جلستُ في مكاني، ألهث بصعوبة، وقلبي يكاد يخرج من صدري. العرق البارد غطى جبيني، وجسدي بالكامل كان يرتجف كما لو كنت لا أزال عالقًا في ذلك المكان الملعون.
"اللعنة... اللعنة..."
وضعت يدي على رأسي، محاولًا تهدئة نفسي، لكن عقلي كان يعمل بجنون، ينبش في شيء لم أرد التفكير فيه. تلك الرؤيا... لم تكن مجرد كابوس عابر.
عندها، تذكرت.
[السمة: الرؤيا]
شعرت ببرودة تجتاح عمودي الفقري، وجسدي كله ازداد ارتجافًا. كيف نسيت؟ كيف استطعت تجاهل الحقيقة المرعبة التي رافقتني دائمًا؟
كل رؤيا أراها في أحلامي... تصبح حقيقية.
لكنها دائمًا غامضة، غير واضحة، كأنها جزء من لغز لا يمكنني فهمه حتى فوات الأوان.
ارتجفتُ بقوة، وأنا أتذكر مشهد القلعة السوداء، الجثث المتناثرة، والهمسات التي لم أستطع فهمها، لكنني شعرت بها تتغلغل في داخلي، تهمس لي بحقيقة لم أكن مستعدًا لسماعها.
"لا... لا يمكن أن تكون هذه رؤيا حقيقية، صحيح؟"
لكنني كنت أعرف الجواب مسبقًا.
لقد رأيت أشياء من قبل، أشياء اعتقدت أنها مجرد كوابيس، ثم وجدت نفسي عالقًا داخلها، وكأن العالم نفسه يعيد تشكيل الواقع ليجعلني أعيشها.
وهذه القلعة...
لم تكن مجرد وهم عابر، بل كانت مكانًا موجودًا في مكان ما، تنتظرني، أو ربما أنا من كنت أسير إليها دون أن أدرك.
ابتلعت ريقي، جسدي ما زال يرتجف. لم أكن أعرف متى أو كيف سأراها مجددًا، لكنني كنت متأكدًا من شيء واحد...
أنا ذاهب إلى هناك.
سواء أردت ذلك أم لا.
...
...
بينما كنت أرتجف، ما زلت أحاول استيعاب الرؤيا التي رأيتها، قاطع أفكاري صوت مدوٍّ في أعماق الغابة.
تحطم!
رفعت رأسي بحدة. كان الصوت أشبه بشيء ضخم يسقط، شيء يقتلع جذور الأرض نفسها.
تحطم! تحطم!
تساقطت الأشجار واحدة تلوَ الأخرى، كما لو أن شيئًا غير مرئي يمهد طريقه عبر الغابة بالقوة. الأصوات كانت تقترب، وكان بإمكاني سماع طقطقة الأغصان وانهيار الجذوع، وكأن كابوسًا عملاقًا يتحرك بين الأشجار، يدمر كل شيء في طريقه.
ابتلعت ريقي، وشعرت بالدماء تتجمد في عروقي. لا... لا، لا، لا، لا يمكن أن يكون هذا شيئًا طبيعيًا.
ثم، رأيته.
خرج من بين الأشجار، جسد طويل ونحيل بشكل غير طبيعي، أشبه بظل تحوّل إلى كيان حقيقي. طوله كان يقارب 30 مترًا، يديه طويلتان جدًا، تتدليان بجانبه وكأنهما مصنوعتان من ظلال سائلة. كان يتحرك ببطء، لكن كل خطوة منه كانت تهز الأرض تحت قدميّ.
لكن الشيء الأكثر رعبًا...
لم يكن يملك وجهًا.
مجرد رأس فارغ، مغطى بجلد داكن متموج، وكأن وجهه قد تم محوه من الوجود.
لم يتحرك نحوي بسرعة، لكنه كان يتقدم بثبات، وكأن وجودي هنا لم يكن سوى مصادفة غير مهمة بالنسبة له. لكنني شعرت به... كيان يفوق كل شيء واجهته من قبل.
"لا... لا يمكنني حتى التفكير في قتاله."
