[منظور إيثان سكارليث]
...سار قط الظلال بجانبي بصمت لعدة لحظات، وعيناه الحمراوان تراقباني بشيء من التأمل. ثم، فجأة، وجه نظره نحو يدي التي كانت لا تزال تحمل آثار الحروق الداكنة من استخدام النار السوداء.
"لماذا يدك محروقة؟" سأل بصوته الهادئ، لكن هذه المرة كانت هناك نبرة من الفضول أو ربما القلق.
نظرت إلى يدي. كانت لا تزال متورمة وبها بقع سوداء متفحمة. لكن الألم كان قد خفّ تدريجيًا، وشعرت بأنها بدأت تتعافى ببطء.
"أوه؟ هذا شيء جيد." أجبت بابتسامة خفيفة، شعور بالرضا يتسلل إلى داخلي.
قط الظلال رفع حاجبه الوهمي. "شيء جيد؟"
"حسنًا، لقد استطعت التحكم قليلاً في النار السوداء." أوضحت. "غلفتها على سيف الشيطان بدل أن أفجرها بشكل عشوائي. وذلك جعل الضرر أقل عليّ هذه المرة."
كانت تلك لحظة صغيرة من الانتصار. دليل على أنني بدأت أفهم هذه القوة المدمرة، وبدأت أتعلم كيف أسيطر عليها. لكنني كنت أعرف أنني ما زلت بعيدًا عن إتقانها.
قط الظلال بدا يفكر في كلامي للحظة، ثم هز رأسه ببطء. "الحذر واجب. النار السوداء قوة لا ترحم."
وافقت معه في صمت. كنت أعرف خطورة ما أتعامل معه.
بعد ذلك، وبينما كنا نسير، بدأت البيئة من حولنا تتغير بشكل تدريجي. الأشجار الشاهقة ذات الأغصان المتشابكة بدأت تأخذ أشكالًا غريبة وملتوية، وكأنها تعاني من كابوس أبدي. اللحاء لم يكن بنيًا أو رماديًا، بل كان أسودًا باهتًا، مغطى بنتوءات حادة وأشواك ملتفة.
الأرض بدأت تنحدر بلطف، وتحولت التربة الداكنة إلى طين لزج بلون الدم الجاف. بدأت تظهر برك صغيرة من سائل أسود زيتي، تفوح منها رائحة كريهة تشبه رائحة الموت المتعفن.
لكن الرعب الحقيقي لم يكن في المخلوقات التي قد تظهر، بل في الطبيعة نفسها.
بدأت أرى نباتات لم أرَ مثلها من قبل. أعشاب طويلة وشائكة تتحرك ببطء وكأنها ثعابين نائمة. زهور ضخمة ذات بتلات سوداء وحمراء تنبض بخفة، وكأنها قلوب مريضة تنزف سمًا. أشجار ذات فروع نحيلة وطويلة تنتهي بما يشبه الأصابع العظمية، تتلوى في الهواء وكأنها تحاول الإمساك بنا.
كانت هناك عناكب ضخمة بحجم الكلاب الصغيرة تنسج شباكًا سوداء لزجة بين الأشجار، وشبكاتها لم تكن مصنوعة من خيوط عادية، بل بدت وكأنها مصنوعة من شعر أسود طويل ورفيع.
بدأت أسمع أصواتًا غريبة. همسات خافتة تأتي من اتجاهات غير محددة، وكأن الغابة نفسها تتحدث بصوت منخفض ومزعج. أصوات طقطقة وتشقق تأتي من الأشجار، وكأنها تتألم أو تتحرك ببطء.
كانت هناك منطقة بدت وكأنها مستنقع، لكن الماء كان أسودًا قاتمًا، وتطفو على سطحه فقاعات كبيرة تنفجر ببطء، مطلقة رائحة كريهة وغازات خضراء باهتة. كانت هناك هياكل عظمية جزئية مغمورة في الماء، وكأن شيئًا ابتلع كائنات حية هنا منذ زمن طويل.
