لم يمر الكتير من الوقت، سمعت صوت خطوات صغيرة تقترب من باب غرفتي،

بقيت بلا حراك متمنيا أن تختفي الخطوات أو تمر دون أن يتم مقاطعة محاولتي للإسترخاء، مع أنني إستيقظت للتو إلى أنني أشعر بتعب عقلي كبير لدرجة أنه يؤتر على قدراتي البدنية، إن كان هذا منطقيا.

لم تحمل أمنيتي أي معنى للشخص المقترب من الباب، لأنه مع مرور التواني، أصبحت الخطوات الصغير أكتر وضوحا و إيقاعية، إلى أن توقفت أمام غرفتي.

أخدت نفسا عميقا مع إغلاق عيناي، أنتظر الشخص في الخارج أن يقول أو يفعل شيءا.

وقريبا بما فيه الكفاية، جاء الطرق على الباب، فقط من شدته و مقداره، يمكن لأي شخص أن يستنتج أن الطارق هو طفل صغير، عندما كنت أريد أن أستجيب، جاء طرق أخر وقاطعني، يبدوا أنني بقيت صامتة لفترة أو على الأرجح الطفل خارج غرفتي غير صبور فقط،

'أطفال هذه الأيام،'

مجددا كنت أريد أن أستجيب للطرق و مجددا تمت مقاطعتي، هذه المرة تحدت الصوت بالخارج،

"بواذر، ماما قالت تعال، فطور جاهز،"

لم أستطع سوى الإبتسام من الصوت الطفولي اللطيف المدفئ للقلب، هناك سحر خاص في سماع طفل ذو 4 سنوات يحاول جاهذا أن يشكل جملة مفيدة.

قد لا يبدو الأمر كذلك لكنني أحب الأطفال، الأطفال هم تجسيد البراءة والنقاء، يعكسون جمال ودهشة العالم من حولهم. في عيونهم الفضولية، نرى الإمكانيات اللامحدودة للمستقبل، مليئة بالأمل والإمكانية. كل عناق، كل ابتسامة، تذكير بالأفراح البسيطة في الحياة وقوة الحب اللاشروطي. الأطفال هو من الأشياء الصغيرة التي يمكنها أن تجعلني أبتسم بصدق.

أجل لدي رأي عال تجاه الأطفال، قد يجادل البعض أنهم مجرد تجسيد للفوضى و وجع الرأس، لكنني لا أوافق على هذه الأراء، ربما لأن حياتي كانت خالية من البراءة الطفولية حولي مما جعلني أملك متل هذا الرأي العالي عنهم، هذا لا يهم على أي حال، إنه لشعور جميل أن تعلم أن هناك أوقات يمكن أن أبتسم فيها بصدق.

عاد تركيزي لجهة الباب، لأنني سمعت صوت صرير خافت قادم من هناك،

"هل تحاول أن تفتحه'

مرت هذه الفكرة من رأسي، يبدوا أنني فقدت نفسي في الأفكار لدرجة أنني نسيت أن أستجيب.

يجب أن أعترف لدي مشاكل كبيرة في التركيز، متل ما حدت في هذه الحالة،

أخدت نفسا عميقا،

و قبل أن تفتح الباب بالكامل، ناديت بصوت عالي قليلا لتتمكن من سماعي.

"لا تفتحي الباب، أنا مستيقظ بالفعل، سأنزل حالا،..."

توقفت قليلا و أضفت،

"إنزلي وأخبري أمي بذلك، حسنا...."

توقف صوت صرير الباب الخشبي و معه توقفت كل الأصوات حول الغرفة، لم أعرف ما يحدت عندها بالضبط، لأن هناك جدار خشبي يحجب رؤيتي عن الباب، لكن بعد فترة قصيرة، إستجابت لطلبي بصوتها الطفولي، قالت بصوت خافت،

"مم....حسنا"

سمعت صوت خطواتها يختفي عائدا من نفس الطريق الذي أتت منه، لم أستطع سوى الإبتسام من شدة تفانيها، إن كان بإمكان تسميت هذا تفانيا، لقد فعلت ما قلته بالتحديد، لم تزعج نفسها حتى بإغلاق الباب الذي تركته نصف مفتوح،

أردت أن أضحك، لكن ما خرج هو فقط صوت قهقهة جافة،

'أنا عطشان،'

لم أستطع سوى التفكير، كيف سُمع صوتي لها،

من قال أن الأفكار الزائدة لا يمن أن تسبب لك الجفاف و الجوع، لا أعرف بشأن الأشخاص العاديين، لكن عن نفسي، هناك الكتير ليقال،

التفكير الزائد يؤدي إلى إستنزاف الطاقة العقلية و العاطفية مما يؤدي إلى التعب و الإرهاق مما يؤتر على وضائف الجسد الأخرى.

