كان المصعد صامتًا، صمتًا ثقيلًا يزداد وطأة مع كل طابق يرتفع بنا.

وقفتُ بين سايلوس وكايلب، أشعر بأنفاسي تصبح أثقل، وكأن الهواء في هذا الصندوق الزجاجي يضيق عليّ.

عينيّ كانتا تحدقان من خلال الجدران الشفافة… وما رأيته هناك جعلني أشعر وكأنني أمام عالم آخر تمامًا.

منظمة الأمن الفضائي لم تكن مجرد مبنى إداري، لم تكن حتى مجرد قاعدة عمليات. كانت مدينة.

الطوابق المتشابكة، الأنفاق الممتدة، الشاشات العملاقة التي تبث بيانات معقدة على مدار الساعة، الفرق العسكرية المدججة بالسلاح، العلماء الذين يتحركون كأنهم في سباق مع الزمن… كان كل شيء يبدو وكأنه نظام متكامل، أقرب إلى كيان حي يتنفس ويتحرك، حيث لا مجال للخطأ أو العبث.

راقبتُ ذلك بصمت، محاولةً أن أجد أي إحساس بالانتماء لهذا المكان… لكنه لم يكن موجودًا.

كنتُ هنا، لكنني لم أشعر أنني جزء منه.

ثم، وكأن جسدي أدرك ذلك قبلي، شعرتُ بالغثيان يزحف إلى معدتي، مزيجًا من القلق والتوتر والرهبة.

لم يكن لديّ خيار آخر.

يجب أن أواجهه.

يجب أن أواجه الرجل الذي كان يفترض أن يكون والدي… الرجل الذي تركني لأعيش كذبة طوال خمس سنوات.

لكن كيف سأفعل ذلك؟ ما الذي سأقوله له؟ هل سأصرخ في وجهه؟ هل سأطالبه بالحقيقة التي أنكرها الجميع؟

لا أعلم.

لكنني كنتُ واثقة من شيء واحد—لن يعترف بسهولة.

بل إنه قد لا يعترف أبدًا.

نظرتُ إلى سايلوس دون وعي، أبحث عن أي شيء في ملامحه يوحي بأنه يشعر بهذا التوتر معي… لكنه كان كعادته.

هادئ، صامت، مسترخٍ بشكل مستفز، كأن المصعد لا يحمله إلى مواجهة محتملة مع أحد أكثر الرجال قوةً في هذا العالم، بل إلى اجتماع عمل عادي.

لكنني لم أنخدع بهذا الهدوء.

رغم مظهره المتماسك، كنتُ أعرف أن وجوده هنا لم يكن مجرد دعم لي. كان شخصيًا.

هو ووالدي لم يكونا مجرد خصمين، بل كانا عدويْن، بينهما تاريخ ممتد من الصراع، وكلانا نعرف أن هذا اللقاء لن يكون هادئًا.

لا أعلم أي نوع من المشاجرات ستحدث بينهما، لكنني كنتُ متأكدة من شيء واحد—لا شيء سينتهي ببساطة.

رنّ صوت المصعد معلنًا وصولنا إلى القمة.

ارتجف قلبي للحظة.

الباب انفتح ببطء.

والآن… حان وقت مواجهة الحقيقة.

الباب كان أمامي.

بدا ضخمًا أكثر مما هو عليه، كأنه ليس مجرد حاجز ، بل بوابة إلى شيء كنتُ أهرب منه طوال حياتي.

كايلب تقدم أولًا، طرق الباب ثلاث مرات، ثم التفت إلينا، نظراته كانت تحذرني من شيء لم يقله بصوت عالٍ.

أما سايلوس؟

فقط وقف بجواري، يده في جيب سترته السوداء، مظهره الواثق لم يتزعزع أبدًا، لكنني كنتُ أعرف أن داخله ليس بنفس الهدوء الذي يظهره.

ثم…

فُتح الباب.

وعندها، رأيته.

الرجل الذي يُفترض أن يكون والدي.

رأيته أخيرًا.

الرجل الذي كان اسمه يلاحقني في كل مكان، لكن وجهه كان مجرد صورة ضبابية في ذاكرتي. الرجل الذي كان جزءًا من حياتي، ثم… اختفى، تاركًا إياي أعيش في عالم لم يكن حقيقيًا.

.وقف هناك، خلف مكتبه الضخم، ملامحه متجمدة، غير مقروءة.

كان طويلًا، ذا بنية قوية، شعره الأسود مخطط بخيوط فضية عند الصدغين، وعيناه… عيناي. كانتا تحملان اللون الاخضر نفسه، لكنه لم يكن لونًا دافئًا كما توقعته. بل كان داكنا باردًا، قاسيًا، كأنهما تنظران إلى شخص غريب، لا إلى ابنته التي فقدها منذ خمس سنوات.

لم يتحرك. لم ينطق.

وكذلك أنا.

شعرتُ بقلبي ينبض بجنون، لكن شفتي ظلتا مغلقتين، كما لو أن الكلمات قد علقت في حنجرتي، رافضة الخروج.

ثم، أخيرًا، تحدث.

"لقد كبرتِ."

2025/05/22 · 4 مشاهدة · 520 كلمة
Fatima
نادي الروايات - 2025