في اليوم المقرر لتقديم المشروع كان كل شيء جاهزا , كيف لا و قد أمضينا أسبوعين في الاستعداد .

عمل المبدع 18 بجد . تدرب على ما سيقوله عشرات المرات و حتى في فترات الفراغ أثناء حصة الرياضة , خلال الغذاء و في الليل كان يحاول توقع كل الأسئلة الممكنة و إعداد إجابات لها .

و لقد مر كل شيء حسب المتوقع , الكل انبهر بنجاحنا و البعض بدأ يفكر في استعمال بطاريتنا في مشاريعهم , لكن المفاجأة الكبرى كانت كلمة المؤسس بعد العرض , الذي قرر جعل البطارية المصدر الأول لتزويد المركز بكامله بالطاقة و وعد بإطلاق خط إنتاج للبطاريات لمختلف الاستعمالات .

وعند الانتهاء انصرف المبدعون أولا . رأيت المبدع 18 يرافق المؤسس و هما يغادران القاعة . أما نحن السماة فقد توجهنا إلى غرفنا .

مشيت في الممرات و أنا فخورة بالمجهود الذي قدمه فريقنا , على ما أذكر كانت تلك المرة الأولى التي أجرب فيها ذلك الشعور ولم أكن لأسمه فخرا حينها فقط مجرد شعور بالارتياح بأن مجهودنا لم يضع .

مشيت على هذه الحال للحظات و أنا لم أدرك التغيير في المفاجئ في الخلفية .

ثم و كأني أغرق في حلم بدأت الرؤية تصبح ضبابية , و فجأة صوت ارتطام قادم من خلفي , التفت بحركة انعكاسية , و قبل أن أعي ما يحدث سمعت صوت ارتطام آخر .

بدأ كل من كان بالممر يتساقطون الواحد تلو الآخر, كأن داء فتاكا أصابهم , لأصير الوحيدة الواقفة بين كومة من الأجساد عندها فقط لاحظت الأضواء خافتة على غير العادة و سمعت أصوات الإنذار بعيدة .

انحنيت على أقرب شخص بجانبي , لأرى ما به , كان يتنفس لكن بصعوبة , ثم انتقلت للذي بعده , ثم الذي يليه ... لقد كانوا كلهم أحياء .

لا أدري كيف توصلت لمعرفة السبب , لكن حينها بدا كأنه التفسير الوحيد الممكن . ما استنتجته هو أن التيار قد انقطع عن الخادم مما تسبب في تعطل الشرائح الدماغية , التي تقوم بدعم الكثير من القدرات الحيوية عندنا , و إذا لم أستطع عمل شيء , إذا طال الأمر للحظات ستتوقف قلوب كل من بالمركز عن العمل .

ثم لمعت في عقلي فكرة , أسعد فكرة في حياتي , ليست لأنها الأمل الوحيد المتبقي لإنقاذ إخوتي , و أخجل من الاعتراف بذلك , و لكن لأني لأول مرة أكون مستقلة عن الخادم و وحدي استطعت أن أنتج هذه الفكرة , لقد كانت فكرتي , ملكي و يا له من إحساس , سبق أن حدثني المبدع 18 عنه , قال بأن أسعد اللحظات هي لحظات بزوغ فكرة .

فكرت بأنه إذا استطعت توصيل إحدى البطاريات بالخادم فإنه سيعود للعمل و أربح بعض الوقت حتى يتم إعادة التيار للعمل .

لذلك توجهت حالا لقسم المختبرات كانت كل خطوة , كل حركة , كل نبضة بمثابة عذاب بالنسبة لي , و للمرة الأولى أدركت حجم المركز الهائل , طول الممرات و كذلك الشبكة المتشعبة منها , و التي علي سلوكها بدون أي دعم أو ارشاد من الخادم للوصول إلى هدفي .

كان علي أن أبذل جهدا عظيما لأجعل قلبي ينبض و أبقي عيني مفتوحتين , أركز سمعي لعلي أسمع من يساعدني و أحاول ألا أتوه في متاهة الممرات التي صرت عاجزة عن تحديد موقعي فيها , و التي بدت طويلة لدرجة أنه استغرقني وقت لا نهائي لعبورها .

ثم بدأ كل شيء يبتعد , فقدت الوعي , كان الأمر أشبه بأن تقع في النعاس , لا أستطيع أن أحدد متى و لكم من الوقت بقيت مغشيا علي , كل ما اعرفه أنني فقدت الوعي .

أيقضني من سباتي سماع صوت صراخ . تماسكت و بصعوبة وقفت , كأن الجاذبية صارت مئة ضعف ما كانت عليه , تساءلت ما إن كان الخادم مسؤولا كذلك عن آلية للتحكم بالجاذبية .

كان الصوت صادرا من المختبر 1 , تحركت نحوه بصعوبة و كل ما استعطته هو أن ارتمي على الباب الذي كان شبه مفتوح , ليفتح على مصراعيه , و أبقى متمسكة بجانبه . و هناك في أقصى القاعة جهاز أسطواني الشكل بعرض مترين و طول 3 أمتار , تمتد منه شبكة من الأنابيب و الأسلاك , يتوهج بشرارات كهربائية أمامه المبدع 1 في مواجهة المؤسس و على جانبه المبدع 18 .

كان المبدع 1 يتشاجر مع المؤسس , رافعا صوته ليغطي الضجيج المنبعث من الجهاز لم أفهم ما قاله لأنه كان يتحدث بالفرنسية .

التفت إلي المؤسس مصدوما و جمع أنفاسه ليصرخ :

- أنت ماذا تفعلين هنا ؟

تراجعت للوراء لكني لم أستطع الابتعاد .