الأكثر رعبًا كان الصمت المفاجئ الذي كان يخيم على بعض المناطق. صمت مطبق، لا صوت فيه سوى أنفاسي وأنفاس قط الظلال. صمت يوحي بأن شيئًا فظيعًا على وشك الحدوث، أو أن شيئًا فظيعًا قد حدث بالفعل.
بدأت أرى أشكالًا غريبة تتحرك في المسافة. ظلال تتلوى بين الأشجار، تبدو وكأنها مخلوقات غير مرئية تتحرك بخفاء. لم أستطع تحديد ماهيتها، لكن الشعور المريب الذي انتابني كان كافيًا لجعلني أقبض على سيف الشيطان بإحكام أكبر.
كانت هناك منطقة بدت وكأنها حقل من العظام. عظام بيضاء شاحبة متناثرة في كل مكان، بعضها متكسر ومحطم، والبعض الآخر لا يزال كاملًا، جمجمة تحدق بالفراغ. كانت هناك رائحة خفيفة للعفن في الهواء هنا، وشعور ثقيل بالكآبة.
بدأت ألاحظ أن بعض الأشجار كانت ملتوية بطريقة غير طبيعية، وكأنها تجمدت في لحظة من الألم أو العذاب. كانت فروعها تشبه الأذرع الممدودة المتوسلة، وأوراقها ذابلة وسوداء.
كانت هناك منطقة بدت وكأنها غابة محترقة، لكن النيران لم تكن موجودة. الأشجار كانت سوداء ومتفحمة، لكنها لا تزال قائمة، وكأنها أشباح ماضٍ مدمر. كانت الأرض مغطاة برماد أسود ناعم، وكل خطوة كانت تثير سحابة صغيرة منه.
بدأت أرى أشكالًا تتحرك في هذا الرماد. مخلوقات صغيرة ونحيلة تتحرك بسرعة، تبدو وكأنها تتغذى على البقايا. لم أستطع تحديد ماهيتها، لكن حركتها السريعة والمريبة كانت كافية لإثارة القشعريرة في جسدي.
كانت الطبيعة هنا عدائية، شريرة، وكأنها تعكس الكابوس الذي كانت عليه هذه الغابة. لم يكن هناك جمال أو سلام. فقط خوف ورعب كامن في كل شيء.
شعرت بأن الغابة نفسها تحاول إيذائنا، ليس من خلال المخلوقات التي قد تظهر، بل من خلال بيئتها المريضة والملتوية. كان عليّ أن أبقى متيقظًا ليس فقط للمخلوقات، بل للطبيعة نفسها.
نظرت إلى قط الظلال، الذي كان يسير بجانبي بهدوء، لكنني شعرت بالتوتر الخفي في حركته. كان هو الآخر يشعر بالجو المرعب لهذه المنطقة.
"يجب أن نكون حذرين." همست. "هذه المنطقة... تبدو مختلفة."
هز قط الظلال رأسه ببطء. "هنا... الطبيعة نفسها عدو."
وتابعنا السير في هذا الكابوس الطبيعي، وكل خطوة كانت تزيد من شعوري بالقلق والرهبة. كنت أعرف أن أي شيء يمكن أن يختبئ في هذه المناظر المرعبة، وأن البقاء على قيد الحياة هنا سيكون تحديًا أكبر من أي شيء واجهته من قبل. كانت غابة الكابوس تكشف عن وجهها الأكثر قتامة.
...
...
...بعد فترة طويلة من السير في تلك المناظر الطبيعية المشوهة والمريضة، والتي كانت كافية لإثارة الرعب في قلب أي كائن حي، وصلنا إلى منطقة بدت وكأنها تجاوزت حدود الكابوس نفسه. منطقة شعرت فيها وكأن قوانين الطبيعة قد تم قلبها رأسًا على عقب، وحيث أصبح الوجود ذاته عذابًا مرئيًا.
كانت البداية بتغير تدريجي في لون السماء. لم تعد رمادية ميتة، بل تحولت إلى لون أحمر دموي قاتم، وكأن شمسًا حمراء تنزف ضوءها على هذا المكان الملعون. الغيوم كانت سوداء كثيفة، ملتفة حول بعضها البعض كوحوش نائمة تستعد للانقضاض.
