استلقيتُ على الأرض، أنفاسي متقطعة، والألم ينهش كل جزء من جسدي. كنت بحاجة للراحة، حتى لو كان ذلك لبضع دقائق فقط. أغمضتُ عيني، مستشعرًا البرودة التي تسللت إلى عظامي، بينما أفكاري لا تزال تدور حول ذلك الكهف الملعون، وتلك اليد الأخيرة التي أنقذتني بدلاً من قتلي.
لكن لم يكن لدي وقت للغرق في الأسئلة.
بطني كانت تشتعل جوعًا.
لم يكن لدي أي طعام، ولم يكن لدي خيار آخر سوى الصيد.
كان عليّ أن أقتل أحد مخلوقات الكابوس من المستوى الخامل، وأتغذى عليه. لم يكن ذلك سهلًا، لكنها كانت الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.
نهضتُ ببطء، الألم لا يزال يشتعل في جسدي، لكنني تجاهلته. لا وقت للضعف.
فتحت رؤياي، وألقيت نظرة على البيئة من حولي. لم يستغرق الأمر طويلًا حتى رصدتُ أحد الوحوش القريبة.
كان أشبه بحيوان ضخم مشوه، جسده يغطيه فراء كثيف أسود، عيناه حمراوان تتوهجان في الظلام، وأنيابه طويلة كالسيوف. كان يجوب المكان ببطء، يتحرك كأنه سيد هذه الأرض.
هذا سيكون خصمي.
استدعيتُ سيفي الأسود، قبضت عليه بقوة، ثم تقدمتُ ببطء. لم يكن عليّ لفت انتباهه قبل أن أكون جاهزًا بالكامل.
لكن قبل أن أتخذ خطوتي التالية، استدار الوحش فجأة، وعيناه الحمراوان انغرستا في وجهي مباشرةً.
"اللعنة…"
انقضّ عليّ بسرعة غير متوقعة، مخالبه العملاقة تندفع نحوي، بالكاد تمكنتُ من تفاديها مستخدمًا خطوات الظل!
لكنه لم يتوقف.
استدار بسرعة، ضربني بذيله الثقيل، فأُرسلتُ طائرًا في الهواء قبل أن أتحطم على الأرض بقوة.
لقد كان أسرع وأقوى مما توقعت.
نهضتُ بسرعة رغم الألم، السيف في يدي، وعيناي تراقبان تحركاته.
هذه المعركة لن تكون سهلة.
اندفعتُ للأمام، موجهًا ضربة قوية نحو عنقه، لكنه صدها بمخالبه بسهولة، قبل أن يهجم عليّ مجددًا.
بدأت المعركة تتحول إلى سباق طويل من الهجمات والمراوغات، كل ضربة كنت أوجهها إليه بالكاد تخدشه، وكل ضربة يوجهها لي كانت تقربني أكثر من حافة الموت.
مرّت دقائق طويلة، لكنني شعرت وكأنها ساعات.
كلاي مغطى بالجروح، أنفاسي تتقطع، ونقاط روحي تقترب من النفاد. لكنني لم أتوقف.
تراجعتُ إلى الخلف، محاولًا استجماع ما تبقى لدي من طاقة، فيما كان الوحش يستعد للهجوم النهائي.
"الآن أو أبدًا."
انتظرتُ اللحظة المناسبة، ثم في اللحظة التي انقضّ فيها عليّ، استخدمتُ الانتقال الآني!
اختفيتُ للحظة، وظهرتُ خلفه مباشرة، رافعًا سيفي بكل ما أوتيت من قوة، ثم…
طعنتُه في عنقه!
شعرتُ بمعدنه يخترق جسده، وسمعتُ صرخة الوحش وهو يتلوّى من الألم. ضغطتُ أكثر، حتى انغرس السيف بالكامل في جسده، ثم سحبته بقوة، مما جعل دماءه السوداء تتدفق بغزارة.
تراجع الوحش، صدره يعلو ويهبط، لكنه لم يصمد أكثر.
سقط أخيرًا.
تقدمتُ نحوه، ما زلت أتنفس بصعوبة، حتى رأيت التعويذة تظهر أمامي:
[لقد قتلت وحشًا خاملاً]
[لقد تلقيت أربع شظايا إضافية]
نظرتُ إلى الجثة أمامي، ثم إلى يدي المرتعشة.
