[منظور إيثان سكارليث]
...بينما كنا نسير بحذر في الظلام الدامس لتلك الغابة الكابوسية، حيث كل ظل وكل صوت يحمل تهديدًا كامنًا، سمعنا فجأة صراخًا مدويًا هز أرجاء المكان. لم يكن صراخ ألم أو غضب عادي، بل كان مزيجًا مرعبًا من العويل الحاد والهدير الوحشي، صوتًا يشق الروح ويثير الرعب في الأعماق.
توقفنا فجأة، وتبادلنا النظرات مع قط الظلال. كان التوتر واضحًا على وجهه الصغير. "ما هذا؟" همست، وقلبي يخفق بسرعة.
هز قط الظلال رأسه ببطء، وعيناه الحمراوان مثبتتين على اتجاه الصوت. "قتال... بين جبابرة."
جبابرة. كانت تلك رتبة أعلى بكثير من العظيم الذي اختبأنا منه للتو. شعرت بقشعريرة تسري في عظامي. معركة بين مخلوقين من هذه الرتبة يجب أن تكون شيئًا مرعبًا حقًا.
تحركنا بحذر نحو مصدر الصوت، نحاول البقاء في الظل والاستفادة من أي غطاء طبيعي. كان الصراخ يزداد حدة كلما اقتربنا، مصحوبًا بأصوات تحطم أغصان ضخمة وارتطامات عنيفة تهز الأرض تحت أقدامنا.
وصلنا إلى منطقة مفتوحة نسبيًا، حيث الأشجار كانت أقل كثافة، وسمح ذلك لنا برؤية المشهد المروع الذي كان يتكشف أمامنا.
كانت معركة بين وحشين عملاقين، كلاهما ينتميان إلى رتبة جبار، وكانت وحشية وعنيفة لدرجة أنها تجاوزت أي شيء تخيلته.
كان أحدهما مخلوقًا طائرًا ضخمًا، أكبر بكثير من أي طائر رأيته في حياتي. كان يمتلك جسدًا مغطى بريش أسود حاد كالشفرات، وأجنحة جلدية عملاقة تمتد لعشرات الأمتار، تخفق بعنف وتثير عواصف صغيرة من الهواء الملوث. كان رأسه يشبه رأس نسر ضخم، لكن بمنقار أسود طويل ومعقوف ينتهي بأسنان حادة. كانت عيناه صفراوين متوهجتين، تنظران بعدوانية وحشية. كان يطلق صرخات مدوية تخترق طبلة الأذن.
وكان الآخر شيئًا أكثر رعبًا. عنكبوت عملاق بحجم منزل صغير، لكنه كان يمتلك رأسًا بشريًا شاحبًا ومشوهًا، مثبتًا على جسده المفصلي الضخم. كانت عيناه مجوفتين وسوداوتين، تحدقان بفراغ مرعب، لكن بطريقة ما شعرت بأنه يرانا. كانت أطرافه الثمانية طويلة ونحيلة، تنتهي بمخالب حادة كالسنانير، وكانت تتحرك بسرعة ومرونة مذهلة لحجمه. كان يصدر أصوات هسهسة عميقة ومقززة، وكأن آلاف الثعابين تتحدث في وقت واحد.
كان الجبار الطائر يحلق في الهواء، ينقض على العنكبوت العملاق بمخالبه الحادة ومنقاره القاتل. كان العنكبوت العملاق يقف على أطرافه الخلفية، يلوح بأطرافه الأمامية المزودة بالمخالب محاولًا الإمساك بالطائر. كان رأسه البشري المشوه يلتوي بطريقة غير طبيعية، وكأنه يراقب كل حركة للطائر.
في إحدى اللحظات، انقض الطائر الجبار بسرعة البرق، وتمكن من غرز منقاره في جسد العنكبوت العملاق. اهتز جسد العنكبوت الضخم بعنف، وأطلق صرخة مكتومة هزت المكان. لكن العنكبوت لم يستسلم. تحركت أطرافه بسرعة مذهلة، وتمكن أحد مخالبه الحادة من الإمساك بجناح الطائر.