ثم بدأت الأرض تتغير. لم تعد طينًا لزجًا أو حقلًا من العظام. بدت وكأنها جلد حي، متقرح ومنتفخ، مع عروق سوداء بارزة تتلوى تحت السطح. كانت هناك نبضات خفيفة تشعر بها تحت قدمي، وكأن الأرض نفسها تتنفس أو تتألم.
الأشجار هنا لم تكن مجرد ملتوية أو مشوهة. كانت مصنوعة من عظام بشرية متداخلة، مطلية بطبقة رقيقة من اللحم الشاحب. كانت الفروع عبارة عن أذرع وهياكل عظمية لأصابع ممدودة نحو السماء الحمراء، وكأنها تستغيث بصمت. كانت هناك جماجم مغروسة في جذوع الأشجار، وعيونها الفارغة تحدق بنا برعب أبدي.
بدأت أسمع أصواتًا لم أسمعها من قبل في هذه الغابة. لم تكن همسات أو طقطقات. كانت صرخات مكتومة، وآهات عذاب، وأصوات تمزق لحم وعظام، كلها مجتمعة في سيمفونية مرعبة من الألم والمعاناة.
كانت الأصوات تأتي من كل مكان ولا مكان في نفس الوقت، تخترق عقلي مباشرة وتثير فيه صورًا مروعة.
كانت هناك برك من الدماء الحمراء الداكنة منتشرة في كل مكان، لكنها لم تكن دماء عادية. كانت تغلي ببطء، وتطلق فقاعات تحمل صورًا مشوهة لوجوه معذبة. كانت الرائحة هنا لا تطاق، مزيج من الدم المتعفن واللحم المحروق والخوف المطلق.
بدأت أرى مخلوقات لم أستطع تصنيفها. أجساد مشوهة وملتوية، أطراف تنمو في أماكن خاطئة، وجوه ممزقة تصرخ بصمت. كانت تتحرك ببطء ورعونة، وكأنها أشباح عذاب تجسدت في الواقع. كانت تنظر إلينا بعيون مليئة باليأس والرجاء، وكأنها تتوسل لإنهاء عذابها.
كانت هناك منطقة بدت وكأنها مذبح ضخم مصنوع من قلوب بشرية متراصة فوق بعضها البعض، لا تزال تنبض ببطء وتنزف دمًا أسود. كانت هناك سكاكين وأدوات تعذيب متناثرة حول المذبح، مطلية بالدماء المتخثرة.
بدأت أرى ظلالًا تتحرك بسرعة فائقة، لا يمكن للعين تتبعها. كانت تومض وتختفي، وتترك وراءها شعورًا بالبرد القارس والخوف الشديد. شعرت وكأن هناك شيئًا يراقبنا من بين هذه الظلال، شيء شرير وقديم.
كانت هناك أشجار معلقة عليها أجساد مشوهة، تتأرجح ببطء في الهواء الأحمر، وكأنها ثمار مرعبة نمت على هذه الأشجار الملعونة. كانت الأجساد ممزقة ومقطعة، لكنها لا تزال تتحرك بخفة، وكأن أرواحها لا تجد الراحة.
بدأت أرى تشققات في الأرض تنفتح ببطء، تكشف عن أعماق مظلمة تنبعث منها حرارة خانقة ورائحة كبريت قوية. كانت هناك أصوات أنين وعويل قادمة من تلك الأعماق، وكأن الجحيم نفسه يفتح أبوابه.
كانت هناك منطقة بدت وكأنها مرآة مشوهة للعالم الحقيقي. أشياء مألوفة لكنها ملتوية ومريضة. أشجار تشبه الأشجار التي أعرفها لكنها تنمو بشكل مقلوب. سماء حمراء تعكس أرضًا سوداء. شعرت بالدوار والغثيان وأنا أنظر إلى هذا الانعكاس المرعب.