لقد فزت…
نظرتُ إلى الجثة الضخمة أمامي، أنفاسي لا تزال متقطعة، لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا في ذهني:
أنا بحاجة إلى الطعام.
لم أكن متأكدًا إن كان لحم هذا المخلوق صالحًا للأكل، لكنه كان خياري الوحيد. الجوع كان ينهشني، وجسدي كان بحاجة ماسة للطاقة بعد هذه المعركة الطويلة.
لكن كيف سأطهوه؟
وقفتُ للحظة، أنظر حولي. لم يكن لديّ أي قدرة تتيح لي إشعال النار، ولم يكن بإمكاني المخاطرة بأكل اللحم نيئًا.
"حسنًا، لا يوجد حل آخر…" تمتمتُ لنفسي، ثم بدأتُ أبحث عن طريقة بدائية لإشعال النار.
جمعتُ بعض الأغصان اليابسة والحجارة التي بدت لي صلبة بما يكفي، ثم جلستُ وبدأتُ أطبق ما تعلمته.
الاحتكاك.
أخذتُ قطعة خشب صغيرة، وضغطتها بقوة على لوح خشبي آخر، وبدأتُ أفركها بسرعة، محاولًا خلق حرارة كافية لإشعال الشرر.
لكن الأمر لم يكن سهلًا.
يدي كانت ترتجف، وجسدي كان منهكًا، لكنني لم أتوقف.
دقيقة… دقيقتان… ثلاث دقائق…
ثم، أخيرًا، بدأتُ أرى دخانًا خفيفًا!
"هيا… هيا…" همستُ، ثم نفختُ بلطف على الشرارة الصغيرة حتى اشتعلت أول لهب ضعيف.
لقد نجحت.
بسرعة، وضعتُ بعض الأوراق الجافة والأغصان الصغيرة، ثم راقبتُ النار وهي تكبر شيئًا فشيئًا.
بعد أن تأكدتُ من أن النار قوية بما يكفي، قطعتُ قطعة من لحم الوحش، وثبّتها على عصا، وبدأتُ أشويها على اللهب.
الرائحة لم تكن سيئة…
لكنني لم أكن متأكدًا مما إذا كان هذا اللحم سامًا أم لا.
حدّقتُ فيه للحظة، ثم قررتُ المخاطرة.
أخذتُ لقمة صغيرة.
مضغتها ببطء، متوقعًا أسوأ الاحتمالات…
لكنني فوجئت.
اللحم كان جيدًا.
قاسٍ قليلًا، لكنه مليء بالعصارة، وله نكهة غريبة لكنها ليست سيئة.
لقد نجوتُ من الموت للتو… والآن، حصلتُ على طعام.
استمررتُ في المضغ، أول لقمة كانت ثقيلة في فمي، لكن كلما واصلت الأكل، شعرت بجسدي يستعيد بعضًا من طاقته. كنتُ جائعًا لدرجة أنني لم أهتم بالطعم الغريب أو بقسوة اللحم.
أخذتُ قطعة أخرى.
ثم أخرى.
لم أدرك مدى جوعي حتى بدأت ألتهم الطعام بنهم، وكأنني لم آكل منذ أيام.
كل قضمة كانت تبعث الدفء في جسدي المنهك، تعيد لي الإحساس بالحياة بعد المعركة الطويلة.
أكلتُ حتى امتلأت معدتي تمامًا، حتى لم يعد بإمكاني أخذ لقمة أخرى.
تنهدتُ بعمق، نظرتُ إلى النار المشتعلة أمامي، ثم إلى ما تبقى من لحم الوحش.
لقد شبعتُ أخيرًا.
ألقيتُ نفسي على الأرض، أغمضتُ عينيّ للحظة، مستمتعًا بالشعور الغريب بالراحة بعد كل ما مررتُ به.
لكن رغم ذلك، لم أكن أستطيع التوقف عن التفكير…
ما الذي ينتظرني بعد هذا؟
حدّقتُ في النار المشتعلة، شعرتُ بحرارتها تلامس وجهي، كان الشعور مريحًا… لكن فجأة، راودني إحساس قاتل.
شيء ما لم يكن على ما يرام.
في البداية، لم أفهم السبب، لكن بعد لحظات فقط، أدركتُ الحقيقة المروعة.