هذه ستكون حجتي لو وجدت نفسي في موقف أحتاج فيه الدفاع فيه عن رأيي، لكن هذا لم يجدت من قبل ولا أظن أنه سيحدت في أي وقت قريب،

حسنا، على الأقل أنا أنام بشكل جيد، يجب أن أكون شاكرا لجسدي، أو في هذه الحالة جسدي الجديد.

'لا تخذلني يا جسدي، أنا أعتمد عليك'

أردت أن أستلقي لفترة أطول، لكن لا يجب علي أن أضيع الوقت أكتر من هذا، لذلك نهضت من السرير بتعب، يجب علي أيضا أن أغير ملابسي، لم أرد أن أواجه نفس الموقف الذي وجدت نفسي فيه من قبل،

لأنه في أول يوم منذ وصولي إلى هذا العالم لم أزعج نفسي بتغيير ملابسي من ملابس النوم إلى ملابس عملية قبل الخروج من الغرفة، كنت لا أزال أستوعب حقيقة إنتقالي إلى هذا عالم، ما حصلت عليه هو عقاب لفظي كاد أن يجرح مشاعري الميتة، الأمر المتير للصدمة هو كيف نظرو إلي و كأنني نوع من المخلوقات الغريبة التي إستحوذت على جسد إبنهم، حسنا لم يكونو مخطئين.

بعدها فقط لاحظت أن هذا العالم لديه تقافة ملابس غريبة ومُتعبة،

أبعدت هذا من ذهني و توجهت إلى الجهة المقابلة من سريري، توجد هناك مرآة كبيرة كاملة الجسم مع مساحة كبيرة للإستعداد في الصباح. كانت تحتوي على جميع الأشياء التي سوف أحتاجها، من مشط الشعر إلى العطور، في عالمي لم أستخدم متل هذه الأشياء إلا نادرا، لأنني كنت منعزلا و بالكاد أخرج حتى من المنزل، لكن هنا لم أملك أي خيار.

وكان هناك أيضًا خزانة ملابس لتعليق ملابسي. كانت كبيرة و تحتوي على كمية كبيرة من الملابس المختلفة، لكنها لم تناسب ذوقي بسبب كترة الألوان.

أخدت نفسا عميقا، وفكرت في نفسي،

لمدة أسبوع لم أملك أي خيار سوى المرور بهذا الروتين الصباحي الممل حتى لو لم أخرج من عتبة المنزل. مع أنني لم أعرف بالضبط سبب رد الفعل الغريب من ذلك اليوم، لكن أنا شخص يتعلم من أخطائه، و منذ ذلك اليوم كنت حريصا بشأن كل شيء أفعله،

بحتت في ذكريات صاحب هذا الجسد عن السبب لكنني لم أجد أي شيء، و ذلك ليس بمفاجأة.

قمت بنزع كل ملابس النوم الخاصة بي و بقيت عاريا بشكل كامل في منتصف الغرفة، تقدمت بضع خطوات للأمام متوجها إلى المرأة كاملة الجسم في الجهة المقابلة للسرير.

في اللحظة التي رأست فيها إنعكاسي، عادت ذكريات اليوم الأول للظهور في عقلي.

في اليوم الأول من وصولي إلى هذا العالم، بعد فترة قصيرة من تجربة مجموعة متنوعة من المشاعر، من الدهشة إلى القلق والخوف من المستقبل المجهول، بدأت ذكريات صاحب الجسد تتدفق إلى وعيي، مطمئنة لي بأنه لا داعي للقلق.

في تأملي للشخص الذي كان قبلي في هذا الجسد. نوح كان شخصًا هادئًا وخجولًا في التعبير عن مشاعره، ولكن في داخله كان يختبئ عالم من المشاعر المتناقضة.

كان يحب عائلته كثيرًا، خاصةً شقيقته الصغيرة، ولكنه كان يكافح مع شعور بالنقص بسبب فتاة جاءت إلى حياتهم منذ سنوات، أكبر مخاوفه هو أن تحل الفتاة محله في قلوب عائلته بسبب جمالها وموهبتها.

لطالما بذل قصارى جهده ليعوض نقص موهبته بالعمل الجاد، لأن أكتر ما أزعجه هو ظنه أن عائلته لا تتوقع منه أي شيء، و هذا بعيد عن الحقيقة.