شاهدنا برعب بينما تمزق المخلب الحاد جناح الطائر العملاق، وسقط جزء كبير من الريش الأسود كالشفرات على الأرض. صرخ الطائر بألم وغضب، وحاول التخلص من قبضة العنكبوت، لكن الأخير كان يتمسك به بإصرار.
تدلى الطائر الجبار وهو يرفرف بجناحه المصاب، بينما كان العنكبوت العملاق يسحبه إلى الأسفل. ثم، وبحركة سريعة ومفاجئة، قفز العنكبوت على ظهر الطائر، وأغرز مخالبه الحادة في جسده.
كان المشهد مروعًا. وحش عملاق يركب وحشًا آخر، ويمزقه بمخالبه القاتلة. كان الريش الأسود والدماء السوداء تتطاير في كل مكان. صرخ الطائر بعذاب، وبدأ يهبط بسرعة نحو الأرض.
ارتطم الجباران بالأرض بقوة هائلة، مما أحدث حفرة كبيرة وهز المكان بأكمله. استمر القتال على الأرض بوحشية أكبر. كان الطائر يحاول النهوض والتحليق مرة أخرى، لكن العنكبوت كان يتمسك به بإصرار، ويطعنه بمخالبه مرارًا وتكرارًا.
رأيت رأس العنكبوت البشري المشوه ينحني فوق رأس الطائر، وكأن المخلوق يستمتع بعذابه. كانت عيناه المجوفتان تحدقان في الطائر بلا رحمة.
في إحدى اللحظات، تمكن الطائر الجبار من ضرب العنكبوت بمنقاره الحاد على رأسه البشري. سمعت صوت تكسر عظام مقزز، وارتد رأس العنكبوت للخلف. لكنه لم ينفصل، وسرعان ما استعاد توازنه وواصل هجومه.
كانت المعركة وحشية وطويلة، ويبدو أنها لن تنتهي قريبًا. كان كلا المخلوقين يتمتعان بقوة هائلة وقدرة على التحمل لا تصدق. كان كل هجوم عبارة عن محاولة قتل، وكل دفاع كان يائسًا.
بدأت أتساءل عن سبب هذا القتال. هل كان صراعًا على منطقة نفوذ؟ أم على فريسة؟ أم مجرد رغبة وحشية في التدمير؟ لم أستطع معرفة ذلك، لكن المشهد كان يثير في نفسي شعورًا عميقًا بالرعب واليأس. هذه هي المخلوقات التي تعيش في هذه الغابة الكابوسية. جبابرة يتقاتلون حتى الموت، ولا يكترثون بأي شيء آخر.
استمر القتال لساعات طويلة. رأينا الطائر الجبار يفقد المزيد من ريشه، وجروحه تنزف بغزارة. رأينا أطراف العنكبوت العملاق تتمزق وتلتوي، لكنه كان يواصل القتال بإصرار لا يلين.
في النهاية، وبعد صراع دام طويلًا، بدا أن قوة الطائر الجبار بدأت تتلاشى. كانت حركاته أبطأ وأكثر ضعفًا، وصراخه أصبح أكثر ألمًا ويأسًا.
استغل العنكبوت العملاق هذه الفرصة. تسلق جسد الطائر المنهك، ووصل إلى رقبته الضخمة. ثم، وبحركة أخيرة مرعبة، غرز مخالبه الحادة بعمق في عنق الطائر.
سمعنا صرخة مكتومة أخيرة، ثم سقط الطائر الجبار على الأرض بثقل، وجناحاه العملاقان يرتعشان لآخر مرة قبل أن يستقرا بلا حراك.
وقف العنكبوت العملاق فوق جثة عدوه المهزوم، رأسه البشري المشوه ينظر إلى الأسفل بانتصار مرعب. كانت أطرافه ملطخة بالدماء السوداء، وجسده الضخم مغطى بالجروح والتمزقات، لكنه كان لا يزال واقفًا، المنتصر البشع في هذه المعركة الوحشية.
بعد لحظات من الصمت المروع، بدأ العنكبوت العملاق يصدر أصوات هسهسة منخفضة، وكأنه يحتفل بانتصاره. ثم بدأ يلتفت حوله، وكأن شيئًا ما لفت انتباهه.