"اللعنة…"
كيف كنتُ بهذا الغباء؟
النار… الدخان… الرائحة…
كل هذا يعني شيئًا واحدًا:
لقد جذبتُ الانتباه.
استدرتُ ببطء، وقلبي بدأ ينبض بجنون، كانت هناك أصوات، خفيفة في البداية، لكنها تزايدت بسرعة.
خدش… خدش… خدش…
ثم… رأيتهم.
مئات الكائنات، كانت تتسلل من بين الأشجار، أشكالها أقرب إلى الفئران، لكنها لم تكن فئرانًا عادية.
كانت ضخمة، أكبر من أي كلب رأيته، وأجسادها مغطاة بجلد متآكل، وأنيابها بارزة بشكل وحشي، وعيونها الصغيرة الحمراء تتوهج في الظلام.
وحوش كابوسية… جائعة.
تجمدتُ في مكاني، يداي كانتا لا تزالان قرب النار، لكنني لم أستطع حتى التفكير في الإمساك بسيفي.
قتال هذا العدد؟
مستحيل.
لو كان وحشًا أو اثنين، ربما كان لدي فرصة، لكن مئات؟
حتى أقوى المحاربين لن يستطيعوا الصمود.
بدأتُ أتحرك ببطء، محاولًا التراجع دون إثارة انتباههم أكثر، لكن فجأة…
صرخة حادة دوّت بين الأشجار.
ثم، تحركوا جميعًا في نفس الوقت.
نحوي...
"اركض!"
لم يكن هناك وقت للتفكير، ولا لحظة واحدة للتردد.
انطلقتُ بأقصى سرعة ممكنة، أقدامي تضرب الأرض بقوة، والخوف يضخ الأدرينالين في عروقي.
ورائي، المئات من تلك الفئران العملاقة تركض بجنون، تموء وتصرخ بصوتٍ أشبه بالكوابيس.
كنتُ قد قاتلتَ كثيرًا اليوم، جسدي كان متعبًا، عضلاتي تحترق، لكن لم يكن هناك خيار آخر.
"إذا توقفتُ، سأموت."
استخدمتُ خطوات الظل قدر ما استطعت، لكن تأثيرها بدأ يضعف، لم تكن نقاط روحي كافية للاستمرار بها طويلًا.
استدرتُ عبر الأشجار، قفزتُ فوق الصخور، اندفعتُ بأقصى ما لدي، لكن الوحوش لم تتوقف، كانت أسرع مما توقعت، وكانت تقترب شيئًا فشيئًا.
"اللعنة… اللعنة…!"
استمر الهروب طويلًا، شعرتُ بأن قدمي ستتوقفان في أي لحظة، الرئتان تحترقان، والعرق يغطي جسدي بالكامل.
لكني لم أكن أستطيع التوقف.
أخذتُ منعطفًا حادًا، كنتُ بالكاد أرى بسبب الظلام، لكنني رأيته.
وفي تلك اللحظة… توقف قلبي.
على بعد عشرات الأمتار، وقف هناك…
ذلك المخلوق الذي رأيته مسبقًا.
ثلاثون مترًا من الطول، جسد نحيل بشكل غير طبيعي، ذراعان طويلتان كأنهما تمتدان إلى اللانهاية، ووجه… دون ملامح.
لكنه…
كان يحدق بي.
لم تكن لديه عيون، لم يكن لديه حتى ملامح، لكنني شعرتُ بنظراته تخترقني.
نسيان الوحوش التي تطاردني؟ مستحيل.
نسيان الهروب؟ مستحيل.
لكن في تلك اللحظة، شعرتُ وكأنني غارق في بحيرة من الجليد.
كل شيء في جسدي… أجبرني على التوقف.
...
...
...
صمتٌ تام...
قبل لحظات فقط، كانت الأرض تهتز تحت وقع أقدام تلك الفئران العملاقة، أصواتها كانت تصرخ في الظلام، أنفاسها الساخنة كانت تقترب مني…
لكن الآن؟
كلها توقفت.
لم أصدق عينيّ.
رأيتُ المئات من الوحوش، التي كانت تطاردني بجنون، تتوقف فجأة في أماكنها.
ثم، كما لو أن أمرًا غير مرئي صدر لها، بدأت تتراجع ببطء، أقدامها تسير إلى الوراء، أنفاسها الخشنة تهتز مع الهواء.