ارتعشت يداي، قبضت على سيفي الأسود، لكنني كنت أعلم أن هذا ليس نزالًا يمكنني خوضه. هذا ليس مجرد مخلوق كابوس عادي... هذا شيء مختلف. شيء لا يجب أن يكون موجودًا في هذا العالم.
لم أفكر أكثر.
استدرت وركضت.
كل جزء من جسدي صرخ بي لأهرب، لأبتعد بأسرع ما يمكن، لم يهمني إلى أين، فقط كنت بحاجة لأن أكون بعيدًا عن هذا الشيء.
خطوات الظل!
فعّلت المهارة على الفور، شعرت بجسدي يصبح أخف، سرعتُي تضاعفت، لكن حتى مع ذلك، لم أكن متأكدًا إن كنت أستطيع الفرار.
وراءي، شعرت بتلك الهالة الثقيلة تزداد، وكأن الهواء نفسه أصبح أكثر كثافة، كما لو أن العالم يحاول مقاومة وجود هذا الشيء داخله.
ركضت، ركضت دون أن ألتفت، ودون أن أجرؤ حتى على التفكير فيما سيحدث لو توقفت.
لم يكن هذا مجرد مخلوق كابوس آخر.
هذا كان شيئًا...
لا يجب أن أقترب منه أبدًا.
واصلت الركض، أنفاسي تتسارع، وقلبي يكاد ينفجر من شدة التوتر. كنت أشعر به خلفي، وجوده يطغى على كل شيء، لكنني لم أجرؤ على الالتفات.
ثم، في آخر لحظة، لمحت مدخل كهف صغير بين الأشجار.
"هناك!"
اندفعت نحوه دون تردد، وانزلقت داخله بسرعة، جسدي بالكاد مرّ عبر الفتحة الضيقة. دخلت إلى أعماق الظلام، وقفت هناك، محاولًا كتم أنفاسي، محاولًا ألا أصدر أي صوت.
الداخل كان مظلمًا تمامًا، بالكاد استطعت رؤية يدي أمام وجهي، لكنني لم أكن بحاجة للرؤية الآن. كل تركيزي كان على الخارج.
تحطم.
تحطم.
تحطم.
خطوات المخلوق العملاق كانت تهز الأرض من تحتي، بطيئة، ثقيلة، لكنها لم تتوقف. مرت لحظات بدا فيها وكأنه يقترب أكثر، حتى شعرت به بالضبط بجانب الكهف.
توقفت أنفاسي تمامًا.
كان قريبًا جدًا، لدرجة أنني شعرت بشيء غريب—وكأن الهواء نفسه أصبح أكثر ثِقَلًا، وكأن الواقع ينحني حوله.
لم أستطع التحرك.
لم أجرؤ حتى على التفكير.
وقفت هناك، متجمّدًا في أعماق الظلام، بينما خطواته استمرت، بطيئة، ثابتة...
ثم بدأت تبتعد.
واحدة تلو الأخرى، تلاشت اهتزازات الأرض، وبدا وكأن المخلوق لم يهتم بي أبدًا. لم يتوقف، لم يبحث، لم يظهر أي علامة على أنه كان يطاردني.
وكأنني... لم أكن شيئًا يستحق حتى الاهتمام.
انتظرت طويلًا، أطول مما كان يجب، قبل أن أسمح لنفسي بأخذ نفس عميق.
ركبتاي خذلتاني، فسقطت جالسًا داخل الكهف، ووضعت يدي على وجهي، محاولًا استيعاب ما حدث.
"ما كان ذلك بحق الجحيم؟"
لم يكن مجرد مخلوق قوي. لم يكن مجرد كابوس.
كان شيئًا... لا يجب أن أواجهه أبدًا.
...
...
ما زلت أرتجف، أتنفس بصعوبة، بينما أنظر إلى يديّ المرتعشتين. جسدي لم يتوقف عن إرسال إشارات الخطر، وكأنني لا أزال أمام ذلك الشيء، حتى بعد أن اختفى في الظلام.
شعرت بجفاف رهيب في حلقي. لم أفكر كثيرًا، فقط رفعت يدي نحو خاتم الظلال، واستدعيت زجاجة الماء التي لا تنضب.