بدأت أرى مخلوقات مصنوعة من أجزاء مختلفة من الكائنات الحية، مخيطة معًا بطريقة بشعة. كانت تتحرك برعونة وتصدر أصواتًا غير مفهومة، وكأنها تعاني من وجودها المشوه.
كانت هناك منطقة بدت وكأنها حقل من العيون. عيون بشرية وعيون حيوانات وعيون مخلوقات أخرى تحدق بنا من الأرض، تتبع حركتنا بنظرات ثابتة ومرعبة. شعرت وكأنني مراقب من قبل آلاف العيون.
كانت هناك أشجار تنمو عليها أيدي بشرية، تتلوى وتتحرك بخفة، وكأنها تحاول الإمساك بنا. كانت الأصابع شاحبة وباردة الملمس، وأظافرها طويلة وحادة.
بدأت أرى وجوهًا تظهر وتختفي في الأشجار، وجوه معذبة تصرخ بصمت، تتوسل للمساعدة بنظرات يائسة. شعرت بثقل حزن لا يطاق يضغط على قلبي.
كانت هناك منطقة بدت وكأنها مصنوعة من اللحم الحي. جدران وأرضيات وسقوف تنبض ببطء، وتفرز سائلًا لزجًا بلون الدم. كانت هناك أصوات قرقرة وهمسات قادمة من هذه الجدران الحية.
كانت هناك أشجار تنمو عليها أسنان بشرية، حادة ومتراصة، وكأنها فم ضخم يبتلع السماء الحمراء. شعرت برغبة في الصراخ لكن صوتي تخلى عني.
نظرت إلى قط الظلال. كان يقف بجانبي بصمت، وعيناه الحمراوان مثبتتين على هذا المشهد المرعب. لم يكن هناك خوف في عينيه، بل شيء آخر... شيء يشبه الحزن العميق والأسى.
"ما هذا المكان؟" سألت بصوت مرتعش، بالكاد أستطيع الكلام.
هز قط الظلال رأسه ببطء. "هنا... تتجلى أعمق كوابيس الروح."
شعرت ببرودة تسري في عظامي، أعمق من أي برد شعرت به من قبل. كان هذا المكان أكثر من مجرد منطقة مرعبة في غابة الكابوس. كان تجسيدًا للعذاب المطلق، مكانًا حيث الألم والمعاناة أصبحا هما الواقع.
كنت أرغب في الهروب، في الابتعاد عن هذا المشهد المروع، لكن قدمي تجمدتا في مكانهما. كنت أسير في قلب الكابوس نفسه، ولا أعرف ما إذا كنت سأخرج منه سالمًا.
كانت السماء الحمراء تنزف ضوءها على هذا المشهد المروع، والأصوات المروعة تملأ الهواء. كنت واقفًا في أكثر الأماكن رعبًا التي رأيتها في حياتي، وشعرت بأنني فقدت جزءًا مني إلى الأبد.
كانت غابة كالديون تكشف عن أعماقها المظلمة، وكنت أقف على حافة الجنون.
---
---
---
{وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
...
بكل الامتنان والتقدير، أود أن أشارككم إنجازًا عزيزًا في مسيرتي المتواضعة: وصول روايتي إلى فصلها الخمسين.
رغم التحديات التي رافقت هذا الطريق، والدعم المحدود الذي تلقّيته في بعض المراحل، إلا أن الإصرار على إيصال الفكرة، وحبّي لهذا العمل، كانا الدافع الأكبر للاستمرار.
أشكر من قلبِي كل من ساندني بدعمٍ أو تعليقٍ أو حتى تشجيعٍ صامت. إن مشاركتكم في هذه الرحلة، ولو بخطوات صغيرة، كانت شمعة أضاءت طريقي في الليالي التي تشابكت فيها الكلمات وتعثّرت الأفكار.
وحتى الذين لم يجدوا في هذا العمل ما يستحق الاهتمام، أقدّر غيابهم أيضًا؛ فكل تحدٍّ زادني قوةً وإيمانًا بضرورة المضي قدمًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة