22 - عدو جديد؟ ام حليف اخر

رأيتُ كيف تصلبت ملامحه للحظة، وكأنه لم يكن يتوقع مني أن أطرح هذا السؤال تحديدًا. ثم، وبهدوء متزن، قال: "هذا يعتمد على ما تسألين."

ضيّقتُ عينيّ بشك. "ماذا تقصد؟"

أراح ظهره على الكرسي، وبدا وكأنه يفكر في الطريقة التي سيشرح بها الأمر. "سايلوس قدم لكِ جانبًا واحدًا فقط من القصة، أليس كذلك؟ أخبركِ أن والدكِ كان قاسيًا، ظالمًا، وأنه لم يكن يراكِ سوى أداة."

أومأتُ ببطء.

"وهل صدقته؟"

كان هذا هو السؤال الذي لم أكن أملك له إجابة. لم أكن أعرف والدي حقًا، ليس كما ينبغي على الابنة أن تعرف والدها. كنتُ صغيرة عندما كنتُ بجانبه، وعندما بدأتُ أستعيد بعض الذكريات، لم تكن واضحة بما يكفي للحكم عليه.

"أريد أن أعرف الحقيقة، لا أن أصدق قصة شخص واحد فقط."

ابتسم كايلب ابتسامة صغيرة، لكنها لم تكن ساخرة، بل كانت وكأنه يعترف لي بشيء ما.

"حسنًا إذن، سأخبركِ ما أعرفه."

مال للأمام قليلاً، صوته أصبح أكثر خفوتًا لكنه لم يكن أقل قوة. "والدكِ كان زعيمًا قوياً، نعم، لكنه لم يكن مجرد رجل عطش للسلطة. كان يحاول الحفاظ على التوازن بين العوالم، بين القوى المختلفة التي كانت تحاول استغلالكِ حتى قبل أن تدركي من أنتِ. هل كان صارمًا؟ بالتأكيد. هل كان يستخدمكِ كأداة؟ ربما في بعض الأحيان، لكنه كان يفعل ذلك لأنه لم يكن يملك خيارًا آخر."

شعرتُ بشيء ثقيل في صدري، مزيج من الارتياح والارتباك.

"إذن لماذا قال سايلوس كل تلك الأمور عنه؟ لماذا يكرهه لهذه الدرجة؟"

نظر إليّ بجدية، وكأنه كان يستعد لإخباري بشيء مهم جدًا.

"لأن سايلوس لم يكن مجرد شخص عادي في حياة والدكِ، تونه."

اتسعت عيناي. "ماذا تعني؟"

أخذ كايلب رشفة من كأس الماء أمامه قبل أن يجيب:"لم يكن الوضع دائمًا هكذا... ذات يوم، كانا يقاتلان جنبًا إلى جنب، حتى حطّم أحدهما الوعد الذي لا يُغتفر."

تجمدتُ في مكاني.

"مستحيل…"

هزّ رأسه ببطء. "ليس مستحيلًا. كانا شريكين، لكن الأمور تغيرت. لم يكن سايلوس يوافق على طريقة والدكِ في إدارة الأمور، وكان يعتقد أن هناك طريقًا آخر، طريقًا أكثر فاعلية، حتى لو كان أكثر قسوة."

شعرتُ بأن رأسي يدور. إذا كان هذا صحيحًا، فهذا يعني أن كل شيء كنتُ أظنه عن ماضيّ كان مشوهًا بطريقة أو بأخرى.

لكن قبل أن أتمكن من استيعاب كل هذا، أكمل كايلب: "وما حدث بينهما في الماضي… هو ما أدى إلى كل هذا."

كانت هناك نبرة خفية في صوته، وكأنه يعرف أكثر مما يقول.

"ماذا حدث بينهما؟" سألتُ بحدة، لكن قبل أن يجيب، شعرتُ بشيء ما… إحساس جعل قلبي يتوقف لثانية واحدة.

لم أكن وحدي أنا وكايلب في هذا المكان.

لقد كنا مراقبين.....

شعرتُ بوخزة باردة في ظهري، إحساس غريب جعل كل خلية في جسدي تتنبه. لم أدرِ إن كان هذا بسبب التوتر الذي حملته كلمات كايلب أم أن هناك خطرًا حقيقيًا يحيط بي. لكنني لم أكن مستعدة لأخذ أي فرص.

