مضت ثمانية أشهر على لقائنا . ثمانية أشهر طويلة جاهدت فيها بكل ما أوتيت من قوة أن أحتفظ بذكرى ذلك الحادث لنفسي , دون أن أستسلم لسهولة حفظها في السجلات .

لكن مع اقتراب حفل بلوغنا الثامنة عشر سنة , استسلمت للنسيان , فالنسيان أفضل من السجلات المكشوفة للجميع . و هجرت أسئلتي التي لا أجد لها أي جواب حتى في أكبر المكتبات , كما هجرت أي أمل بأن أعاود اللقاء مع ذلك الغريب .

في ليلة الحفل , اجتمع كل من بالمركز في القاعة الكبرى , اتخذ الجميع أماكنهم في نفس الوقت , مباشرة بعد ذلك دخل المؤسس 1-15 , ليفتتح الحفل , إن كان يمكنني أن أسميه حفلا .

أولا يجب أن أوضح بأن هذه ليست كلماته , فهو لم ينطق بكلمة . فقط اكتفى بالوقوف مستقيما دون أن تصدر منه أية حركة , ساكنا , لا شيء يميزه عن التمثال الواقف ورائه إلا الفرق في الحجم . لتتدفق الأفكار نحونا , أفكار خالصة , ليست في أي لغة . لذلك ما سأنقله ليس ما قاله , و لكن ما فكر فيه , أو ما فهمته , أو الأصح ما استطعت أن أترجمه .

ربما بالغت قليلا , ربما يبدو حماسيا أكثر مما يمكن انتظاره من تمثال , لكن عندما تحاول ترجمة أفكار لكلمات , خصوصا إذا كانت أفكار شخص آخر , هناك الكثير مما يضيع , أشياء لا يمكن ترجمتها , الأمر أشبه بالنظر للعالم من وراء زجاج مشوه , ثم محاولة وصف ما رأيته لشخص أعمى , النتيجة دائما ما تكون مشوهة .

قال المؤسس :

- أبنائي ... اليوم هو يومكم المنتظر , اليوم سنوكل لكم مهمة قيادة الجنس البشري , العرقين الصفر و الأول , إلى المجد , اليوم ستضعون الأساس للمستقبل , اليوم ستحملون عبئ إيجاد حلول لمشاكل العرق صفر , ستوجهونه , ستكتبون تاريخه , ستخطون مساره , أبنائي ... أبناء ممجدكم المؤسس AE , اليوم يومكم .

ثم فكرة يمكن ترجمتها بأنها سكوت , دام ل 25 ثانية .

هكذا التواصل تخاطريا , ليس كأن تغلق فمك و تصمت , و إنما تستمر في الارسال , لا يمكنك التوقف عن بعث الأفكار , إلا إن استطعت التوقف عن التفكير , و هذا حسب خبرتي ... مستحيل . لكن تستطيع توجيه أفكارك نحو شخص معين عبر التركيز على اسمه , فاسمي مثلا , أيا 125-7 AE , هو بمثابة عنوان لي , أو يمكنك أن تبعث فكرة معينة , كما فعل المؤسس , تمنع الآخرين من الاستماع إلى أفكارك .

ثم أكمل المؤسس :

- أبنائي , أرجوا أن تستقبلوا إخوانكم من العرق الثاني , الذي تم اختيارهم من بين الهمج الدونيين ليعملوا معكم .

ثم أشار إلى أحد الأبواب , لم يشر بكلمة أو بيده , و لكن في لحظة وجدنا أنفسنا ننظر كلنا في نفس الاتجاه , نحو الباب الذي فتح , ليدخل منه نحو ثلاثين شخصا , و بينهم ذلك الزائر .

لقد تغير كثيرا , بدى وجهه أكثر إشراقا , نظر إلى تمثال المؤسس AE فارتسمت على وجهه ابتسامة غائرة , استطعت أن ألاحظها رغم المسافة بيننا .

و ما إن اصطفوا وراء المؤسس , حتى عاد ليكمل :

- أبنائي , هؤلاء هم إخوانكم , لقد تم إنقاذهم من الحروب , الأوبئة , المجاعات ... و في المقابل سيساعدونكم في مشاريعكم , ستعملون معهم لتجعلوا من العالم مكانا مثاليا .

من مكاني لاحظت حماسه الزائد , لدرجة أنه لم ينتبه لكلام المؤسس , كان يجول في القاعة بعينيه , بين الفينة و الأخرى تعود نفس الابتسامة للارتسام على وجهه . فجأة وضع اصبعيه , السبابة و الوسطى , بالقرب من أذنه , ثم نظر مباشرة في اتجاهي ... فاجأني ذلك ... سمعته داخل رأسي , قال :

- مرحبا آية .

أخذني على حين غرة بحيث لم أعرف بماذا أجيب غير السؤال الذي شغلني طيلة الأشهر الماضية .

- ما ... من أنت ؟

لم اجب هكذا , فلا أحد يتمتم في أفكاره , لكن هذه الطريقة في الكتابة استعملتها فقط للتعبير عن الارتباك الذي أصابني .

- لا يهم من كنت , لكنك تعرفين من أكون الآن , أنا المبدع 18 .

- المبدع 18 .

تردد الاسم داخل رأسي و دون أن أحس وجدت نفسي أردده .

- من أين جئت ؟ ماذا كنت تفعل في المركز حينها ؟ و أين اختفيت كل تلك الفترة ؟ و ما معنى تلك الكلمات ؟

- لا أستطيع أن أجيبك الآن , أردت فقط أن ألقي التحية , أتمنى أن نلتقي مجددا .

كان ذلك في اللحظة التي أنهى فيها المؤسس خطابه , و أعطى الإشارة للمبدعين , كما سماهم المبدع 18 بنفسه بعد ذلك , كل بدوره ليقدم نفسه .

نطق تقريبا كل واحد منهم بلغة مختلفة , و لقد استطعت أن أفهمها كلها , عندما حان دور المبدع 18 , بدأ كلامه بالسلام عليكم , و لقد استطعت أن أفهم معناها , و كذلك معرفة ماهية اللغة التي استعملها , استنتجت حينها بأنه تمت إضافة خاصية الترجمة إلى الحاسوب المركزي .

ما إن انتهى الجميع , حتى قام المؤسس بإنهاء الحفل , لم أرتد الكثير من الحفلات لذلك أشك إن كانت تسميته بالحفل صوابا .

شكر المؤسس المبدعين ثم انصرف الجميع إلى غرفهم , و المبدعين إلى جناحهم .

2018/12/13 · 367 مشاهدة · 833 كلمة
yorozuya.band
نادي الروايات - 2024