تجمدت في مكاني، وشعرت بالخوف يتجمد في عروقي. كانت عيناه المجوفتان تتجهان نحونا. شعرت وكأنه يرانا، رغم الظلام والمسافة.
"يجب أن نرحل من هنا الآن." همس قط الظلال بصوت خافت، لكن كان هناك إلحاح واضح في نبرته.
تحركنا بسرعة وبصمت، محاولين الابتعاد عن مرمى نظر هذا المنتصر المرعب. لم نكن نريد أن نكون الضحايا التاليين في هذه الغابة التي لا ترحم. كانت معركة الجبابرة تذكيرًا وحشيًا بمستوى الخطر الذي نواجهه، وبمدى عمق الكابوس الذي كنا نسير فيه.
كانت غابة كالديون مكانًا حيث الوحوش العملاقة تتقاتل حتى الموت، وحيث البقاء على قيد الحياة هو معجزة بحد ذاتها.
...
...
...بينما كنا نبتعد بسرعة عن ساحة المعركة الدامية بين الجبارين، وسرنا بخطى حثيثة عبر الظلام المتشح بالسواد، لم أستطع التخلص من الشعور بالرهبة الذي خلفته تلك المواجهة الوحشية. كان صوت صراخهم وعويلهم لا يزال يتردد في أذني، وصورة الوحش العنكبوت برأسه البشري وعينيه المجوفتين محفورة في ذهني.
"قط الظلال؟" سألت أخيرًا، محاولًا كسر حاجز الصمت الثقيل الذي خيم علينا.
توقف قط الظلال للحظة، ثم التفت إليّ وعيناه الحمراوان تتوهجان في الظلام. "ماذا؟"
"كيف عرفت أنها معركة بين جبابرة بينما لم نكن قريبين حتى؟" استفسرت بفضول وقلق. "لقد سمحت لي عين البصيرة برؤية مستويات المستيقظين ومخلوقات الكابوس عند رؤيتهم فقط، ولكن ماذا عنك؟ يا قط الظلال... كيف تستطيع تحديد رتبتهم من بعيد؟"
توقف قط الظلال للحظة، وكأنه يفكر في سؤالي. ثم تحدث بصوت خافت وغامض: "أستطيع أن أشعر بهم. أشعر بهالاتهم... بطاقتهم. الجبابرة... لديهم هالة مختلفة. أقوى... أشد قتامة... لا يمكن إغفالها."
كانت إجابته مبهمة، لكنها كانت كافية لإثارة المزيد من الأسئلة في ذهني. ما هو قط الظلال حقًا؟ ما هي قدراته الحقيقية؟ كان هناك الكثير الذي لم أعرفه عنه.
تابعنا السير لفترة طويلة أخرى، نبحث عن أي مكان يوفر لنا بعض الراحة المؤقتة. كنت أعلم أنه لا يوجد مكان آمن حقًا في هذه الغابة الملعونة، لكنني كنت أتوق إلى لحظة من الهدوء النسبي.
في النهاية، وجدنا تجويفًا ضيقًا تحت جذع شجرة عملاقة وملتوية. لم يكن مريحًا، لكنه كان يوفر بعض الحماية من العراء. استلقيت على الأرض الصلبة، وشعرت بالإرهاق الشديد يسيطر على جسدي. قط الظلال استقر بجانبي، يراقب محيطنا بعينين يقظتين.
سرعان ما استسلمت للإرهاق، وانزلقت إلى نوم مضطرب مليء بالكوابيس.
كانت الرؤيا مرعبة.
فجأة، وجدت نفسي أقف في نفس المنطقة المفتوحة حيث دارت معركة الجبارين. كانت الأرض ملطخة بالدماء السوداء، وجثة الجبار الطائر العملاق ملقاة على الأرض بلا حراك. لكن العنكبوت الجبار برأسه البشري كان يقف أمامي مباشرة، على بعد بضعة أمتار فقط.