قال المؤسس بهدوء بالفرنسية و حاولت بكل ما أوتيت من قوة تسجيل ما سيقوله في ذاكرتي لعلي أفهمه فيما بعد :

- أرجوك سيباستيان أوقف المفاعل ستتسبب في مهلكنا جميعا .

أجابه المبدع 1 صارخا :

- لن أسمح لهذا الهمجي بأن يفوز علي , لن أقبل بأن يكون هو الرئيس .

فقال المؤسس يحاول الحفاظ على نفس الصوت الهادئ :

- الأمر لم يحسم بعد , أرجوك ...

قاطعه المبدع 1 و عيناه أكثر احتقانا مما كانتا عليه :

اليوم سأحسمه , سأكون أول من يشغل مفاعل اندماج , سأكون أنا هو المؤسس المقبل .

ثم لمعت عيناه بشكل مخيف .

بقي المبدع 18 ساكتا , أما المؤسس فقد حاول للربع ساعة التالية إقناع المبدع 1 بإيقاف المفاعل و هو يجيبه بأسوأ و أكثر الألفاظ بدائه في حق المبدع 18 , ثم التفت لحظة للجهاز , كانت كافية للمؤسس ليقترب منه و يحاول إبعاده عن الجهاز لكن المبدع 1 كان أقوى , دفع المؤسس بقوة , ليرتطم بالجهاز , و ليصعق و يقذف في الهواء لبضعة أمتار ثم يلتقطه أقرب حائط . سقط مغشيا عليه بلا حراك , أسرع المبدع 18 لنجدته أما المبدع 1 بقي مصدوما , ارتعب و قال بصوت منكسر :

- هل مات ؟

صرخ حينها المبدع 18 :

- لقد قتلته .

و أجابه بنفس الحدة المبدع 1 :

- إياك أن تصرخ في وجهي , أيها الهمجي البربري , ولتكن هذه عبرة لكل من حاول الوقوف في طريقي .

رد المبدع 18 بنبرة يائسة و هو مازال يمسك بيد المؤسس يجس نبضها :

- لقد مات , لقد توقف نبضه , أنت قتلته

- هو الذي أراد منعي من أن أفوز بهذه المسابقة .

- سحقا لك و لهذه المسابقة

- و تتجرأ ان تشتم أسيادك , هل اعتقدت حقا بأن متخلفا مثلك يمكن أن يكون المؤسس الجديد لا تحلم بذلك أنتم كلكم غوييم تم اختطافكم ليتم استغلالكم أما أنا فقد اخترت القدوم . كلكم مجرد بيادق في مشروع كبير يوما ما سأقوده .

لم يجب المبدع 18 لكن النظرة على وجهه خانت تساؤله عن المقصود . أكمل المبدع 1 و صوته يعلو مع كل كلمة :

- كل ما تراه , هذا المكان , و أولئك العبيد ... كل ذلك تم بنائه بواسطة أموال عائلتي , أموالي ... نعم أنا أملككم جميعا , و تعتقد بأنك ستصير المؤسس فقط لأنك اخترعت بالصدفة , شيء غبيا ك ... ك ...

ثم انطلق في ضحك هيستيري بدون أي فرحة , اقترب من المبدع 18 ثم قال :

- أنت بسيط لدرجة الغباء في تفكيرك , أحقا ظننت بأنك يمكن ... بمعجزة , أن تتفوق على الجميع , و تحصل على ما هو من حقي أنا . كيف يمكنك أنت بالخصوص من دون الجميع , لا أحد منهم يستطيع أن يتفوق علي , هم جماعة من المغفلين , عديمي القيمة ... أما أنت فأدنى منهم جميعا , فلطالما أشعرتني أنت و شعبك بالاشمئزاز , أنتم مجرد دونيين , منحطين كريهي الرائحة , حيوانات على صفة بشرية , حياتكم ملكنا , وجدتم لخدمانا , ستظلون دوما و إلى الأبد عبيدا لنا , لن تستطيعوا تحقيق شيء بدوننا , لقد استعمرناكم لسنين , نهبنا ثرواتكم و تلاعبنا بكم كما شئنا , و حتى عندما حصلتم على استقلالكم المزعوم كان بإرادتنا و حتى الأن ما زلتم تعبدوننا تقبلون أحذيتنا , أنتم ...

قبل أن يكمل عبارته وقف المبدع 18 بسرعة خاطفة , اندفع نحوه , و وقف أمامه لا تفصلهما إلا سنتيمترات .

عيون المبدع 18 ترمي شررا و جسمه يبعث موجات من الكراهية و الغضب , ثم قال بلغة عربية هذه المرة :

- لا تأسفن على غدر الزمان لطالما . . .

حاول ركل المبدع 1 لكنه أبتعد فأرجع المبدع 18 يديه كلتيهما إلا الوراء ليهوي بهما مفتوحتين بكل قوته على أذني المبدع 1 . الذي بدأ يترنح من الألم بينما وقف المبدع 18 أمامه مستقيما و قال :

- رقصت على جثث الأسود كلاب .

ثم لكمة مباشرة على الأنف أجرت عينا المبدع 1 بالدموع لتختلط بالدماء , و عاد المبدع 18 ليكمل :

- لا تحسبن برقصها تعلوا على أسيادها .

و بعدها لكمة على المعدة و ضربة بالمرفق على الوجه طرحت المبدع 1 أرضا .

- تبقى الأسود أسودا و الكلاب كلاب .

كان هذا أخر ما رأيته و سمعته قبل أن أفقد الوعي و يصير كل شيء كأنه كابوس مزعج .

2018/12/17 · 381 مشاهدة · 1409 كلمة
yorozuya.band
نادي الروايات - 2024