نظرتُ إلى كايلب، وكنتُ على وشك سؤاله إن كان قد شعر بشيء مماثل، لكنه سبقني وقال بصوت منخفض بالكاد سمعته "نحن لسنا وحدنا." لم تتحرك ملامحه، لم يظهر أي توتر على وجهه، لكنه كان متيقظًا، وكأن هذا الوضع مألوف جدًا بالنسبة له.

وضعتُ يدي على الطاولة، أصابعي تقبض على حافتها، بينما بدأتُ أتفحص المكان بعينيّ دون أن أبدو كمن تبحث عن شيء معين. المطعم كان أنيقًا، مضاءً بإضاءة ناعمة، ومليئًا بشخصيات تبدو راقية. لكنني الآن أدركت أن هناك أكثر من مجرد زبائن عاديين هنا.

بعضهم لم يكن يأكل. بعضهم لم يكن يتحدث. كانوا فقط… يجلسون هناك، وكأنهم ينتظرون شيئًا. أدركتُ عندها أن سايلوس لم يكن يبالغ عندما أصرّ على اختيار هذا المكان بنفسه.

أخفض كايلب رأسه قليلًا، وكأنه ينظر إلى كأسه، لكنه قال بصوت لا يكاد يُسمع: "لدينا ثلاث خيارات، تونه. إما أن نتصرف وكأننا لم نلاحظ شيئًا، أو ننسحب بهدوء، أو…" توقف للحظة، ثم نظر إليّ بعينين تلمعان بتحدٍّ. "نواجه الأمر مباشرة."

لم أكن بحاجة إلى التفكير كثيرًا. كنتُ مرهقة من كل هذا اللعب في الظلال، من الحقائق المشوهة، ومن كوني مجرد ورقة في يد الجميع.

"سنواجههم." قلتها بثبات، حتى قبل أن أدرك تمامًا ماذا يعني ذلك.

رفع كايلب حاجبًا، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة. "كنتُ آمل أن تقولي ذلك."

وفي اللحظة التالية، بدأ الجحيم.

لم أفهم تمامًا ما حدث أولًا. كان الأمر سريعًا جدًا، لكنه كان واضحًا—شخص ما تحرك بالقرب من المدخل، وآخر وقف من مقعده بالقرب من النافذة، بينما أحد الرجال على الطاولة المجاورة مدّ يده إلى شيء تحت سترته.

لكن كايلب كان أسرع.بمجرد أن لمح حركتهم، دفع الكرسي للخلف بسرعة، وقفز واقفًا بحركة سلسة. في الوقت ذاته، شعرتُ بشيء يحيط بمعصمي، وبحركة واحدة، كان قد سحبني من مقعدي وقادني إلى الخلف، مبتعدًا عن الطاولات.

"ابقِ رأسكِ منخفضًا."

لم أفهم كلماته إلا عندما سمعتُ صوت طلقة كاتمة للصوت.

تحطم زجاج النافذة بجانبنا، وصرخ بعض الزبائن، بينما عمّت الفوضى المكان. أدركتُ حينها أننا كنا هدفًا واضحًا.

"من هؤلاء؟!" صرختُ بينما كنتُ أركض بجانبه، نحاول الابتعاد عن المكان المفتوح.

"من تعتقدين؟" قال بصوت جاف، بينما أخرج سلاحًا صغيرًا من سترته وأطلق طلقتين نحو أحد الرجال الذين اقتربوا منا بسرعة. "يبدو أن سايلوس لم يكن الوحيد الذي يهتم بلقائنا."

لكنني لم أكن مهتمة بالقتال بقدر ما كنتُ مهتمة بشيء آخر.

أردتُ إجابات.وإذا كان هناك شيء واحد تعلمته من هذا العالم، فهو أنني لن أحصل على أي إجابات إن كنتُ ميتة.

لذلك، فعلتُ الشيء الوحيد الذي كان منطقيًا في تلك اللحظة.

هربتُ!!

لم يكن لدي وقت للتفكير، فقط تحركتُ. جسدي استجاب قبل عقلي، وغريزتي أخبرتني بشيء واحد فقط—عليّ الخروج من هنا.

تحركتُ بسرعة بين الطاولات المقلوبة، محاولًة التوجه نحو المخرج الخلفي. أصوات الطلقات المكتومة كانت تتردد في أذني، وصراخ الأشخاص الذين لم يكونوا جزءًا من هذه اللعبة بدا وكأنه صدى بعيد، غير حقيقي.