كان أكبر وأكثر بشاعة مما رأيته في الواقع. كانت عيناه المجوفتان تحدقان بي بفراغ مرعب، لكنني شعرت بنظرة ثابتة وشريرة تخترق روحي. كان رأسه البشري المشوه يرتجف بخفة، وكأنه يتمتم بكلمات غير مفهومة.
كانت أطرافه الطويلة والنحيلة تتحرك ببطء، ومخالبه الحادة تقطر بالدماء السوداء. كانت رائحته أقوى وأكثر نتانة، مزيج من الموت والعفن والخوف المطلق.
كنت مرعوبًا جدًا لدرجة أنني لم أستطع الحركة. كنت واقفًا متجمدًا في مكاني، أشاهد هذا الكابوس يقترب مني ببطء. كانت أنفاسي متقطعة، وقلبي يخفق بعنف في صدري.
وبينما كان العنكبوت الجبار يقترب أكثر، بدأت أشعر بشيء غريب يحدث له. بدأ جسده الضخم يهتز بعنف، وكأن قوة غير مرئية تمزقه من الداخل. بدأ الفرو الأسود يتمزق، واللحم الشاحب يتمزق، والعظام تتكسر بصوت مقزز.
ثم، فجأة، تبخر. لم يمت أو يسقط. بل تمزق وتلاشى في الهواء، وكأنه لم يكن موجودًا قط. لم يبق منه سوى بقايا سوداء متناثرة تتلاشى بسرعة.
في المكان الذي كان يقف فيه العنكبوت الجبار، ظهر شيء آخر. شيء أكثر رعبًا.
في البداية، لم أستطع رؤية سوى ضباب كثيف أسود يلتف حول شكل غير محدد. لكن من بين هذا الضباب، برز زوج من العيون. عيون قرمزية متوهجة، تشتعل بغضب وحشي وكراهية مطلقة. كانت أشد رعبا بكثير من عيون أي مخلوق رأيته من قبل، وكانت تنظر إليّ مباشرة، تخترقني بنظرة حارقة.
ثم ظهرت قرون بارزة من بين الضباب. قرون سوداء ضخمة وملتوية، تشبه أغصان شجرة ميتة. كانت حادة ومرعبة، توحي بقوة تدميرية لا تصدق.
كان الهالة التي تشع من هذا الشيء مرعبة. شعرت ببرد قارس يخترق روحي، وشعور باليأس المطلق يغمرني. كان هناك شيء قديم وشرير في هذا الكائن، شيء يفوق أي شيء تخيلته.
كان الضباب الكثيف يحجب الرؤيا عني، لكنني استطعت أن أشعر بحجمه الهائل وقوته الكامنة. كانت العيون القرمزية الغاضبة والمرعبة وقرونه البارزة كافية لزرع الرعب في أعماق قلبي.
شعرت وكأن هذا الكائن يعرفني. شعرت وكأن غضبه موجه نحوي شخصيًا. شعرت وكأنني أقف أمام تجسيد الكابوس نفسه.
ثم، فجأة، تلاشى كل شيء. وجدت نفسي أستيقظ، ألهث بشدة، وعرقي يغطي جسدي. كان الظلام لا يزال يلفنا، لكن الرؤيا المرعبة كانت لا تزال حية في ذهني.
كانت عيناه القرمزيتان وقرونه البارزة محفورة في ذاكرتي. لم أرَ وجهه بوضوح، لكنني شعرت بالشر المطلق الذي ينبعث منه. كان هذا الكائن أكثر رعبًا من أي شيء واجهته في غابة الكابوس حتى الآن.
نظرت إلى قط الظلال، الذي كان مستيقظًا ويراقبني بقلق. "رأيت شيئًا..." تمتمت بصوت مرتعش. "شيئًا مرعبًا."
هز قط الظلال رأسه ببطء. "الرؤى... غالبًا ما تحمل تحذيرًا."
لم أفهم معنى تلك الرؤيا جيدا، لكنني شعرت بأنها كانت علامة.
علامة على أن الخطر الحقيقي لم يأتِ بعد. علامة على أن هناك مخلوقات أكثر رعبًا تنتظرنا في أعماق غابة الكابوس. وكنت أخشى ما سيحدث عندما نلتقي بها.