ظهرت بين يديّ فورًا، زجاجها الأسود اللامع يعكس ضوءًا خافتًا من داخل الكهف. فتحت الغطاء بسرعة، وشربت منها بعمق، وكأنني أحاول غسل كل الخوف الذي علق داخلي.
الماء كان باردًا، نقيًا بطريقة غير طبيعية، وكأنه لم يكن مجرد ماء... بل شيء أكثر من ذلك.
بينما كنت أشرب، تذكرت.
ذلك الرجل ذو القناع الشيطاني.
رأيتُه في داخل كهف آخر، لم يكن هذا الذي أنا فيه الآن. كان يجلس هناك، في ظلام أشد كثافة من أي شيء رأيته، وكأنه كان جزءًا منه.
لقد ناداني حينها بلقب غريب...
"المنسي من الظلال."
كان يعرفني، رغم أنني لم ألتقِ به قط في الواقع. عرف اسمي، عرف ماضيّ، بل حتى عرف عيبي... التشويه.
في تلك اللحظة، بعد كلماته الغير مفهومه، رفع يده، وأعطاني ثلاث سمات.
خاتم الظلال (المستوى: صاعد) – كان هذا الخاتم أكثر من مجرد أداة تخزين، كان أشبه بشيء حي، كأنه امتداد لذاتي.
خطوات الظل (المستوى: مبتدئ) – مهارة تسمح لي بالتحرك بسرعة مضاعفة، وكأنني أندمج مع الظلال نفسها.
الانتقال الآني (المستوى: مبتدئ) – القدرة على التنقل لمسافات قصيرة فورًا، لكن بثمن... لم أكن أعرفه بعد.
في ذلك الوقت، لم أفهم لماذا أعطاني تلك السمات، ولماذا اختارني تحديدًا. لكن الآن...
أصبحت متأكدًا من شيء واحد.
ذلك الرجل كان يعرف أنني سأصل إلى هذه اللحظة.
شعرت بقشعريرة تزحف على ظهري. كيف يمكن لرجل لم أقابله يومًا أن يكون على علم بكل شيء عني؟
وضعت الزجاجة جانبًا، وأخذت نفسًا عميقًا، محاولًا جمع أفكاري.
شيء ما كان يحدث هنا. شيء أكبر مني، وأكبر حتى من هذا العالم نفسه.
وعليّ أن أعرف الحقيقة... قبل فوات الأوان.
حبست أنفاسي، ما زالت أفكاري تدور حول ذلك الرجل ذو القناع الشيطاني، لكن لا فائدة من الغرق في التساؤلات الآن. كان عليّ التركيز على وضعي الحالي.
نهضت من مكاني، محاولًا استكشاف الكهف. بدا عاديًا تمامًا—مجرد جدران صخرية خشنة، رائحة الرطوبة تملأ المكان، وأصداء خطواتي تتردد في الفراغ.
تحركت بحذر، أراقب كل زاوية، لكن لم يكن هناك شيء غير طبيعي. لا رموز غريبة، لا آثار لمخلوقات كابوسية، لا شيء يوحي بأن هذا الكهف مختلف عن أي كهف آخر.
لكن رغم ذلك...
شعرت بعدم الارتياح.
وكأن المكان نفسه كان يراقبني.
فجأة—
شعرت بشيء يمسك كاحلي.
شعور بارد، لزج، غير بشري.
التصقت قدماي بالأرض، وكأن الموت نفسه أمسك بي.
نظرت إلى الأسفل، وعيناي اتسعتا بالرعب.
أيدٍ.
أيدٍ بشرية تتسلل من تحت الأرض، سوداء، متشققة، أصابعها طويلة بشكل غير طبيعي، تتحرك ببطء ولكن بثبات، وكأنها تحاول سحبي نحو العدم.
"اللعنة!" صرخت، محاولًا التراجع، لكن قبضتها كانت قوية بشكل مرعب.
شعرت بأصابعها تلتف حول ساقي، أظافرها الحادة تغوص في جلدي، برودتها تتسرب إلى داخلي، كأنها تحاول امتصاص روحي نفسها.
