"الحقيقة… تُشعر."

ارتجفت.

لم أكن واثقة مما قصده، لكنني شعرتُ بوزن كلماته يتردد في داخلي، كأنها لمسة خفيفة على شيء داخل عقلي لم أكن أريد الاقتراب منه.

"وإن لم أكن مستعدة لها؟" همستُ، بالكاد أسمع صوتي.

أمال رأسه قليلًا، كأنه يراقبني، يدرسني.

ثم قال ببساطة، "حينها، ستدمّرك."

تصلبتُ في مكاني، كلماته تتردد في رأسي كصدى بعيد.

أردتُ أن أرفض ما قاله، أن أخبره أنه كان يبالغ، لكنه لم يكن يمزح. كانت عيناه الجامدتان، الحمراء كالدم، تقولان لي إنني إذا لم أكن مستعدة لمواجهة الحقيقة… فإنها ستلتهمني.

لكن كيف أستعد لشيء لا أفهمه؟ كيف أواجه ما لا أستطيع حتى تصوره؟

بلعتُ ريقي، أدركتُ فجأة مدى جفاف حلقي. لم أرِد أن أبدو ضعيفة، لكنني كنت غارقة في دوامة من الغموض الذي يحيط بكل شيء حولي.

"إذن، متى ستتوقف عن اللف والدوران، سايلوس؟" قلت، هذه المرة بصوت أكثر هدوءًا لكنه لم يخلُ من الحدة. "متى ستخبرني بما يجري حقًا؟"

مرر يده على حافة كأس النبيذ الذي لا يزال في يده، ثم رفعه إلى شفتيه واحتسى منه جرعة صغيرة، وكأن لديه كل الوقت في العالم.

"عندما تكونين مستعدة."

شعرتُ بانقباض في صدري.

"ومتى سأكون مستعدة؟"

وضع كأسه جانبًا، ثم نظر إليّ وكأن جوابه كان واضحًا تمامًا.

"عندما تتوقفي عن البحث عن الحقيقة كأنها شيء خارج عنك، وتبدأي في رؤيتها فيما هو داخلك."

شعرتُ بصداع ينبض في رأسي. ماذا كان يقصد بذلك؟ هل كان يقول إنني أعرف الإجابة بالفعل؟ كيف يمكن ذلك وأنا بالكاد أفهم من أنا؟!

وضعتُ يدي على جبيني، محاولة جمع أفكاري.

"أنت تستمتع بهذا، أليس كذلك؟" قلت أخيرًا، ناظرة إليه بنظرة مليئة بالاتهام. "تجعلني أركض في دوائر، تضعني وسط فوضى ثم تراقبني وأنا أحاول الخروج منها."

ابتسم ابتسامة خفيفة، لكنها لم تكن خالية من السخرية.

"لستُ أنا من وضعكِ في هذه الفوضى، تونه."

كان هناك شيء في نبرته جعلني أتوقف.

أخذتُ نفسًا عميقًا، أدركتُ أنني لن أحصل على إجابات واضحة الليلة. لكنني أيضًا أدركتُ شيئًا آخر…

مهما حاولتُ الهروب من الحقيقة، فستظل تلاحقني.

نظرتُ إلى سايلوس، إلى ذلك الرجل الذي يبدو وكأنه يحمل كل الأسرار في عينيه. ربما لم أكن مستعدة بعد، لكنني لن أظل ضائعة إلى الأبد.

"حسنًا." قلت، وأنا أشدّ قامتي. "سأكتشفها بطريقتي الخاصة."

رفع حاجبًا، وكأنه لم يكن يتوقع هذا الرد.

ثم، وللمرة الأولى منذ أن رأيته الليلة، ضحك.

"إذن، لن يكون الأمر مملًا على الأقل."

ساد الصمت للحظة بيني وبين سايلوس. كان ينظر إليّ بتركيز، كما لو كان يحاول قراءة ما يدور في عقلي، لكنني لم أمنحه الفرصة هذه المرة.

"سألتقي به غدًا، سايلوس." قلت بصوت ثابت، دون تردد. "بكل الأحوال."

لم تتغير ملامحه، لكنه لم يتحرك أيضًا. وكأن كلماتي جعلت الزمن يتوقف للحظة.

وضعتُ يدي على الطاولة الخشبية الفاخرة، أكدتُ على كلماتي مرة أخرى: "يجب أن أسمع منه، يجب أن أعرف كل شيء. لا يمكنك منعي."