"تونه!!!" سمعتُ صوت كايلب المتفاجئ خلفي، لكنني لم أتوقف. لم أكن أعرف إن كان يتبعني أم لا، لكنني لم أجرؤ على الالتفات.

اندفعتُ نحو الممر الضيق المؤدي إلى المطبخ. دفعتُ الباب بقوة، ووجدت نفسي وسط طهاة مذعورين، بعضهم تجمد مكانه، وبعضهم ركض خارجًا دون أن ينظر خلفه. لم ألتفت إليهم، فقط واصلتُ الركض حتى رأيتُ باب الطوارئ في نهايته.

لكن قبل أن أصل إليه، شعرتُ بشيء غريب—كأن الهواء من حولي تغيّر، أصبح أثقل، مشبعًا بشيء غير مرئي.

ثم، تمامًا كما لو كنتُ قد اصطدمتُ بحائط غير مرئي، توقفتُ فجأة، جسدي تجمّد في مكانه.

"إلى متى ستستمرين بالهرب؟"

تردد الصوت في رأسي قبل أن أراه.

لم يكن سايلوس.

وقف رجل أمامي، وكأنه خرج من العدم. لم يكن هناك قبل لحظة، لكن الآن… كان يقف بهدوء، ينظر إليّ بعينين ارجوانيه تتوهجان بشكل غير طبيعي وسط الظلام. شعره البنفسجي كان ينسدل على كتفيه، وبشرته الشاحبة بدت شبه شفافه تحت الأضواء الخافتة. لم يكن هناك شك في ذلك—هذا ليس إنسانًا عاديًا.

رفعتُ رأسي لأراه بوضوح. ملامحه كانت منحوتة، لكنها تحمل برودًا لا إنسانيًا. لا مشاعر، لا غضب، لا رحمة. فقط… يقين بارد.

"من أنت؟" سألتُ، رغم أن جزءًا مني لم يكن متأكدًا إن كنتُ أريد الإجابة حقًا.

ابتسم نصف ابتسامة، لكنها لم تصل إلى عينيه. "أنتِ تعلمين من أكون، تونه."

شعرتُ بدمائي تبرد. لا، أنا لا أعلم.

"لماذا تفعل هذا؟" سألتُ، صوتي كان مزيجًا من الغضب والارتباك.

"لأنكِ كنتِ ستهربين، مرة أخرى . وهذا لم يكن مسموحًا به."

"مسموحًا؟ من أنت لتقرر ذلك؟"

اقترب خطوة واحدة، وخطوته وحدها كانت كفيلة بجعل الهواء من حولي يثقل أكثر.

بدأتُ أشعر بشيء غريب، كأن رأسي ينبض، كأنني كنتُ على وشك التذكر… شيء ما كان هناك، خلف الضباب في ذاكرتي.

لكن قبل أن أتمكن من استيعاب ذلك، شعرتُ بيد تمسك بذراعي، قوية ولكنها ليست قاسية.

كايلب.

"اتركها، رافاييل" قال بصوت منخفض لكنه حاد.

الرجل—أو الشيء الذي أمامي—لم ينظر إليه حتى. فقط أبقى عينيه عليّ، وكأنه كان ينتظر مني شيئًا.

ثم، فجأة، تلاشى الضغط من حولي، وكأنني كنتُ غارقة في الماء وتم سحبي إلى السطح.

استنشقتُ الهواء بقوة، وشعرتُ برجليّ ترتجفان.

"هل أنتَ حتى بشري؟" سألتُ، بالكاد أصدق ما رأيته للتو.

ضحك، ضحكة منخفضة لم تكن مرحة تمامًا.

"أوه، تونه…" اقترب أكثر، حتى أصبح على بعد بوصات مني، ثم همس بصوت بالكاد سمعته.

"لقد كنتِ دائمًا جزءًا من هذا العالم. أنتِ فقط من نسيتِ."

لم أتحرك. لم أتنفس حتى.

كلماته علقت في رأسي، ترنّ وكأنها صدى لحقيقة لم أكن مستعدة لمواجهتها.

كيف يمكن أن يكون ذلك ممكنًا؟ كيف يمكن أن أكون جزءًا من شيء لا أذكره؟

رفعتُ بصري إلى وجهه، إلى تلك العينين الارجوانيه اللتين لم تتغيرا، وكأنهما كانتا تنتظرانني لأدرك الحقيقة بنفسي. لكنني لم أكن قادرة على ذلك.

