قبل أيام كانت الكتابة عبئا ثقيلا علي . و ها أنا ذا الآن أكتب صفحات مرة واحدة . بالفعل الكتابة أمر عجيب , هي بلا شك أهم اختراع للبشرية , و أول خطوة لها في طريق بناء حضارة متقدمة . هي ما سمح للبشر بتدوين الأفكار , و تمريرها من جيل إلى الأجيال التالية و .... و ... ؟ ...

آه , كم كان ذلك سيئا . هذا يحدث دائما حينما أحاول تقليد المبدع 18 . هو في حديثه عن الكتابة , كان ليبدأ بكلمات متقطعة , مبهمة , نصفها غير مسموع , يخاطب بها نفسه أكثر مما يخاطبني بها . ثم فجأة تتوسع حدقتا عيناه , و يبدأ نبضه بالتسارع , و يتسارع صوته , و تتسارع خطاه ... يناقش جوانب الموضوع و يقتبس أقوال مفكرين , في الغالب نسي اسمهم . ثم يتوقف ليلتقط أنفاسه , و بصوت هادئ , يعطي ملخصا عما قاله , بصوت روتيني كأن الأمر غير مهم .

لكن للأسف صارت الكتابة , بل كانت هكذا دائما في المركز , تعتبر أمرا عتيقا و باليا عفا عنه الزمن . في المركز بأكمله , حسب علمي , هناك شخصان فقط يحاولون الكتابة , أنا و المبدع 18 . أما البقية و حتى المبدعون فالكتابة بالنسبة لهم مضيعة للوقت , سلوك متخلف لا جدوى منه , فلماذا سأرغب بالكتابة على الورق ان كنت بفكرة واحدة أستطيع تسجيل أفكاري لحظيا داخل السجلات ؟ ثم من سيضيع وقته في قراءة ما كتبه الآخرون ؟

عملنا بجهد من أجل المحاضرة و قد كان المبدع 18 متماسكا بشكل عجيب , حتى قلقه بدا مزيفا , كأنه يحاول أن يصطنع الارتباك . و قد قال لنا :

- إن أكتر ما يخيفني قبل الامتحان هو ألا أكون خائفا من الامتحان .

لم أفهم سبب خوفه من الوقوف أمام الجمهور , لم تتح لي الفرصة لاختبار هذه التجربة , لكني افترضت بأنه أمر صعب , بناء على كل ما أخبرني به المبدع 18 عن مخاوفه من الفشل , و ما لاحظته فيه من عدم ارتياح حين تحدث أمامنا .

في الوقت المحدد للمحاضرة صعد إلى المنصة و ما إن نطق ب :

- بطارية التيار المتناوب .

حتى بدأ التهامس بين صفوف المبدعين , لكن المؤسس أسكتهم بنظرة واحدة , لا بل بفكرة واحدة .

لم تسر المحاضرة كالمتوقع لقد كانت الأسوأ , و كان أفضل جزئ فيها أنها انتهت , و بسرعة .

ثم صعد المؤسس ليقول كلمته , في هذه اللحظة ارتسمت ابتسامة عريضة و زائفة على وجه المبدع 18 ذكرتني الآن ببيت شعر أخبرني به بعدها يقول :

و تجلدي للشامتين أريهموا أني لريب الدهر لا أتضعضع

و أعرض منها على وجه المبدع 1 , ربما كان يتوقع أن ينتقد المؤسس فكرة المبدع 18 و يستهزأ من طريقته في الإلقاء و يعدد أخطائه . كيف استنتجت هذا ؟ لا يمكنني استنتاج غير ذلك بعد فشل المبدع 18 و معرفتي الجيدة بشخصية المبدع 1 . كما أني راقبت تصرفات المبدعين طيلة المحاضرات السابقة , و استمعت لتعليقاتهم على أداء بعضهم البعض .

لقد لاحظت أنهم ينقسمون لأحلاف فمثلا يوجد حلف يتكون من المبدعين : 1 , 2 , 3 , 4 , 5 , و 6 , و كذلك حلف المبدعة 11 مع المبدعين 15 و 18 و الباقين إما يكونون حلفا من أزواج مثل المبدع 3 و المبدعة 27 , أو يبقون فرادا كحالة المبدع 7 مثلا.

تجمع هذه الأحلاف علاقات من التنافس و الصراع , و كل حلف يرى في نجاحات الآخرين تهديدا له. و من الشائع أن تنشئ تحالفات بين الأحلاف , ففي كل مرة يقوم شخص لإلقاء مقابلة يتحالف الآخرون ضده , يتهامسون فيها بينهم , و أحيانا يصدرون تعليقات ساخرة استفزازية .

و لسوء حظ المبدع 18 فإنه لا ينتمي لأي حلف , لذلك في لحظة وقوفه أمامنا , التفتت إليه كل أعين المبدعين الآخرين تترقب هفواته , و تعد الثواني المتبقية لفشله .

لكن الأمور سرت عكس المتوقع. لقد أعجب المؤسس كثيرا بالفكرة قال بأنها مبتكرة و كرر بعض ما قاله المبدع 18 سابقا حول سبب اختيار المبدعين , قال بأن المركز بحاجة للمزيد من مثل هذه الأفكار التي تتحدى الحس العام , لأنه هكذا يتطور العلم . و قال بصوته أحادي النبرة :

- هذا مثال لبراديغم جاء ليطالب بالخلافة , و أتمنى , أبنائي , أن يكون بالقوة الكافية لمواجهة المقاومة العتيدة و المعهودة للبراديغم السابق.

=================================

يملك المبدع 18 طريقة غريبة في نطق اسمي , رغم أن مهاراته في نطق مخارج الحروف جيدة مقارنة ببعض المبدعين , الذين يتمتعون بلكنات غريبة .

كان ينطقه آيه , رغم أنه يكتبه في مراسلاتنا آيا , سألته مرة عن السبب .

أرسلت سؤالي بالشيفرة و لقد حرصت على صياغته بكلمات بسيطة يسهل حل تشفيرها , لكن لسبب لم يوضحه تأخر الجواب لساعة و ست و أربعين دقيقة , و عندما توصلت بالرد كان جوابا على سؤال آخر لم أسأله .

تناسيت الأمر , لم أرد أن أحكر على أمور بسيطة , لم أرد أن أظهر اهتمامي بطريقة نطق الآخرين لاسمي , لأن ذلك تصرف لا يليق بفرد من السماة .

في الأيام الأولى حرص على أن ينادي كل فرد منا باسمه الكامل , مثلا آيا 125-7 AE , لكن في بعض الأحيان , بل في معظم الأحيان كان يستغرقه الأمر عدة ثوان , يعقد حاجبيه , يغلق عينيه و يفرقع أصابعه في قبة صبر , كي يتذكر . ثم شيء فشيء بدأ باستعمال جزء من أسمائنا فقط , فبدأ يناديني آيه .

قلت في نفسي بأنه بالفعل يملك أسلوبه الخاص في التعامل مع الأسماء , و ربما السبب هو بطء ذاكرته في حفظها و استظهارها .

كان تعامله معي في تواجد الآخرين رسميا , أكثر من اللازم , بل كان يتجنبني , يلين القول للآخرين من إخوتي , و يخاطبني أنا وحدي برسمية بلغت حد الجفاء .

لكم أزعجني الأمر بداية . لكن بعد مدة اعتدت عليه .

2018/12/16 · 376 مشاهدة · 934 كلمة
yorozuya.band
نادي الروايات - 2024