لم يقل شيئًا. فقط رفع كأس النبيذ ببطء واحتسى رشفة أخرى، قبل أن يميل إلى الخلف مسترخيًا على الأريكة الحمراء، مظهره لم يتغير، لكن الهواء حوله أصبح ثقيلًا بشكل غريب.

"وهل تتوقعين مني أن أمنعك؟" سأل أخيرًا، بصوت هادئ لكنه يحمل شيئًا خفيًا، كأنما كان يتحداني.

نظرتُ إليه بحدة. "أتوقع منك أن تكون صريحًا معي، بدلًا من أن تتركني أتخبط وسط الألغاز."

لمعت عيناه للحظة، كأنني لمسته في موضع لم يكن يتوقعه.

"أتساءل فقط، تونه..." قال ببطء، وهو يضع كأسه جانبًا، ثم يقف ببطء. مشى باتجاهي، بخطوات ثابتة، حتى وقف أمامي تمامًا. كانت المسافة بيننا ضئيلة، لكنني لم أتحرك.

خفض رأسه قليلًا، وعيناه الحمراء تلتقي بعينيّ مباشرة. "هل أنتِ متأكدة أنكِ تريدين سماع الحقيقة؟"

لم أتراجع. "أنا أبحث عنها منذ البداية، سايلوس."

تأملني للحظة، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، لكن لم يكن فيها سخرية هذه المرة.

"إذن، استعدي لما سيأتي بعدها."

ثم استدار بعيدًا، تاركًا إيّاي مع إحساس غريب… وكأنني على وشك دخول شيء لا رجعة فيه.

راقبتُه وهو يبتعد عني، خطواته بطيئة لكنها تحمل ثقلًا غريبًا، كأنه كان يمنحني الفرصة الأخيرة للتراجع. لكنه كان يجب أن يعرفني أفضل من ذلك. أنا لم أكن شخصًا يتراجع.

"لست بحاجة للتحذيرات، سايلوس." قلت بصوت هادئ لكن حازم، كنت أعلم أنه يسمعني رغم أنه لم ينظر إليّ. "سأذهب إلى كايلب، وسأستمع إليه. سواء أعجبك ذلك أم لا."

توقف في مكانه للحظة، ثم أدار رأسه قليلًا ليمنحني نظرة جانبية، عينيه الحمراء بدت أعمق في الظلام الخافت.

"هل تعتقدين أنه سيمنحك الحقيقة؟"

لم أجب على الفور، لأنني لم أكن أعرف الجواب فعلًا.

"سأقرر ذلك بنفسي."

استدار نحوي بالكامل، يديه في جيبيه، رأسه مائل قليلًا، تلك الابتسامة البطيئة التي تحمل مزيجًا من التسلية والغموض ظهرت على وجهه مجددًا.

"كما تشائين، تونه."

لم أكن أعلم لماذا جعلني طريقته في قول اسمي أشعر بالقشعريرة، وكأنني سقطت في لعبة لم أكن أعرف قواعدها.

تنهدتُ بصمت، ثم نظرتُ حولي إلى الغرفة الفاخرة، إلى الزخارف الذهبية على الجدران، إلى الأثاث الذي بدا كأنه ينتمي إلى عصر مختلف تمامًا. رغم كل شيء، لم أشعر يومًا أنني أنتمي إلى مكان مثلما شعرت هنا.

"أين سأبقى الليلة؟" سألت أخيرًا، كسرًا للصمت الذي بدأ يزداد ثقله بيننا.

مرر يده في جيب سترته وأخرج مفتاحًا صغيرًا، ثم ألقاه باتجاهي. أمسكتُه تلقائيًا قبل أن أرفع حاجبًا باستغراب.

"غرفتك في الطابق العلوي، الجناح الشرقي." قال ببساطة، قبل أن يضيف بصوت أكثر هدوءًا: "لا تتجولي كثيرًا، تونه. بعض الأبواب يجب أن تبقى مغلقة."

شعرتُ بقلبـي ينبض أسرع لسبب لم أفهمه، لكنني لم أعلّق. فقط أومأت برأسي واتجهت نحو الباب.

"تونه." نادى باسمي فجأة قبل أن أخرج.

التفتتُ إليه، وجدته يحدّق بي بصمت، نظراته هذه المرة لم تكن ساخرة ولا مستفزة. كانت… مختلفة.

"احلمي أحلامًا هادئة الليلة." قال بصوت خافت.

لكنني لم أصدق أنه كان يتمنى لي ذلك حقًا..

2025/05/20 · 3 مشاهدة · 877 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025