ذلك، وضعناه هنا، في أعمق زنزانة لدينا، تحت أشد التدابير الأمنية التي يمكننا توفيرها."
نظرت حولي إلى الغرفة، ثم سألته: "ما الذي يبقيه هنا؟ ما الذي يمنعه من الخروج؟"
"الدم."
"…ماذا؟"
"إنه محتجز هنا بفضل دم مؤسس العائلة."
شعرت بصاعقة تضرب عقلي. "لكن… كيف؟ كيف يمكن لدم شخص ميت منذ 500 سنة أن يحتجز شيئًا كهذا؟"
جاستين ابتسم بسخرية وقال: "هذا سؤال لم نجد له إجابة بعد."
نظرت إلى الوحش مجددًا، لكنني هذه المرة شعرت أنني فهمت شيئًا مهمًا.
هذا الشيء لا يتحرك لأنه لا يستطيع. ليس لأنه خائف، بل لأنه ببساطة ينتظر اللحظة المناسبة.
إنه يعرف أنه لا يستطيع الهروب الآن، لكنه يعلم أن هذا قد يتغير في المستقبل.
وفجأة، ابتسم أكثر.
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا داخل رأسي… لم يكن جاستين من تحدث، لم يكن أي شخص آخر في الغرفة.
بل كان هو.
"في يومٍ ما… ستفشل قيودكم… وعندها، سأكون أول ما ترونه قبل أن تذوب أجسادكم في العدم."
شعرت بجسدي يتجمد. لم يكن الصوت بشريًا، لم يكن حتى صوتًا حقيقيًا… بل كان إحساسًا، كأن كلماته طُبعت مباشرة داخل عقلي.
نظرت إلى جاستين بسرعة، لكنه لم يُظهر أي رد فعل.
"جاستين…" تمتمت بصوت منخفض. "هل… هل سمعت شيئًا الآن؟"
نظر إليّ باستغراب. "ماذا تقصد؟"
شعرت أن الدم يجف في عروقي. "لقد… لقد تحدث إليّ."
التفت جاستين فجأة، وعيناه امتلأتا بالحدة. "ماذا قال؟"
نظرت مجددًا إلى الوحش، لكنه كان كما هو… بنفس الابتسامة البشعة، بنفس العيون السوداء اللامتناهية.
ثم، للمرة الأولى منذ دخلنا الغرفة، تحرك.
لم يكن تحركًا كبيرًا… فقط مال برأسه قليلاً.
لكنه كان كافيًا لجعل أنفاسي تنقطع.
لقد كان… يرد على كلماتي.