نوي يتبع فنيتاس عبر أزقة باريس القديمة. الشمس خافتة، تغيب خلف غيوم قاتمة، وكأن المدينة كلها تحبس أنفاسها.
في شوارع مبنية من الحجر، وأضواء غازية تلمع كالنجوم على الأرض، بدا فنيتاس في بيئته. يتحرك بثقة، يراقب من حوله بعيون لا تغفل، كأنه يبحث عن شيء… أو شخص.
"إلى أين نحن ذاهبون؟" سأل نوي، صوته غاضب قليلًا لكنه محمّل بالفضول.
رد فنيتاس دون أن ينظر إليه:
"إلى منبع اللعنة… إلى من يسمّون أنفسهم: شارلاتان."
**
فجأة، انفتحت الأرض من تحت قدميهما، وابتلعتهما دوامة من الظلام… دوامة ليست مادية، بل أشبه ببوابة حلم أو كابوس.
استيقظ نوي في مكان غريب، مليء بالضباب والظلال، وصرخات مكتومة تتردد من مسافة بعيدة. المكان كان مشوّهًا، كأنه بُني من ذكريات محطمة.
ثم رأى شيئًا…
كائن مغطى بالعباءة، بوجه لا ملامح له، يهمس بكلمات غير مفهومة. حوله، مصاصو دماء يسقطون في الجنون الواحد تلو الآخر.
"هذا هو شارلاتان… مصدر اللعنة؟" تساءل نوي، وقلبه يخفق بجنون.
فنيتاس ظهر فجأة، يقف بثبات أمام المخلوق الغريب. عينه مليئة بالغضب… ليس غضبًا لحظيًا، بل شيء أقدم، أعمق… كأنه يعرف هذا الكيان منذ زمن.
"أنت من دمرت طفولتي… أنت من سرق كل شيء!" صرخ فنيتاس.
الهواء اهتز.
فتح كتاب القمر الأزرق، وتعالت رموز سحرية من صفحاته، تتجه نحو الكيان. في لحظة صمت، شعر نوي بشيء مختلف: كان فنيتاس يتألم.
ليس من الجسد… بل من الداخل.
كان يقاتل ليس لينتصر، بل ليثبت لنفسه أنه لا يزال حيًا.
**
انتهت المواجهة بانهيار الوهم. استعادا وعيهما في الشارع الباريسي، يتنفسان كأنهما غاصا تحت الماء.
نظر فنيتاس إلى السماء، وقال بصوت خافت:
"هذا ليس إلا بداية الطريق."
نوي، للمرة الأولى، لم يرد. فقط نظر إليه، وأدرك أنه قد تورط في شيء أعظم مما تخيل… وأن هذا الرجل الغامض، فنيتاس، يحمل داخله جحيمًا لا يظهره لأحد.
نهاية الفصل الثالث.
كتابه :YASSEN
ملاحظه