في اليوم التالي , أخبرنا بالتوجه إلى القاعة الكبرى .

لم أدر ممن جاءت الأوامر , لكني تمسكت بأمل عودة المؤسس سالما .

هناك وجدنا سيدة لم يسبق لي أن رأيتها في المركز . كانت بمثل عمر المؤسس , و كان الشبه بينهما واضحا للعيان .

كان واضحا من شعرها الأسود المجعد المتدلي على كتفيها أنها لا تتوفر على الكورتكس . على يمينها يقف رجل ضخم البنية يرتدي بذلة و نظارات سوداء و أمامهما المبدعين 1 و 18 , كان المبدع 18 واقفا , وقفة متكاسلة , تظهر ما به من تعب و إرهاق . أما المبدع 1 فقد كان جالسا , رجلاه تكونان زاوية منفرجة أمامه , و ظهره محني للأمام , و يداه مكبلتان ورائه .

اتخذ الجميع من السماة أماكنهم . الكل كان صامتا . و رغم أن الصمت هو من عادات أبناء العرق السامي إلا أنه في هذه المرة كان مريبا , غريبا و مفقدا للأعصاب , حتى المبدعون شملهم .

البارحة اختبر أبناء العرق الأول أحاسيس جديدة عليهم : خوف , فزع , توتر , قلق ... و قد عادوا من الموت , و الآن يواجهون مصيرا مجهولا , وكل ما في استطاعتهم الجلوس و التزام الصمت حتى تنطق السيدة بحكمها , كأن الجاني هم و ليس المبدع 1 .

أخيرا نطقت السيدة لتريحنا جميعا من حالة الترقب , قبل أن تنطق تخيلت أنها ستتحدث بنفس النبرة أحادية النغمة و الخالية من كل إحساس التي اعتاد أن يخاطبنا بها المؤسس 1 – 15 و لكن تبين أنني كنت مخطئة , كان صوتها حادا كأنه صوت طفلة صغيرة , تتعلم الكلام , تركز على كل حرف و على كل كلمة كأنها المرة الأولى و الأخيرة التي ستنطقها :

- أنا المؤسسة 1-16 , أنا من سينوب عن المؤسس 1-15 خلال فترة غيابه , بعضكم لا يعلم ما حدث بالأمس . اسمحوا لي بأن أشرحه باختصار : البارحة قام المبدع 1 بتصرف ... متهور , أخرق و ... أناني

سكتت للحظة كأنها تنتظر آهات تعجب منا , لكن المبدعين لم يخيبوا ظنها , و ربما سرها الهمس الذي سرى بينهم , و كيف أنهم استجابوا بسرعة لإشارة الرجل في البدلة السوداء بأن يصمتوا :

- نعم يا أبنائي , لقد قام بتشغيل مفاعل اندماج الهيليوم الثالث ...

طأطأت برأسها تأكيدا لكلامها ثم أضافت :

- رغم أن العمل به لم ينتهي بعد . تسبب هذا في قطع التيار عن الحاسوب المركزي , مما كان سيؤدي إلى مهلككم جميعا , و هو كذلك من تسبب كذلك في إصابة المؤسس 1-15 , إصابة بليغة جعلته يرقد الآن في غيبوبة لا إيذان بانتهائها .

مسحت شيء عن عينيها بيدها , ثم أضافت :

- و لولا رباطة جأش المبدع 18 الذي تصرف بمنتهى الشجاعة و الإقدام , لما كنتم حاضرين هنا الآن , لوحده وقف ببسالة أمام المبدع 1 , عندما لم يستطع المؤسس 1-15 فعل شيء , لذلك كونوا ممتنين له , و اعترافا ببطولته سترفع مرتبته إلى رتبة مبدع فائق , أما المبدع 1 فعقابه .

سكتت فجأة , رفعت يدها بحركات مسرحية و أشارت إلى المبدع 1 ثم قالت :

- النفي , النفي ... النفي .

هنا انفجر المبدع 1 بالسباب , بصوت أجش غير مفهوم , و لا حاجة لنقل ما قاله لكني أذكر أنه تحدث عن والده الملياردير الذي سيمسح بكل من في المركز الأرض عندما يعلم ما فعلناه بابنه الوحيد و لم يكتفي هذه المرة بإهانة المبدع 18 فقط بل تجرأ أن يشتم المؤسسة كذلك و لم يوقفه غير تقدم الرجل في البدلة السوداء خطوة واحدة , الذي نظر إلى المبدع 1 بنظرات حادة و كأنه يطلق شعاعا خفيا من عينيه , التي فتحهما بطريقة لم أعتقد من قبل أنها ممكنة لإنسان , بدل أن يخرج المبدع 1 سبة من فمه خرجت صرخة من الألم تلوى معها كالمصاب بالصرع و سقط مغشيا عليه .

لم تعره المؤسسة بالا و قالت بهدوء بسخرية :

- هذا الفتى يعاني مشاكل في السيطرة على غضبه .

ثم أكملت :

- نسيت أن أقدم لكم مساعدي الراصد 001 observer و يمكنكم أن تنادوه إن أردتم أوب , أوب هلا أخذت هذا ... الفتى إلى مكتبي ... الآن .

لم يتكلف أوب عناء الإجابة , فقط أمسك بكف المبدع 1 و رفعه على كثفه بسهولة و أخرجه من القاعة .

قالت المؤسسة :

الآن بعد أن انتهينا من أمره سنعود لما هو مهم . تفاديا لتكرار حادثة الأمس فسيتم إطلاق خط تصنيع البطاريات اليوم , و بعد ثلاثة أسابيع سوف تستبدلون البطاريات العادية في الشرائح ببطاريات التيار المتناوب و كذلك سنستبدل بها وحدة تزويد الخادم بالطاقة . و قبل أن أنسى ... أمور كثيرة ستتغير , أنا لست المؤسس 1-15 لذلك سيتغير النظام تستطيعون الاطلاع من الآن على النظام الجديد . و آخر شيء, أعتقد بأنكم بعد ما حدث بالأمس تستحقون بعض الراحة , لذلك ستأخذون اليوم عطلة و غدا ستعدون لإكمال مشاريعكم كأن شيء لم يكن.

2018/12/19 · 336 مشاهدة · 779 كلمة
yorozuya.band
نادي الروايات - 2024