"أنت تكذب." كان صوتي أكثر هدوءًا مما توقعت، لكنني شعرتُ بالضعف الذي تسلل إليه.

رافاييل لم يُظهر أي انزعاج من اتهامي، فقط أمال رأسه قليلًا، كما لو كان يراقب رد فعلي بفضول علمي.

"أكذب؟ ربما. لكن هل أنتِ متأكدة من ذلك؟"

لم أكن متأكدة من أي شيء بعد الآن.

كايلب شدّ قبضته حول ذراعي وكأنه يحاول إعادتي إلى الواقع، إلى شيء ملموس يمكنني التمسك به.

"دعها وشأنها،" قال بصوت منخفض، لكنني شعرتُ بالتوتر الذي يخفيه خلف نبرته.

رافاييل لم يتحرك، لكنه نظر إلى كايلب أخيرًا. تلك النظرة وحدها كانت كافية لتجعل الهواء من حولنا يبرد.

"إنها ليست ملكك، كايلب."

شعرتُ بجسدي يتصلب.

كايلب لم يرد فورًا. لكنني شعرتُ بالطريقة التي شدّ بها أصابعه قليلًا، وكأنه كان يحاول ضبط نفسه.

ثم، بعد لحظة صمت طويلة، قال: "ولا هي ملكك."

رافاييل ابتسم، لكن تلك الابتسامة لم تكن مريحة.

"لم أقل إنها كذلك."

شعرتُ وكأنني محاصرة بين نارين، وكلاهما يحملان إجابات لا أريد سماعها.

لكنني لم أعد أستطيع التظاهر بأن كل شيء على ما يرام، بأنني أستطيع الهروب من هذا.

ببطء، أبعدتُ يدي عن قبضة كايلب، وخطوتُ خطوة للأمام، مواجهًة رافاييل مباشرة.

"إذا كنتَ تعرف شيئًا عني، فأخبرني." لم أكن متأكدة إن كنتُ أطلب الحقيقة… أم أتحدى الكذبة.

رافاييل لم يرمش حتى. "ليس بعد."

"لماذا؟"

"لأنكِ لستِ مستعدة."

غضبتُ. "وكيف تعرف ذلك؟"

"لأنني رأيتُ ما يحدث عندما تتذكرين أكثر مما يجب، وبسرعة أكبر مما ينبغي."

شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي، رغم أنني لم أفهم تمامًا ما يعنيه.

لكنني كنتُ أعرف شيئًا واحدًا—هذا لم يكن لقاءً عاديًا، ولم يكن هذا الرجل شخصًا عابرًا في قصتي.

رافاييل كان جزءًا من شيء أكبر، شيء كنتُ متشابكة فيه أكثر مما أدركت.

"سنلتقي مجددًا، تونه." قالها وكأنه وعد… أو تهديد.

ثم، دون أي تحذير، تلاشى.

ليس كما يفعل شخص عادي عندما يمشي بعيدًا.

لقد اختفى.

كما لو أنه لم يكن هناك أبدًا.

كايلب زفر بصوت منخفض بجانبي، وكأنه كان يحاول استيعاب ما حدث.

أما أنا؟

فقد بقيتُ واقفة هناك، أحدّق في الفراغ حيث كان يقف، وأتساءل…

كم عدد الأكاذيب التي بنيتُ عليها حياتي؟

وكم من الحقيقة ما زالت تنتظرني في الظلام؟

لم أتحرك من مكاني. لم أستطع.

بقيتُ أحدّق في الفراغ الذي كان يقف فيه رافاييل قبل لحظات، محاولًة استيعاب ما حدث للتو. لكن عقلي كان أشبه بمرآة محطمة—كلما حاولتُ جمع القطع، كلما ازداد التشوش.

كايلب وضع يده على كتفي برفق، "تونه، هل أنتِ بخير؟"

لم أعرف بماذا أجيب. هل كنتُ بخير؟ لا أعتقد ذلك. لم يكن أي شيء بخير.

قبل أن أتمكن من قول أي شيء، شعرتُ بشيء آخر—ذلك الشعور الغريب، ذلك الثقل غير المرئي في الهواء، لكنه كان مختلفًا هذه المرة.

لم يكن بارداً كما كان مع رافاييل. كان… حارقًا. كأنه نار خافتة تتراقص في الهواء.

ثم سمعتُ صوته.

"أكره أن أفوّت حدثًا كهذا."

2025/05/21 · 8 مشاهدة · 1747 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025