تزايدت الأيادي، تخرج أكثر وأكثر، أصوات طقطقة عظامها تملأ المكان، تخرج من كل مكان، من الجدران، من السقف، من الأرض...
هذا ليس كهفًا.
هذا قبر.
وأنا كنت الضحية القادمة...
صرختُ بأعلى صوتي، محاولًا التخلص من الأيدي التي كانت تسحبني نحو الظلام. قبضتها كانت باردة كالموت، تشدّني بقوة مرعبة، وكأنها تريد ابتلاع وجودي بالكامل.
"تبًا! دعوني!"
حاولت سحب قدمي، لكن الأيادي كانت تزداد، تمسك بي من كل اتجاه، تلتف حول جسدي، تخدش جلدي بأظافرها الحادة، الألم كان لا يُحتمل. شعرت بالدماء تنزف من ساقي وذراعي، ومع كل محاولة للهرب، كنت أشعر بجسدي يُستنزف أكثر فأكثر.
تجمعت قوة لا أعرف مصدرها، ورفعت سيفي الأسود، أطلقت كل ما تبقى لدي من طاقة وضربت أقرب يد تمسكني، لكن السيف مرّ خلالها كما لو كانت مجرد ظلال حيّة!
"مستحيل..."
شعرت بأنفاسي تضيق، وكأن الهواء نفسه بدأ يختفي. لم أكن أستطيع الصراخ بعد الآن، جسدي بدأ يضعف، الرؤية أصبحت ضبابية، كنت...
أموت.
لا.
لن أسمح بذلك.
استجمعت آخر ما لدي من طاقة، وفعّلت خطوات الظل!
شعرت بسرعة تتدفق في جسدي، اندفعت بكل قوتي نحو مدخل الكهف، جسدي كان يتمزق حرفيًا من قبضات الأيادي التي حاولت أن تبقيني داخل ذلك الجحيم.
كل شيء كان يصرخ بالألم، لكنني لم أتوقف.
خرجت من الكهف أخيرًا، لكن في اللحظة التي غادرت فيها، شعرت بيد أخيرة تسحبني بقوة عنيفة، وترميني خارجًا وكأنني دمية بلا وزن.
تحطم!
اصطدم جسدي بشجرة، ثم تدحرجت على الأرض بقوة، شعرت بضلوعي تتكسر، الدماء تغطي وجهي وذراعي، الألم كان لا يُوصف.
بقيت ملقى على الأرض، غير قادر على الحراك، أنفاسي متقطعة، قلبي ينبض بجنون، لكنني كنت على قيد الحياة.
نجوت... بالكاد.
استلقيتُ على الأرض، الألم يمزق كل جزء من جسدي، أنفاسي متقطعة، والأرض تدور من حولي.
لكن رغم كل شيء… كنت على قيد الحياة.
حاولت رفع رأسي بصعوبة، نظرتُ إلى الكهف الذي خرجتُ منه، كانت فتحته ساكنة، مظلمة كما لو أنها لم تكن مسكونة قبل لحظات بمئات الأيادي التي كادت تقتلني.
لكن شيئًا واحدًا لم أستطع فهمه.
تلك اليد الأخيرة... لماذا؟
كل الأيادي الأخرى حاولت سحبي إلى الداخل، حاولت قتلي، حاولت أن تجعلني أختفي وسط ذلك الظلام الملعون.
لكن تلك اليد الأخيرة؟
لماذا رمتني خارج الكهف بدلاً من أن تسحبني للداخل؟
كانت تستطيع الإمساك بي بسهولة، كانت أقوى من كل الأيادي الأخرى، لكنها بدلًا من ذلك... دفعتني للخارج، بقوة عنيفة، وكأنها تريدني أن أهرب.
هل كان ذلك مجرد صدفة؟ أم أن هناك شيئًا… أو أحدًا داخل ذلك الكهف، لم يُرد لي الموت؟
شهقتُ بألم، ثم أغمضتُ عينيّ للحظة، جسدي لم يعد يحتمل، لكن عقلي لم يتوقف عن التفكير في هذا السؤال:
هل كنت وحدي في ذلك الكهف حقًا؟
"اللعنة!... يتبع