هو على علم كامل أن عائلته تحبه و لكن الى متى.

مع أن الفتاة تعيش معهم في نفس المنزل، إلا أنه لم يتم تربيتها كأخت له.

علاقته مع الفتاة كانت معقدة، لكنه احترم موهبتها ولم يظهر غيرته أمامها أو أمام عائلته، هناك العديد من الأشخاص بنصف موهبتها لا يبدلون حتى نصف الجهد الذي تبذله.

لم يترك متل هذه المشاعر السلبية تؤتر عليه، على العكس لقد دفعته للعمل بجهد أكبر، مشاعر كالغيرة و الحسد هي مشاعر طبيعية في مواقف مثل هذه و هذا يظهر فقط أن نوح كان إنسان كامل ذو وعي ذاتي كبير، إن كنت أستطيع أن ألخص حياته في جملة، ستكون 'لا تلقي اللوم، فقط أنظر إلى الأمام'.

أطلقت تنهدا خفيفا و فكرت في نفسي،

و الآن وأنا هنا، مكانه، مع أني أعلم ما مر به إلا أنني لا أشعر بوجوده داخلي، و الأن قصته وصلت لنهايتها، هكذا فقط.

وقفت أمام المرآة كاملة الجسم أنظر إلى ما تركه نوح وراءه.

لا أستطيع أن أقول إنني عشت حياته فقط من خلال ذكرياته، بل الأمر أقرب إلى أنني عايشتها، مما يعني أن ذكرياته ليس لها أي تأثير على قراراتي الشخصية. ولهذا السبب أستطيع أن ألاحظ الأشياء التي لم يتمكن من رؤيتها.

إنه لأمر مدهش كم عدد اللحظات و المشاعر التي تمر علينا دون أن نلاحظها فقط لأننا نركز بشدة على شيء واحد بدل إعطاء كل شيء وقته وما يستحقه.

لم أستطع إلا أن أفكر في حياتي وما فاتني. بالطبع فاتني كل شيء، لكن ماذا لو كنت مكانه؟ وأتيحت له الفرصة لرؤية حياتي على حقيقتها. هذا الفكر جعلني أشعر بعدم الارتياح. إنه ليس انزعاجًا ناجمًا عن انتهاك الخصوصية، إنه انزعاج لم أشعر به من قبل.

طردت هذه الأفكار من ذهني وحاولت التركيز على شيء آخر.

تمنيت لو تمكنت من مواساته بشأن كل الأشياء التي كان يشعر بالقلق بشأنها، و إخباره بأنه لا داعي للقلق بشأن أي شيء، لكن هذا لن يحصل الأن.

أخذت نفسا عميقا و أغلقت عيني عن الشكل العاري الذي يظهر أمام عيني في المرأة،

'هذا إنعكاسي الأن'

هذا الفكر جعلني غير مرتاح لسبب ما،

أطلقت تنهدا أخر

مهما نظرت إلى الأمر، فهو أفضل مني.

والآن كل ذكرياته وعواطفه وأحلامه وآماله تغرق في الفراغ الذي هو أنا.

لا أرى أي سبب مقنع لاختياري لأحل محله. هل فقدت الآلهة عقولها؟ أين الحكمة في اتخاذ مثل هذا القرار؟ ربما الآلهة ليست حكيمة كما الجميع يظن. وربما يرتكبون الأخطاء أيضًا.

بما أنه ليس لدي ما أفعله حيال ذلك، ليست هناك حاجة للبكاء على اللبن المسكوب.

أنا أتذكر حياتي السابقة ولكن ما لا أتذكره حقًا هو كيف مت.

كنت متأكد من أنني مت. ما لا أعرفه هو كيف.

ربما نسيت الأمر من أجل أن أحمي نفسي من الصدمة النفسية المترتبة عن متل هذه الذكرى، يقولون أن أصعب تجربة يمكن للإنسان أن يختبرها هي وفاته، هذا أمر مضحك كيف للموت أن يكون تجربة، الموت هو الموت، لكن ماذا يمكن أن يسمى في حالتي.

لا يهم.

كل الذكريات تعود في النهاية، وعليهم التوقف عن فعل ذلك.

أعدت فتح عيني على إنعاسي العاري،

'يجب أن أتوقف عن إضاعة الوقت و أستعد للتغيير،'

2024/06/23 · 17 مشاهدة · 1488 كلمة
Loreem
نادي الروايات - 2025