كانت… خائفة.
هذه المخلوقات المتوحشة، التي كانت مستعدة لتمزيقي قبل ثوانٍ، كانت الآن ترتجف من الرعب.
لم أكن بحاجة إلى التفكير كثيرًا في السبب.
ذلك الشيء…
ما زال واقفًا هناك.
عملاق بطول ثلاثين مترًا، جسده النحيل يبدو كأنه سيُسحق بأي لحظة، لكن مجرد وجوده وحده جعل تلك الوحوش تهرب.
كنتُ أعرف…
إنه ليس مخلوقًا عاديًا.
شعرتُ بجسدي كله يتجمد، أطرافي لم تعد تستجيب، عقلي كان يصرخ بي: "اركض! ابتعد!"
لكنني لم أستطع التحرك.
لم أكن أستطيع حتى التنفس.
ذلك الشيء كان يحدق بي.
بدون ملامح… بدون عيون…
لكنني شعرتُ بنظراته تخترق أعماقي، كأنها تحفر في روحي نفسها.
كنتُ عاجزًا تمامًا.
ظلّ يحدق بي… أو على الأقل، هذا ما شعرتُ به.
كل جزء من جسدي كان يصرخ ليهرب، لكنني لم أستطع حتى تحريك أصابعي.
ثم…
استدار المخلوق… وابتعد.
ببطء، كأن العالم نفسه يتحرك بوتيرة أبطأ من المعتاد، بدأ ذلك الكابوس العملاق يسير بعيدًا، خطواته الطويلة تحطم الأرض بصمتٍ مخيف.
ظللتُ أحدق به، لم أصدق ما يحدث.
لماذا؟
لقد رآني.
أنا متأكد من ذلك.
كان يشعر بوجودي… كان يعلم أنني هنا… ومع ذلك، تجاهلني تمامًا.
لم يكن الأمر كما لو أنه لم يرني، بل كان وكأنني لا أستحق حتى اهتمامه.
لكن لماذا؟
لم أجد إجابة، ولم يكن عقلي قادرًا حتى على التفكير.
كل شيء حولي بدأ ينهار…
الهواء ثقيل… رئتاي لم تعودا تعملان…
"أنا… لا أستطيع… التنفس…"
شعرتُ بأطرافي تضعف، ركبتاي تهتزّان، ثم… انهرتُ على الأرض.
كأنني فقدتُ كل طاقتي دفعة واحدة، شعرتُ بجسدي ينهار، عينيّ تحدقان إلى السماء السوداء، بينما صدري يرتجف مع كل محاولة بائسة لأخذ نفس.
هل سأموت…؟
أغمضتُ عينيّ، بينما كان كل شيء يتلاشى ببطء…
في اللحظة التي شعرتُ فيها أنني سأختنق، أنفاسي تتقطع، وجسدي ينهار، تحركتُ بشكل غريزي.
امتدت يدي إلى خاتم الظلال.
بصعوبة، استدعيتُ الزجاجة المليئة بالماء الذي لا نهاية له.
"هيا… تحرك…"
بأصابع مرتجفة، فتحتُ الغطاء، ورفعتُ الزجاجة إلى فمي.
الماء البارد تدفق إلى حلقي، وكأنه شريان حياة.
بمجرد أن وصلت أول قطرة إلى لساني، شعرتُ بالراحة تسري في جسدي، وكأنني كنت أغرق وتمكنتُ أخيرًا من التنفس.
شربتُ بجنون، لم أكن أهتم بشيء آخر.
كل جرعة كانت تبعدني عن الموت خطوة أخرى، تمنحني شعورًا غريبًا بالأمان وسط هذا العالم المليء بالكابوس.
عندما انتهيتُ، شعرتُ بصدري يتحرك من جديد، أنفاسي تعود إلى إيقاعها الطبيعي، وقلبي الذي كاد أن يتوقف بدأ ينبض بقوة مرة أخرى.
ألقيتُ نظرة على الزجاجة…
ما زالت ممتلئة.
كما لو أنني لم أشرب منها قط.
"هذا الشيء… لا ينتهي حقًا…"
أعدتُ الزجاجة إلى الخاتم، ثم أغمضتُ عينيّ للحظة، محاولًا استيعاب ما حدث.
كنتُ على وشك الموت... لكنني نجوت.
يتبع...